ما هو موقف حزب “أردوغان” من قرارات الرئيس التونسي؟
أثارت القرارات الاستثنائية التي أصدرها الرئيس التونسي قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو الجاري لحلحلة الأزمات الاقتصادية والصحية والسياسية التي عمت البلاد بسبب أخطاء وفشل أداء حزب الأكثرية في مجلس نواب الشعب- قلقاً لحزب العدالة والتنمية في تركيا، خاصة وأن هذه الإجراءات أطاحت بالحليف الدائم، راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي ورئيس حركة النهضة، وهو ما يعنى تغير محتمل في طبيعة العلاقات التركية التونسية خلال الفترة المقبلة. فقد قالت وزارة الخارجية التركية في بيان لها، أنها ” تشعر بقلق بالغ جراء تجميد عمل البرلمان في تونس، الذي يرأسه الغنوشي “، وقد اعتبر خبراء أن الهدف من قرارات الرئيس التونسي تحجيم نفوذ حركة النهضة في تونس، مما سيشكل أيضا ضربة قاسمة لتركيا باعتباره مهددا لأهدافها في المنطقة.
في البداية، وخلال اليومين الأولين من الأحداث في تونس وصف الموقف التركي، بأنه حادا وسلبيا ومناهضا لقرارات الرئيس التونسي، حيث أعلن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن رفضه لتلك القرارات، واعتبرها ” تجاهلا للإرادة الديمقراطية للشعب التونسي “، وأكد رفض تركيا ” تعليق العملية الديمقراطية “.
يذكر أن الرئيس التونسي في 25 يوليو الجاري قرارات بإعفاء رئيس الوزراء هشام المشيشي المتحالف مع النهضة من منصبه، وتوليه السلطة التنفيذية حتى تشكيل حكومة جديدة، وتجميد عمل البرلمان لمدة ثلاثين يوما، ورفع الحصانة عن النواب، وأكد أن هذه القرارات كان لابد من اتخاذها قبل أشهر مضت، وقابل تلك القرارات مؤيدون اعتبروها قرارات دستورية تطلبها ظرف استثنائي، وتعارضها حركة النهضة (إخوان تونس) وتهدد بالعنف في حالة عدم التراجع عنها، حيث صرع “الغنوشي” لصحيفة إيطالية، قائلاً “إذا لم تستعيد تونس ديمقراطيتها سننزلق نحو الفوضى”.
تقاسم أدوار:
رجح البعض احتمالية وجود تناقض داخلي في الموقف التركي تجاه الوضع في تونس، إلا أنه قد لا يكون تناقضا بالمعنى المعروف، وإنما تقاسم محسوب للأدوار داخل تركيا، بحيث يقوم حزب العدالة والتنمية ومجموعة من وسائل الإعلام على التحريض والتشكيك في شرعية قرارات الرئيس التونسي حتى تعمل على خلق رأي عام موال لها. وعلى النقيض فقد حاولت الرئاسة التركية ووزارة الخارجية – على خلاف التصريحات الحادة في اليومين الأولين – الالتزام بتصريحات رسمية محايدة مجردة من أي إدانات حتى تتوافق مع سلسلة المواقف الدولية والإقليمية الإيجابية، وفي نفس الوقت إعطاء صورة مختلفة عما صنعتها لنفسها في مواقف مشابهة في الدول العربية الأخرى سواء على المستوى الرسمي أو لدى الرأي العام. ويتضح ذلك من خلال الآتي:
(*) فقد أصدرت وزارة الخارجية التركية بيانا حاولت فيه إظهار الحياد تجاه القرارات الرئاسية في تونس، حيث دعت إلى ” الحفاظ على الموقع الاستثنائي والانجازات الديمقراطية “، وأكدت أيضا ” وقوفها إلى جانب تونس التي تربطها علاقات تاريخية قوية معها، وكذلك الشعب التونسي “، وقد أظهر البيان ابتعاد أنقرة عن محاولات التنديد والرفض لقرارات الرئيس سعيد، كما أنها لم تعبر عن دعمها لحركة النهضة.
(*) في المقابل؛ فقد جاء موقف رئيس البرلمان التركي وعضو حزب العدالة والتنمية مصطفي شنطوب مناقضا للبيان الرسمي للخارجية التركية، حيث صرح قائلا ” لا يمكن تعليق الدستور في تونس، كما اعتبر رئيس الدولة التونسية غير مخول بعزل رئيس الحكومة “، وقد اعتبر البعض تلك التصريحات أنها جاءت بناءا على خلفية غير كاملة بالدستور التونسي الذي يخول الرئيس اتخاذ مثل هذه القرارات وفقا للمادة 80 من الدستور التونسي.
انتظار مؤقت:
من الواضح، أن هناك حالة من الارتباك تسيطر على موقف السلطة في تركيا من الإجراءات الاستثنائية التي أصدرها الرئيس قيس سعيد، حيث تحاول تركيا إتباع سياسة التناوب في التصريحات، وأمساك العصا من المنتصف، فمرة تجدها من خلال مسئولين في الحزب غير مكلفين بأمور تنفيذية تدعم “النهضة”، وفي أخرى من خلال مكلفين في الحكومة، تجدها تأخذ مسار مقارب لمواقف دول حليفة، وذلك على النحو التالي:
(&) أعلن ياسين أقطاي مستشار الرئيس رجب طيب أردوغان أن ما يجري في تونس، هو محاولة ” إجهاض لتجربة ديمقراطية وليدة استبشرت بها الشعوب العربية خيرا، ولكن قوى الشر العربية والغربية أبت إلا أن تتآمر على إرادة الشعب التونسي “، كما حرض الشعب التونسي على التصدي والثورة على ما اعتبره ” محاولة انقلاب على المؤسسات المنتخبة ” واعتبر ذلك ” أمر حتمي ومشروع “.
(*) وصرح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو قائلا ” أكدنا دعم تركيا للشعب التونسي، وشددنا على اهتمامنا باستقرار تونس “، وذلك خلال مكالمة هاتفية جمعته بوزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي، نقلا عن وكالة الأناضول التركية.
وقد اعتبر ذلك الموقف الرسمي اعترافا بشرعية القرارات التي اتخذها الرئيس التونسي، وتخليا عن حركة النهضة الحليفة لأردوغان، كما أنها محاولة لإيضاح حسن نية الموقف التركي تجاه الوضع في تونس على خلاف موقف أنقرة من الدول العربية الأخرى.
وأخيرا يمكن القول؛ إن تلك التصريحات التي أطلقتها المؤسسات والمسئولون الأتراك، ما هي إلا محاولة ضمن محاولات تركية عديدة لتحسين صورتها، وعدم وضعها ضمن إطار محدد وهو دعمها للإخوان المسلمين، ودعمها للسياسات التخريبية والتدخلية في الشئون الداخلية للدول العربية، بالتالي فإن الهدف منها تحقيق التوازن، وذلك بعد الحملات المتواصلة على مدار الأيام السابقة التي شنتها وسائل الإعلام التركية على خلفية ما جرى في تونس، في محاولة لعدم شرعنة القرارات التي اتخذها الرئيس التونسي ضد البرلمان والحكومة.
وبناءا على ذلك؛ فإن تلك التصريحات الإيجابية من الجانب التركي لا تعني تأييد القرارات التي أعلنها لرئيس التونسي أو التخلي عن حليفها حزب النهضة، وإنما محاولة لإظهار بعض الليونة في موقفها حتى وإن كان ظاهريا فقط، للحفاظ على الحد الأدنى المتبقي من مصالحها في غياب حركة النهضة المتمثلة في الصادرات والاستثمارات والمشروعات الاقتصادية في تونس، وقد دفعها لذلك عدة عوامل أهمها؛عدم الانحراف عن المسار العام للموقف الدولي، الذي جاء إيجابيا غير مندد بقرارات سعيد، ودعا فقط لضبط النفس وضرورة الحوار، خاصة الموقف الأمريكي الذي اعتبر ذلك شأنا داخليا، وأوصي بضرورة الحوار وتغليب دور المؤسسات.
كما أن تركيا تعلمت من دروس الماضي وتحاول الآن– ظاهريا – تبني سياسية حيادية وتغيير سياستها الصارمة المعلنة في تأييد جماعة الإسلام السياسي على حساب المؤسسات في بعض الدول العربية مثل سوريا وليبيا ومصر، مما أدي إلى توتر العلاقات مع هذه الدول، وبالأخص مصر التي تحاول تركيا حتى الآن إصلاح العلاقات معها مرة أخرى. فضلا عن فشل حركة النهضة في التحكم في الشارع أو القدرة على تحريكه، مما أظهر ضعفا شعبيا وتنظيميا للحركة، بالتالي فإن مجازفة تركيا بالدفاع عنها في العلن على المستوى الرسمي ستكون محسوبة جيدا من قبل أردوغان.