“رع” في ضيافة السفير الروسي بالقاهرة

شرف وفد مركز رع للدراسات الاستراتيجية يتقدمه د. أبو الفضل الإسناوي المدير الأكاديمي، بضيافة سفير جمهورية روسيا الاتحادية بالقاهرة السيد جيورجي بوريسينكو صباح الثلاثاء 5 مارس 2024، للحديث عن آفاق العلاقات المصرية الروسية في عالم متعدد الأقطاب، كما تطرق اللقاء لمستجدات الشأن الروسي داخليًا وخارجيًا.

وفي بداية اللقاء وجه المدير الأكاديمي للمركز د. أبو الفضل الإسناوي الشكر لمعالي السفير وفريقه المعاون على الاستضافة الكريمة وحفاوة الاستقبال وأعرب عن عميق الاحترام لروسيا الصديقة، متمنيًا استمرار التعاون وأن يكون المركز أحد جسور التعاون والصداقة بين روسيا والعالم العربي.

العملية العسكرية في أوكرانيا ستستمر حتى تحقيق أهدافها

وردًا على سؤال المدير الأكاديمي بشأن تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على المشهد الانتخابي في روسيا، قال السفير جيورجي بوريسينكو إن بلاده لم تبدأ الحرب في أوكرانيا، وأن الصراع لم يبدأ قبل عامين، وإنما حين وصل القوميون الأوكران للسلطة في كييف قبل 10 أعوام، وبدأوا بقصف الروس في دونيتسك في أبريل 2014، مشيرًا إلى أن موسكو أرادت حينها وقف القصف وتهدئة التوتر، وأكد في الوقت ذاته أن العملية العسكرية ستستمر حتى تحقيق أهدافها.

نظام “كييف” لا يتمتع بالسيادة والقرار يُتخذ في واشنطن

وأفاد السفير الروسي أن بلاده ماضية في الانتخابات الرئاسية والحفاظ على سير العملية الديمقراطية رغم استمرار الحرب، مقارنة بالجانب الأوكراني وتأجيل الرئيس زيلينسكي للانتخابات، معتبرًا أن “نظام كييف” لا يتمتع بالسيادة وأن القرار يتخذ في واشنطن، على حد قوله.

لا نستبعد أي محاولة من “كييف” والدول الغربية لتنفيذ عمليات إرهابية لتخريب الانتخابات.

ولدى سؤاله عن تخاوفات موسكو من أي تدخلات خارجية تستهدف الانتخابات الرئاسية، قال السفير جيورجي بوريسينكو إنه لا يستبعد أي محاولة من كييف والدول الغربية لتنفيذ عمليات إرهابية لتخريب الانتخابات، على غرار العمليات التي ينفذونها نتيجة خسارة الحرب، على حد قوله، في إشارة للهجمات التي استهدفت المناطق الروسية على الحدود إلى جانب الاستهداف المتكرر لجسر القرم، واعتبر السفير بوريسينكو أن أوكرانيا (مثل سيبيريا) جزء من روسيا وولدت كجمهورية مستقلة قبل نحو 100 عام على يد البلاشفة السوفييت للبقاء في السلطة.

ما يمتلكه الرئيسان “السيسي” و”بوتين” من علاقات شخصية متميزة أدى إلى حدوث تطور ملحوظ في العلاقات بين البلدين خلال الـ 10 سنوات الماضية

وحول تطور العلاقات المصرية الروسية وفي إطار الاحتفال بمرور ثمانين عام على إقامة العلاقات الدبلوماسية، اعتبر السفير جيورجي بوريسينكو أن العلاقات بين البلدين تاريخية ومرت بمحطات مهمة في تاريخ البلدين خاصة في عهد الزعيم جمال عبد الناصر، منوهًا إلى ما شهدته العلاقات الثنائية من تطور ملحوظ خلال السنوات العشر الأخيرة بدعم من زعيمي البلدين الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس فلاديمير بوتين الذين يمتلكان علاقات شخصية متميزة ولقاءات متعددة كان آخرها بصورة مباشرة خلال القمة الروسية الإفريقية في سانت بطرسبرج نهاية يوليو 2023، ومؤخرًا بالإشراف عبر الفيديو على بدء الأعمال الخرسانية في المفاعل الرابع بمحطة الضبعة النووية والتي تمثل رمزًا مهمًا للصداقة المصرية الروسية طويلة الأمد على غرار مشروع السد العالي.

القيمة الاستراتيجية لقناة السويس والمجال الجوى المصري للتجارة الروسية جعلا القاهرة بمثابة بوابة روسيا للقارة الإفريقية

وخلال مداخلة المنسق الأكاديمي ضياء نوح بشأن الأهمية الاستراتيجية لمصر في إطار توجه روسيا نحو الجنوب العالمي والتعاون مع مراكز القوة العالمية، أشار السفير الروسي إلى أن القاهرة هي بوابة روسيا إلى القارة الإفريقية، مشددًا في هذا السياق على القيمة الاستراتيجية التي تمثلها قناة السويس والمجال الجوي المصري الحيويان للتجارة الروسية وثمن في الوقت عينه العلاقات مع الشعب المصري.

استثماراتنا في مصر تقدر بنحو مليار دولار متمركزة في قطاع الطاقة ونتوقع أن تبلغ الاستثمارات في المنطقة الصناعية الروسية بمصر نحو 7 مليارات دولار

وحول مداخلات الخبير المشارك في شئون الاستثمار د. محمد أبو سريع والخبير المشارك د. أشرف الدبش ورئيس برنامج السياسات العامة بالمركز أ. رضوى محمد بشأن العلاقات الاقصادية والتجارية والسياحة والاستثمار، أشار السفير الروسي إلى أن حجم استثمارات بلاده يقدر بنحو مليار دولار أمريكي تتركز بصورة أساسية في قطاع الطاقة، مشيرً إلى دور شركة روسنفت كثاني أكبر مشارك في أعمال حقل ظهر بعد “إيني” الإيطالية، وتوقع السيد جيورجي بوريسينكو أن تبلغ الاستثمارات في المنطقة الصناعية الروسية 7 مليارات دولار وستساهم في توفير العديد من فرص العمل إلى جانب تصدير العديد من التقنيات للجانب المصري، منوهًا إلى أن بدأ الأعمال يرتبط بالتصديق البرلماني على تعديل البروتوكول الذي يتضمن تخصص قطعتي أرض في شرق بورسعيد والعين السخنة.

موسكو تتطلع لزيادة صادرات الحبوب والأسمدة للدول الإفريقية وطبقت نظام لوجيستي آمن للنقل والتأمين على السفن

وعلى صعيد السلع الاستراتيجية قال السفير الروسي إن بلاده أكبر مصدر للقمح إلى مصر بما يغطي نحو 80% من الواردات المصرية، وأن موسكو تتطلع لزيادة صادرات من الحبوب التي بلغت العام الماضي مستوى 60 مليون طن متري، وكذلك تصدير الأسمدة خاصة للدول الإفريقية، ملقيًا باللوم على العقوبات التي خلقت حالة من الهلع في السوق العالمي والتي تستهدف منها الدول الغربية خلق مجاعة في بعض دول إفريقيا، على حد تعبيره، عبر منع سفن الشحن وشركات التأمين من نقل وتأمين القمح الروسي، ونوه السيد بوريسينكو أن روسيا بدأت في 2022 تطبيق نظام لوجيستي وطني لنقل الحبوب والتأمين على السفن.

حجم التبادل التجاري بين مصر وروسيا بلغ نحو 7.2 مليار دولار منها مليار دولار صادرات مصرية.

وأشار السفير جيورجي بوريسينكو إلى أن البيانات الروسية تظهر بلوغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 7.2 مليار دولار، منها نحو مليار دولار صادرات مصرية وعلى رأسها البطاطس والثوم والمانجو والمنسوجات، بينما تأتي الحبوب والزيوت النباتية على رأس الصادرات الروسية لمصر. وعلى الرغم من أن العقوبات وانسحاب الشركات الغربية وفرت مساحة أكبر للمصدرين المصريين، إلا أن مجتمع الأعمال لا تزال غير منفتحة بالشكل المطلوب، مقارنة بنظيره التركي الذي يتوسع بشكل كبيرعلى السوق الروسي.

وحول تدفق السياحة الروسية على مصر، نوه السيد جيورجي إلى تأثر ذلك النشاط في الفترة من 2014 إلى 2020 على خلفية الحادث الإرهابي الذي استهدف طائرة روسية، وبلغت وتيرة التدفق اليومي للسائحين الروس نحو 10 آلاف في عام 2021، إلا أنها شهدت تراجعًا في 2022 على خلفية العقوبات الغربية التي طالت العديد من طائرات البوينج المؤجرة ضمنالأسطول الجوي الروسي، فيما سجل إجمالي عدد الوافدين الروس أقل من مليون خلال 2023، بمعدل 3 آلاف يوميًا.

وعلى الصعيد الاستراتيجي اعتبر السفير الروسي أن مصر تقع في مركز العالم العربي ضمن مراكز القوة العالمية الصاعدة التي تبشر بالتحول إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب، مشيرًا إلى أن بريكس منصة للتبادل بين دول متساوية وهى إحدى ممكنات هذا التحول، بالإشارة إلى تجاوز الناتج المحلي الإجمالي لدول المجموعة نظيره لدول مجموعة السبع التي تعبر بصورة أو بأخرى عن (ضخامة) الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة.

الناتج المحلي لدول مجموعة بريكس يتجاوز مجموعة السبع واستبدال الدولار والتعامل بالعملات الوطنية أبرز العوائد على المدى المتوسط من عضوية المجموعة.

واعتبر السفير الروسي أن استبدال الدولار والتعامل بالعملات الوطنية يظل أبرز العوائد على المدى المتوسط من عضوية البريكس، نظرًا لاستخدام الولايات المتحدة للدولار كأداة سياسية للتحكم في خيارات الدول ومحاولة إخضاعها عبر سياسة العقوبات، منوهًا إلى تجميد ما يوازي 300 مليار دول من الأصول الروسية في البلدان الغربية عقب الحرب في أوكرانيا، وأشار إلى نجاح روسيا والصين في تسوية نحو 80% من التجارة بين البلدين بالروبل واليوان، حيث يبلغ حجم البادل التجاري بينهما نحو 200 مليار دولار.

وفي سياق مداخلة رئيس وحدة دراسات العالم د. حسام البقيعي بشأن العلاقات الروسية الغربية، قال السيد بوريسينكو إن المواجهة مع الغرب ستستمر حتى بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا، مستدلًا بحديث الرئيس الفرنسي عن إمكانية إرسال قوات الناتو، وأشار إلى أن القادة الغربيين يريدون هزيمة روسيا في الميدان وأنهم أرسلوا قوات نظامية بالآلاف تحت غطاء “المرتزقة” لكن دونتوح الإفصاح الرسمي عن ذلك الوجود نظرًا لما من شأنه أن يقود لمواجهة نووية بين الحلفاء الغربيين وروسيا، معتبرًا أن الحرب هي محاولة لإزاحة روسيا باعتبارها الوحيد أمام الهيمنة الأمريكية، بالنظر لما انطوى عليه استبدال الغاز المسال الأمريكي بالغاز الروسي الرخيص من كساد الصناعة الأوروبية وغلاء المنتجات النهائية بنحو 3 إلى 4 أضعاف مما كانت عليه مقابل رواج السلع وانتعاش الاقتصاد الأمريكي.

وبالإشارة إلى حديث الرئيس بوتين مع الإعلامي الأمريكي تاكر كارلسون على منصة “X” التي تحظى بنحو مليار مستخدم، قال السفير الروسي إن المقابلة كانت فرصة لأن يتفهم الرأي العام (الغربي والعالمي) الموقف الروسي من الصراع، لكنه لا يتوقع أن يسهم ذلك تحولات في الموقف الغربي (الرسمي) من روسيا على المدى القريب، خاصة في الولايات المتحدة التي تفرض وحدها نحو نصف  العقوبات المفروضة على روسيا منذ 2014، مقللًا من فرضية تغيير الوضع في حال مجيئ ترامب للبيت الأبيض في الانتخابات المقبلة والذي قال في 2017 إنه يتطلع لعلاقات جيدة مع روسيا، في ذات العام الذي صدر فيه قانون مكافحة أعداء أمريكا “كاتسا” الذي يمنع أي رئيس أمريكي من رفع العقوبات عن عدة دول من بينها روسيا، دون الرجوع إلى الكونجرس.

روسيا مستمرة في دعم القضية الفلسطينية وتسعى بقوة إلى توحيد الجبهة الفلسطينية في ضوء الالتزام بحل الدولتين.

وبالعودة لاهتمام روسيا بالانخراط في منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها القضية الفلسطينية، على ضوء استضافة موسكو لقاء 14 فصيلًا فلسطينيًا نهاية فبراير ومطلع مارس 2024، قال السيد جيورجي يوريسينكو أن روسيا دائمًا ما تدعم القضية الفلسطينية وترغم في رؤية جبهة فلسطينية موحدة على طاولة المفاوضات في ضوء الالتزام بحل الدولتين، وبشأن العدوان على غزة أشار السفير الروسي أن بلاده باعتبارها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي تعمل مع العديد من الدول الصديقة وعلى رأسها المجموعة العربية لإنفاذ وقف فوري لإطلاق النار وقد دعم المندوب الروسي نحو 3 مشاريع قرار أجهضها الفيتو الأمريكي حيث لا تزال واشنطن تدعم نتنياهو، كما دعمت إسرائيل أوكرانيا على حد وصفه.

نتنياهو ما زال متحمسا لاستمرار الحرب والرئيس بوتين أجرى عدة اتصالات قبل الحرب لتهدئة الأوضاع، وقد يلقى مصير جولدا مائير.

ورغم مساعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تهدئة الأوضاع في الأراضي المحتلة خلال عدة اتصالات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل الحرب، إلا أن نتنياهو لا يزال متحمسًا لاستمرارالحرب (والعدوان) وقد يلقى مصير جولدا مائير، في إشارة إلى هزيمة إسرائيل خلال حرب أكتوبر 1973 المجيدة.

ندعم الجهود المصرية في التصدى لمساعي إسرائيل بتهجير الفلسطينيين وروسيا ترفض تقسيم الأراضي المحتلة.

وأشار السفير الروسي إلى دعم بلاده لجهود مصر في التصدي لمساعي إسرائيل بتهجير الفلسطينيين، مشددًا على أن روسيا ترفض تقسيم الأراضي المحتلة وخلق الحواجز بين غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية وأن السلطة الفلسطينية القائمة في رام الله من المهم أن تحكم قطاع غزة في إطار التوجه لحكومة تكنوقراط، بالإشارة لقبول الرئيس محمود عباس قبول استقالة الحكومة قبل أسبوع، ومساعي توحيد الفرقاء الفلسطينيين تحت مظلة حكومة وإدارة وطنية موحدة.

شارك في اللقاء من الجانب الروسي كل من إيليا فوديانوف سكرتير ثالث بسفارة رسيا الاتحادية، ومسئول الإعلام والاتصال بالسفارة، ومن مركز رع كل من الخبيرين المشاركين د. محمد أبو سريع ود. أشرف الدبش والمنسق الأكاديمي للمركز أ. ضياء نوح ورئيس وحدة دراسات العالم د. حسام البقيعي ورئيس برنامج السياسات العامة أ. رضوى محمد والباحثة المساعدة في وحدة دراسات العالم أ. ديانا محسن ومسئول قسم التصوير أ. أحمد خالد.

يأتي اللقاء في إطار اهتمام مركز رع للدراسات الاستراتيجية أن يكون منصة فكرية تنويرية معنية بتعزيز المبادلات الفكرية حول علاقات التعاون بين مصر وشركائها الإقليميين والدوليين، واستكشاف آفاق المشهد الدولي قيد التشكل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى