حادث قطار سوهاج عزز منها.. كيف تكشف “دبلوماسية التعازي” عن مكانة الدولة وتأثير القيادة؟
يقاس حجم الرؤساء والدول بمستوى الاتصالات البينية بين قياداتها، وهو ما يعرف تقريباً بـ “دبلوماسية الرؤساء” أو “دبلوماسية الهاتف” التي تبدو أكثر تفعيلاً في الأزمات والكوارث والمناسبات الكبيرة التي تمر بها مختلف دول العالم.
فقد كشفت اتصالات التعازي التي تلقاها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من مختلف رؤساء العالم، عقب حادث قطار سوهاج- عن أن الدبلوماسية لم تعد قاصرة على شكلها التقليدي في صورة بعثات، بل تشهد تطورات طوال الوقت، قد يكون من أبرزها فكرة دبلوماسية التعازي، التي ظهرت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة.
ورغم أن الدبلوماسية التقليدية تكاد تجريها أغلب دول العالم، فإن دبلوماسية التعازي التي تُعد شكل من أشكال دبلوماسية الرؤساء قد تقتصر على دول محدودة، خاصة ذات المكانة التي الدولية الكبيرة، والتي يلعب قادتها أدوراً مهمة في تسكين وضبط الأزمات الدولية. وبالتالي، يمكن القول إن دبلوماسية التعازي تُضفي على الدولة ضمانًا لتأثيرها على المستوى الدولي، كما تمثل تقييماّ لقواها الإقليمية والدولية، ومحصلة لتقييم متوازن قائم على قدر الإمكان من الحقائق المتاحة وتوقعات المستقبل.
تأسيساً على ما سبق، يمكن القول إن حادث تصادم قطار طهطا في محافظة سوهاج بمصر، الذي وقع صباح يوم الجمعة26 مارس- مَثل محور جديد في شكل الدبلوماسية المستخدمة بين مصر والدول، وهي دبلوماسية التعازي، حيث أعربت العديد من الدول العربية والأجنبية عن تضامنها التام مع مصر. فقد بعث قادة دول العالم خاصة الكبيرة منها والمؤثرة ببرقيات عزاء للرئيس عبد الفتاح السيسي، أعربوا خلالها عن صادق مواساتهم للدولة المصرية حكومةً وشعبًا. وهو ما يشير إلى أن التعبير عن هذه الدبلوماسية لا يمكن إلا بصورة صريحة من دبلوماسية الرئاسة التي باتت غائبة عن المشهد منذ سنوات ولم تظهر بقوة إلا مؤخراً.
“دبلوماسية الرئاسة” ترسخ ثقل مصر إقليمياً ودولياَ:
لقد تمكن الرئيس “السيسي” منذ توليه السلطة من استعادة دبلوماسية الرئاسة ودبلوماسية الهاتف وتطوير علاقات مصر مع العالم، وربط مصر تقريباً بجميعهم. فقد قام الرئيس بإجراء العديد من المقابلات والزيارات منذ توليه الرئاسة، بهدف دعم العلاقات المصرية الخارجية. كما حرصت مصر في الفترة الأخيرة على مد أواصر الأخوة والتعاون مع مختلف البلدان، ورسخت ثقلها كلاعب رئيسي فى المنطقة والعالم. وتتميز “دبلوماسية الرئاسة” و “دبلوماسية الهاتف” بمهارات يجب أن تكون لدى الدبلوماسي أو المفاوض في القضايا العاجلة، ومن المستبعد إمكانية توافر تلك السمات عند الشخص البيروقراطي، فمن أهم سمات الرئيس الدبلوماسي الاستعداد التام للتخفيف من حدة المفاجآت، واغتنام الفرص المتاحة في ظل مواكبة التغيرات.
على إثر ذلك، يعزز أسلوب “دبلوماسية التعازي” الحديثة المتبعة من قِبل جميع الدول تجاه مصر من دبلوماسية الرئاسة كأداة أولى في تحقيق طفرة في العلاقات الدولية. فالدبلوماسية الثنائية بين دولتين، والدبلوماسية الجماعية بين مجموعة من الدول عن طريق المؤتمرات أو المنظمات الدولية، أصبحت تقليدية مقارنة بالدبلوماسية الحديثة بين رؤساء الدول، التي عبر عنها بوضوح حادث قطار سوهاج بمصر، والذي كشف الستار أيضا عن أن “دبلوماسية التعازى” التي تعد شكل من أشكال “دبوماسية الرؤساء” و “الهاتف”، عبرت عن ثقل الدولة المصرية في النظام الدولي.
التضامن العربي مع مصر:
تمثلت دبلوماسية التعازي عقب حادث سوهاج على المستوى العربي في اتصالات مباشرة بالرئيس أو عبر برقيات قام بها رؤساء وملوك عرب أو رؤساء وقيادات منظمات عربية وإسلامية، حيث أعرب رئيس البرلمان العربي عادل بن عبد الرحمن العسومى عن خالص التعازي والمواساة باسم البرلمان العربي. كما أعرب الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي د. يوسف أحمد العثيمين عن تعازيه لأسر الضحايا أيضا.
وقد حرص جميع رؤساء الدول العربية على إرسال برقيات عزاء ومواساة للرئيس عبد الفتاح السيسي، ولم يكتفي هؤلاء بتصريحات وزراء خارجية بلادهم، بل واصلوا الاتصال المباشر بالرئيس المصري، معبرين عن تضامنهم مع مصر. ويعد من أهم هذه الدول، دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث بعثا كل من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ببرقيتي عزاء للرئيس السيسي. والمملكة العربية السعودية، حيث قام كل من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالعزاء للرئيس المصري. ودولة الكويت، حيث أرسل الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، برقية عزاء للرئيس السيسي، عبر فيها عن خالص تعازيه وصادق مواساته بضحايا الحادث. هذا بالإضافة إلى برقيات عزاء للرئيس قادمة من الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين، و هيثم بن طارق، سلطان عمان، ومحمد السادس ملك المغرب، والرئيس قيس سعيد رئيس دولة تونس، والدكتور محمد المنفى رئيس المجلس الرئاسي الليبي، والفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، والشيخ تميم بن حمد، أمير قطر، ومحمود عباس، رئيس فلسطين، وسعد الحرير، رئيس الوزراء اللبناني المكلف. بالإضافة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، ووزير الخارجية العراقي في وزير فؤاد حسين، ووزير الخارجية الجزائري.
تضامن دولي مع مصر:
أما على الجانب الدول غير العربية، فقد أرسلت العديد من الدول الأجنبية برقيات تعازي إما هاتفيا أو عبر وسائل أخرى، ويعد من أول هذه الدول، روسيا، حيث عبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن تعازيه إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقال بوتين في برقيته “السيد الرئيس المحترم، صديقي العزيز، أرجو أن تتقبلوا تعازينا الحارة فيما يتعلق بالعواقب المأساوية للكارثة التي وقعت على سكة الحديد في محافظة سوهاج”. ودولة الصين، حيث بعث الرئيس الصيني “شي جين بين” أيضاً برقية عزاء إلى الرئيس السيسي، قائلاً إنه “بالإنابة عن الصين حكومة وشعبا وكذلك بالأصالة عن نفسى، أعرب عن عميق تعازيه في الضحايا، وخالص تعاطفه مع أسر الضحايا والمصابين، وتمنياته للمصابين بالشفاء العاجل”. ودولة فرنسا، حيث تلقى الرئيس السيسي اتصالاً هاتفياً من الرئيس إيمانويل ماكرون، رئيس الجمهورية الفرنسية.
أما سفير ألمانيا بالقاهرة فقد تضمنت برقيته، “تلقيت ببالغ الحزن والأسى نبأ وقوع حادث القطار بالقرب من سوهاج.. لذا أتقدم بخالص تعازينا ومواساتنا إلى ذوي الضحايا، كما ندعو للمصابين بالشفاء العاجل”. وأعرب السفير البريطاني بالقاهرة السير جيفرى إدامز، عن تعازيه، قائلاً في تدوينة عبر حسابه بموقع “تويتر”: “تألمت لسماع حادث اصطدام القطار المأساوي بسوهاج اليوم. خالص تعازيّ لذوي وأحباء المتضررين”. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية زاهد حفيظ شودرى، في تغريدته: “نتقدم بأحر التعازي إلى حكومة وشعب مصر في خسائر في الأرواح والإصابات في تصادم قطار بمحافظة سوهاج.. نقف متضامنين مع مصر الشقيقة، نصلي من أجل الأرواح التي فقدناها ونتمنى الشفاء العاجل للمصابين”. هذا بالإضافة إلى برقيات عزاء من وزير خارجية فرنسا، والسفارة الأمريكية بالقاهرة.
هذا بالإضافة إلى دولة الصومال، متمثلة في كل من محمد عبد الرزاق محمود وزير الشئون الخارجية والتعاون الدولي لجمهورية الصومال الفيدرالية، وحسن معلم خليف وزير الدولة لشئون رئاسة الجمهورية الصومالية، اللذان أعربا عن خالص تعازيهما. كما تقدمت الرئاسة التركية ببرقية عزاء، متمثلة في نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي، وفي بيان وزارة الخارجية التركية.
في النهاية يمكن القول، إن دبلوماسية الرئاسة بكافة أشكالها ووسائلها تبرر سعي الدول للحفاظ على علاقاتها، وتبرز مبدأ الروح القومية، وتعزز من مكانة الدولة وقوة الرئيس. فالدول تجتهد للحفاظ على موازين القوى والاستقرار بكافة الوسائل، ومن أهمها “دبلوماسية الرؤساء” و” الهاتف” في ظل صعوبة الانتقال بسبب جائحة كورونا. وبالتالي، يمكن التأكيد على أن مستوى القائمون بالتعازي للرئيس السيس بعد حادث قطار سوهاج، سواء قيادات دول عربية وأجنبية أو منظمات دولية، يشير إلى أن مصر بدا لها دوراً محورياً، وتأثيراً فعال على السلوك الخارجي، وواحدة من موازين القوى الدولية المؤثرة.
تحية اعجاب وتقدير للباحثة المحترمة حيث أنها تناولت مكانة الدول وتاثيرها علي المستوي الإقليمي والدولي من زاوية جديدة ..