اللواء الدكتور هشام الحلبي: إسرائيل تعزل مدن غزة بأربع محاور عرضية وتحتل ثلث القطاع
في لقاء الأربعاء
كتابة: زياد مصطفى/ تصوير: فريدة حمدي
استضاف مركز رع للدراسات الاستراتيجية في 4 ديسمبر 2024 اللواء طيار دكتور/ هشام الحلبى مستشار رئيس الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية في حلقة نقاشية ضمن سلسلة “لقاء الأربعاء” بالمركز بحضور الخبراء والباحثين للحديث عن مستقبل التوازن العسكري بالشرق الأوسط في عالم متحول”، وأدار النقاش د. أبو الفضل الإسناوي المدير الأكاديمي.
وبدأ ل.د. هشام الحلبي حديثه عن محددات الأمن القومي فى هذا التوقيت ودوائر الأمن القومي المصري، مشيرًا إلى أن تعريفات الأمن القومى ترتبط دائمًا بالمكان والزمان، وهما عنصران حاكمان في تعريف محددات الأمن القومي، وأكد أن تعريف الأمن القومى يتمثل في قدرة الدولة على الحفاظ على بقائها وتنميتها الشاملة تحت مختلف الظروف.
وتشمل التنمية 6 مجالات (السياسي والاقتصادي والعسكري والاجتماعي والبيئي والتكنولوجي، موضحًا أن الظروف هي متغيرات تحدث فى الدوائر الداخلية أو الإقليمية أو الدولية وتفرز خمسة متغيرات؛ أولها المكاسب التي تتحقق للدولة جراء تلك التغيرات، وهناك أربع متغيرات سلبيات متدرجة الخطورة وتشمل “المخاطر Risks” وهي عدائيات لم تتبلور بعد وإذا لم تنته قد تنتج “التحديات Challenges”، فيما يأتي المستوى الثالث من تلك المتغيرات السلبية “التهديدات Threats” وهي عدائيات تستهدف مواطني الدولة أو جزء من إقليم الدولة أو كلاهما، وفيها يجب استعمال القوة العسكرية فورًا. وهناك المستوى الأعلى وهو “الخطر Dangers” وينتج إذا دخلت تهديدات في نقط ضعف في الدولة، وهو تفاعل تحدى وتهديد مجتمعين، على غرار تصاعد نشاط تنظيم إرهابي مع توافر بيئة حاضنة للفكر المتطرف داخل الدولة.
وذكر مستشار رئيس الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية أن هذه المجالات تتفاعل في دوائر وتختلف من دولة إلى أخرى، وتنقسم في الحالة المصرية إلى عدة دوائر (الدائرة العربية والدائرة الإفريقية والدائرة الآسيوية والدائرة الإسلامية والدائرة الأورومتوسطية) وهناك تداخل بين الدائرتين العربية والإفريقية، والدائرتين العربية والآسيوية، والدائرتين العربية والإسلامية، وأوضح أن دوائر الأمن القومي المصري معقدة ومتشابكة.
ولفت ل.د. هشام الحلبي إلى وجود أربع مشاريع إقليمية غير عربية تهدد الأمن القومي المصري والعربي، وأولها المشروع الصهيوني وتقوده إسرائيل، والمشروع الثاني هو مشروع فارسي تقوده إيران، والمشروع الثالث هو مشروع عثماني-تركي تقوده تركيا، والمشروع الرابع وهو مشروع إثيوبي، مؤكدًا أن أي صعود مصري هو بمثابة خصم من رصيد هذه المشاريع الأربعة، لذلك فهناك محاولة لتقويض أي صعود لنموذج مصري ملهم، مضيفًا في الوقت ذاته أن هذه المشاريع مرضي عنها بنسب متفاوتة من الجانب الأوروبي والأمريكي.
وفي سياق استعراض المشهد الإقليمي، أوضح “الحلبي” أن هناك ثلاث مراكز ثقل رئيسية في المنطقة العربية؛ وأولها منطقة الشام وتمتد من العراق وسوريا إلى الأردن ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة وهي مركز ثقل الحضارة، وقد تأثر هذا المركز بشكل كبير منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، ويتمثل المركز الثاني في منطقة الخليج واليمن وهو مركز ثقل النفط والأموال والبحار، وقد تأثر باضطرابات منطقة الشام والأزمة اليمنية والخطر الإيراني، وفيما يشمل مركز الثقل الثالث منطقة شمال إفريقيا، إلى جانب الضلع الرابع والذي يشمل السودان والقرن الإفريقي، منوهًا إلى “ضريبة الموقع” حيث تقع مصر في قلب مراكز الثقل العربية.
وانتقل د. هشام الحلبي إلى الأوضاع الخطيرة في بعض دول المنطقة، انطلاقًا من الأوضاع في غزة؛ مشيرًا إلى ما تمثله الحرب على غزة من تهديد قوي ومباشر على الأمن القومي المصري، في ظل محاولة الجانب الإسرائيلي تهجير أهالي قطاع غزة إلى مصر وتوسيع الاستيطان، وقد بدأ التخطيط لذلك منذ مشروع غزة الكبرى في خمسينيات القرن الماضي ومع فشله لجأ الاحتلال لاستخدام التنظيمات الإرهابية بعد سقوط الإخوان وفشل مخطط تبادل الأراضي، ويكمن المخطط الجديد في احتلال كامل قطاع غزة وعزل المدن في شكل محاور عرضية متوازية بدأت بـ“محور نيتساريم” وسط القطاع وجنوب وادي غزة والذي يفصل محافظتي غزة والشمال عن وسط وجنوب القطاع، و“محور مفلاسيم” الذي يفصل الشمال عن محافظة غزة، و“محور كيسوفيم” شمال خان يونس، إلى جانب “محور صلاح الدين” أو “محور فلاديلفي”، وأشار مستشار رئيس الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية إلى أن تواجد قوات الاحتلال بعمق 1 كم من الشريط الحدودي للقطاع فيما يبلغ إجمالي الاحتلالات المستديمة نحو ثلث مساحة القطاع الفلسطيني.
وأوضح ل.د. هشام الحلبي أن من معايير الفكر الاستراتيجى للدخول في أي حرب هي الإجابة على أربع أسئلة؛ وهي (متى تحارب؟ وكيف ستحارب؟ ومتى تتوقف الحرب؟ وكيف ستنهي الحرب؟)، وأوضح أن الإجابة على كل هذه الاسئلة هو ضمان النصر قبل الذهاب لميدان المعركة، وأشار اللواء “الحلبي” إلى ما استهدفته الضربة الأولى في السابع من أكتوبر من منظومة الإنذار المبكر والاستخبارات وجيش الاحتلال، وما تستدعيه من أهمية أن تدرس المقاومة الفلسطينية مسبقًا ردود الفعل الإسرائيلية على هذا الخرق وإلى الفارق في القوى وما آلت إليه النتائج على الأرض من خسائر في القطاع تقدر بنحو 100 مليار دولار والوضع الراهن للقضية الفلسطينية في ظل مخطط التهجير، وأشار إلى استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي تطبيقات ذكاء اصطناعى في عملياته العسكرية وتشمل نظام لافنيدر الذي يستهدف الأشخاص ولا تزيد نسبة النجاح فيه عن 1/20، إلى جانب نظام جوسبيل الذي يستهدف البيوت وهذا سبب في تدمير كل القطاع نتيجة استهداف المناطق السكنية بحثًا عن عناصر المقاومة، فينتج عنها شهداء وجرحى.
وشدد على ضرورة وجود اتفاق بين الفرقاء الفلسطينيين، وأن الحل لإنهاء حرب غزة هو وجود اتفاق بين الطرفين لإنهاء الحرب، منوهًا للدور المصري الحيوي في مضمار التفاوض على مسارين متوازيين؛ الأول وقف الحرب، والثاني إنهاء الانقسام الفلسطيني.
وبالحديث عن الأوضاع في سوريا باعتبارها نقطة التقاء المشاريع الإقليمية الثلاث، أكد مستشار رئيس الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية أن من أهم المشاكل انقسام الجيش السوري واستغلال القوى المنخرطة في سوريا لوجود جماعات إرهابية في الداخل السوري وانتشار 10 آلاف مقاتل أجنبي في بداية الصراع، حيث انخرطت روسيا وإيران إلى جانب دمشق، بالإضافة لتشكيل التحالف الدولي للقضاء على داعش بقيادة الولايات المتحدة، ويوجد حاليًا في سوريا 5 فاعلين كبار هم الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران وإسرائيل، مشيرًا إلى أن ضعف الدور العربى يعد من أهم أسباب اشتعال الأوضاع في سوريا، ويجب أن يكون للجانب العربي دور محوري في حل هذا الأزمة، كما شدد على أنه “لا يمكن تحقيق الأمن القومي بالوكالة”.
وفي سياق الأزمة السودانية، قال ل.د. هشام الحلبي إن الوضع الإنساني كارثي في السودان، لافتًا إلى وجود عاملين يصعبان الحسم العسكري وهما؛ أن ميليشيات الدعم السريع تمتلك منظومة تجنيد ومنظومة دعم وتمويل اقتصادي خارج سيطرة الدولة ويتطلب ذوبات تلك المكونات في المجتمع مرة أخرى يحتاج 15 عامًا، إلى جانب التركبية الديمغرافية المتنوعة للشعب السوداني، مؤكدًا أن الحرب لن تتوقف إلا بالاتفاق.
وأشار ل.د. هشام الحلبي إلى أن أهم ركائز الموقف المصري، هو وجود تقديرات استراتيجية صحيحة تعتمد على المصالح الوطنية، ووجود ظهير شعبي يتحمل إجراءات الإصلاح الاقتصادي، وأن الدولة المصرية تراعي البعد القانون الداخلي والدولي في حماية أمنها القومي، ووجود قوات مسلحة قوية قادرة على الردع أو الحسم العسكري حال فشل الردع وهي الظهير القوي للموقف الدبلوماسي ولتحقيق المصالح المصرية، منوهًا لخطورة العمليات النفسية واستغلال الضغوط الاقتصادية لتأليب الرأي العام المصري على الدولة.
وفي سياق الإجابة على تساؤلات الخبراء والباحثين عن تأثير التقدم التكنولوجي على دوائر الامن القومى؟ أشار ل.د. هشام الحلبي أن تعريفات الأمن القومي تختلف باختلاف المكان والزمان، وتشهد تلك الدوائر تداخلًا متزايدًا بتأثير التكنولوجيا، إذ لا يمكن فصل مسارح العمليات في أوروبا عن الشرق الأوسط وكلها تأثر على بعضها البعض، وبالتالى فإن أي حدث في العالم يؤثر على الأمن القومي المصري بنسب متفاوتة.
وردًا على سؤال حول مدى جدية الترويج الإسرائيلي لمشروع الشرق الأوسط الكبير؛ أشار مستشار رئيس الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية إلى أنه في الوقت الراهن ومع تطور أنظمة التسليح وبصفة خاصة صواريخ أرض-أرض تستطيع قوى كثيرة في المنطقة الوصول داخل العمق الإسرائيلي، وكان الحل الإسرائيلى أن تكون دول المنطقة منكفئة بشكل كبير على مشاكلها الداخلية وأن يكون توازن القوى الاستراتيجي عمومًا والعسكري بالتحديد لصالح إسرائيل، لافتًا إلى عدم جدوى أرقام الإنفاق الدفاعي في قياس التوازن العسكري الإقليمي، وأوصى ل.د. هشام الحلبي بضرورة أن يستند التحليل الاستراتيجى بما يجري على أرض الواقع وليس بنظريات غير واقعية.
وحول إمكانية اختفاء دول من خريطة الشرق الأوسط، أشار ل.د. هشام الحلبي في بداية حديثه إلى أن اختفاء الدول يحدث في غضون 25 عامًا، وأن سبب اختفاء الدولة هو تقسيمها وبداية تقسيمها عند انقسام تركيبتها السكانية انقسامًا أيديولوجيًا داخل الدولة وأن هذا الانقسام ينطبق على بعض الدول في المنطقة، وتكمن مؤشرات ذلك الانقسام على طبيعة الوضع الداخلي إذا كان يساعد على الالتئام مجددًا أم زيادة وتعميق الانقسام وكذلك تأثير العاملين الإقليمي والدولي. وحول الدور العربي من الوضع في سوريا، أشار مستشار رئيس الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية أن الدول العربية لا تمتلك الأدوات التي تقدر بها على حل هذا الصراع فرادى، مؤكدًا في الوقت ذاته أنه إذا عزمت الدول العربية على حل الصراعات يجب أن تعمل بشكل جماعي وتنظيمي.
وبشأن التوجه العالمي المتزايد لعسكرة الذكاء الاصطناعي وتبني الولايات المتحدة لاستغلال الوكالات الفيدرالية للقدرات التجارية في الذكاء الاصطناعي لتحقيق الأمن القومي الأمريكي وانعكاس لك على سباق التسلح في المنطقة، أشار ل.د. هشام الحلبي إلى أن تكلفة تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي مكلفة للغاية وتكمن خطورة ذلك التوجه في حالة تمكن التنظيمات الإرهابية من استخدام تلك التطبيقات.
شارك بالحضور والنقاش عضوا الهيئة الاستشارية للمركز ل. عبدالحميد العناني ود. محمد أبوسريع، والمنسق الأكاديمي للمركز ضياء نوح، وكبير الباحثين د. محمد بشندي، ورئيس وحدة دراسات العالم د. حسام البقيعي، ورئيسة وحدة دراسات مصر رضوى محمد ورئيسة برنامج الدراسات الآسيوية د. هند المحلي ورئيسة برنامج دراسات الجيوبوليتيك جهاد نصر، ورئيسة برنامج التحولات الداخلية سارة أمين، والباحث بالشئون البرلمانية د. محمود صلاح، والباحثة بالشأن الإفريقي عبير مجدي والباحث المساعد زياد مصطفى، ومن خارج الماركز شارك كل من الخبير بالشأن الإفريقي د. محمد فؤاد رشوان وأستاذ العلوم السياسية د. هيثم عمران والباحث في شئون الشرق الأوسط محمود جمال.