كيف عكس الاختيار2 أهمية القوة الناعمة في تجسيد دور الدولة المصرية؟

تعتبر أجهزة الإعلام أحد أذرع القوى الناعمة فهي تلعب دوراً فعالاً في إيجاد رأي عام واتجاهات لدى أفراد المجتمع، بما يعني أن الفرد داخل المجتمع يتأثر بوسائل الإعلام المختلفة التي ربما تأخذه إلى أي الطريقين، الصحيح المتمثل في إدراك الواقع وكشف ملابسات وحقائق الماضي والتوعية بالمستقبل كمضمون مسلسل الاختيار2 أو الطريق الثاني، المتمثل في ضرب القيم ونشر الثقافات الخاطئة والدخيلة وتشويه صورة الدولة ومؤسساتها، فالطريقين يمثلان اختيار لشركات إنتاج الدراما والإعلام لما لهما من دور محوري في مواجهة الأزمات.

ومع التصديق بأهمية البعد الأمني لمواجهة الإرهاب واحتواء آثارها فلابد من تفعيل دور المؤسسات الإعلامية رسمية وغير رسمية، والسعي لاستثارة وعي الجمهور وإدراكه بخطورة تلك الظاهرة الإرهابية وأهمية مواجهتها والاهتمام بالمعالجات المتعمقة لأثارها المجتمعية. ومن الأدوار الإيجابية التي من الضروري أن يقوم بها الإعلام، تتمثل في تقديم النماذج البناءة التي تعمل لصالح المجتمع، والاستعانة بالإنتاج الدرامي في الرد على مزاعم المغرضين وصناع الإثارة، وتوظيف الدراما في الكشف عن الوجه القبيح للإرهاب، وتوعية الجماهير بالخسائر التي سببها في تلك الفترة العصيبة من عمر مصر، والتأكيد للمشاهدين على أنهم معرضون لهذه الخسائر إن لم يشاركوا في مواجهتها.

تأسيساً على ذلك؛ تشهد خريطة الإنتاج الدرامي المصري تحولات جمة وسريعة من خلال إعادة هيكلة سوق الإعلام والدراما والإنتاج الفني، وتعمل بخطًى حثيثة لضمان الـتحول الإيجابي للدراما المصرية، ما أدى إلى فرض شروط جديدة على رجال الأعمال والمستثمرين في سوق الإنتاج الفني، وظهور مؤسسات وشركات إنتاج (إعلام المصريين للتدريب والاستشارات الإعلامية) تدرك طبيعة الدور الملقى عليها من قبل الدولة في معالجها أزماتها وتصيح الماضي والتوعية بالمستقبل. وبالتالي قد يكون منح الغلبة للشركات التي تشارك الدولة في مكافحة العنف والتطرف وإظهار جهود الدولة في هذا الشأن بمثابة فرص حقيقة لتغيير واقع وتأثير القوة الناعمة المصرية ولو على المستوى الداخلي، خاصة وأنها تتحرك من منطلق وطني توعي في إنتاجها أحدث الذي تغيرات جمة في الدراما شكلًا ومضمونًا.

تطور الإنتاج الدرامي لتجسيد دور الدولة المصرية:

تؤثر الدراما التلفزيونية في رمضان على وجه الخصوص، في القيم والمبادئ، وكثير من أعمالها تتحول إلى أفكار تتحرك في المجتمع حيث يتداولها الجميع، كما ينعكس ما تطرحه في ردود فعل المجتمع. وتعد الدراما التليفزيونية قوة ثقافية مؤثرة في المجتمع لا يستهان بها، وذلك بسبب انتشارها الواسع وقدرتها العالية على التأثير على فكر الجمهور المشاهد. كما أن الدراما التليفزيونية تساهم في عملية البناء القيمي للإنسان.

وبداية، من العام الماضي بدأ طرح جديد ينتزع من الحياة نماذج وصور واقعية تجسد الأحداث التي مرت على المجتمع المصري، خاصة من بعد ثورة 30 يوليو 2013. حيث كثير من أعمال الدراما التلفزيونية في رمضان قامت هذا العام بتطوير المحتوى الدراما والامتداد لبعض الأعمال التي لاقت نجاحاً مقارنة بغيرها. ومن أهم تلك الأعمال مسلسل ” الاختيار2″ من إخراج بيتر ميمي، وتأليف هاني سرحان، وإنتاج شركة سينرجيو- فهو امتداد للعمل الدرامي بالعام السابق “الاختيار1” الذي جسد دور رجال الجيش فى محاربة الإرهاب، حيث يتناول المسلسل قصص حياة أفراد الشرطة والجيش الذين استشهدوا في الفترة من بعد ثورة يوليو 2013 وحتى 2020. كما يتناول العديد من الأحداث خلال تلك الفترة، منها فض اعتصام رابعة العدوية الذي أقامته جماعة الإخوان الإرهابية في ذلك التوقيت. فهذا العمل الدرامي يمثل تجسيد واقعي للأعمال  البطولية التي يقوم بها رجال الجيش والشرطة لحماية الوطن فى مواجهة الجماعة الإرهابية، بعد ثورة 30 يونيو. كما تساعد ترجمة المسلسل إلى اللغة الإنجليزية في تمكين العالم من رؤية الصورة واضحة لأعمال جماعة الإخوان المحظورة وكشف حقيقتها وما قامت به من إجرام في حق الدول المصرية، مؤسسات وشعب.

وفي نفس السياق؛ يبرز الاختيار2 وجود تعاون بين المؤسسة العسكرية ورجال الشرطة لمحاربة الإرهاب. كما أن ما عرضه المسلسل في حلقته الخامسة عن أحداث فض الاعتصام الإرهابي في ميدان رابعة العدوية، ومذبحة كرداسة في سبتمبر 2013، وتناوله بدقة لأعمال العنف التي انتشرت في بعض المحفظات من قبل عناصر الجماعة الإرهابية أثناء وبعد فض الاعتصام، موثقة بمقاطع مصورة مسجلة واقعية- عكس للعالم ما عانته مصر في هذه الفترة من مواجهة تحديات خطيرة، ومحاولات مستميتة من قبل جماعة الإخوان لإسقاط الدولة المصرية بمساعدة عناصر داخلية خائنة للوطن أو عبر تمويل خارجي هدف في تلك الفترة إلى تقزيم مصر وجعلها ساحة للحروب الداخلية.

ومن جهة أخرى؛ توجد العديد من الأعمال الدرامية المصرية ذات الطابع الوطني أيضاّ، منها مسلسل “القاهرة كابول” من تأليف عبد الرحيم كمال، وإخراج حسام علي وإنتاج شركة سينرجى، وهو يمثل حلقات درامية لفهم التطرف وفكر الإرهاب، مما يساهم في التوعية الجماهيرية لفهم أفكار ومسببات وثغرات الإرهاب وفضح مخططاته في مصر والمنطقة بالاختفاء خلف فكرة الخلافة للدولة الإسلامية.

كما يأتي مسلسل “هجمة مرتدة ” للدخول في مارثون الإنتاج الدرامي المتطور، وهو مأخوذ عن أحد ملفات المخابرات المصرية، من تأليف باهر دويدار، ومن إخراج أحمد علاء الديب. وهذا المسلسل يساعد في إثراء نفوس المواطنين والعالم الخارجي بالمعلومات الحقيقة عن أجهزة الدولة المصرية، والترويج لقوة وتأثير جهاز المخابرات العامة المصرية. لذا فإن القوة الناعمة أثبتت أنها القدرة على قوة الجذب والإقناع، بدلا من إجبار الدول على إتباع سياسات معينة، لذا فهي تعد وسيلة ناجحة في تجسيد دور الدولة.

انعكاسات متعددة:

كما ذكرنا أنفاّ دور الأعمال الدرامية في رفع المستوى المعرفي والفهم الصحيح للمواطن ففي المقابل توجد بعض الأعمال الدرامية التي لا تعكس أي دور إيجابي لتوجيه المجتمع، بل على العكس تساعد في نشر التدني الأخلاقي، وتراجع الذوق العام للجمهور. وهنا يجب تفعيل دور الرقابة على المصنفات الفنية، وذلك لضمان جودة الأعمال الدرامية خاصة التي تعرض بشهر رمضان الكريم، وفرض عقوبات رادعة على كل من يشارك فى نشر كل ما يسيء للمجتمع المصري، وكل ما يؤدى إلى خلق التدني السلوكي، الذي يؤدى إلى انهيار التماسك الاجتماعي.

وقد أشار الرئيس عبد الفتاح السيسي في العام الماضي مخاطبا أبطال مسلسل “الاختيار1” قائلاً إن “المسلسل قدم، صورة رائعة لواقع نعيشه، ودفعت مصر وأبناؤها ثمنه، وخرج بصورة رائعة بها صدق حقيقي لم يصل إلى المصريين فقط ولكن خارجها أيضا.. والوقائع لم تقدم بمبالغة حتى وإن حمل بعضها قسوة ومرارة، وكان الأمر ملفتا للنظر للمصريين وغيرهم.. وأن حق الأجيال الحالية والقادمة، أن يروا ماذا قدمت مصر ونماذجها المشرفة مثل الشهيد “أحمد منسي” ومن مثله”، وأضاف-الرئيس- في ذات السياق قائلاً “يجب نقل صورة كفاحهم ووقائع استشهادهم إلى كل بيت مصر حتى نقول لكل بيت قدم شهيد “شكرا” لأن ضحوا بحياتهم حتى نعيش نحن، وأسرهم التي مازالت تعيش حالة فقدانهم”.

 فالمجتمع الذي يتمتع بروابط قوية يميل للاستقرار والتنمية ويتمتع بقدرة على مواجهة الأزمات سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو أمنية أو مجتمعية. في حين يؤدي ضعف التماسك وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي إلى هشاشة الدولة وتحملها فوق طاقتها وتصبح جهودها غير واضحة التأثير في معالجة أزماتها مهما بلغت. فالأعمال الدرامية بمثابة حصن ودفاع قوى ضد الحروب التي تخوضها الدولة سواء حرب الهوية أو الإرهاب. والدراما بمختلف أشكالها بمثابة وسيلة فعالة فى تنمية الشعوب وإعدادها نفسيا وذهنيا لمواجهة التحديات وجعلها تساهم بشكل إيجابي فى خطة الدولة للتنمية مما تساعد على تحقيق قوة التماسك الاجتماعي.

وارتباطاّ بما تقدم؛ فإن جماعات الإسلام السياسي، فشلت عندما تمكنت من السلطة، وكان فشلها كارثياً، فبمجرد فوزها في مصر أعلنت أنها ستبقى في الحكم نصف قرن في أقل تقدير، ليعاقبها الشعب المصري بإسقاطها شعبياً بعد عام لم يكتمل بسبب تدهور الوضع وعدم استقرار البلاد.

وحتى تظهر الدولة صفحات الدم عند جماعة الإخوان الإرهابية وما ارتكبته تلك الجماعة من عنف وقتل ومحاولة من تشويه الدولة وصورتها الخارجية في تلك الفترة غبر شركات تسويق دولية- وضعت شركات الإنتاج ذات النزعة الوطنية أولوية في إنتاجها الدرامي، ربما تلبية لنداء الرئيس عبد الفتاح السيسي، يتمثل في ضرورة عرض الأعمال الدرامية ذات المرجعية الفكرية التي تؤطر فكر المتطرفين وأمراء الفتنة وقيادات الإرهاب، وتكشف حقيقة أكاذيب روجتها جماعة الإخوان الإرهابية عن عمليات قتل وذبح حتى لعناصرها ولصقها بأجهزة الدولة، وهذا ما أكدته مشاهد اعتصام فض رابعة في الحلقة الخامسة من مسلسل الاختيار 2، التي كانت كاشفة لحقائق تفاجئ بها الشارع المصري والعربي، وربما الدولي الذي رصدته صفحات التواصل الاجتماعي عبر الوسائل الالكترونية المختلفة بعد انتهاء عرض المسلسل مباشرة.

وعلى الرغم من أن الأعمال الهادفة مثل مسلسل الاختيار 2 وغيره من ما نشاهده هذا العام تعتبر ذات تكلفة إنتاجية ضخمة وتحتاج إلى الكثير من المجهود وأيضا توافر المعلومات، إلا أن مكاسبها التي تنعكس على المجتمع تفوق تكلفتها بكثير، ويمكن رصد أهم انعكاسات تلك النوعية من الدراما في واقع المجتمع والدولة، على النحو التالي:

(*) تحسين صورة الدولة المصرية خلال تلك الفترة: قد يكون ما عكسته الحلقة الخامسة من مسلسل الاختيار وتوثيقها لعملية فض اعتصام رابعة بمثابة مسح كامل لمغالطات ظلت معلقة ومرتبطة خطأ بأجهزة الدولة المصرية عند العض منذ أحداث الفض. وبالتالي قد يفتح هذا المسلسل عملية إعادة قراء لتلك الأحداث، وكشف حقيقة الجماعة الإرهابية وإعادة التفكير في فروعها من قبل مراكز الدراسات الدولية المتخصصة التي تتبني هذا الاتجاه، خاصة وأن تلك الجماعة قامت بأفعال مشابهة في تونس على سبيل المثال (اغتيالات)  لم تكشف تفاصيلها حتى الآن وما زالت قيد التحقيق.

(*) وضع حقيقة الجماعة الإرهابية أمام كافة شرائح المجتمع: قد تساعد عرض حلقات المسلسل في تثبيت حقيقة عنف الجماعة عند كل الأجيال، خاصة وأن هناك جيل من الأطفال والشباب أسس معلوماته عن هذه الفترة من مصادرة مغلوطة روجتها الجماعة عبر صفحات التواصل الاجتماعي المضللة.

(*)  تأكيد عودة الدولة وإعادة الثقة في أجهزتها عند بعض المشوشين( الشريحة الرمادية): حلقات المسلسل وعرضته الحلقة الخامسة خصوصا عملت التذكرة بحال الدولة المصرية وما تعرضت له مؤسساتها في تلك الفترة، وبالتالي المقارنة بما عرضه المسلسل والواقع الذي نعيشه من مشروعات تجاوزت الزمن يؤكد بصورة قوية لأجيال لم تشاهد تلك الأحداث أن الدولة المصرية عادت وأن الثقة في أجهزتها الأمنية وصلت لمرحلتها القصوى.

 (*) تخفيض تكلفة محاصرة التطرف والعنف: بالمقارنة بين تكلفة إنتاج المسلسل وغيرة وحجم الأموال التي تصرفها بعض الوزارات والهيئات في التوعية بالتطرف تلبية لنداء الرئيس، قد يكون تأثير المسلسل بحقيقة الجماعة وعنفها وأفكارها المغلوطة أقوى بكثير مما تم صرفة من أموال في الشأن منذ عام 2013، وبالتالي يمكن التأكيد على أن هذه النوعية من الدراما تخفض من تكلفة محاصرة التطرف نظرا لسرعة التأثير والتأثر على عكس البرامج الفضائية غير المقنعة والتحركات في الأماكن المستهدفة.

وأخيراً، يجب على الإعلام القيام بدوره في التنشئة الاجتماعية السليمة والتربية الدينية الصحيحة وعدم ترك المساحة للمتطرفين في تفسير الدين بما لا يتفق مع الإسلام الصحيح، خاصة وأن  والإرهاب يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإعلام الجديد. فالهدف الأول والاستراتيجي، هو التأثير على الرأي العام، ففي كثير من الأحيان تبث الدراما قيما جديدة، أو تعيد تقديم القيم بصورة جديدة واقعية، ومن ثَم فالمشهد في الدراما ليس عبثيا، فالدراما ترسم من خلال أبطالها نماذج للاقتداء، تعكس انجازاتهم لأجيال لاحقة تتعرف من خلالها على التاريخ بأحداث صادقة واقعية.

هند عثمان

باحث بوحدة دراسات الأمن الإقليمي، بكالوريوس اقتصاد وعلوم سياسية_ جامعة القاهرة ،ماجستير علوم سياسية .كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة ،باحثة دكتوراه علوم سياسية كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ،باحث مشارك في العديد من المراكز العربية والدولية .

تعليق واحد

  1. مقال كامل الدسم … فعلا الاعمال الدرامية الوطنية من اهم اسباب رفع الوعي عند عامة الشعب وازالة كم الافكار الخاطئة التي ترسخت لدي الجميع وتدعيم وغرس قيم حب الوطن والانتماء وحقا صدقتي عندما نوهتي الي ان الاعمال الدرامية وبرغم تكلفتها الا انها تظل الاقل تكلفه مما يتم صرفه من خلال بعض الوزارات لرفع الوعي كمان ان الاعمال الدرامية سهل وصولها للمتلقي ونتيجتها سريعة وايجابية .ولكن
    يبقي للاعلام دوره وكم اتمني ان يتحول اعلامنا الي اعلام نزيه شريف وطني يدعم قضايا الوطن ويبتعد عن الشخصنه والملفات التافهه التي لا فائدة منها لتحيا مصر ?????? بامن وامان وازدهار
    واخيرا لكم تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى