تبديل الأدوار.. كيف تستخدم إيران أذرعها في حرب إسرائيل على غزة؟

في الوقت الذي أشاد فيه، المرشد الأعلى الإيراني، آية الله خامنئي، بعد عملية “طوفان الأقصى” بما سماه “الزلزال المدمر لإسرائيل”، قائلًا وقتها “نحن نقبل أيادي أولئك الذين خططوا للهجوم”، سرعان ما خرج بتصريحات أخري، نافيًا فيها تورط بلاده في تلك العملية.

وفي ظل استمرار الاتهامات لإيران بدعمها الدائم لمحور المقاومة في منطقة الشرق الأوسط، الذي يتكون وفقا للمراقبين من تحالف من الأذرع المدعومة إيرانيا المعارضة لإسرائيل والنفوذ الأمريكي في المنطقة، ويشمل حزب الله في لبنان، وتنظيم الحوثي في اليمن، وحركة حماس في فلسطين، و”المقاومة الإسلامية في العراق” – يبقى السؤال، وهو: هل باتت إيران، تبدل مسارات دعمها بين أذرعها المتواجدة بمحور المقاومة فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي علي غزة؟ وما هي الأسباب الكامنة وراء هذا التبديل، أم أن ما يحدث هو مجرد استراتيجية إيرانية تقوم علي استخدام التنظيمات حديثة العهد، والنأي بالقديمة عن أنظار إسرائيل وأمريكا لكي لا يتم اتخاذها ذريعة لجر أقدام طهران إلي حرب واسعة النطاق؟

من الواضح أن استراتيجية طهران في التعامل مع هذا العدوان غير المسبوق، تميل إلي الحذر الشديد، والتدخل المباشر بالنسبة لها يبدو غير مطروح إلا في حالة المساس بمصالحها الشخصية، ولكن من المؤكد أنها تسعي للاستفادة من الوضع الراهن لتعزيز مكانتها ونفوذها. أما علي المستوي غير المباشر، فالتدخل قائم، وقد تفاوتت درجة و حدة الاشتباكات والمناوشات بين الأذرع الإيرانية وجيش الاحتلال الإسرائيلي علي مدار أيام القصف، وعلي الرغم من أنه كان من المتوقع أن يصبح النصيب الأكبر من التدخل في هذه الحرب لصالح حزب الله، لكن الدور الأكثر بروزا وتأثيرا من قبل محور المقاومة، انحصر بشكل واضح في تنظيم الحوثي، واتسع نطاقه ليشمل تهديدات بحرية واختطاف سفن تابعة جزئيا أو كليا للكيان الصهيوني، إلي جانب إطلاق الصواريخ، وتليه “المقاومة الإسلامية في العراق” واستهداف القوات الأمريكية المتمركزة في الأراضي العراقية والسورية.

أذرع متشابكة:

تتبني الجمهورية الإيرانية ضمن أيديولوجيتها السياسية شعار “دعم المستصغرين” طبقا لما ينص عليه دستور الثورة الإسلامية في 1979، هذا الشعار قائم علي التدخل في شئون البلدان الأخرى. ولنشر تلك الأيديولوجية، تمكنت إيران الشيعية من تكوين شبكة من الوكلاء والحلفاء، والتي عرفت في الأوساط السياسية بـ “أذرع الإخطبوط”، وذلك لتعطيها غطاءا سياسيا لتصدير ثورتها وتعزيز عقيدتها والتمدد نحو دول المنطقة تحت ذريعة حماية الشيعة. وتمتد تلك الأذرع عبر لبنان وسوريا واليمن والعراق وفلسطين وباكستان وأفغانستان، وعلي الرغم من أن هنالك مجموعات منهم يختلفون عن إيران مذهبيا، لكنهم يجتمعون تحت هدف مشترك، وهو مقاومة النفوذ الأمريكي ومواجهة إسرائيل. لذا فسياسة إيران الخارجية تقوم علي خوض الحروب بالوكالة عن طريق أذرعها.

لقد برز من خلال تلك الأذرع ما عرف بـ “محور المقاومة”، والذي تم تأسيسه منذ فترة طويلة من قبل فيلق القدس، وهو ذراع الحرس الثوري الإيراني، وكانت بدايته في أوائل الثمانينيات علي الأراضي اللبنانية، وبتدريب الشباب الشيعة علي القتال والتسليح، للتصدي لجيش الاحتلال الإسرائيلي. ثم في التسعينيات توالي بعد ذلك دعم فيلق القدس للجماعات الإسلامية الفلسطينية، مثل الجهاد الإسلامي وحماس. ثم بدأ الفيلق في توسيع شبكته أكثر فأكثر من خلال دعم المعارضين الشيعة لنظام صدام حسين في أواخر التسعينيات أيضا، ثم بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، أنشأ فيلق القدس مجموعات مسلحة في البلاد لمحاربة القوات الأمريكية والبريطانية. أما في سوريا والتي شهدت اندلاع حرب أهلية بها بعد ثورة 2011، قام الفيلق بتدريب وتسليح الميليشيات الداعمة للحكومة السورية. وعن اليمن فقد دعم فيلق القدس جماعة الحوثي، وهي جماعة تنتمي للمذهب الزيدي تمردت ضد الحكومة  الشرعية المدعومة من المملكة العربية السعودية وسيطرت على مساحات واسعة من البلاد. وقد نتج عن قوة وسيطرة بعض هذه الأذرع، ظهور ما يعرف بـ”الدولة الموازية” كما هو واضح من سيطرة الحوثي في شمال اليمن.

خريطة محور إيران: تتضمن الحركات التابعة والحليفة لإيران

(*) فيلق القدس: هي وحدة قوات خاصة تابعة للحرس الثوري الإيراني، وتعد أحد أبرز الوحدات العسكرية الموكل إليها تنفيذ مهام قتالية خاصة ومكلفة بالعمليات الخارجية، كما أنها المؤسس الرئيسي والداعم لكافة الأذرع المسلحة في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفلسطين وباكستان وأفغانستان، حيث يوجد تقريبا 200 ألف مقاتل تابع لها في تلك البلدان وقد اتضح حجم دورها وتأثيرها لاسيما بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003م، والحرب في سوريا 2011، وقد تم تصنيف قوات الفيلق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية علي أنها منظمة إرهابية، وبلغت ميزانيتها 8 مليار دولار في عام 2021.

والحرس الثوري، بشكل عام يمثل التهديد الرئيسي لإسرائيل والمصالح الغربية، كونه أكبر جيش ميليشياوي في العالم والأكثر قوة وتنظيما إلي جانب الدعم الهائل الذي يتلقاه. ويقوم ذراعه العسكري (فيلق القدس) بتدريب وتسليح بقية الوكلاء في المنطقة. ولذا ربما تنأي إيران حاليا بالبعد عن إقحام فيلق القدس تحديدا في أية صراعات بشكل مباشر، نظرا لأن استراتيجية الحرس بشكل عام لا تقوم فقط علي الناحية العسكرية وخوض الحروب، بل تنشط في عدة مجالات يستخدم فيها الحرس الثوري نفوذه السياسي وبقوة، كالبنية التحتية في البلاد وقطاع النفط وإنشاء الشركات وغيرهم

(*) حزب الله اللبناني: من الأذرع الإيرانية، ذو الثقل في المنطقة، يطلق عليه “درة تاج إيران”، تم تأسيسه عام 1982، يتواجد في لبنان وسوريا، ويترأسه حسن نصرالله، تحت قيادة النظام الإيراني والحرس الثوري وقد تم تصنيف الحزب من قبل الولايات المتحدة علي أنه منظمة إرهابية، ويتلقى ما يزيد عن 750 مليون دولار سنويا من إيران، وقامت طهران بتسليحه عسكريا من خلال إمداده بترسانة دقيقة من أنظمة التسليح والتي تشمل طائرات مسيرة وأنظمة دفاع متطورة مضادة للطائرات وصواريخ مضادة للسفن وصواريخ قصيرة المدى وبعيدة المدى ومدافع الهاون والأسلحة الخفيفة والقذائف، وقد بلغ عدد الصواريخ لدي الحزب ما يقرب من 150 ألف صاروخ.

(*) جماعة الحوثي: يعد تنظيم الحوثي في اليمن، الذراع العسكري لإيران، وتم تأسيسه تحت اسم “جماعة أنصار الله” عام 1992م، بدأ الأنشطة العسكرية المسلحة منذ عام 2004، ضد الجيش اليمني حتى عام 2010، وما ساعدهم في الانقلاب علي السلطة الشرعية عام 2014، هو تزويد إيران لهم بترسانة عسكرية وصاروخية هائلة، كالصواريخ المضادة للدبابات، والألغام البحرية والطائرات بدون طيار وغيرهم بالإضافة إلي عشرات الملايين من الدولارات سنويا.

(*) عصائب أهل الحق: تأسست عام 2006، وتعد أبرز الأذرع الإيرانية في العراق، تتلقي الدعم والتدريب من قبل الحرس الثوري، ولديها ما يقرب من 10 آلاف مقاتل، ودائما ما تتبني عمليات مسلحة ضد القوات الأمريكية وكذلك الجيش العراقي، ولديها جرائم اضطهاد بحق السنة العراقيين.

(*) منظمة بدر: أسسها الحرس الثوري في الثمانينيات، وهي منظمة شيعية عراقية مسلحة مكونة من القوات العراقية المنشقة إبان حكم صدام حسين، وقاتلت في الصفوف الإيرانية ضد العراق، كما قاتلت بجانب الدولة السورية.

إضافة إلى ما سبق، ظهر ما يعرف بـ محور المقاومة والممتد عبر لبنان والعراق وسوريا واليمن ويضم (حزب الله اللبناني، المقاومة الإسلامية في العراق، والميليشات المسلحة الإيرانية في سوريا، وأخيرا تنظيم الحوثي في اليمن)، كما أن هذا المحور من أكبر داعمي حركات المقاومة الفلسطينية، وتتمثل أهم تشكيلاته فيما يلي:

(&) حركة حماس: تتولي مسئولية غرفة العمليات المشتركة الفلسطينية، وهي حركة مقاومة فلسطينية وطنية، وتتركز أنشطتها في كل من الضفة وقطاع غزة ولبنان، وصنفتها الولايات المتحدة الأمريكية علي أنها منظمة إرهابية. وتقدم إيران لها 100 مليون دولار سنويا. وتنسق الهجمات على إسرائيل مع حزب الله اللبناني. وتشمل الأسلحة التي تمتلكها حماس طائرات مسيرة وصواريخ قصيرة المدى وبعيدة المدى وأسلحة خفيفة ومدافع هاون وصواريخ مضادة للدبابات.

(&) حركة الجهاد الإسلامي: هذه الحركة عضو في غرفة العمليات المشتركة، ومدعومة من حزب الله اللبناني وفيلق القدس وتم تصنيفها من قبل الولايات المتحدة علي أنها منظمة إرهابية، ومقرها الرئيسي في لبنان وتعمل في سوريا وغزة والضفة، و تتلقى عشرات الملايين من الدولارات من إيران سنويا. وتشمل أسلحة الجهاد الإسلامي طائرات مسيرة وصواريخ قصيرة المدى وبعيدة المدى وأنظمة متنقلة مضادة للطائرات وصواريخ مضادة للدبابات وقذائف هاون وأسلحة خفيفة.

إن فكرة إيجاد أو خلق الأذرع الإيرانية كما ذكرنا سلفا، كانت لنشر الأيديولوجية الإيرانية والولاء التام لإيران وللحرب بالوكالة، لكن ذلك لا ينطبق علي كافة المحاور والأطراف المدعومة إيرانيا في المنطقة، كالمقاومة الفلسطينية على سبيل المثال والتي تختلف مذهبيًا وعقائديًا عن طهران وعن أبرز وكلائها في المنطقة “حزب الل”ه، كما أن المقاومة الفلسطينية وجدت بالأساس كحركات وطنية تتبنى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لتحرير أراضيها، لا لتنفيذ أجندات إيران كبقية الوكلاء.

فواعل مؤثرة:

تعددت صور تدخل أطراف محور المقاومة الإيراني في هذه الأزمة وتفاوتت درجة وحدة التدخل، كالتالي:

(-) جماعة الحوثي: برزت جماعة الحوثي علي الساحة فيما يتعلق بهذا العدوان، كونها هددت وتوعدت للاحتلال بالدخول علي الخط حال استمرار القصف والاجتياح البري، ومن ثم جعلت من تهديداتها واقعا ملموسا، وعلي الرغم من أن الحوثي من الأذرع حديثة العهد في المنطقة علي خلاف حزب الله، والذي كان من المتوقع أن يعتلي المشهد بالتدخل لاسيما بعد سيل من التهديدات من قبل الحكومة الإيرانية وكذلك قادة الحزب. ولكن كانت المفأجاة هي الصواريخ الحوثية التي تم إطلاقها منذ بداية العدوان، وثلاث هجمات بطائرات مسيرة، وإسقاط طائرة أمريكية بدون طيار قبالة الساحل اليمني حسبما أعلن التنظيم، كما صرحت القوات الأمريكية أنها اعترضت مقذوفات في البحر الأحمر تم إطلاقها من اليمن، ومع استمرار الوحشية الإسرائيلية قامت قوات الحوثي في 19 نوفمبر الماضي، باختطاف سفينة بحرية في مياه البحر الأحمر تابعة لرجل أعمال إسرائيلي وأعلنوا أن أية سفن تابعة جزئيا أو كليا للكيان الصهيوني هي محط استهداف. لكن الملاحظ هنا هو تنصل إيران من المواقف التي يقوم بها الحوثي، خاصة حادث اختطاف السفينة. وهذا ما سنشير إليه لاحقا.

(-) حزب الله: كان تدخل حزب الله في هذه الأزمة ربما لحفظ ماء الوجه أولا، وتزايد المخاوف من فتح جبهة أخري للصراع ثانيا، خاصة أن الوضع في لبنان يمر بأسوء مراحله، لذا اكتفي الحزب بتبادل إطلاق النار مع قوات الاحتلال الإسرائيلي علي الحدود، منذ 7 أكتوبر الماضي. وتصاعدت حدة التدخل والاشتباكات بين الجانبين لتشمل إطلاق الحزب لعدة صواريخ صوب الأراضي المحتلة، ورد الاحتلال باستهداف مدنيين لبنانيين جنوبي البلاد، ولم يتصاعد الأمر لأكثر من ذلك مغبة أن تخرج الأمور عن السيطرة.

(-) الميليشيات العراقية المسلحة: أعلنت المقاومة الإسلامية بالعراق والتابعة للحشد الشعبي مسئوليتها عن ما يقرب من 50 هجوم ضد القوات الأمريكية في العراق وسوريا، منذ بداية العدوان علي غزة تصاعدت، حيث يوجد ما بين 2000 إلي 2500 جندي أمريكي في العراق. كما أعلنت هذه الجماعة عن شن غارات علي مدينة إيلات.

(-) الميليشيات السورية المسلحة: أعلنت مسئوليتها عن إطلاق عدة صواريخ وقذائف هاون علي مرتفعات الجولان منذ بداية العدوان

استراتيجبة متغيرة:

تمدد إيران في المنطقة عبر أذرعها ودعمها المطلق تحت رفع شعار “مواجهة إسرائيل وتحرير فلسطين”، يعني تبرير دائم لوجود الأذرع بشكل مستمر علي الساحة، لكن في هذه الآونة بات من الواضح أن استراتيجية طهران تجاه تل أبيب لا تعني زوال هذا الكيان، لاسيما مع بروز مبدأ “حل الدولتين” وتصدره المشهد السياسي الحالي، كون أن الوجود الإسرائيلي، يعني بالضرورة شرعية وغطاء دائم للنفوذ الإيراني في المنطقة ويساعد علي توسعه. لذا فإن عملية طوفان الأقصى وما ترتب عليها من عدوان إسرائيلي، تخدم بشكل أو بآخر علي الأهداف والطموحات الإيرانية دون أن يقحم النظام الإيراني نفسه في تلك الحرب، والتي سيترتب عليها خسائر هائلة، وهنا يأتي دور وكلاء إيران في المنطقة للتدخل ومحاولة ردع تل أبيب التي قفزت علي كل القوانين والمواثيق الدولية، وهذا ما قامت به بالفعل بعض الأذرع لاسيما الحيثي والمقاومة في العراق.

كما أنه من الأسباب التي جعلت إيران تنأي بنفسها عن فكرة التدخل بشكل مباشر ضد إسرائيل، هو أسلوب الردع الذي انتهجته الولايات المتحدة والتي سارعت لتقديم الدعم لإسرائيل وتوجيه رسائل شديدة اللهجة لكافة أطراف المنطقة من مغبة توسيع نطاق الحرب. فالغرب يخشي دخول إيران علي الخط بشكل كامل سواء بشكل مباشر أو عبر أذرعها والتي في مقدرتها أن تسيطر علي مراكز الطاقة الحيوية في الخليج العربي والشرق الأوسط عن طريق تحالف كامل لكافة الأذرع المنتشرة بصورة قوية ومنظمة في الإقليم، ما يعني تهديد صادرات النفط والاقتصاد الغربي وحركة التجارة. لذا كانت الخطوة الاستباقية لصالح واشنطن من خلال اتخاذ قرارات استراتيجية هامة، كإرسال حاملتي طائرات أمريكية والسفن الحربية التابعة لهما، إلي شرق المتوسط، إلي جانب غواصة أمريكية نووية، وزيادة عدد الطائرات المقاتلة التابعة لسلاح الجو الأمريكي، وأنظمة الدفاع الصاروخي، كل ذلك من أجل ردع إيران وتوجيه رسالة قوية لها بعدم المساس بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية  وكذلك الدفاع عن الاحتلال الإسرائيلي.

لعل ذلك ما دفع إيران للنأي بنفسها عن الدخول في هذا الصراع بشكل مباشر أو أن ينسب الأمر إليها في حال الاشتباكات أو الهجمات التي تقوم بها المقاومة، ويبدو أن ما تقوم به بعض الأذرع من مناوشات واشتباكات ما هو إلا لحفظ ماء الوجه ليس إلا، لكن من دون أية تأثير قوي في مجريات الأمور، وهذه الحدود في التعاطي مع الأزمة من شأنها أن تحفظ إيران ومصالحها ودورها الذي رسمته لنفسها في الإقليم وفي ملف القضية الفلسطينية تحديدا، وهو أمر مقبول بشكل واضح لدي البيت الأبيض.

اتجاهات تبديل الدعم:

استنادا إلي ما سبق، فإن القول إن إيران باتت تبدل مسارات الدعم بين أذرعها، يبدو غير منطقي إلي حد ما، لاسيما أن مظاهر الدعم لكل ذراع كما هي، مع احتفاظ الأذرع القديمة ببعض الامتيازات منذ تأسيسها، وهذا الدعم قائم ولن ينقطع لأن هذه الأذرع هي استثمار إيراني طويل، منها ما مضي علي تأسيسه أكثر من أربعة عقود، ولن تسمح طهران بشكل أو بآخر بالتهديد الوجودي لتلك الأذرع أو جر أقدامها لحرب طويلة قد تخسر فيها بالفعل وكلاء في غاية الأهمية والقوة.

كما ذكرنا يبدو أن طهران عازمة علي الحد من مغبة تصعيد الأوضاع مع الاحتلال الإسرائيلي لاسيما في ظل تواجد الردع العسكري الأمريكي في المنطقة والذي يمثل تهديدا غير مسبوق، ما قد يضر بمصالحها الحيوية بشكل كبير، كذلك الوحشية الإسرائيلية في التعامل مع الوضع، كل هذه المعطيات رسالة واضحة لأذرع إيران في الشرق الأوسط، لذا طهران تنحي بعض الأذرع جانبا بشكل معلن خوفا من أن تصبح هدفا مباشرا لأمريكا وإسرائيل، مع الاستمرار في بعض الاشتباكات من حين لآخر مع قوات الاحتلال، وسرا يبدو أنها قد تدعم التدخل في هذه الحرب، حيث أن إسرائيل ستواجه تحديات كبيرة في توجيه ضربات لليمن تحديدا علي عكس الحال في لبنان، ما قد يجعل إيران وحزب الله يدفعان تنظيم الحوثي في محور المقاومة لفتح جبهات أخري للحرب مع إسرائيل وبالتالي تعقيد حساباتها عسكريا واقتصاديا كما في حالة التهديد البحري الحوثي في مياه البحر الأحمر. وهذا لا يعني تبديل مسارات الدعم بقدر ما هو استراتيجية إيرانية للاستفادة من الوضع الراهن بأقصى درجة ممكنة لصالح إيران، ومع كافة الأطراف.

ولعل تنصل طهران من اختطاف الحوثي للسفينة التابعة لرجل الأعمال الإسرائيلي في نهاية نوفمبر الماضي، هو مجرد خطوة تكتيكية لتمرير فتح جبهات أخري فيما بعد دون المساس بمصالحها، حيث صرح حينئذ رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أن احتجاز السفية “هجوم إيراني علي سفينة دولية”، ورد عليه المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني قائلا “إن هذه اتهامات فارغة”، وأضاف “أعلنا مرارا أن قوات المقاومة في المنطقة تمثل دولها وشعوبها وتقرر بناء علي مصالح دولها وشعوبها”. كما أن حركة اغتيال القيادات في الأذرع الإيرانية تؤثر بشكل كبير علي مركز القيادة وهذا ما لا تريد طهران تكراره مرة أخري، خاصة بعد اغتيال قاسم سليماني في عام 2020م.

وختاما، الوضع الحالي في المنطقة الآن شائك ومعقد لأبعد الحدود ولاشك أن الشرق الأوسط قبل 7 أكتوبر لن يصبح كما هو بعده، وتغيير المعطيات هو أمر وارد بشكل مستمر وبوتيرة متسارعة، وكل الاحتمالات واردة، لاسيما أن الرأي العام العالمي وخاصة الأمريكي بات يضغط علي إدارته بشكل كبير، ما قد يضع الإدارة الأمريكية في موقف صعب، وربما علي الجانب الآخر قد نشهد اتساعا لنطاق الحرب جراء استمرار الوحشية والقمع الإسرائيلي، ما قد يترتب عليه تدخل حزب الله بشكل قوي، ربما أيضا يتمادي الحوثي في تهديداته البحرية، وهي نقطة يبرع فيها التنظيم بالفعل، ربما تتزايد كذلك هجمات المقاومة في العراق وسوريا ضد القوات الأمريكية، مما من شأنه أن يؤدي إلي اشتعال المنطقة. وفي حال اتسعت الحرب فستكون كل المعادلات مختلفة.

سارة أمين

سارة أمين- باحث في شئون الشرق الأوسط، الباحثة حاصلة علي ماجستير في العلوم السياسية، شعبة العلاقات الدولية، متخصصة في دراسة شئون الشرق الأوسط والخليج العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى