د. هند المحلي في “لقاء الأربعاء”: الصين تستغل “حرب غزة” في تعزيز قوتها الناعمة بالجنوب العالمي

كتابة: نادين مطر / تصوير: أحمد خالد
عقد مركز رع للدراسات الاستراتيجية يوم الأربعاء 21 فبراير 2024 حلقة نقاشية جديدة في “لقاء الأربعاء” أعدتها د. هند المحلى كبير باحثي المركز، خبيرة الشئون الآسيوية، والباحثة الزائرة بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان وجامعة شنغهاي للدراسات الدولية حول موقف الصين من حرب غزة ومستقبل العلاقات العربية الصينية، وأدار النقاش المدير الأكاديمي للمركز الدكتور أبو الفضل الإسناوي بحضور عدد من خبراء وباحثى المركز.

بدأت د. هند اللقاء بالحديث عن تطور السياسة الخارجية الصينية خلال عهد الرئيس شي جين بينج (منذ 2013) الذي رأى ضرورة تحول هوية الصين من هوية دولة نامية إلى هوية دولة مسئولة كبرى مع زيادة قوة بكين الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية وزيادة تأثيرها فى النظام الدولي، مقارنة بمرحلة دينج شياو بينج وما تلاها والتي تأسست على فكرة إخفاء القدرات وصعود ونمو الصين فى صمت دون إظهار القدرات الشاملة للدولة.

وتطرقت خبيرة الشئون الآسيوية إلى العلاقات الصينية العربية، حيث أشارت إلى إعلان الرئيس الصيني شي جين بينج خلال زيارته للمنطقة عن إطار التعاون الرسمي الذي تقوم عليه العلاقات مع الشرق الأوسط والذي يتضمن الطاقة، حيث كانت منطقة الشرق الأوسط، قبل الحرب الروسية الأوكرانية، مصدرًا لنحو 55% من واردات الطاقة الصينية سنويًا، والتي تمثل ضمانة أساسية للنمو الاقتصادي، في إطار ما تمثله المنطقة في دائرة المصالح الصينية الأساسية.

وذكرت د. هند المحلى أن الصين تؤكد دائمًا على عدم انخراطها في قضايا الشرق الأوسط أمنيًا وانحصار دورها على الوساطة النشطة في المنطقة أو المشاركة بقوات لحفظ السلام في حالة النزاعات، وقد زاد انخراط الصين في منطقة الشرق الأوسط خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية وانضمام إيران وبعض الدول العربية لتجمع البريكس ومنظمة شنغهاي للأمن والتعاون في إطار تعاون جنوب-جنوب.

وأضافت الباحثة الزائرة بجامعة فودان أن الصين تحتاج لمصادر الطاقة من دول الشرق الأوسط كما أن التطورات الكبيرة التي يشهدها الخليج العربي وخاصة الانفتاح السعودي جعلت استثمارات الصين تزداد بشكل كبير في المنطقة العربية، وأشارت إلى أن القمة العربية الصينية والخليجية الصينية التي عقدت في الرياض ديسمبر 2022 وضحت اتجاهات السياسة الخارجية الصينية تجاه الخليج العربي.

ولفتت د. هند إلى حدوث تطورات كبيرة في العلاقات بين الصين ودول الخليج العربى خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في الفترة الأخيرة والتي ظهرت فى زيادة مبيعات الأسلحة والوساطة الصينية بين السعودية وإيران.

وفي إطار الحرب على غزة ترى د. هند المحلي أن موقف الصين كان صامتًا فى بداية الحرب والتركيز على استخدام الطرق الدبلوماسية في حل الأزمة والدعوة لضبط النفس، فيما انصب اهتمام المراقبون والباحثون الصينيون على حجم انخراط أمريكا في دعم إسرائيل ومدى تأثير ذلك على تراجع دور واشنطن في آسيا التي تمثل نطاق المصالح الحيوية للصين، في إطار اتباع بكين دبلوماسية “اغتنام الفرص” واعتقادهم أن الحرب تمثل دلالة على انهيار الاستراتيجية الأمريكية وستنعكس نتائجها في إعادة تشكيل التوازنات في المنطقة.

ومع تشكك المحللين العسكريين في البداية حول إمكانية شن غزة بري للقطاع تعزز التحول في موقف الصين من الحرب من خلال انتقاد الإعلام الصيني لممارسات إسرائيل (المدعومة من الولايات المتحدة)، بالتوازي مع تعزيز إسرائيل تعاونها في السنوات الأخيرة على تقوية علاقتها بدول جنوب شرق آسيا خاصة الفلبين، مؤكدة أن ثقة كبيرة في أروقة الحزب الشيوعي والمراقبين العسكرية في قوة المقاومة الفلسطينية وقدرتها على الصمود.

وترى الباحثة المتخصصة في الشأن الصيني أن هناك تغيرًا كبيرًا في السلوك الصيني تجاه حرب غزة حيث تحاول الصين إثبات قيام إسرائيل بمجازر فى غزة، كما أشارت د. هند إلى قيام وزير الخارجية الصيني وانج يي باتصالات ومباحثات عديدة مع الأطراف المعنية من نظرائه في مصر والسعودية وإيران وتركيا وفلسطين وإسرائيل وأمريكا، كما يتواصل المبعوث الصيني للشرق الأوسط مع الجانبين المصري والقطري حول جهود التوصل إلى وقف إطلاق النار ومساعي الصين لإدخال المساعدات إلى غزة.

وأشارت إلى رفض الصين تصنيف حركة “حماس” كمنظمة إرهابية وأنها حركة تحرر وطني، لافتة إلى أن العلاقات الصينية الإسرائيلية شهدت ترجعًا كبيرًا قبل الحرب، حيث عمل المجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي على إيقاف تنفيذ العديد من الصفقات الصينية على وقع الضغوط الأمريكية، فيما تصاعد التوتر بين الصين وإسرائيل بعد الحرب إذ اتهم الإعلام الإسرائيلي بكين بزعامة ما أسماه بـ”محور الشر” والذي يشير إلى كوريا الشمالية وإيران وروسيا تحت قيادة الصين، وقد أشارت إسرائيل إلى أن الصين تستغل موقعها في المحافل الدولية لدعم غزة.

ومن وجهة نظر د. هند المحلى أن الصين تستغل الفرص من خلال مكانتها دولياً لدعم غزة وهذه هي المرة الأولى التي يتغير فيها موقفها رسميًا وإعلاميًا من الحياد إلى الدعم القاطع لغزة، مشيرة في الوقت ذاته إلى استخدام الصين للوسائل الدبلوماسية من خلال القيام بالوساطة النشطة بين الجانبين المصري والقطري في محاولة لوقف الحرب، وترى بكين أن هناك انقسامًا في الموقف العربي بين الحياد والتأييد للشعب الفلسطيني.

وقد أكد المدير الأكاديمي للمركز الدكتور أبو الفضل الإسناوي على أن الصين تتعامل مع الأزمة الفلسطينية من منطلق واضح أكدت عليه فكرة “اغتنام الفرص” التي أشارت إليها د. هند المحلي، حيث ترى بكين أن هناك فرصة حقيقية يجب اغتنامها في هذا الصراع وقد أدى ذلك للتحول في الموقف الصينى من التوازن إلى الدعم الكامل للشعب الفلسطينى وظهر ذلك من خلال استخدام الصين لمصطلح “الهمجية” والذي يؤكد التحول فى الخطاب الصينى تجاه الولايات المتحدة الأمريكية.

كما طرح د. أبو الفضل من جانبه عدة تساؤلات وهي كيف تتفاعل الصين مع أطراف القوى العربية فيما يتعلق بالتوازنات فى الفترة المقبلة؟ وهل يمثل انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة الفرصة التى تنتظرها الصين لسد هذا الفراغ؟

وأضاف “الإسناوي” أن الأطراف الرئيسية الآن في المفاوضات هي مصر وقطر والولايات المتحدة وأن الدور الأمريكي لم يتراجع وإنما من المتوقع أن يتزايد نتيجة لهذه الأزمة ولكن يظل الموقف الصيني مؤثرًا كذلك.

تناول اللقاء طرح عدة تساؤلات من خبراء وباحثي المركز على النحو التالي:

وردًا على سؤال د. حسام البقيعى رئيس وحدة دراسات العالم حول إمكانية استخدام الصين لعلاقاتها مع إيران لوقف الهجمات الحوثية في البحر الأحمر وذلك مع مرور معظم التجارة الصينية من خلاله، أكدت د. هند المحلى أن العلاقات الصينية الإيرانية علاقات قوية وتمتلك الصين نفوذًا اقتصاديًا على إيران حيث يتجه نحو 91% من صادرات النفط الإيراني إلى الصين ولكنها تستخدم إيران كورقة ضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، وترى خبيرة الشئون الآسيوية أن تضرر الصين من هجمات الحوثيين فى البحر الأحمر يظل محدودًا ولا يقارن بتضرر دول آخرى مثل مصر، وأشارت إلى أن المبعوث الصينى أكد أن الفاعلين ما دون الدول سيكون لهم دور مهم في منطقة الشرق الأوسط خلال المرحلة المقبلة.

وقد أشار الدكتور أبو الفضل الإسناوي أن الاستهداف المباشر للحوثيين باتجاه الشركات والسفن الأمريكية والبريطانية الداعمة لإسرائيل.

وحول تساؤل ضياء نوح المنسق الأكاديمي للمركز عن إمكانية تأثير أي توسع محتمل للحرب على فرص الصين الاقتصادية بالمنطقة لصالح الهند ومدى قلق الصين من تطور مصالح أخرى بديلة لها في المنطقة أو تؤثر على تواجدها أو على مشروعها الأكبر “الحزام والطريق”، أكدت د. هند المحلي أنه رغم التوقعات الصينية بامتداد الصراع ووجود منافسة كبيرة بين الهند والصين في المنطقة، إلا أن بكين تحصل على الجانب الأكبر من الاستثمارات من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وعلى الرغم من وجود تبادل تجاري كبير بين الهند والإمارات والسعودية لكن الصين تتفوق في العديد من المجالات وعلى رأسها في الطاقة المتجددة.

وبالإشارة لموقف الصين من الفاعلين من غير الدول لفت المدير الأكاديمي د. أبو الفضل الإسناوي إلى أن الصين تدرك ذلك جيدًا ويظهر ذلك من خلال المفاوضات الجارية مع “حماس”، كما أن الأطراف الدولية تعتبر “حماس” طرف رئيسي في الملف الفلسطيني، وكذلك الأمر بالنسبة للمفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة “طالبان” التي أفضت للانسحاب من أفغانستان وبالتالي ستشهد العلاقات الدولية فى الفترة القادمة تغيير فى نظرياتها.

وفي إطار تساؤل  رضوى محمد رئيس برنامج السياسات العامة حول رؤية الصين لمصالحها وفرصها الاقتصادية في الشرق الأوسط مع الشركاء الإيرانيين والعرب أم إسرائيل، ذكرت د. هند المحلي أن الصين حتى عام 2018 كانت تحصل على التكنولوجيا التي تحتاجها في المجال الزراعي من إسرائيل، وظهرت العديد من المراكز البحثية فى الصين والتي تخصصت فى العلاقات الصينية الإسرائيلية، إلا أنه مع تزايد ضغط الولايات المتحدة على الجانب الإسرائيلي لتقليص علاقته بالصين منذ عام 2022 ووصول العلاقات الاقتصادية إلى ذروتها، تزايدت أهمية الشركاء الخليجيين والإيرانيين على العلاقات مع إسرائيل التي بلغت مرحلة التشبع وانسحبت الشركات الصينية الكبرى من إسرائيل، بالتوازي مع اهتمام الجانب الإسرائيلي بتعزيز التعاون العسكري دول جنوب شرق آسيا خاصة الفلبين.

وأشارت خبيرة الشئون الآسيوية إلى اهتمام الصين بتعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج وترحيبها بالانفتاح الكبير في المملكة العربية السعودية، حيث نجد أن دول الخليج استفادت من الحرب الروسية الأوكرانية من خلال مصادر الطاقة لديها، لذلك تعمل الصين على زيادة الإستثمارات لديها وذلك مع خروج العديد من الشركات الألمانية من سوق الاستثمارات في الصين.

وقد أشار د. أبو الفضل الإسناوي إلى أن العلاقات الخليجية الأمريكية ستظل إشكالية في حدود الانفتاح الصيني تجاه الخليج.

وتساءلت سارة أمين الباحثة المتخصصة في الشأن الإيراني عن أسباب تغير السياسة الصينية من الحياد إلى اغتنام الفرص وإذا ما كان ذلك نتيجة لاحتدام التنافس في منطقة بحر الصين الجنوبي وتايوان؟، وهل سيقوي الانشغال الأمريكي بحرب غزة، النفوذ الصيني فى منطقة بحر الصين الجنوبي؟

وذكرت د. هند المحلي عدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على إدارة أكثر من حرب في نفس الوقت وبالتالي سيقلل ذلك من نفوذها في الشرق الأوسط، كما أكدت على أن التوسعات الصينية العسكرية ازدادت بشكل كبير في منطقة بحر الصين الجنوبي، وبالتالي فإن الصين تستفيد من إطالة حرب غزة وستستغل ذلك في تقوية علاقاتها بدول المنطقة من خلال بيع الأسلحة لبعض الدول في المنطقة.

وفي سياق تساؤل نادين مطر الباحثة المساعدة بالمركز حول مؤشرات توتر العلاقات الصينية الإسرائيلية ذكرت د. هند المحلي أن إسرائيل استدعت سفير الصين على خلفية وجود أسلحة صينية المنشأ في غزة، وترى خبيرة الشأن الصيني أن هناك تغيرًا في الموقف الصينى ليس فقط على المستوى الرسمي ولكن ايضاً بين أوساط المواطنين، حيث أظهرت تعليقات كثير من المدونين الصينيين انتقادًا لاذعًا لإسرائيل إلى حد مقارنة حرب غزة بالهولوكوست.

وقد اختتم د. أبو الفضل الإسناوي المدير الأكاديمي للمركز اللقاء بالحديث عن فكرة تحرك الصين من منطلق الفرصة المتاحة ومنطلق الدولة المسئولة ويعتقد أن الفترة المقبلة ستشهد دور واسع للصين خاصة مع وجود مشاورات مصرية صينية قطرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى