التحولات المحتملة في الشرق الأوسط بعد انتخاب أردوغان؟

بانتهاء نتيجة الانتخابات التركية بفوز أردوغان بولاية جديدة، يبدو أنه اكتملت آخر الحلقات لمعادلة جديدة في المنطقة، قد يتم خلالها الإعداد لمواقف جماعية نوعا ما والتنسيق بشأن التحديات التي تواجه المنطقة، في ظل مشهد دولي مضطرب يشهد موجه استقطاب غير مسبوقة من قبل القوى الدولية الكبرى من أجل الانفراد بزعامة المنطقة.
انطلاقاً من ذلك، يناقش هذا التحليل التفاعلات والتحالفات الإقليمية المتوقعة في منطقة الشرق الأوسط، استناداً إلى التطورات التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية، خاصةً على صعيد الدول الرئيسية الفاعلة في الإقليم.
محطات هامة:
من الملاحظ مؤخرا غلبة الطابع البراجماتي علي التعاملات بين القوي الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، حتى أصبح لاعتبارات المصلحة الأولوية عن أية خلافات جوهرية كانت أو لازالت بين هذه القوى.
وكانت بداية التحركات الجديدة لدول المنطقة هي المصالحة الخليجية التي تمت في قمة العلا في مطلع عام 2021 بين مصر والدول الخليجية من ناحية، وقطر من ناحية أخرى. ومثلت قمة العلا انطلاقة نحو إعادة تصحيح لمسار العلاقات بين قوى إقليمية أخري جمعتها الخلافات والقطيعة لسنوات، فمن بعدها تمت استعادة العلاقات التركية الإماراتية، وقامت الإمارات بإنشاء صندوق استثماري دعما لأنقرة. وبدأت أيضا جولات المحادثات الاستكشافية بين مصر وتركيا على مستوى نواب وزراء الخارجية آنذاك، حتى عادت مستقرة تقريبا بعد اللقاء الذي جمع الرئيس المصري ونظيره التركي خلال حفل افتتاحية كأس العالم المقام بقطر العام المنصرم، والمساعدات التي قدمتها القاهرة لأنقرة على إثر كارثة زلزال 6 فبراير في تركيا، وزيارة تشارووش أوغلو وزير الخارجية التركي السابق إلي القاهرة بعدها، وتهنئة الرئيس المصري لنظيره التركي بفوز الأخير بولاية جديدة خلال الانتخابات الأخيرة، والاتفاق على تسهيل عودة السفارات.
وبالتزامن مع ذلك، عادت العلاقات التركية السعودية كما كانت في السابق، بعد زيارة الرئيس التركي إلى السعودية العام الماضي ورد الزيارة من قبل ولي العهد السعودي، وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين من أجل إعانة تركيا أيضا على ضائقتها الاقتصادية، مما أسهم في تعافي العملة التركية نوعا ما.
وفي وقت سابق، تم توقيع اتفاقيات السلام الإبراهيمي بين دول عربية وإسرائيل، وعُقد اجتماع شرم الشيخ الذي جمع مصر والإمارات وإسرائيل العام الماضي، إلى جانب اجتماع صحراء النقب الذي جمع الولايات المتحدة وإسرائيل و4 دول عربية، كما قامت مصر وإسرائيل بتوقيع اتفاق لتوريد الغاز للاتحاد الأوروبي في خضم أزمة الطاقة الراهنة.
وكانت المفاجأة مؤخرا بإعلان السعودية وإيران تطبيع العلاقات بينهما بعد سنوات من القطيعة وصلت إلى حد العداء الإقليمي بين الرياض وطهران في ملفات عدة، وعلى رأسها الملف اليمني والسوري، خاصة بعد عمل إيران على تطوير قدراتها النووية، مما جعل إيران بمثابة تهديد إقليمي لدول المنطقة برمتها.
كما بدأت تظهر عدة مؤشرات عن قرب تطبيع العلاقات المصرية الإيرانية أيضا، بعد فتور شاب العلاقات لعقود، وهذا كله بالتزامن مع خفوت الحديث عن الملف النووي أو القدرات النووية الإيرانية، مع وجود تفاؤل بشأن المحادثات بين إيران ووكالة الطاقة الذرية مؤخرا. ستحاول فيه القاهرة الاستفادة من كافة الأطراف، في ظل استقرار العلاقات مع أنقرة، والعلاقات المتينة التي تربط القاهرة بالخليج وسوريا، ولهذا تعتبر إيران الحلقة المفقودة الوحيدة حاليا بالنسبة لمصر، حتى لا تبتعد عن أي لعبة تخص المنطقة.
حتى أن إيران تقود مع روسيا جهود المصالحة بين أردوغان وبشار الأسد، بالإضافة إلى الجهود الإماراتية في هذا الشأن، ومن المتوقع أن يشهد هذا الملف تقدما خلال الفترة المقبلة، بالذات بعد نجاح أردوغان في حكم تركيا لولاية جديدة قد تدفع بشار لمراجعة حساباته مجددا، حتى أردوغان نفسه الذي تعهد بإعادة ملايين اللاجئين السوريين طواعية إلى بلادهم كجزء من وعودة الانتخابية، وقد تكون المصالحة مع حكومة الأسد هي البوابة لذلك، خاصة وان أردوغان والأسد يتشاركان الموقف نوعا ما تجاه التنظيمات الكردية المسلحة في الشمال السوري، حتى أن استعادة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية وتأسيس الآلية الرباعية بين تركيا وسوريا وروسيا وإيران قد يسهم أيضا في هذا الخصوص.
أما إسرائيل، فقد أصبحت بمثابة معضلة في إطار المعادلة الجديدة، مع علاقاتها بالولايات المتحدة وعناصر القوة التي تمتلكها، وفي وقت يتركز اهتمام الإسرائيليين على الملف الداخلي، والتحديات التي تواجهها الحكومة، والتوترات مع الجانب الفلسطيني، مما قد يؤثر على الدور الإسرائيلي في إطار التحركات الأخيرة في المنطقة، وتحديدا بعد فشل جهود التطبيع مع السعودية حتى الآن.
وفي وقت أيضا تضاءل فيه النفوذ الأمريكي في المنطقة مقارنة بالسنوات السابقة، وأصبحت فيه القوى الإقليمية في الشرق الأوسط تنتهز الفرص لتنويع الشركاء الدوليين والاستقلال عن الإرادة الأمريكية ولو قليلا بفضل تداعيات الحرب الأوكرانية، وحاجة واشنطن وحلفائها الأوروبيين إلي مصادر بديلة للطاقة الروسية. وقد يكون ذلك من أهم أسباب زيارة جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي للسعودية في مايو الماضي، الذي جاء بعد فترة تضررت فيها العلاقات الأمريكية السعودية، بسبب تخفيضات إنتاج النفط من قبل مجموعة أوبك+ التي تقودها السعودية.
وفي هذا الإطار، تستغل دول المنطقة جمعاء التنافس الاستراتيجي الحاصل في الفترة الراهنة بين الولايات المتحدة وروسيا والصين في بقاع عدة، إلي الدرجة التي اضطرت واشنطن إلي العدول عن سياسة تجاهل المنطقة منذ مجئ إدارة بايدن، خوفا من اقتحام روسيا والصين للمشهد ومحاولة سد الفراغ الأمريكي. ولكن على ما يبدو أن الإدارة الأمريكية تأخرت كثيرا في مراجعة سياساتها، فمن الواضح أنه ثمة تنسيق بين دول المنطقة، والخليج خصوصا، وروسيا والصين في المواقف الأخيرة، وهو ما يتضح من خلال القرارات التي تتخذ بخصوص الطاقة في منظمة أوبك +.
حتى أن قرار السعودية بتطبيع العلاقات مع إيران فيه تحد كبير للإدارة الأمريكية، التي تجمعها توترات مع طهران بخصوص الملف النووي، بالذات وأن اتفاق التطبيع جاء برعاية صينية نجحت في طي واحدة من أقوى الخلافات في المنطقة بما يعزز من فرضية إيجابية اللجوء إلي الصين كضامن دولي قوي يتحدي الهيمنة الأمريكية التاريخية في المنطقة.
تحالفات متوقعة:

استنادا لما سبق، قد تتبلور سياسات جديدة في المنطقة تقود إلى مجموعة من النتائج المحتملة، لعل أبرزها:
- فنظرا لكون تركيا أصبحت مركزا لنقل الطاقة الروسية _ إلي الأسواق الأوروبية تحديدا _ قد تحتاجها دول الخليج ومنظمة أوبك+ لأن تكون جزء من استراتيجية جديدة لمناورة واشنطن والدول الأوروبية، في ظل التوترات التي تجمعهم بأردوغان تحديدا خلال السنوات الأخيرة. وقد يكون ذلك أحد أسباب الدعم الذي قدمته دول الخليج وروسيا إلي أردوغان خلال الانتخابات. وبوجه عام، على ما يبدو أن تركيا أردوغان أصبحت رقما مهما بالنسبة لدول الخليج على وجه التحديد، وبالتالي قد تشهد الفترة المقبلة تنسيقا مشتركا بين الطرفين.
- وبالتالي بعد كلفة سنوات من التوتر بين دول المنطقة، وما نتج عن سياسة الاستقطاب السياسي والأيديولوجي من تحديات سياسية واقتصادية وأمنية، قد يحتم على دول المنطقة الحفاظ على الوضع الراهن بعد تحسينه، حتى ولو كانت هناك خلافات قد تعكر صفو العلاقات بينها، وتجنبا للخروج من أي لعبة تحاك حاليا بخصوص ملفات المنطقة، أو المغامرة بالاستقرار الراهن، في ظل حالة الاستقطاب الدولية العالية مؤخرا.
- كما وقد ينصب تخطيط دول المنطقة على حلحلة أزماتها وخلافاتها فيما بينها، كما هو الحال في الوساطة الإيرانية بين أردوغان والأسد، والعراقية بين إيران ومصر والسعودية، وإن احتاج الأمر إلي ضامن دولي قد تتجه الأنظار نحو روسيا، أو الصين بعد نجاها في تحسين العلاقات السعودية الإيرانية، وبالتالي قد لا ينحصر دور الوسيط أو الضامن الدولي في واشنطن فقط.
- إلا أن ذلك لا يعنى التخلي تماما عن الحليف الأمريكي، خاصة وأنه تدخل في الأزمة السودانية وتم التوصل بمشاركة السعودية إلي وقف لإطلاق النار. ولكن كل ما في الأمر السعي إلى تنويع الشركاء الدوليين، في ظل مشهد دولي تنافسي بين كبرى القوى فيه، وفي وتوقيت سمح للخليج باستخدام سلاح الطاقة من أجل إعلاء كلمته في المنطقة والساحة الدولية برمتها، في ظل الحرب الأوكرانية.
- وفي الوقت نفسه، تحاول القوى الإقليمية في المنطقة استغلال حالة الاستقطاب الدولي الراهنة في إطار التنافس على الزعامة الإقليمية، فمصر تستغل قربها من الملف الفلسطيني وتشارك في المبادرات ذات الصلة بما يجعلها ضمن أي مبادرة تخص الشأن الفلسطيني، والأمر نفسه بالنسبة للسعودية والإمارات في الملف اليمني، وإيران تستغل قربها من الحكومة السورية، حتى أن سوريا نفسها قد تصبح حلقة وصل للحوار بين الخليج بوجه عام وإيران، وقس على ذلك بقية ملفات المنطقة.
- حتى أن إيران قد تحاول العودة للاتفاق النووي من أجل رفع العقوبات الدولية والإقليمية عنها، ومن أجل مزيد من الاستقرار لعلاقاتها مع محيطها الإقليمي، كما ومن الممكن أن تستغل طهران حالة التوتر بين الخليج والغرب لإقامة تحالفات مع دول المنطقة ( حيث تتخوف واشنطن من المصالحة الخليجية الإيرانية، لأنه في هذه الحالة قد تظهر إسرائيل كعدو ). وفي هذا الإطار، أعلن قائد البحرية الإيرانية مؤخرا عن تشكيل تحالف بحري يضم إيران وعدة دول خليجية ( إيران والسعودية وقطر والإمارات والصين )، ومن الممكن أن يتسع لضم قوى إقليمية ودولية أخرى.
- ومع ذلك، قد يكون من الصعب أن تتخلى دول مثل مصر وتركيا والإمارات عن علاقاتها مع إسرائيل، باعتبارها تجمعها اهتمامات مشتركة، كما هو الحال في ملف شرق المتوسط، وهذا لن يتعارض مع علاقات هذه الدول بالسعودية أو إيران.
في الختام، قد تكون المنطقة على موعد مع تحالفات جديدة لعام 2023، تقوم على استيعاب ومجاراة مختلف القوى الدولية والإقليمية وفقا لاعتبارات المصلحة، وليس أدل على ذلك من اجتماع بايدن في جدة مع دول عربية في منتصف العام الماضي، والقمة الصينية العربية التي انعقدت أواخر العام الماضي، خاصة وأن سياسة التحالفات ليست جديدة على المنطقة، فقد سبق وتشكلت تحالفات في الماضي، مثل حلف بغداد، من المتوقع أن يكون الدول الإقليمية غير العربية دورا في المعادلة الجديدة.