المسارات المكشوفة: إلى أين يتجه مستقبل حزب الله؟

في قمة دبي للإعلام” قمة الاعلام العربي 2025″ التي عقدت قبيل نهاية شهر مايو الماضي، ذكر رئيس وزراء لبنان “نواف سلام، أن “ثنائية السلاح في لبنان قد أدت الى ثنائية القرار”، في إشارة صريحة إلى سلاح حزب الله وتقسيم وحدة القرار اللبناني. وهو ما استدعى رد المسئولين في حزب الله وعلى رأسهم زعيم حركة الأغلبية في الحزب محمد رعد، الذي تحفظ قائلًا إنه لن يرد على حديث رئيس الوزراء للحفاظ على بعض الود. في حين هدد أمين عام الحزب” نعيم قاسم” أية يد تحاول نزع سلاح حزب الله.
يذكر أنه منذ تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة في فبراير الماضي، وبعد أكثر من شهرين من بدء وقف إطلاق النار مع إسرائيل، تزايدت دعوات داخل المجتمع اللبناني المنقسم على ذاته وفي المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، للحكومة الجديدة للتركيز على نزع سلاح حزب الله. وهو ما أكد عليه رئيس لبنان جوزيف عون في خطابٍ ألقاه بمناسبة ذكرى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، حيث جدد الرئيس جوزيف عون دعوته لحزب الله لإلقاء سلاحه، حيث قال “لأننا نؤمن جميعاً بأن أي حمل للسلاح خارج سلطة الدولة… سيُعرّض مصالح لبنان للخطر… فقد حان الوقت لنقول جميعاً، لا يمكن حماية لبنان إلا بالدولة والجيش والقوى الأمنية.
وفي ظل الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي فتحت نيرانها أمس، وموقف الدولة اللبنانية الجديدة من الحزب والتغيرات المحتملة في المنطقة، يُطرح السؤال، وهو: ما مستقبل حزب الله؟
خريطة سلاح حزب الله:
رغم أن معظم المواقع العسكرية لحزب الله جنوب نهر الليطاني في جنوب لبنان قد وُضعت تحت سيطرة الجيش اللبناني وذلك وفق ما صرح به مصدر مقرب من حزب الله، قائلا إن “معظم المواقع العسكرية التابعة له في جنوب لبنان أصبحت تحت سيطرة الجيش اللبناني”. ورغم أنه من أصل 265 موقعًا عسكريًا لحزب الله تم تحديدها جنوب الليطاني، تنازلت الحركة عن حوالي 190 موقعًا للجيش اللبناني،- إلا أن حزب الله لا يزال يمتلك أسلحة، وخاصة شمال النهر. ومع أن الحزب أبدا مؤخرًا بعض الانفتاح في مناقشة أسلحته، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة استعداده لتسليم كامل ترسانتها في أي وقت قريب.[i]
لقد نصّ وقف إطلاق النار المبرم في 27 نوفمبر من العام الماضي، والذي أنهى أكثر من عام من الصراع بين حزب الله وإسرائيل، بما في ذلك شهرين من الحرب الشاملة التي أودت بحياة أكثر من 4000 لبناني، على أن يقتصر انتشار قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والجيش اللبناني في الجنوب. وفرض الاتفاق على الحزب تفكيك بنيته التحتية العسكرية المتبقية في الجنوب ونقل مقاتليها شمال نهر الليطاني، الذي يبعد حوالي 30 كيلومترًا (19 ميلًا) عن الحدود الإسرائيلية. وبموجب وقف إطلاق النار، أكملت إسرائيل انسحاب قواتها من لبنان بحلول 18 فبراير بعد فوات الموعد النهائي المحدد في يناير من العام الجاري، لكنها أصرت على إبقاء قواتها في خمسة مواقع تعتبرها استراتيجية، رغم طلبات اللبنانيين بالمغادرة. مع مواصلة إسرائيل قصف مواقع عدة في لبنان، مُخلّفةً عشرات القتلى والجرحى، منتهكةً بذلك وقف إطلاق النار. وعلى صعيد الولايات المتحدة الأمريكية، فقد ناقشت نائبة المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، نزع سلاح حزب الله مع كبار الشخصيات اللبنانية خلال زيارةٍ لها إلى بيروت. وفي مقابلةٍ مع قناة LBCI التلفزيونية اللبنانية، قالت أورتاغوس، نواصل الضغط على هذه الحكومة للوفاء الكامل بوقف الأعمال العدائية، وهذا يشمل نزع سلاح حزب الله وجميع الميليشيات. وأكدت على ضرورة حدوث ذلك “في أقرب وقت ممكن. ويأتي هذا في إطار دور الولايات المتحدة الأمريكية في جهود وقف إطلاق النار، حيث ترأست الولايات المتحدة لجنة، تضم أيضًا فرنسا، تم تكليها بالإشراف على وقف إطلاق النار في أعقاب اندلاع حرب إسرائيل على غزة في أكتوبر 2023، حيث اندلعت اشتباكات عبر الحدود بين إسرائيل وحزب الله في اليوم التالي، والتي تصاعدت بعد أشهر من تبادل إطلاق النار عبر الحدود مع القوات الإسرائيلية إلى حرب شاملة في سبتمبر من العام الماضي، حيث قصفت إسرائيل عدة أجزاء من لبنان، مما أسفر عن مقتل أكثر من 4000 شخص. وقُتل عدد من كبار أعضاء حزب الله في مثل هذه الغارات.[ii]
مرجعية التأسيس:
تأسس حزب الله عقب غزو إسرائيل للبنان عام 1982، ويعود الدافع الرئيس في التأسيس إلى معارضة سلوك إسرائيل والتغلغل داخل الأراضي اللبنانية وغزو بيروت ومقاومة النفوذ الغربي في المنطقة. ورغم اعتبار العديد من الدول، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة، حزب الله منظمة إرهابي،. إلا أن الحزب لم يستطع أن يقنع اللبنانيين بمختلف طوائفهم بدوافعه الرئيسية في تكوينه ووجوده خاصة مع صلاته العضوية بإيران واعتماده عليها وارتباط سلوكه السياسي بأهداف إيران الإقليمية والدولية. ومع ذلك، استطاع الحزب أن يبني شبكة عسكرية واجتماعية ضخمة في الجنوب اللبناني. فبالإضافة إلى عملياته شبه العسكرية، أشرف حزب الله أيضًا على شبكة واسعة من الخدمات الاجتماعية في لبنان، بما في ذلك مرافق الرعاية الصحية والمدارس، مما ساهم في بعض شعبيته المحلية. ومنذ عام 2005، انضم حزب الله إلى تحالف 8 آذار، حيث أشرف وزراؤه في السنوات الأخيرة على حقائب وزارية مثل الثقافة والرياضة والشباب والشؤون البرلمانية. كما عطّل الحزب، بعنف أحيانًا، تكوين الحكومة اللبنانية – وأبرزها إدانة ثلاثة أعضاء من حزب الله من قبل محكمة تابعة للأمم المتحدة لتورطهم في اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري بسيارة مفخخة عام 2005. ومع ذلك، تراجعت القوة السياسية والعسكرية لحزب الله بشكل كبير خلال العام الماضي. فقد قضت إسرائيل على قيادته وعناصره في صراعها الأخير؛ وأطاح النظام الجديد في سوريا بحلفائه الإقليميين الرئيسيين في حالة نظام بشار الأسد.
يذكر أن الصراع بين إسرائيل وحزب الله انتهى في أواخر عام 2024، بعد أن شنت إسرائيل غارات جوية مكثفة وهجومًا بريًا على أهداف لحزب الله في جنوب لبنان، كما تم قتل أمين عام الحزب حسن نصر الله، زعيم الحزب منذ فترة طويلة، في غارة إسرائيلية في سبتمبر..[iii]
تراجع مرجعية وقوة الحزب:
عرض التدخل العسكري للحزب والاشتباك مع إسرائيل إلى تعرض لبنان لخسائر كبيرة في ظل معاناة لبنان الاقتصادية وعزوف المجتمع الدولي والإقليمي عن مساعدة لبنان في ظل نشاط حزب الله داخل الأراضي اللبنانية ضد إسرائيل. كما عمل الحزب على تعطيل الحياة السياسية والوقوف أمام ترشيح رئيس للبنان لسنوات عديدة وشل أداء الحكومات اللبنانية المختلفة في ظل ما عرف بالثلث المعطل. لقد تغيرت قدرة حزب الله في التأثير على القرار السياسي، ففي في لقاء تلفزيوني لرئيس وزراء لبنان السابق نجيب ميقاتي عن قوة القرار اللبناني في يد من؟ أجاب، قائلًا إن القرار السياسي اللبناني في يد حزب الله. فوفقًا للمراقبين، حدث تراجع كبير في قدرة الحزب على التأثير في القرار السياسي، خاصة بعد اغتيال العديد من قادة الحزب، وأبرزهم الأمين العام صاحب الكاريزما والقوة “حسن نصر الله”، والذي كان واجهة حزب الله لأكثر من ثلاثة عقود، وتبعه اغتيال هاشم صفي الدين وقادة الصف الثاني والثالث.
وفي ظل هذا الواقع الجديد، انتخب البرلمان اللبناني رئيسًا جديدًا – قائد الجيش السابق جوزيف عون، الذي كان يحظى بدعم الأمريكيين – بعد أكثر من عامين من الجمود السياسي الذي نسبه المنتقدون إلى حزب الله. وبعد أن ضعفت قوته، لم يعد بإمكان الحزب عرقلة العملية السياسية كما فعل في الماضي. وفي إشارة أخرى إلى تراجع مكانته، عيّن عون نواف سلام، الذي كان يشغل منصب رئيس محكمة العدل الدولية، وشخصًا غير متحالف مع الحزب، رئيسًا للوزراء. ويبدو أن حزب الله، في الوقت الحالي، يركز على أولوية أخرى تتمثل في الحفاظ على قاعدته الشعبية. وقد طمأن الحزب أتباعه بأن الخسارة في الحرب انتصار. لكن الكثيرين يدركون أن الحقيقة غير ذلك. فقد دُمرت مجتمعاتهم وبيوتهم وفقدوا سبل عيشهم. وتُقدر الأضرار التي لحقت بالمباني بأكثر من 3 مليارات دولار وفقًا للبنك الدولي. وفي هذا السياق يقول نيكولاس بلانفورد، الزميل الأول غير المقيم في برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، ومؤلف كتاب “محاربو الله: داخل صراع حزب الله الذي دام ثلاثين عامًا ضد إسرائيل”: “إذا استمر الناس في العيش في خيام لعدة أشهر، أو على أنقاض منازلهم، فقد يبدأون في إلقاء اللوم على حزب الله بدلًا من الحكومة أو إسرائيل.
الحزب والطائفية:
وعلى الرغم من حالة الضعف التي أصابت كبد حزب الله داخل لبنان على الصعيدين العسكري والسياسي بل وحتى الاجتماعي، إلا أن الحزب ما زال يمتلك بعض أوراق القوة. فأي إجراء ضد حزب الله قد ينطوي على مخاطر. وعلى سبيل المثال، في 26 يناير من العام الجاري، وبعد ساعات من محاولة الناس العودة إلى الجنوب، طاف شباب على دراجات نارية مناطق “غير شيعية” في بيروت وأماكن أخرى ليلاً، وهم يُطلقون أبواق سياراتهم ويرفعون أعلام حزب الله. وتصدى لهم سكان بعض المناطق. في بلدٍ تتجذر فيه الانقسامات الطائفية، ولا يزال الكثيرون يتذكرون أيام الحرب الأهلية (1975-1990)، اعتُبرت هذه المواكب وسيلةً للترهيب.
وفي هذا السياق ذكر نيكولاس بلانفورد، قائلًا إن حزب الله كان لديه “تهديدٌ ضمنيٌّ بالعنف” بسبب ذراعه العسكرية. ويرى بعض المتابعين للشأن اللبناني أنه إذا حاصرتَ حزب الله، فمن المرجح أن يأتي ذلك بنتائج عكسية، وخطر العنف واردٌ جدّاً. ومع ذلك، لا يمكن أن ننكر أنه قد تم فتح فصل جديد في لبنان. وفي خطابه الافتتاحي أمام البرلمان اللبناني، وعد الرئيس جوزيف عون بإصلاحاتٍ طموحةٍ طال انتظارها، مُدركًا أنه بدون تغييراتٍ جذرية، لا يُمكن إنقاذ لبنان. وتعهد بإعادة بناء المؤسسات العامة، وإنعاش الاقتصاد، والأهم من ذلك، جعل الجيش اللبناني الحامل الوحيد للسلاح في البلاد. لم يذكر عون حزب الله بالاسم، ولكن هذا ما قصده. صفق له المجلس بحماس؛ بينما التزم نواب حزب الله الصمت.
على صعيد أخر، فإن قرار وجود حزب الله كقوةٍ عسكريةٍ سيُتخذ على الأرجح بعيدًا عن لبنان – في إيران. لعقودٍ من الزمن، استثمرت طهران بالسلاح والمال في تحالفٍ إقليميٍّ تُطلق عليه “محور المقاومة”، والذي شكّل حلقةً من نارٍ حول إسرائيل. وكان حزب الله اللاعب الرئيسي فيه. مع آلاف المقاتلين المدربين تدريبًا جيدًا والمتمرسين في المعارك، وترسانة هائلة تضم صواريخ بعيدة المدى دقيقة التوجيه على أعتاب إسرائيل، شكّلت الجماعة رادعًا ضد أي هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية. هذا الردع، في الوقت الحالي، قد انتهى – ولن يكون إعادة بنائه، إذا كانت هذه رغبة إيران، أمرًا سهلًا. فلقد أدى سقوط نظام الأسد في سوريا في ديسمبر الماضي – جزئيًا بسبب انتكاسات حزب الله – إلى قطع الممر البري الذي استخدمته طهران لتسليح وتمويل الجماعة. وتقول إسرائيل، التي جمعت معلومات استخباراتية واسعة النطاق عن حزب الله، إنها ستواصل شن هجمات على الجماعة لمنع محاولاتها لإعادة التسلح.
لذلك فقد تكون إيران وحدها القادرة على الإجابة على الأسئلة الجوهرية” حول حزب الله. وقد يكون هناك احتمال أن تُقرر إيران أو حزب الله محاولة التفكير بشكل مختلف، إما بنزع سلاحهما أو أن يصبحا مجرد حزب سياسي وحركة اجتماعية. لكن هذا في النهاية قرار إيران، وانه خارج نطاق سيطرة حزب الله.
وقد يكون ملف سلاح حزب الله جزءًا من “مفاوضات إقليمية أوسع، كما أن هناك فرق بين التخلي عن الأسلحة كليًا أو العمل في إطار عمل مع الدولة بشأن استخدامها، وهو احتمال اخر وفق رؤية بعض المتابعين لملف حزب الله والشأن اللبناني.[iv]
تغير الخريطة الإقليمية:
في ظل تغيرات المشهد على الخريطة الإقليمية ما بين تحالفات جديدة وسقوط نظام الأسد ووصول ترامب الى إدارة البيت الأبيض وانفراد إسرائيل بالمشهد في فلسطين، يتعرض قادة لبنان الجدد لضغوط للتحرك بسرعة تجاه ملف نزع سلاح حزب الله وأيضا التقارب مع إسرائيل في إطار توقيع اتفاق مع الحكومة اللبنانية أو معاهدة سلام في إطار الاتفاقات الابراهيمية. وان إعادة تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط فرصةً لإضعاف نفوذ إيران أكثر، بينما يتطلع اللبنانيون إلى بعض الاستقرار والشعور بأن القواعد تنطبق على الجميع. ومن المؤكد أيضًا أنه بعد كل هذه المعاناة، قد يتساءل حتى مؤيدو حزب الله عن الدور الذي ينبغي أن يلعبه الحزب. كما أنه من غير المرجح أن يعود حزب الله إلى ما كان عليه قبل الحرب. علاوة على ذلك، حذفت الحكومة اللبنانية، برئاسة رئيس الوزراء نواف سلام، مصطلح “المقاومة المسلحة” من بيانها الوزاري لأول مرة منذ عقدين. كما صرّح سلام بأن “صفحة سلاح حزب الله قد طويت بعد البيان الوزاري”.
في الوقت نفسه، امتنعت السلطات اللبنانية عن نزع سلاح حزب الله بالقوة، لأن ذلك من شأنه أن يزيد من خطر الصراع الداخلي كما حدث في عام 2008، عندما استخدم حزب الله قوته العسكرية لإيقاف قرار اتخذته الحكومة آنذاك بتفكيك نظام اتصالاته، مما أدى إلى اشتباكات مسلحة استمرت لأيام. ونظرًا للديناميكيات الحالية، تواجه الحكومة اللبنانية موقفًا صعبًا، إذ تحاول تجنب التصعيد الإسرائيلي دون المخاطرة بصراع داخلي.[v]
سيناريوهات مستقبلية:
الوضع اللبناني وضع معقد منذ نشأة الدولة اللبنانية في عشرينات القرن الماضي وازداد تعقيدا بمرو الوقت. واتسم المشهد اللبناني بدفع لبنان في فترات طويلة من تاريخه لفواتير غير لبنانية، وانقسام المشهد السياسي إلى مجموعة من البيوت والعائلات اللبنانية التي يستقوى كل منها بفصيل خارجي يستمد منه بقائه واستمراره وأحيانا شرعيته مما أدى الى اهتزاز القرار اللبناني واهتزاز الاقتصاد اللبناني وزاد المشهد وطأة حين اجتاحت إسرائيل لبنان في ١٩٨٢ وظهور حزب الله ودخول لبنان في معارك عدة مع الجانب الإسرائيلي الذي استباح أرضها دون مساندة فعلية من أحد إلى أن وصل الأمر بلبنان إلى حالة من الانكشاف السياسي والاقتصادي حتى تم انتخاب جوزيف عون ونواف سلام في مرحلة يحاول لبنان أن يمسك بها كفرصة أخيرة للنجاة وعدم الانخراط في مشكلات قد تؤدي احداها إلى مشاهد دموية داخلية. وأمام هذا نجد مجموعة من السيناريوهات لحزب الله وتأثيره على المشهد اللبناني، هي كالتالي:
(-) السيناريو الاول،- استمرار حزب الله الضعيف: وفي هذا السيناريو يبدي حزب الله عزمه على الحفاظ على جناحه العسكري، على الرغم من بند اتفاق وقف إطلاق النار الذي يُلزم لبنان بتفكيك البنية التحتية العسكرية غير الحكومية في جميع أنحاء البلاد. وهو الأمر الذي ظهر في أول خطاب لنعيم قاسم منذ وقف إطلاق النار، حيث تجنّب الأمين العام مسألة نزع السلاح، مُركزًا بدلًا من ذلك على “التنسيق مع القوات المسلحة اللبنانية“. ما سبق، يعني أن المقاومة العسكرية لن تختفي، لكن يمكن – وفق رؤية بعض مسؤولي حزب الله- اندماجها في الإطار السياسي المستقبلي للبنان وفي إطار أن “حزب الله منظمة عسكرية في المقام الأول، ونخبته السياسية تُمثّل وسيلةً للتعبير عن مقاومته المسلحة والحفاظ عليها”.
والحقيقة أن موضوع التنسيق مع القوات اللبنانية واستمرار المقاومة أمر غير واضح وغير مفهوم. فلا يمكن للقوات المسلحة اللبنانية أن تأتمر بأمرين وقيادتين. ولكن قد يكون حزب الله متأثر بنموذج العراق وادماج الميليشيات في الجيش العراقي ثم العمل بشكل منفرد متى كانت الحاجة إلى ذلك. ومن ثم فإن هذا السيناريو لا يتوقف على موافقة السلطة السياسية اللبنانية فقط ولكنه يتوقف على موافقة الأطراف الدولية والإقليمية وضمان عدم تحايل حزب الله على الموقف الصعب الذي يواجه ليعيد تنظيم ذاته مرة أخرى.
(-) السيناريو الثاني،- الامتصاص وإعادة التأهيل: في هذا السيناريو يعترف حزب الله بأن الضعف قد نال منه بالفعل. وإن قدرة حزب الله على إعادة تنظيم صفوفه عسكريًا ستكون محدودة، والاعتراف بأن خطوط الامداد عبر الأراضي السورية قد جفت وان شعب لبنان في مجمله يرفض سلوك حزب الله. أضف إلى ذلك حالة الضعف التي أصابت “القلب”، المتمثل في إيران. في ضوء ذلك قد يقبل حزب الله الاندماج في العمل السياسي والتخلي عن العمل العسكري لفترة. خاصة وأن تسليم السلاح لا يمكن تطبيقه عمليا في ضوء عدم المعرفة الحقيقية لحجم السلاح الموجود بحوذة حزب الله، وأن هذا الأمر يتعلق بإرادة سياسية توافقية للعمل الجماعي، والذي قد يؤدي إلى توقيع اتفاق مع إسرائيل، وهو ما يرفضه حزب الله في العلن ولذلك نكون أمام حالة من الامتصاص حتى يتم إعادة التمكين مرة أخرى ويساعده في ذلك ضعف القوات المسلحة في لبنان خاصة في الجنوب. وأيضا في ضوء رؤية بعض قادة حزب الله إن قتل القادة يُسرّع تحقيق الأهداف قصيرة المدى ويُولّد زخمًا سياسيًا. ولإحداث آثار طويلة المدى في السياسة والجيوسياسية، يجب تغيير الوضع الراهن، من خلال العمل العسكري، سواءً من حيث الأراضي أو الموارد.[vi]
(-) السيناريو الثالث: نزع السلاح: ترى العديد من الأحزاب السياسية اللبنانية الآن أن الحرب الأخيرة سببٌ مُلِحٌّ لنزع سلاح حزب الله والتحول إلى منظمة سياسية مدنية بحتة. وأعلن سمير جعجع، زعيم حزب القوات اللبنانية المسيحية، يوم توقيع وقف إطلاق النار رفضه “أي تسوية أو تسوية تتعلق بالأسلحة غير الشرعية” لحزب الله. ومن ثم يكون الشاغل الرئيسي لحزب الله يبقى الحفاظ على نفوذه في المؤسسات اللبنانية، التي تُعدّ أصولاً استراتيجيةً أساسيةً لبقائه. ويظل هذا السيناريو مرهون بإرادة إيران وقدرتها على التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة الامريكية ورفع العقوبات عنها، ومن ثم يكون أن يكون أمر نزع السلاح لحزب الله مرهون بتسوية شامل تقبلها إيران، وذلك في ضوء أن دور حزب الله ضمن محور المقاومة – وهو حجر الزاوية في استراتيجية إيران الدفاعية المتقدمة القائمة على استخدام حلفاء من غير الدول لمواجهة إسرائيل – من المرجح أن يتضاءل. كما أن قدرة حزب الله على توسيع دوره على المستوى الإقليمي ستتضاءل تدريجيًا على الأرجح مع مرور الوقت”.
وأخيرا، فإن أيا من السيناريوهات السابقة سيتوقف بشكل كلي على متغيرات عدة من أهمها الإرادة السياسية لدى إيران ونظرتها المستقبلية لحزب الله وهذا يتوقف بدوره على نتائج الحرب الإسرائيلية الإيرانية ومستقبلا يتوقف على شكل إيران في المستقبل بعد اختفاء المرشد الأعلى من المشهد السياسي الإيراني بفعل الزمن. وعلى صعيد أخر هناك عامل أخر مهم يؤثر في دور حزب الله المستقبلي وهو السلوك الإسرائيلي في المنطقة سواء تجاه الملف الفلسطيني أو تجاه دول الجوار وهو ما قد يدفع الى ظهور تيارات مقاومة أخرى حتى بافتراض اختفاء دور حزب الله.
_______________________المراجع___________________________________________
[i] – https://www.newarab.com/analysis/lebanons-tightrope-walk-future-hezbollahs-weapons
[ii] – https://www.newarab.com/news/most-hezbollah-military-sites-lebanon-under-army-control
[iii] – https://www.cfr.org/backgrounder/lebanon-how-israel-hezbollah-and-regional-powers-are-shaping-its-future
[iv] – https://www.bbc.com/news/articles/cp82pm3exz0o
[v] -ibid
[vi] -ibid