الرئيس السيسي والحرب الإسرائيلية الإيرانية

عندما اندلعت الحرب بين إسرائيل وإيران، لم تقف الدولة المصرية على الهامش، حيث اختارت القاهرة طريقًا مختلفًا، طريق الدولة التي تعرف وزنها، وتعي مسؤوليتها، وتفكر بمستقبل المنطقة لا بثأر اللحظة. إن موقف الرئيس عبدالفتاح السيسي من هذه الحرب لم يكن رد فعل، بل كان تعبيرًا عن استراتيجية متكاملة في السياسة الخارجية المصرية، تقوم على أربع ركائز واضحة، هي رفض التصعيد، الدفاع عن الأمن القومي العربي، تحييد الشعوب عن الحسابات العسكرية، والتمسك بالحلول الدبلوماسية.

ما فعله الرئيس السيسي أن أعاد تثبيت بوصلتنا كعرب، حيث رفض أن تنجر مصر إلى لعبة المحاور أو إلى اصطفاف لا يخدم إلا تجار السلاح ووكلاء النفوذ. فقد قال “السيسي” بوضوح أكثر مرة، إن أمن الخليج من أمن مصر، وإن استقرار المشرق ليس ساحة لتصفية الحسابات. لا تحامل على طرف، ولا تبرير لطرف آخر، بل نظرة ترى الواقع بكل تعقيداته، وتعرف أن الحرب، في النهاية، لا تنتج منتصري، بل فقط خاسرين بدرجات متفاوتة.

المفارقة، أن هناك من راهنوا على صمت القاهرة، أو على موقف باهت. لكن الرئيس السيسي، كان أول من بادر بالتحرك، وأجرى اتصالات مباشرة مع قادة دوليين وعرب، محذرًا من انفجار إقليمي قد يطيح بما تبقى من استقرار، ليس فقط في المشرق بل في عموم العالم العربي. من يراقب السياسة المصرية يدرك أن التحرك السريع للرئاسة لم يكن انعكاسًا لمخاوف آنية، بل ترجمة لفهم أعمق.

ولعل ما يميز هذا الموقف أنه لم يُبْنَ على العواطف أو التحالفات، بل على مبدأ الدولة، ذلك المفهوم الذي بات نادرًا في عالم تعصف به الميليشيات، ويتحكم فيه منطق “رد الفعل”. إن مصر، في هذا السياق، لم تكن مجرد مفعول به، بل فاعل أساسي يسعى لتقليل الخسائر، وضبط الإيقاع قبل الانفجار الكبير. فمع تصاعد التوتر العسكري بين إسرائيل وإيران ووصوله إلى حد المواجهة المباشرة، بات من الضروري الوقوف على موقف مصر الرسمي ممثلًا في تصريحات وتحركات رئيس الجمهورية، والذي يعكس بدقة توازنات السياسة الخارجية المصرية في لحظة إقليمية بالغة الحساسية. فمصر منذ عقود، تلتزم بعدد من الثوابت في سياستها الخارجية، وعلى رأسها، رفض التدخلات الإقليمية التي تهدد استقرار الدول العربية، كذلك رفض استخدام القوة خارج إطار القانون الدولي، هذا بالإضافة إلى الحفاظ على أمن الخليج العربي باعتباره امتداداً للأمن القومي المصري، كذلك التمسك بحل الأزمات عبر الوسائل السلمية والدبلوماسية. كل هذه المبادئ تشكل الخلفية التي يتحرك في إطارها موقف الرئيس المصري من أي نزاع إقليمي، بما في ذلك الحرب بين إسرائيل وإيران.

فالرئيس المصري، في مداخلاته الأخيرة مع عدد من القادة الدوليين، أكد على ضرورة الوقف الفوري للتصعيد العسكري بين الطرفين لما له من تداعيات كارثية على أمن المنطقة واستقرارها. كما حذر سيادته من استغلال بعض الأطراف الإقليمية للحرب لتوسيع نفوذها على حساب الدول الضعيفة أو المنقسمة داخليًا. كما أن مصر لم تقف عند حدود البيانات، بل دخلت على خط الاتصالات الإقليمية والدولية، حيث أجرى الرئيس اتصالات مع قادة السعودية والإمارات لبلورة موقف عربي موحد يرفض الحرب ويدعو لوقفها. كذلك التواصل مع مسؤولين أوروبيين وأمريكيين للتأكيد على خطورة استمرار التصعيد، وضرورة ممارسة ضغوط دبلوماسية على الطرفين.

فمصر، تدرك أن الصراع بين إيران وإسرائيل يحمل أبعاداً تتجاوز المنطقة، لكنه في الوقت نفسه لا ينبغي أن يتم على حساب الشعوب العربية أو استقرارها. ولهذا، فإن الرسالة المصرية كانت واضحة، أي تصعيد يهدد الأمن القومي العربي مرفوض. فمصر لن تكون طرفاً في أي محور عسكري، لكنها في الوقت نفسه لن تتهاون في الدفاع عن مصالحها ومصالح أشقائها العرب. فالوساطة والحلول السياسية، هي الطريق الوحيد لإنهاء هذا النزاع.

في النهاية، يُظهر موقف الرئيس المصري من الحرب الإسرائيلية الإيرانية مزيجاً من الحكمة والتوازن، مع إدراك دقيق لتعقيدات اللحظة الإقليمية. فبينما يرفض التصعيد ويدعو للحلول السياسية، فإنه يُبقي مصر في موقع الفاعل الإقليمي المسؤول، الحريص على الأمن والاستقرار، دون الانجرار وراء الاستقطابات أو صراعات المحاور. فربما لا توقف القاهرة وحدها الحرب، لكنها تحاول، وتصر على أن الدبلوماسية ليست ضعفًا، بل مسؤولية.

د. بلال بدوي

د. بلال بدوي- رئيس الهيئة الاستشارية لمركز رع للدراسات الاستراتيجية، هو رجل أعمال مصري، أمين مساعد أمانة الاستثمار بحزب مستقبل وطن، هو خبير اقتصادي متخصص في دراسات الصناعة والطاقة، كما أنه رئيس مجلس إدارة شركة "نيو إيجا" للصناعات الكهربائية بمصر والشرق الأوسط، وعضو الهيئة الاستشارية العليا بمركز رع للدراسات الاستراتيجية، حاصل على درجة دكتوراه الفلسفة في التربية البدنية والرياضية من جامعة حلوان في رسالة بعنوان " دور الاتصالات التسويقية المتكاملة بالشركات التجارية الراعية للرياضة في دعم الولاء للعلامة التجارية".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى