ما تأثير سرقة التيار الكهربائي على الاقتصاد المصري؟
تنتشر في الدولة المصرية ظاهرة تتسع يومًا بعد يوم، بدأت تؤثر بالسلب على الاقتصاد، وعلى الحل النهائي لمشكلة انقطاع الكهرباء، وهي ظاهرة ” سرقة التيار الكهربائي” التي يقوم بها المواطنون في العديد من المحافظات؛ تهرباً من دفع فاتورة الكهرباء، الأمر الذي يُحمل الاقتصاد المصري قدر هائل من الخسائر، كان من الممكن الاستفادة به في نواحي إيجابية عديدة تعود بالنفع على الاقتصاد.
وتأسيساً عما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى توضيح أبعاد هذه المشكلة، مع توضيح حجم خسائرها على الدولة المصرية.
أبعاد هامة:
يُمكن توضيح أبعاد ظاهرة ” سرقة الكهرباء” من خلال النقاط التالية:
(-) توصيف الظاهرة: يُمكن تعريف سرقة الكهرباء، بأنها استخدام المواطنون حق استهلاك الكهرباء بدون دفع مُقابل لهذا الاستخدام، ويُمكن يمتد هذا الوصف إلى التلاعب بعداد الكهرباء، أو التحايل على عدم دفع الفواتير المُستحقة، وتتعدد طرق ” سرقة الكهرباء”، فمنها استخدام الوصلات غير الشرعية، أو عن طريق الاستيلاء على التيار الكهربائي من الكوفريه العمومي الموصل للتيار قبل تركيب العداد، ويُمكن السرقة عن طريق نزع غطاء العداد لأسفل، حيث يتم إيقاف العداد عن الدوران في المنزل، ويلجأ بعض المواطنين إلى تركيب سكينة الكهرباء ودفنها في مكان غير مرئي، ويتم توصيلها من الخارج إلى السكينة الثالثة، ومن ثم وصلة أخرى إلى العداد.
ومن ناحية أخرى، يمكن سرقة الكهرباء عن طريق فتح العداد من الداخل، وتركيب مقاومات لتقليل الاستهلاك، ولم يتوقف بعض المواطنين عند هذا الحد من طرق السرقة، ولكن ابتكروا طريقة جديدة تستخدم ريموت كنترول لفصل العداد وإعادة توصيله من اللوحة العمومية.
ومن هنا يتضح أن التحايل على الدولة المصرية في استخدام الكهرباء بدون مُقابل يتم بعدة طرق، وتم ذكرها لأن بداية حل هذه المشكلة، يأتي من فهم طرقها وأسبابها، فمن هنا يُمكن حلها بشكل يسر للغاية.
(-) التمركز الجغرافي: إن سرقة الكهرباء تنتشر في عدد من المناطق دون غيرها، فهناك مناطق تقل فيها حملات الكهرباء، مما يؤدي إلى انتشار حالات السرقة بها، فوفقًا للشركة القابضة للكهرباء، فإن مناطق القاهرة الكبرى والجيزة تُعد من أكثر المناطق سرقة للتيار الكهربائي، إذ تجاوزت السرقات 30% من إجمالي حجم الطاقة المباعة في شركة جنوب القاهرة، بينما في شركة شمال القاهرة، تتعدى السرقات الـ 19 % من حجم الطاقة المباعة، وهي نسب كبيرة تُستقطع من إيرادات شركة الكهرباء، ومن ثم من إيرادات الدولة المصرية.
تداعيات الظاهرة:
ينتج عن سرقة الكهرباء من قبل بعض المواطنين المصرية العديد من الخسائر، التي يُمكن توضيحها فيما يلي:
(*) الضغط على الموازنة العامة للدولة: سرقة التيار الكهرباء يُحمل الدولة المصرية أعباء وخسائر مادية، إذ قُدر حجم الخسائر التي تتحملها الموازنة العامة للدولة حوالي 15 مليار جنيه من عام 2014 إلى عام 2019، وكما أفادت وزارة الكهرباء أن الدولة المصرية تتحمل سنوياً حوالي 2 مليار جنيه من سرقة الكهرباء، وعدم دفع الفواتير المُستحقة، فهذا المبلغ المفقود من إيرادات الموازنة العامة، يعمل على زيادة العجز السنوي بمقدار 2 مليار جنيه، وفي حين استدامة هذا الوضع لمدة خمس سنوات على سبيل المثال، ستتحمل الدولة المصرية خسائر قيمتها 10 مليار جنيه، كان يُمكن استغلالهم في مشروعات إنتاجية مختلفة ترفع القيمة المضافة للاقتصاد المصري، وبحسبة أخرى فإذا كانت الدولة المصرية تخسر سنويًا 2 مليار جنيه، وإذا كانت تحملت 15 مليار جنيه من 2014 إلى 2019، فمن هنا تحملت الدولة من 2014 إلى 2023 حوالي 23 مليار جنيه، نتيجة سرقة الكهرباء، الأمر الذي زاد من عجز الموازنة العامة للدولة.
الشكل (1) يوضح حجم خسائر سرقة الكهرباء على الدولة المصرية
المصدر: وزارة الكهرباء
(*) انخفاض مستوى الخدمة: تتسبب “سرقة الكهرباء” في ارتفاع نسبة الفقد في الشبكة الكهربائية، فكما يوضح الشكل (2) فقد بلغت معدلات الفقد الكهربائي 347% في عام 2021، ثم ارتفعت إلى 50% في عام 2024، وهو الأمر الذي يدل على خفض جودة التغذية الكهربائية، مما يعمل على انخفاض مستوى الخدمة المُقدمة للمواطنين الذي يقوموا بسداد الفواتير بانتظام، ومن ناحية أخرى تُسبب ” سرقة الكهرباء” عدم العدالة في الخدمة، فوجود بعض المواطنين خارج منظومة الدفع الكهربائي، يعمل على حصولهم على حق غير مستحق لهم.
وهناك صور عدة من أشكال انخفاض مستوى الخدمة المُقدمة للمواطنين، فيُمكن أن تأتي في شكل انقطاع مستمر للتيار الكهربائي، والتذبذب في الجهد الكهربائي، وحدوث ماس كهربائي، الأمر الذي يترتب عليه تلف العديد من الأجهزة.
الشكل (2) يوضح معدلات الفقد الكهربائي في مصر
(*) انخفاض كفاءة الشركة القابضة للكهرباء: إن الشركة القابضة للكهرباء تُعتبر من الشركات الاستراتيجية داخل الاقتصاد المصري؛ لأنها توفر خدمة أساسية في حياة المواطنين، ودورة الاقتصاد القومي، فمع انخفاض إيراداتها الناتج عن تهرب عدد من المواطنين من دفع فواتير الكهرباء المُستخدمة، سيعمل على خفض كفاءتها بشكل كبير للغاية، إذ سينتج عن ذلك انخفاض الاستثمارات التي تقوم بها الشركة في مجال الكهرباء، والتي تعمل على زيادتها قدرتها في الاقتصاد، فمن هنا فإن انخفاض كفاءة هذه الشركة سيعود بالسلب على الاقتصاد المصري.
(*) ارتفاع تكلفة الفرصة البديلة: إن الإيرادات التي تُهدر على الدولة المصرية لها تكلفة فرصة بديلة، فارتفاع تكلفة الفرصة البديلة على الخسائر التي تتحملها الدولة المصرية من سرقة الكهرباء، تُحقق ضرر كبير للدولة المصرية، فالدولة بهذه الإيرادات التي فقدتها، ضاعت فرصتها في بناء المزيد من محطات الكهرباء، والتوسع في مشروعات الطاقة المُتجددة.
توصيات ملحة:
إن الأثار السلبية لـ ” سرقة الكهرباء” تتطلب وضع حلول جذرية لها، وذلك على النحو التالي:
(-) تفعيل القانون: على الرغم أن المادة 70 من قانون الكهرباء تنص أنه ” يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة ألاف جنيه، ولا تزيد عن مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام أثناء تأدية أعمال وظيفته في مجال أنشطة الكهرباء، أو بسببها بارتكاب الأفعال الأتية: توصيل الكهرباء لأي من الأفراد أو الجهات دون سند قانوني بالمخالفة لأحكام هذا القانون والقرارات المُنفذة له، أو علم بارتكاب أي مخالفة لتوصيل الكهرباء، ولم يبادر بإبلاغ السلطة المُختصة، أو الامتناع عمدًا عن تقديم أي من الخدمات المرخص لها دون عذر أو سند من القانون”
وتفحصًا لهذا القانون يتضح أنه غير فعال في ضبط المخالفين، إذ أنه من الصعب اكتشاف من يقوم بهذه الأفعال، وهو الأمر الذي لم يكن رادعاً بشكل كبير، فالأهم من وضع القانون هو تفعيله بالشكل الذي يُحقق منفعة البلاد.
(-) التوسع في العداد الذكي: يُعد العداد الذكي إحدى الوسائل الهامة التي لابد من التوسع فيها؛ لتقليل حالات سرقة الكهرباء، إذ أن هذا العداد يقوم تلقائياً بتسجيل البرمجة والإغلاق وفقدان الطاقة، بالإضافة إلى حالة العداد عندما يقوم شخص بتغيير الجهد، وبالتالي يُمكنه بسهولة اكتشاف سرقة الطاقة، خاصة إذا تم تطبيق نظام قراءة العدادات بفعالية، حيث يُمكن مراقبة جميع بيانات الكهرباء عن بُعد وتحليلها، وعندما يتم اكتشاف حدث غير طبيعي، يتم إرسال إشعارًا تحذيريًا من خلال عدة وسائل منها أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة، مما يمنع سرقة التيار بشكل فعال.
(-) زيادة الترهيب الإعلامي: من الضروري أن يقوم الاعلام بدوراً أساسيًا في توعية المواطنين بعدم سرقة الكهرباء، فعندما يقوم الاعلام بالترهيب المواطنين بعدم فعل هذا السلوك، سيقوم عدد ملحوظ منهم بالتراجع عن السرقة، فالإعلام له دور قوي في التأثير على المواطنين وتذكيرهم بالقوانين التي تمنعهم من الأفعال التي تضر بمصلحة الوطن، فوجود حملة إعلامية قوية ضد سارقي الكهرباء سيكون تأثيرها إيجابي في تخفيض عدد السارقين.
وعليه يُمكن القول، إن أزمة سرقة الكهرباء في مصر تُفاقم من أزمة الكهرباء بشكل كبير، وتُساهم في ارتفاع معدلات قطع التيار الكهربائي، فضلاً عن تسببها في خسارة الاقتصاد المصري مليارات الجنيهات قُدرت بـ 23 مليار جنيه من 2014 إلى 2023، وهو الأمر الذي يدل على التأثير الاقتصادي السلبي الكبير لـ ” سرقة الكهرباء” على الدولة المصرية من فقدان حجم كبير من الإيرادات.