إلي أين وصل اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال؟

بمرور أربعة أشهر علي توقيع اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال الذي أبرم في مطلع العام الجاري 2024، تلتفت أنظار العالم إلي ما يجري في البحر الأحمر، في مقابل تلاشي تتبع التطورات الجيوسياسية في منطقة القرن الأفريقي، وذلك بالرغم من أهمية متابعة سير تلك التطورات علي المنطقة، نظرًا لإمكانية تأثير الاتفاق المبرم بين أديس أبابا والإقليم الانفصالي في زعزعة الاستقرار في المنطقة، لذلك علي القوي الإقليمية والدولية الفاعلة دور كبير في التأثير علي أطراف الاتفاق المصيري لسلامة استقرار القرن الأفريقي.
وتأسيسًا علي ما سبق؛ يتطرق هذا التحليل إلي الإجابة علي التساؤلات التالية، وهي: هل تعد أزمة الاتفاق المبرم بين إثيوبيا وأرض الصومال في مرحلة الاختفاء والتلاشي في ظل الأحداث الراهنة في المنطقة؟ أم تنفيذ الاتفاق مجرد مسألة وقت؟ وفي هذه الحالة، ما هو موقف القوي الإقليمية والدولية تجاه هذا الاتفاق؟ وهل تدرك إثيوبيا خطورة الاتفاق علي المنطقة وتحاول إدارة التوترات والتفكير في البدائل بالطرق القانونية بدلاً من إثارة الأزمات؟ أم تصر على رغبتها في الوصول إلى البحر الأحمر أياً كانت النتائج؟

مواقف ثابتة

بمتابعة ورصد مواقف أطراف الاتفاق المبرم بين إثيوبيا وأرض الصومال، تبين الثبات علي الموقف حتي الآن، كالتالي:

خريطة توضح الحدود الفعلية بين الصومال وأرض الصومال وجيبوتي وإثيوبيا-” أي ستوك”

(*) رفض مقديشو انتهاك سيادة ووحدة أراضيها: لم يتغير موقف الصومال من الاتفاق المبروم بين إثيوبيا وإقليم “أرض الصومال” علي الرغم من مرور أربعة أشهر، حيث تتمسك مقديشو بموقفها الرافض لـ “مذكرة التفاهم” التي تراها تنتهك سيادتها ووحدة أراضها، وسبق أن اتخذت إجراء دبلوماسي بسحب سفيرها من أديس أبابا من جهة، وإجراء أخر قانوني بإلغاء الاتفاق، وذلك لتأكيد سلطتها القضائية علي الإقليم الانفصالي، فضلاً عن سعي مقديشو إلي حشد حلفائها والمنظمات الدولية من خلال عقد المؤتمرات والاجتماعات الطارئة مع جامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وغيرها من الدول؛ لمساعدتها في إقناع إثيوبيا بالتراجع عن الاتفاق، وقد جاءت ردود الفعل الدولية إلي حد كبير مع الصومال في الحفاظ علي سيادة وسلامة أراضيها ومنع التدخل في شؤونها الداخلية.

وعليه، يرفض رئيس الجمهورية الصومالي “حسن شيخ محمود” إجراء أي محادثات ثنائية مع إثيوبيا، إلا بعد انسحاب أديس أبابا من الاتفاق المبرم، الأمر الذي قد يحدث حالة من التعنت والتوتر، خاصة بعد سنوات من الاستقرار في العلاقات مع أديس أبابا، حيث خاضت إثيوبيا والصومال حروبًا إقليمية مدمرة في الماضي، الأمر الذي قد يهدد من خوض الحروب بينهم من جديد.

علاوة علي ما سبق، هددت مقديشو بطرد القوات الإثيوبية المنتشرة في الصومال لمحاربة حركة الشباب، في حال استمرت إثيوبيا في تنفيذ الاتفاق، الأمر الذي قد يؤثر علي القضاء على حركة الشباب في جنوب ووسط الصومال، مما يجعل مقديشو مضطرة إلي توسيع تواجدها في مناطق أخري بجانب مناطق تواجد الحركة لمنع توسعها وانتشار العنف.

(*) إصرار أديس أبابا علي الوصول إلى البحر الأحمر:

 

تري إثيوبيا أن وصولها للبحر الأحمر بمثابة مسألة وجودية لا نقاش فيها، خاصة وأن أديس أبابا تسعي منذ استقلال إريتريا في عام 1993، لامتلاك منفذًا بحريًا دائمًا في البحر الأحمر، كونها دولة حبيسة، تعتمد علي ميناء جيبوتي بشكل أساسي خلال السنوات الماضية علي أكثر من 95% من تجارتها الخارجية، مقابل رسوم تقدر بـنحو ملياري دولار سنويًا، الأمر الذي يجعل أديس أبابا تعاني من خسائر تقدر بـ 150 مليون دولار شهريًا، نظرًا لمنعها من امتلاك منفذ بحري، وكانت قد سعت مررًا عن بدائل لتوسيع موانئها البحرية في القرن الأفريقي منذ عام 2018، وبائت كلها بالفشل لرفض دول المنطقة التخلي عن جزء من أراضيها والخوف من أطماع إثيوبيا في التوسع الاستراتيجي بامتلاكها موطئ قدم في البحر الأحمر مقابل حصص من المؤسسات الوطنية الإثيوبية.

وبالتالي يعد الاتفاق مع إقليم أرض الصومال، بمثابة المنفذ الحالي لتحقيق طموحها والوصول للبحر الأحمر، نظرًا لأهميته الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية لأديس أبابا.

وجدير بالذكر، أن الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال، يتضمن السماح لأديس أبابا الحصول علي موطئ قدم لها في البحر الأحمر، تمهيدًا لإقامة قاعدة عسكرية إثيوبية بالقرب من ميناء بربرة علي مساحة 20 كم2  لمدة 50 عامًا، في مقابل الاعتراف الإثيوبي بـ “أرض الصومال” كدولة مستقلة بعد استقلالها من جانب واحد عام 1991، إضافة إلي حصولها علي نسبة تقدر بـ 20% من الخطوط الجوية الاثيوبية التي تعد كبري شركات الطيران في إفريقيا، والاستثمار في البنية التحتية وتطوير الطرق والموانئ البحرية.

وعليه، تري هرجيسا أن الاتفاق يجعلها قادرة  علي تقديم نفسها كقوة إقليمية مستقرة في المنطقة، ومن المرجح أن تحاول إقناع أطراف إقليمية ودولية أخري بتبني نفس الموقف الإثيوبي، ولكن انتقدت المعارضة في أرض الصومال مذكرة التفاهم، مبررًة رفضها بأن الحكومة ليس لديها تفويض عام للتوقيع وأن اعتراف إثيوبيا لن يساعد أرض الصومال في الحصول علي الاستقلال.

علاوة علي ما سبق، هناك تصريحات من مسؤولين إثيوبيين لمسؤولين أجانب بأن إثيوبيا تدرس إلغاء خطة الاعتراف الدولي بـإقليم أرض الصومال، نتيجة للضغوط الدولية لتلاشي أي توترات أو اضطرابات إقليمية في القرن الأفريقي، وهو ما لم تعلن عنه الحكومة الإثيوبية حتي الآن.

 

 

المواقف الإقليمية والدولية

اتفقت مواقف القوي الإقليمية والدولية تجاه الاتفاق المبرم بين إثيوبيا وأرض الصومال علي حق الصومال في الحفاظ علي سيادة ووحدة أراضيه، ولمنع زعزعة الاستقرار في القرن الأفريقي، كالتالي:

1-المواقف علي المستوي الإقليمي: أبدت الدول الإقليمية مواقف واضحة وصارمة من الاتفاق، ويتم توضيح ذلك فيما يلي:

(&) تمسك الجوار الصومالي  بدعم مقديشو: بمجرد توقيع الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال، كان لكل من جيبوتي وإريتريا موقف واضح داعم لمقديشو، وكان قد دعا رئيس إريتريا “أسياس أفورقي” نظيره الصومالي لزيارة أسمرة، وتأكيده علي حق مقديشو في الحفاظ علي سيادتها، فضلاً عن توتر العلاقات بعد توقيع رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” اتفاق سلام في نوفمبر 2022 مع خصوم “أسياس” في تيغراي، أما جيبوتي بالرغم من علاقتها الجيدة بأرض الصومال، إلا أن اعتراضها عن الاتفاق كان واضحًا، فقد تفقد مكانتها باعتبارها الميناء الوحيد الذي تعتمد عليه أديس أبابا، فضلاً عن فقدانها قدرًا كبيرًا من الرسوم والضرائب، إضافة إلي تحمل جيبوتي ديونًا صينية كبيرة لتحسين الطريق الذي يربط مينائها بإثيوبيا علي اعتبار استمرار اعتماد أديس أبابا في تجارتها علي جيبوتي. كما يعد الاتفاق بمثابة إهانة لجيبوتي، حيث جاء توقيع المذكرة بعد أيام من توسطها بين الصومال وأرض الصومال لاستئناف المفوضات التي توقفت منذ عام 2020.

(&) ثبات موقف عدم الانحياز المباشر لـ منظمة الاتحاد الأفريقي و”إيغاد” : دعت منظمة الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية المعنية بالتنمية (إيغاد) الأطراف إلي إتباع استراتيجية “ضبط النفس” خشية من خلق حالة من عدم الاستقرار في القرن الأفريقي، مع تأكيدهم علي ضرورة احترام وحدة وسلامة أراضي الصومال، دون الانحياز المباشر لأي من الأطراف، لذلك رفضت الصومال وساطة الاتحاد الأفريقي، مبررة موقفها بعدم قبول الوساطة إلا إذا تراجعت إثيوبيا عن “مذكرة التفاهم” والحفاظ علي سيادة الصومال، ومن جانبها رفضت إثيوبيا المشاركة في اجتماع “إيغاد” من أجل مناقشة التوتر بين إثيوبيا والصومال بجانب الصراع في السودان.

(&) تضامن جامعة الدول العربية مع الصومال: تمسكت جامعة الدول العربية علي مواقفها الرافض لتوقيع “مذكرة التفاهم” التي قد تنتهك سيادة الدولة الصومالية، مؤكدة تضامنها الكامل مع مقديشو، معبرة عن مخاوفها من أن تؤثر هذه الخطوة في نشر الأفكار المتطرفة وتوسع حركة الشباب، أو التعدي علي أي جزء من أراضي الصومال.

(&) رفض مصر القاطع المساس بالسيادة الصومالية: منذ توقيع الاتفاق ومصر تؤكد علي رفضها القاطع للتعدي على سيادة الأراضي الصومالية، مشددة علي حق الصومال وشعبة دون غيره من الانتفاع بموارده، وفي 20 يناير الماضي دعا الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي” نظيره الصومالي، وتعهدت مصر بالدفاع عن الصومال وأرضه إذا تتطلب الأمر، مؤكده علي عدم سماحها المساس بالسيادة الصومالية.

(&) دعم تركيا لسيادة الصومال: دعت تركيا موقف الصومال، وأكدت علي ضرورة احترام سيادة ووحدة أراضي الصومال، فضلاً عن دعمها لمقديشو في حربها ضد الإرهاب، مع تأكيد استمرار التعاون بين البلدين.

كما ناقشت تركيا ومصر الوضع في الصومال من خلال محادثات في اسطنبول في أبريل الجاري، بين وزير الخارجية المصري “سامح شكري” ونظيره التركي “هاكان فيدان” ، مؤكدين علي  ضرورة التعاون واتخاذ الخطوات المناسبة للحفاظ علي  سيادة الصومال وأمن واستقرار القرن الأفريقي.

2-المواقف علي المستوي الدولي: تبنت القوي الدولية مواقف مشابهة، كالتالي:

(&) تمسك واشنطن بسياسة “الصومال الواحد”: تمسكت الولايات المتحدة بموقفها الداعم لسياسة “الصومال الواحد” منذ الإعلان عن توقيع الاتفاق ولم يتغير موقفها حتي الآن، وظهر ذلك في عدة تصريحات لكبار الدبلوماسيين الأمريكيين من دعم كامل لسلامة أراضي الصومال، فضلاً عن دعم الخارجية الأمريكية للمحادثات بين شعبي الصومال وأراضي الصومال للحفاظ علي مستقبل بلادهم وسيادته المشتركة، الأمر الذي يأكد علي ثبات الموقف الأمريكي تجاه مقديشو.

(&) قلق المملكة المتحدة من الاتفاق: عبرت المملكة المتحدة عن قلقها الشديد من توقيع “مذكرة التفاهم” بين إثيوبيا وأرض الصومال، ودعت الأطراف إلي “ضبط النفس”، مؤكدة دعمها لسلامة أراضي الصومال، نظرًا لكونها واحدة من أقرب الشركاء الغربيين لأرض الصومال، وفي المقابل دعا أحد أعضاء البرلمان بالمملكة المتحدة الاعتراف بالإقليم الانفصالي، في ضوء تلك الأحداث.

(&) موقف وزراء خارجية مجموعة الدول الصناعية السبع: خلال اختتام اجتماع وزراء خارجية مجموعة الدول الصناعية السبع ( كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة) الذي عقد في كابري بإيطاليا في الفترة من 17-19 أبريل، عبرت الدول السبع عن قلقها البالغ بشأن “مذكرة التفاهم”، مؤكدين علي دعمها للحوار المفتوح بين إثيوبيا والصومال، لمنع المزيد من التوترات بالمنطقة، فضلاً عن العمل مع الاتحاد الأفريقي  من خلال الاتصالات الثنائية، وفقًا للقانون الدولي ومبادئ السيادة والسلامة الإقليمية المنصوص عليها وفق ميثاق الأمم المتحدة.

وفي المقابل، أعربت هرجيسا عن غضبها الشديد من بيان مجموعة السبع الذي اعتبرها منطقة من الصومال، مؤكدة علي مكانتها كدولة مستقلة لها قوانينها ودستورها الخاص.

تغليب المصالح

قد تتغلب المصالح الأمنية والاقتصادية للعديد من الدول الكبري، للتدخل لوقف تنفيذ الاتفاق بين أديس أبابا وهرجيسا في حال تعارضت مذكرة التفاهم مع مصالح تلك الدول، ويتم توضيح ذلك بشكل أكثر تفصيلاً كالتالي:

(-) موقف الولايات المتحدة الحرج: تعد الولايات المتحدة من أكثر الدول التي قد تسعي للضغط علي إثيوبيا وأرض الصومال، نظرًا لوضعها الحرج في القرن الأفريقي، حيث أصبحت مصالح الولايات المتحدة في خطر، وتحديدًا في وقت حرج تطالب فيه النيجر واشنطن بحسب قواتها منها، فضلاً عن تصاعد التوترات بين واشنطن والحوثيين المتمركزين في اليمن في البحر الأحمر، لذلك واشنطن في وقت حاسم تحاول فيه توسيع وجودها العسكري في المنطقة علي أن يتجاوز تمركزها في جيبوتي، حيث سعت خلال العامين الماضيين من استخدام ميناء ومطار بربرة في أرض الصومال كقاعدة لأغراض مكافحة حركة الشباب، كما قد تساعد أرض الصومال واشنطن في الحصول علي مكان لحماية الطرق البحرية وتنويع وجودها الإقليمي في ظل الأحداث الراهنة في البحر الأحمر.

يضاف إلي ما سبق، أن أي صراع مسلح بين إثيوبيا وأرض الصومال والصومال، قد يؤدي إلي تعقيد في اتفاقيات التعاون الأمني بين الصومال والولايات المتحدة في الحرب ضد حركة الشباب، الأمر الذي يؤكد علي أهمية الدور الدبلوماسي الأمريكي في تهدئة التوترات القائمة، ومن المؤكد أن تسعي الولايات المتحدة لاستخدام نفوذها المالي والدبلوماسي للحفاظ علي مصالحها في البحر الأحمر، وتحديدًا فيما يتعلق ببربرة ومكافحة الإرهاب.

(*) مصالح القوي الإقليمية والدولية: علي مدار العديد من السنوات كثفت معظم الدول والمنظمات الدولية جهودها لمقاومة النزاعات الانفصالية، بهدف الحفاظ علي استقرار الأمن الإقليمي في القرن الأفريقي ومن جهة، وتغليب المصالح الشخصية من جهة أخري، لذلك توالت تصريحات الدول بموقفها المعارض، لاسيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا وجيبوتي والصين، الدول الأكثر استفادة من بقاء المنطقة مستقرة.

وعليه، استطاع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتركيا من الاستثمار في قدرة الدولة الصومالية، حيث قاموا ببناء البنية التحتية الاقتصادية والمادية لمقديشو، فضلاً عن دعم جهود الحكومة الفيدرالية لسنوات في مكافحة حركة الشباب، علي سبيل المثال، قامت تركيا بتولي إدارة المطار والميناء البحري في مقديشو، حيث قامت ببناء بنية تحتية اجتماعية ومادية في العاصمة، وافتتحت أول قاعدة عسكرية خارجية لها في البلاد، وفي أبريل الجاري بدأت الصومال في تنفيذ الاتفاقية الاقتصادية والدفاعية التي أبرمتها مع تركيا، لذلك قد يؤثر التوتر بين إثيوبيا وأرض الصومال علي تعرض استثمارات واشنطن واسطنبول للخطر. بينما يتمثل دور كل من الاتحاد الأوروبي في الدعم المالي للحكومة الصومالية، التي تشكل جزءًا من “مبادرة البوابة العالمية” للقرن الأفريقي.

أما الصين فقد استثمرت بكثافة في شراكة مبادرة الحزام والطريق مع جيبوتي، وفي حال تنفيذ الاتفاق قد تشهد خسارة كبيرة في الإيرادات، إضافة إلي الخوف من تأثير القرارات الاقتصادية والسياسية الإثيوبية، في حال تمكن ميناء أرض الصومال في بربرة من تحقيق قدرته التنافسية في المنطقة.

غموض واضح

بناءًا علي ما تقدم، يتضح أن تنفيد الاتفاق غير واضح للجميع، مما يثير الشكوك في إمكانية تراجع إثيوبيا عن تنفيد الاتفاق أم مجرد مسألة وقت، علي سبيل المثال، إعلان أديس أبابا في عام 2011 عن اعتزامها بناء محطة ضخمة للطاقة الكهرومائية علي نهر النيل الأزرق عند منبع مصر والسودان، وأثار هذا المشروع آنذاك نزاعًا مع مصر، وظل دون حل حتي بدء ملء السد الضخم في عام 2020، لذلك قارن مسؤولين في أديس أبابا بين الحالتين، مؤكدين أن الاتفاق مسألة وقت وأن الحكومة الإثيوبية لن تتخلي عن طموحها بامتلاك منفذ بحري، كما فعلت مع قضية سد النهضة ولن تتراجع إطلاقًا، وقد يترتب علي مضيء أديس أبابا في بناء موطئ قدم ساحلي لها مع الاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة، إثارة التوترات بين القوي المختلفة المتنافسة في المنطقة، وبالتالي زعزعة الاستقرار في القرن الأفريقي، مما قد يعمق من الانقسامات الإقليمية حول الدولتين.

ومن جانب أخر يفسر البعض عدم التزام إثيوبيا إلي الآن بالاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة، فضلاً عن غموض تنفيذ الاتفاق، نتيجة لاقتراح مسؤولون إثيوبيون أن المنشأة الجديدة ستكون لأغراض عسكرية وتجارية، بينما تصر أرض الصومال علي أن أديس أبابا لن تبني سوي قاعدة بحرية، إضافة إلي استمراها في استخدام ميناء بربرة للتجارة. كما صرح مسؤول إثيوبي أن الصفقة تغطي 20 كم من الأرض والبحر، موضحًا بذلك أن موقع المنشأة غير واضح، ويزعم البعض أنها ستقع في لوجا بالقرب من الحدود الجيبوتية، بينما يري أخرين أنها ستكون قريبة من بربرة.

سيناريوهات محتملة

بقراءة وتحليل المشهد في منطقة القرن الأفريقي، يمكن طرح سيناريوهين حول تأثير توقيع “مذكرة التفاهم” بين إثيوبيا وأرض الصومال علي الاستقرار في القرن الأفريقي، كالتالي:

(*) السيناريو الأول: تجنب التصعيد واللجوء للحوار المباشر: قد تدرك إثيوبيا وأرض الصومال خطورة تنفيذ الاتفاق علي المنطقة، خاصة في وجود الصراع في السودان، لذلك قد تحاول أديس أبابا وهرجيسا من التوجه إلي استراتيجية “تغيير المسار”، لتهدئة التوترات ومنع التصعيد المباشر بين أطراف الاتفاق، والاستمرار في ضبط النفس، إضافة إلي دور القوي الإقليمية والدولية الفاعلة في الوساطة، فضلاً عن ضرورة تنسيق الجهود بين منظمة الاتحاد الأفريقي و الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “إيغاد”، وبالتالي للقوي الفاعلة دور محوري في إقناع إثيوبيا بإجراء محادثات مباشرة، والوصول إلي حل مرضي يحترم سلامة وسيادة أرض الصومال، خاصة وأن مذكرة التفاهم ماهي إلا اتفاق مبدئي، ولم تلزم الأطراف حتي الآن بالبدء بتنفيذ الاتفاق.

وعليه، قد يكون أمام أديس أبابا فرصة للحوار المباشر بدلاً من الصراع، خاصة وأن إثيوبيا تعاني من تدهور في الأوضاع الاقتصادية والأمنية، فضلاً عن تدهور علاقاتها مع دول الجوار، الأمر الذي يجعلها في مأزق وسط المعارضة القوية من الدول الإقليمية والدولية، ويعد هذا السيناريو صعب تحقيقه في الوقت الحالي إلي أن تهدأ التوترات بين الأطراف.

(*) السيناريو الثاني: استمرار إثيوبيا في التصعيد: وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا في الوقت الراهن، فقد اتضح من الموقف الإثيوبي أن مسألة الوصول للبحر الأحمر أمر وجودي لا تراجع عنه، خاصة وأن إثيوبيا تسعي لتعظيم نفوذها في المنطقة والتحرر من عزلتها الجغرافية، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلي زيادة التوترات الجيوسياسية في المنطقة، وبالتالي زيادة حدة التوترات بين أديس أبابا وأسمرة من جهة، والتنافس بين جيبوتي وأرض الصومال من جهة أخري، مما يؤثر ذلك علي تصاعد حركة الشباب، وبالتالي توقف عملية بناء الدولة الصومالية.

وختامًا، يمكن القون إن إثيوبيا مستمرة في تحقيق طموحها بامتلاك موطئ قدم في البحر الأحمر لتعظيم نفوذها في المنطقة والتحرر من عزلتها الجغرافية دون النظر لمخاطر اتفاقها مع أرض الصومال، فضلاً عن تمسك الصومال بسيادة ووحدة أراضيه، وقد يؤثر التوتر في العلاقات أديس أبابا ومقديشو في التراجع عن محاربة متمردي حركة الشباب، وبالتالي قد تستغل حركة الشباب التي تسيطر علي جنوب ووسط الصومال الفراغ الأمني لتوسيع نفوذها ليس فقط في الصومال، وإنما قد تمد إلي بلدان القرن الأفريقي، أما بالنسبة لأرض الصومال فقد تخسر في هذه المعركة الاعتراف الدولي بها، ولكن من المستبعد أن تندمج في الوقت الحالي في الصومال، وبالتالي من المتوقع أن تكثف القوي الإقليمية والدولية الفاعلة جهودها للحوار المباشر المفتوح بين إثيوبيا والصومال وأرض الصومال للوصول لحلول مرضيه لجميع الأطراف للحفاظ علي استقرار القرن الأفريقي من جهة، والحفاظ علي مصالحهم الخاصة من جهة أخري، فضلاً عن إمكانية استخدم تلك القوي النزاع في صالحها إذا لزم الأمر.

عبير مجدي

عبير مجدي- باحثة في الشئون الإفريقية بالمركز، حاصلة علي بكالوريوس علوم سياسية- جامعة 6 أكتوبر، الباحثة في مرحلة الماجستير بقسم العلاقات الدولية- بجامعة حلوان، ومهتمة بدراسات التطرف والإرهاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى