ما دلالات التفجير الإرهابي في أنقرة؟
في الأول من أكتوبر الجاري، تمكنت الشرطة التركية من إحباط عملية إرهابية أمام مبني البرلمان ووزارة الداخلية التركية بالعاصمة أنقرة، نجم عنها تفجير انتحاري قام به أحد منفذي الهجوم، وإصابة شرطيين تركيين.
الأمر الذي أثار تساؤلات حول أسباب هذه الحادثة، ودوافع الجهة المسئولة عنها، وتداعياتها على الداخل، وما إذا كانت ستستوجب ردا تركيا ؟
توقيت لافت:
وفقا لتصريحات وزير الداخلية التركي على يرلي كايا، إن اثنين من الإرهابيين قاموا بسرقة سيارة وقتل صاحبها، ثم قدما بها أمام مدخل مبنى المديرية العامة للأمن التابعة لوزارة الداخلية في العاصمة أنقرة،وبدأ هجوما بالقنابل أسفر عن إصابة شرطيين تركيين، إلى جانب قيام أحد الإرهابيين بتفجير نفسه، وأصيب الآخر برصاصة في رأسه.
ومباشرة، توالت الإدانات الدولية للحادثة، وكان في مقدمتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهم. إلى جانب الإدانات العربية، كمصر والأردن والجزائر ودول الخليج عموما.
جاء التفجير الانتحاري في تركيا في توقيت وبيئة داخلية وخارجية قد يمثلا عاملا مساعدا لمثل هذه الهجمات، فمن أهم دلالاته:
- بوجه عام، جاء التفجير الإرهابي في تركيا استكمال السلسلة حوادث مشابهة ومتكررة خلال الأسابيع الأخيرة، فقد سبقها حادثة تفجير أخرى في مسجدين بباكستان، وأسفرت عن عشرات الضحايا من قتلى ومصابين. ومن قلبها تفجير آخر في النمسا بجانب معبد يهودي في أغسطس الماضي، كما أعلنت فيينا الشهر الماضي عن القبض على أحد عناصر تنظيم داعش، حيث كان يخطط لتنفيذ هجوم إرهابي.
- وفي توقيت تنشط فيه عمليات التنظيمات الإرهابية، كبداية العام ونهايته، بسبب تزاحم المناسبات الدينية والميلادية، وكثافة التجمعات أيضا، حتى تلقي مثل هذه الحوادث صدى أكبر.
- أما عن تركيا، جاء الحادث الإرهابي في توقيت تشهد فيه الساحة التركية تجاذبات حزبية في الداخل على إثر اقتراب موعد انتخابات البلدية في مارس المقبل، بما قد يسهم إلى حد ما في تخويف الشارع من السيطرة الكاملة للعدالة والتنمية على كافة المؤسسات الداخلية.
- وكان من المقرر أيضا أن يقوم البرلمان التركي بالتصديق على عضوية السويد في حلف الناتو، ولهذا قد يكون مبرر مثل هذه التنظيمات هو دفع البرلمان لإعادة النظر في هذا القرار، بالنظر إلى التصرفات المهينة من قبل السويد للدين الإسلامي.
- كما ومن الممكن أن تكون الحادثة بمثابة رد من قبل داعش على تحييد القوات التركية لزعيم التنظيم في سوريا منذ أسابيع، في عمليه اشتركت فيها القوات المساحة التركية وجهاز المخابرات.
وعلى أي حال، فتوقيت ومكان الحادثة تم اختياره بعناية، فقد أرادت الجهة المنفذة أن تكون الحادثة مؤثرة بشكل أكبر، نظرا لأنها تزامنت مع بداية الدورة البرلمانية الجديدة لمجلس الأمة التركي، والتي حضرها كبار مسئولي الحكومة، وعلى رأسهم أردوغان نفسه.
فاعل معلوم:
بعد ساعات من الحادثة، وقبل أن تعلن السلطات التركية الجهة المتورطة في الهجوم، أفادت وكالة الأنباء الفرنسية بإعلان حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن الهجوم الانتحاري، وكأنها مهمة وطنية يؤديها التنظيم على الأراضي التركية.
ومن الممكن أن تكون رسالة من التنظيم بأنه لا يزال فعالا ومهددا للأتراك رغم العمليات العسكرية المتكررة ضده في سوريا والعراق.
وواقعيا، سواء أعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن التفجير أو لم يعلن، كان من المتوقع، وهو المعتاد، أن توجه أنقرة أصابع الاتهام لعناصر الحزب وأذرعه، خاصة بعدما بثت وسائل إعلام تركية صورا للأسلحة التي استخدمت في الحادثة، وأفادت بأنها أسلحة أمريكية، تزود بها واشنطن عناصر pkk الإرهابي في سوريا والعراق. وبالتالي تمثل هذه الأسلحة إشارة بالنسبة للسلطات التركية لمعرفة الجهة المتورطة بالحادثة ودوافعها.
حتى أن الهدوء الذي تعاملت به السلطات التركية، كما في تصريحات وزير الداخلية التركي على كايا، والإصرار على عقد الجلسة البرلمانية رغم الحادث، وحتى أردوغان خلال خطابه بالبرلمان لم يتطرق للحادثة سوى في الختام، وبعبارات مقتضبة وشبه معتادة، قد يعني أن الفاعل معلوم بالنسبة لأنقرة.
صحيح أنه لا يوجد تداعيات كبيرة ملموسة للحادثة، إلا أن توقيتها في افتتاحية جلسات البرلمان التركي لدورته الجديدة، قد تفضي إلى رد تركي تجاه منفذيها، وقد يؤشر إلى ذلك تهديد أردوغان خلال خطابه بالبرلمان التركي أن بلاده ” لن تتردد في ضرب الإرهابيين في عقر دارهم “. وبالتالي فإن هذه الضربة لتركيا في الداخل قد تستدعي ردا عسكريافي سوريا والعراق، بغض النظر عن حدود هذا الرد.
والأهم، أنه كان من المقرر في تلك الجلسة ان يتم مناقشة عضوية السويد بالناتو، والتصديق على قرار الانضمام. ومن المعروف أن حزب العمال الكردستاني يحظى بدعم كبير من السويد كان سببا في توتر علاقاتها مع تركيا. و
بالتالي فإن عرقلة الجلسة ومنع قرار ضم السويد، من شأنه تسميم العلاقات بين تركيا والسويد من جديد، وسيكون حزب العمال الكردستاني هو المستفيد الأول من ذلك، من خلال استمرار دعم ستوكهولم له، خاصة وأن قرار تركي مغاير لما تم التوافق عليه في قمة الناتو الأخيرة فيما يخص دعم انضمام السويد للحلف، من شأنه أن يؤثر على علاقات تركيا بالحلف نفسه. ولهذا، كانت السويد من أوائل الدول التي أدانت الهجوم الإرهابي، وأكدت تعاونها مع تركيا في مجال مكافحة الإرهاب.
في الختام، يمكن القول إن مسرحية تركيا وحزب العمال الكردستاني لا زالت مستمرة، ومن غير المتوقع أن تنتهي على المدى القريب، خصوصا مع تصاعد التيار القومي في تركيا خلال السنوات الأخيرة. ولهذا، فمن الممكن أن نشهد خلال الأسابيع المقبلة ردا تركيا على التفجير، مع تسوقيه جيدا إعلاميا، لكسب ثقة الناخبين من جديد استعدادا لانتخابات البلدية.