دكتور عبدالمجيد المالكي يكتب: زيارة القرن

زيارة تاريخية.. ولحظات تاريخية.. أُسْرِجَت فيها الخيول، وانطلقت الفِرَق العسكرية، وجابت الطائرات الحربية الحديثة في تشكيلات رائعة سماءَ واشنطن كلغةٍ ترحيبية لم يسبق لها مثيل منذ مائة عام.
في استقبالٍ لكبار الشخصيات؛ فالزائر شخصية استثنائية وقائد سعودي متفرد، متميز، عظيم في قدرته ومكانته وهيبته وصفاته وحنكته وعقلانيته. إنه سمو ولي العهد المفدى الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز – حفظه الله ورعاه – الذي عَلَّم العالمَ بفكرة السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، والذي وصل بزيارته تلك إلى مطبخ صُنَّاع السياسة العالمية في واشنطن.
كان من الطبيعي والحتمي أن تحظى هذه الزيارة التاريخية (زيارة القرن) – التي قام بها سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله ورعاه – بكل هذه الحفاوة الكبيرةوهذا الاهتمام العظيم، على نحوٍ أكد عمقَ واستراتيجيةَ العلاقة التاريخية بين قطبي الزعامة في مغرب العالم ومشرقه؛ ذلك العالم الذي يعرف إمكانيات المملكة العربية السعودية، والجميع يثق في قدرتها ومكانتها وكلمتها وثقلها بين الدول، وأن قائدها الكبير يعمل في صمتٍ وبحكمةٍ ورويَّةٍ وعقلانية وهدوء، وبلا ضجيج، وبكل صدقٍ وإخلاصٍ وأمانةٍ، على حماية المنطقة والشرق الأوسط وإشاعة دعم الهدوء والاستقرار والسلام بإخلاصٍ منقطع النظير وبكفاءةٍ منقطعة النظير أيضًا.
ودورها في الشقيقة سوريا، وسعيها وتبنيها لمأساة السودان، وإيقاف نزيف الدم والخراب والدمار الحاصل في هذا القطر العربي الشقيق، لهو خير شاهد أيضًا على أن المملكة العربية السعودية هي دائمًا ا الطرف القادر على إنهاء الحروب ودعم الاستقرار.
وللحقيقة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ليست شريكًا جديدًا للمملكة، بل هي من أقدم الشركاء الاستراتيجيين منذ تأسيس الدولة السعودية على يد المؤسس المغفور له الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه – الذي كان قد أبرم اتفاقية الامتياز للتنقيب عن النفط مع شركة Standard Oil، ثم تأسيس شركة Aramco التي قامت المملكة العربية السعودية بشراء كامل حصصها تدريجيًا حتى أصبحت ملكًا للدولة.
وها هو سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – صاحب الكاريزما المتميزة، يُكمل مسيرة القيادة والتأسيس بقوة الشموخ والأصالة العربية، وجرأةٍ في الحق، ممتطيًا ركاب المجد بثقته في شعبه الوفي.
ذهب سموه الكريم حاملًا معه جينات الملوك السعوديين في الاتزان والحكمة والرشد والقوة، والجينات الدبلوماسية الفذّة.. وكيف لا؟! وابن عمه الأمير سعود الفيصل – رحمه الله – كان نواة الدبلوماسية السعودية. نعم، إنه سليل أسرة الأصالة والعراقة والحكمة التي كانت ولا زالت وستظل تضع القضية الفلسطينية في أولوياتها؛ حيث أكد ذلك سمو ولي العهد في حديثه خلال المؤتمر الصحفي قائلًا: “نريد أن نضمن مسارًا حقيقيًا للتوصل إلى حلّ الدولتين، ونريد سلامًا مع إسرائيل وفلسطين في المنطقة بأسرها.”
وقد جاوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بروتوكولات الاعتزاز بالزيارة، ووقف عند باب سيارة سموه، وانحنى انحناءَ إكبارٍ وتقديرٍ في تناغم رفيع المستوى ولغة جسدٍ وحوارٍ بين حضارتين؛ الحضارة الأمريكية التي قلّ أن تجدها متواضعة، تجدها تنحني أمام الحضارة السعودية، ليكتب تاريخ العرب فصلًا جديدًا من الريادة والسيادة، وأن من يقودهم هو اللاعب الرئيس مع واشنطن في صياغة العلاقات الدولية.