تداعيات زيارة أردوغان إلي بغداد

في الـ 22 من أبريل الجاري، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، العاصمة العراقية بغداد، وخلال الزيارة تم توقيع أكثر من عشرين اتفاقية في مجالات الأمن والطاقة والزراعة التعليم والصحة. كما اعتبرت الحكومة العراقية، أن هذه الزيارة ستساهم مستقبلا في تشكيل مسار العلاقات بين البلدين لاسيما في ملف الأمن وتقاسم المياه وصادرات النفط وقضايا الإرهاب. يذكر أن هذه الزيارة، هي الأولي لـ أردوغان منذ عام 2011، حينما زارها وهو يتولي منصب رئيسا للوزراء.

وعليه، ما موقع تلك الزيارة من استراتيجية الحكومة العراقية الحالية وتقييمها؟ وما هي حيثياتها بالنسبة للجانبين التركي والعراقي وتداعياتها علي أبرز الملفات والقضايا الهامة؟ وهل هذه الزيارة تعني حقا جدية الطرفان حول ضرورة الوصول إلى توافقات ونوع من التهدئة فيما بينهما، سيما في ظل التوترات والمتغيرات الإقليمية الحالية؟

دبلوماسية عراقية مرنة:

بداية القول يجب الالتفات إلي الحكومة العراقية الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، والتي تنتهج نهجا دبلوماسيا متوازنا يعد درسا في الحكمة والمرونة، في تحركاتها علي كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وعلي الرغم من تسلم السوداني لمهامه في رئاسة الحكومة في ظل ظروف سياسية تتسم بالتعقيد والحرج الشديد، لذا فهو يتعامل بتوازن وحكمة بالغة بما يضع المصلحة الوطنية العراقية أولا وفوق كل اعتبار. فقد عمل منذ البداية علي لم الشمل العراقي وتوسيع قاعدة التوافق الوطني العام حني يستعيد العراق حيويته ومجده ويواصل أداءه لدوره الحيوي علي كافة الأصعدة إضافة إلي تحركاته الإقليمية والدولية الهامة.

حيثيات الزيارة:

هناك إجماع من الجانبين التركي والعراقي علي أن هذه الزيارة تعد تحولا تاريخيا في مسار العلاقات بين البلدين، حيث صرّح الرئيس التركي أردوغان ب “أن زيارته إلى بغداد والاتفاقيات المبرمة على هامشها ستشكل نقطة تحول في مسار العلاقات التركية العراقية”. وأضاف أن “اتفاقية الإطار الاستراتيجي للتعاون المشترك التي وقعناها مع رئيس الوزراء العراقي تشكل خارطة طريق قوية”. كما أعلن عن توقيع اتفاقية مع بغداد لاعتبار “بي.كي.كي” منظمة إرهابية من أجل مكافحتها والقضاء عليها. وأضاف قائلا بأن “العراق بلد جار وتربطنا به قواسم مشتركة عديدة، ولدينا إرادة سياسية لدفع علاقات العراق وتركيا إلى الأمام، وسنوفر التنسيق اللازم لضمان تنفيذ الاتفاقيات الموقعة مع العراق بالكامل”، مشيرا إلي “استعداد حكومته لتقديم الدعم إلي الحكومة العراقية”.

كما أن الحكومة العراقية لاشك أنها تميل إلي تحقيق الاستقرار علي كافة المستويات وتسعي جاهدة لإحراز أفضل النتائج، وقد صرّح رئيس الوزراء العراقي قُبيل الزيارة بأن “العراق وتركيا لديهما تاريخ ونقاط مشتركة ومصالح وفرص، وأيضا أمامهما مشاكل المياه والأمن وسيكونان في مقدمة هذه المواضيع المطروحة”. وصرّح أيضا مستشار رئيس الوزراء العراقي للشئون الخارجية، فرهاد علاء الدين لوكالة فرانس برس، بأن “المباحثات ستتمحور حول الاستثمارات والتجارة والملفات الأمنية في التعاون بين البلدين، فضلا عن إدارة الموارد المائية”.

تداعيات الزيارة:

 طبقا للخبراء والمحللين فقط جاءت زيارة أردوغان إلي بغداد تتويجا لجهود دبلوماسية كبيرة وحكيمة للحكومة الحالية برئاسة السوداني، وقد وجدت تلك الزيارة مردودا إيجابيا وأصداء عالية ووصفت بالتاريخية، لذلك يمكن القول أن هذه الزيارة أحدثت نقلة نوعية غاية في الأهمية في رسم مسار العلاقات بين بغداد وأنقرة، لاسيما من خلال النتائج المهمة التي حققتها في العديد من الملفات الأمنية والسياسية والاقتصادية، وكذلك في مجال حل مشكلة المياه بالنسبة للعراق، والتي ظل لسنوات يعاني منها دون حل، وأعلن رئيس الوزراء العراقي عن أن “البلدين وقعا اتفاقية لمدة 10 سنوات بشأن إدارة الموارد المائية تهدف لضمان حصول العراق على حصته العادلة من المياه”.

إلي جانب الملف الأبرز وهو محاربة الإرهاب، حيث صرّح الرئيس التركي، أن “البند الأهم في المحادثات مع العراق هو مكافحة الإرهاب”، مؤكدا “استعداد بلاده لدعم العراق في الحرب ضد الإرهاب”. كما أعلن رئيس الوزراء العراقي ب”أن بلاده لن تسمح باستخدام أراضيها في تهديد أمن دول الجوار”، وعقب ذلك تم الإعلان علي الفور عن اعتبار حزب العمال الكردستاني العراقي تنظيما إرهابيا محظورا في العراق وهو ما لاقي استحسان شديد من قبل الجانب التركي. وكذلك ملف إعادة تصدير النفط والغاز العراقي من أربيل في إقليم كردستان شمال العراق عبر ميناء جيهان إلي تركيا بعد أكثر من عام من توقفه، وذلك ضمن خطة مدروسة أطلق عليها الطرفان التركي والعراقي مسمي “الإطار الاستراتيجي للسنوات العشر القادمة”.

كما أن للزيارة تداعيات اقتصادية هامة في ظل التنمية المستهدفة من بغداد، كرفع حجم التبادل التجاري واستهداف توطين بعض الصناعات التركية في العراق. أما عن التداعيات الاستراتيجية فمن المؤكد أن الزيارة ستعزز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، خاصة وأن تركيا تعد من دول الجوار الهامة بالنسبة للعراق ولديها مكانة إقليمية متميزة. كما تسهم الاتفاقيات بين البلدين في عودة الاهتمام بقطاع الزراعة في العراق، وهو القطاع الذي تم إهماله بسبب الجفاف وقلة الموارد المالية والتلوث البيئي، وعودته تمثل أهمية كبري للأمن الغذائي بالنسبة العراق.

كما اتفق السوداني وأردوغان على السعي لتفعيل مجلس الأعمال العراقي التركي، وجعله منصة رئيسية يتبادل الطرفان من خلالها خبراتهما العملية، وتعزيز التعاون والتنمية والأمن المشترك بين البلدين، وعدم السماح بأن تكون الأراضي العراقية والتركية منطلقا للاعتداء بينهما. كما تم التأكيد على وجود حاجة حقيقية لتأسيس مؤسسات صناعية عراقية – تركية مشتركة داخل العراق، برأس مال مشترك، والعمل على تسهيل إجراءات منح سمات الدخول للمواطنين العراقيين لغرض التجارة والاستثمار والسياحة والعلاج والدراسة وغيرهم.

وختاما... لاشك أن هذه الزيارة كانت ناجحة ومثمرة  وذات مردود إيجابي في عدة ملفات وقضايا هامة للجانبين، وأزالت الكثير من علامات التوترات بينهما، وزادت فرص التعاون المشترك بين البلدين لاسيما أنها جاءت في وقت يسعي فيه العراق يمينا ويسارا إلي استعادة دوره ومكانته الإقليمية الهامة ولتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني في ظل حكومة السوداني، التي لا تدخر جهدا في تحقيق تلك الأهداف.

سارة أمين

سارة أمين- باحثة في شئون الخليج العربي وإيران، الباحثة حاصلة علي ماجستير في العلوم السياسية، شعبة العلاقات الدولية، متخصصة في دراسة شئون الشرق الأوسط والخليج العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى