“عبد الجليل”: الترجمة والعلاقات الشعبية تسهمان في تعزيز العلاقات المصرية التركية

الملحق الثقافي المصري بتركيا سابقًا يكشف دور الوعي الثقافي في تعزيز علاقات البلدين

كتابة: زياد عبد التواب / تصوير: أحمد خالد

استضاف المدير الأكاديمي لمركز رع للدراسات الاستراتيجية د. أبو الفضل الإسناوى الدكتور طارق عبد الجليل، الملحق الثقافي المصري  لدى تركيا سابقًا، كمتحدث رئيسي في الحلقة النقاشية يوم الأربعاء 4 سبتمبر 2024 للحديث عن دور الوعي الثقافي في تعزيز العلاقات المصرية التركية، بحضور كل من رئيس وحدة دراسات العالم بالمركز د. حسام البقيعي، والخبير بالشأن التركي كرم سعيد والباحث بالشأن التركي مصطفى صلاح وعدد من الباحثين بالمركز.

وأكد د. أبو الفضل الإسناوي على مدى أهمية زيارة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي لتركيا، التي تعكس ضرورة استرجاع العلاقات بين البلدين، وتمثل تتويجًا لجهود مصالحة طويلة بين الدولتين، وأن إعادة العلاقات هي إعادة تأسيس استراتيجي للعلاقات الثنائية، كما يعد انطلاق اجتماعات “مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى” مؤشرًا قويًا على رغبة مشتركة في تأسيس علاقات استراتيجية مستدامة تدعم المصالح الخاصة وتبني قواعد صلبة للحفاظ على هذه العلاقات.

 وبدأ د. طارق عبد الجليل، الملحق الثقافي المصري السابق، وأستاذ اللغة والتاريخ التركي بجامعة عين شمس، حديثه بالتأكيد على مدى تأثير غياب الوعي الثقافي المتبادل على تفاقم الأزمة الدبلوماسية على مستوى الدولتين والشعبين. وأكد أن زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تركيا، تعد تتويجًا لجهود دبلوماسية طويلة، وانتصارًا للغة المصالح المتبادلة دون تجاوز للأعراف والتقاليد الدبلوماسية، مشيرًا إلى أن مصر استطاعت بثباتها والتزامها بالمعايير الدبلوماسية أن تجعل القيادة السياسية التركية تراجع النظر في سياساتها ومواقفها من النظام المصري.

 

وأضاف أن تركيا كانت تحاول منذ سنوات تطبيع علاقاتها مع مصر على مستويات دون رئاسة الجمهورية، إلا أن هذه المحاولات لم تلق قبولا من النظام المصري، وهو ما دفع تركيا إلى التوجه نحو الانخراط في استراتيجية المباحثات المؤسسية المتدرجة التي أثمرت عن تطبيع مكتمل الجوانب المؤسسية، وعلى أرضية صلبة تمهد لعلاقات ثنائية قوية. وأكد على أن معرفة كلا الدولتين بالآخر تاريخيا وثقافيًا ومجتمعيًا هو مفتاح الطريق نحو علاقات صحية، مشيرًا إلا أن كلا الشعبين المصري والتركي تربطهما علاقات تعايش وتجانس ترجع إلى أكثر من ألف سنة، وأن التذبذب في مسار العلاقات بين الدولتين خلال القرن الماضي ارتبط مرة بقيام النظام الجمهوري في تركيا عام 1923 مع بقاء النظام الملكي في مصر، ومرة أخرى ارتبط بانضمام تركيا إلى حلف الناتو عام 1952، فيما اتجهت جمهورية مصر العربية إلى المعسكر الشرقي.

ولفت الملحق الثقافي المصري السابق، وأستاذ اللغة والتاريخ التركي بجامعة عين شمس، إلى أن اختلاف اللغة كان من أهم أسباب غياب الوعى الثقافي المتبادل، وهي كانت ولا تزال سببًا كبيرًا في الفجوة الثقافية والمعرفية بين البلدين. وأضاف “عبد الجليل”  أن من ضمن الأسباب التي ساعدت في تفاقم الأزمة هو استعمال لغة وسيطة في النقاشات والمحادثات الدبلوماسية على مدار العشر سنوات، فاللغة المباشرة فعالة لأقصى درجة في التواصل، خاصة مع الأتراك؛ حيث تختصر الطريق نحو التفاهم والتناغم حول القضايا والمواقف. كما أوضح أن الدولة المصرية مهتمة بإنشاء أقسام اللغة التركية وآدابها منذ عام 1954، وقد تجاوزت أعدادها العشرين فسمًا في مختلف الجامعات المصرية. ورغم ازدياد اهتمام تركيا، مؤخرًا، بتدريس اللغة العربية في كليات (الإلهيات) العلوم الإسلامية ومدارس الأئمة والخطباء، إلا أن أعداد أقسام اللغة العربية وآدابها لا تزال محدودة. وهو ما يشير إلى مدى الحاجة إلى أهمية استثمار المختصين والمترجمين المصريين والأتراك في التقريب بين وجهات النظر وترميم الجسور الثقافية بين الشعبين والدولتين لصون هذه العلاقات وحمايتها. هذا وأكد على مدى الهوة المعرفية الموجودة بين الشعبين المصري والتركي، نتيجة لعدم تكافؤ حركة الترجمة بين اللغتين مع وتيرة التقارب والانفتاح بين الدولتين. وأشار عبد الجليل إلى أن الأزمة الدبلوماسية الأخيرة ، قد انعكست سلبًا على مكانة الدراسة بالأزهر الشريف لدى الأتراك، ودفعتهم إلى الاكتفاء بالتعليم الديني في كليات الإلهيات. وأكد أيضًا على أهمية تصحيح الصورة الذهنية لكلا الدولتين ومؤسساتهما من أجل تنشيط مسارات التعاون في مختلف المجالات.

ومن العوامل التي أدت إلى تفاقم الأزمة الدبلوماسية بين البلدين هي الموجة الإعلامية التي أطلقتها تركيا ضد ثورة 30 يونيو 2013، وتم فيها تشويه صورة مصر ومؤسساتها لدى الأتراك، خاصة مع عدم وجود وسائل إعلامية عربية باللغة التركية تنقل الحقائق وتوضح خصوصية البنية الاجتماعية والسياسية للشعب المصري. وارنكزت آراء النخبة السياسية والإعلامية التركية على فكرة تصدر الرجال العسكريون المشهد السياسي، وهو ملف يمثل حساسية شديدة لدى الأتراك بسبب مجموعة الانقلابات العسكرية التي مرت بها تركيا في تاريخها الجمهوري.

وأوصى د. طارق عبد الجليل بضرورة نشر الثقافة العربية في تركيا من خلال ترجمة كتب عربية ومصرية إلى اللغة التركية تعرض الخصوصيات الثقافية والاجتماعية والوطنية المصرية، وتدشين وسائل إعلام مصرية تساعد على زيادة وعي الشعب التركي بتاريخ مصر وحاضرها ورؤيتها المستقبلية، مع أهمية للسياحة المصرية في تركيا والعمل على جذب السياح الأتراك إلى مصر من خلال توفير بيئة سياحية جيدة والعمل أيضًا على توفير سبل الراحة  للسياح سواء كانت سياحة ترفيهية أو تعليمية او غيرها من مختلف النشاطا.

وفي مداخلته بالجلسة النقاشية، ركز خبير الشئون التركية كرم سعيد، على ملامح العلاقات المصرية التركية وأن العلاقات السياسية هي التي تلعب دور أساسي في شكل العلاقات بين الدول، ولم ينكر تأثير العلاقات الثقافية والتعليمية في تعميق العلاقات بين الدولتين، مشيرًا إلى أن الحزب الحاكم في تركيا في أوائل الخمسينيات كان لديه خلاف كبير مع القيادة السياسية المصرية، ولكن بدأت هذه العلاقات في الوصول لمرحلة متقدمة في شكل العلاقة بين البلدين في عهد الرئيس السادات، ومن ثم تطورت العلاقة أكثر في عهد الرئيس مبارك إلى أن وصلت العلاقة إلى ذروتها في عهد تنظيم “الإخوان”، وأوضح “سعيد” أن سوء العلاقات بين البلدين لم يكن بدوافع أيديولوجية تجمع بين “الإخوان” وحزب العدالة والتنمية الحاكم، إذ يرى الخبير في الشئون التركية أن جماعة “الإخوان” ليست سوى صورة كان يريد الرئيس التركي أردوغان أن يتبعها العرب وليست مصر فقط؛ بهدف فرض الهيمنة التركية على الدول العربية لرغبة أردوغان في التحكم في زمام دول الشرق الأوسط، والدليل على ذلك أنه عندما كانت العلاقات بين تركيا والمملكة العربية السعودية متوترة أنشأت تركيا مع ماليزيا وإندونيسيا منظمة موازية لمنظمة التعاون الإسلامي مما يدل على مدى رغبة أردوغان في السيطرة والهيمنة على الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.

وأدركت تركيا أن جماعات الإسلام السياسي أو التيارات الإسلامية لم تعد تملك تأثير على الشعوب العربية، ولذلك قررت تركيا تغيير الاستراتيجية السياسية التي تتبعها، حيث كانت تتبع نظرية الاستعلاء كونها وريثة الدولة العثمانية، والتي كانت تسيطر على جميع الدول العربية، مضيفًا أن تركيا بررت العداء مع مصر في “حماية الشرعية”.

وأكد كرم سعيد أن السياسة هي من تتحكم في شكل العلاقات بين تركيا والدول العربية، مشيرًا إلى أن الجيش له قدسية خاصة عند كل الشعوب مهما كانت سواء كان في الحكم أو لا، فالشعب التركي لم يكره الجيش وظل لديه نفس المكانة داخل وجدان الشعب التركي وظل أردوغان يحاول تغيير الصورة الذهنية للشعب التركي في حبه للجيش لضمان بقاء حزب العدالة والتنمية في الحكم وعدم حدوث أي انقلابات على هذا الحزب، وأوضح أنه من الأسباب الرئيسية في سوء العلاقات التركية مع العرب هو وجود عدد كبير من المهاجرين العرب إلى تركيا بسبب الحروب الدائرة في بلادهم، فهذا سبب في التأثير بالسلب على الأوضاع الاقتصادية، والأوضاع الاجتماعية، وأسعار السلع والإيجارات وتزاحم الوظائف، فتولد عند الشعب التركي حالة من الغضب ولدت فجوة بين الشعب التركي والشعوب العربية، نتيجة لضخامة عدد اللاجئين من بعض الدول العربية في تركيا، وأشار الخبير بالشأن التركي إلى أنه منذ عودة العلاقات بين الجانبين المصري والتركي تم توقيع اتفاقيات اقتصادية وتعليمية وسياحية وحتى في المجال العسكري ومنها إنشاء مصنع للمسيرات التركية في مصر، وما كان لهذه الاتفاقيات أن تحدث إلا بوجود ثقة بين القاهرة وأنقرة، وأدركت تركيا أن السياسة العدائية التي كانت تتبعها مع عديد من الدول وليس مصر فقط لن تحقق لها مصالحها، مثمنًا دور مصر في التعامل مع هذه الأزمة بشكل حكيم، إذ لم يشن الجانب المصري حملات إعلامية مضادة للحكومة التركية، وتعامل مع هذه الأزمة ببالغ الحكمة، وعملت تركيا من جانبها على تحسين العلاقات بين دول كثيرة وأهمها قبرص واليونان والعمل على حل مشكلة أرمينيا وأذربيجان وأن المصالح أصبحت أهم من المشاكل الهامشية.

من جانبه أكد الباحث في الشأن التركي مصطفى صلاح على حديث “سعيد”، مشيرًا إلى أن السبب وراء الخلافات التركية مع العرب ليست اختلاف الأيديولوجية، وإنما تعارض المصالح والدليل على ذلك أن هناك أعضاء في حزب العدالة والتنمية يتبعون النهج الليبرالي، وهذا يؤكد على أن طبيعة النخبة السياسية في تركيا متميزة ولكن كان أردوغان يستغل التيارات الإسلامية في الترويج لنفسه على أنه “خليفة المؤمنين” إضافة إلى الترويج لنفسه داخل المجتمعات العربية، وأن انتقاد سياسات اردوغان كان غير مرحب به في الفضاءين المصري والعربي، وهذا يدل على مدى تأثيره على الشعوب العربية ومدى قوته في استخدام القوة الناعمة لصالحه وهذا بسبب وجود خلل في المنتج الثقافي المصري والذى استغلته النخبة التركية في الترويج لنفسها والعمل على الترويج لسياستها المعتمدة بشكل أساسي على إظهار تركيا أنها تتبع المنهج الإسلامي، وأنها حامية للإسلام،  وأشار “صلاح” أن أحزاب المعارضة التركية كان لها دور كبير في تغيير السياسة الخارجية التركية من حالة عداوات مع كثير من الدول إلى سياسة اللاعدائية. ومن أبرز هذه الأحزاب هو حزب الشعب الجمهوري، والذي ساهم في الضغط على النخبة السياسة الحاكمة خطابيًا مما دفعها لتغيير توجه حزب العدالة والتنمية.

وختامًا؛ لفت المستشار الاقتصادي بمركز رع د. محمد أبو سريع، إلى أن العلاقة الاقتصادية بين البلدين كانت ثابتة ولم تتأثر على الإطلاق، وأنه مع مرور الوقت زاد حجم التبادل التجاري حتى في ظل الأزمة، إذ لم يسحب رجال الأعمال المصريين استثماراتهم مع وجود أزمة مع تركيا، وكذلك الحال بالنسبة لرجال الاعمال الأتراك، مشيرًا إلى أن مصر وتركيا عقدتا اتفاق على زيادة عدد رحلات الطيران بين البلدين من 30 رحلة إلى 65 رحلة أسبوعيًا، ووقعتا اتفاقيات تجارية بزيادة حجم التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار بحلول 2030، مما يعكس مدى سعى الدولتين لتحسين العلاقة بينهما ووصولها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية.

حضر اللقاء وشارك في النقاش الكاتب الصحفي محمود زيدان، ومن خبراء وباحثي المركز د. جهاد نصر رئيس برنامج دراسات الجيوبوليتيك، وإسراء قاسم المتخصصة في الشأن التركي بالمركز، وأحمد خالد مسئول السوشيال ميديا، وديانا محسن الباحثة في الشأن الأمريكي، والباحث زياد عبد التواب، والباحثة رحاب بسطاوى. وقد نسقت الحلقة النقاشية وأجرت اتصالاتها فريدة حمدى مدير العلاقات العامة بالمركز ومسئول الاتصال الخارجي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى