لواء أحمد زغلول يكتب.. حول استقالة أعضاء من مجلس الشيوخ المصري للترشح لمجلس النواب

حول استقالة أعضاء من مجلس الشيوخ المصري للترشح لمجلس النواب •• ممارسات قانونية ولكنها رسائل سياسية مقلقة
تتابع الأوساط السياسية والمجتمعية المصرية باهتمام وقلق متزايد ظاهرة استقالة عدد من أعضاء مجلس الشيوخ المصري مؤخراً بهدف الترشح لخوض انتخابات مجلس النواب المقبلة، وهو تصرف قانوني من الناحية الشكلية، إلا أن رسائله السياسية والمعنوية تستحق التوقف والتحليل.
أولا مخالفة قانونية.. لكن هناك خلل في الرسالة:
نقرّ بأن الترشح لعضوية مجلس النواب بعد الاستقالة من الشيوخ يتوافق مع ما نص عليه الدستور المصري وقانون مجلسي النواب والشيوخ، حيث يُحظر الجمع بين العضويتين، لكننا في الوقت نفسه نؤكد أن الالتزام القانوني لا يُغني عن الالتزام السياسي والأخلاقي.
إن ترك مقعد تم اكتسابه عبر التعيين أو الانتخاب قبل انتهاء مدته الدستورية، ومن ثم التوجه لسباق برلماني آخر، يوحي بعدم الجدية في أداء الدور التشريعي، ويبعث برسائل سلبية للمجتمع مفادها أن المناصب تُعامل كأدوات عبور لا كمسؤوليات وطنية.
ضياع الفرصة على من هم أولى بالتمثيل:
نذكّر بأن كل عضو تم تعيينه أو انتخابه لعضوية مجلس الشيوخ قد شغل مقعداً كان من الممكن أن يذهب لشخص آخر ربما أجدر بالتمثيل أو أكثر التزاماً بخدمة الغرفة الثانية للبرلمان. وباستقالته المبكرة يكون قد أضاع تلك الفرصة على من كان ينتظر تمثيلاً حقيقياً ومستقراً.
ترسيخ ثقافة “الموقع لا الرسالة”:
الانتقال السريع بين غرف البرلمان يكرّس فكرة أن المنصب البرلماني وسيلة للوجاهة السياسية وليس وسيلة لخدمة المواطن، وهذا يتناقض تماماً مع توجهات الدولة المصرية الحديثة التي دعت مراراً إلى ترسيخ الجدية في الأداء ورفض الصيغ الشكلية في العمل العام.
المؤسسات لا تُستخدم كمراحل انتقالية:
ندعو إلى ضرورة الحفاظ على هيبة المؤسسات التشريعية وعدم استخدام عضوية مجلس الشيوخ كمحطة عبور نحو مقاعد أخرى، فتلك الثقافة تضعف ثقة المواطنين في النظام البرلماني وتُظهر أن البقاء في المجلس مرهون بمصالح فردية لا ببرامج تشريعية واضحة.
التزاماً بما أكده السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي:
لقد أكد السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة أن بناء الدولة الحديثة يتطلب الالتزام الوطني والانضباط المؤسسي والتجرد من المصالح الشخصية. وفي كلمته خلال تنصيبه الأخير شدّد سيادته على أهمية احترام المؤسسات والعمل الجاد داخلها، واعتبار ذلك جزءاً من الوطنية الصادقة.
إن ما يحدث من استقالات متتابعة يبتعد عن هذا النهج الوطني، ويطرح تساؤلات مشروعة حول مدى التزام بعض الممثلين بالدور الوطني المنوط بهم.
نداء للمجتمع والرأي العام:
نحن إذ نعبّر عن هذا الموقف، فإننا لا ننازع في مشروعية الترشح، لكننا نُنبّه إلى خطورة الاستسهال في التعامل مع المناصب البرلمانية، وندعو إلى:
(*) وضع ضوابط تنظيمية داخل الأحزاب والمؤسسات السياسية تمنع الاستخدام التكتيكي للمناصب.
(*) إطلاق حوار مجتمعي حول مستقبل مجلس الشيوخ وتفعيله كمؤسسة وطنية لا مجرد غرفة شرفية.
(*) مطالبة الأحزاب بأن تراجع سلوك مرشحيها وتُعلي مصلحة الوطن على اعتبارات الموقع.
في النهاية، ليست المشكلة في أن يترشّح هذا أو ذاك، بل في أن نُفقد المجلس هيبته ونُحوّل المؤسسات إلى مكاتب انتقال لا مواقع خدمة.
الرسالة التي يجب أن تصل إلى الشارع المصري هي أن التمثيل البرلماني تكليف ومسؤولية، لا اختيار مرحلي ولا واجهة مؤقتة.
حفظ الله مصر ومؤسساتها من العبث والتوظيف الشخصي، ووفقها في بناء دولة القانون والالتزام والمؤسسات.