انعكاسات التوسع في إنتاج طاقة الرياح بـ مصر
تشير التوقعات الحالية إن مصر ستكون من أكبر منتجي الرياح في القارة الأفريقية بحلول عام 2030، إذ جاءت هذه التوقعات من منظمة الطاقة “جلوبال إنيرجي مونيتور”، وأشار تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، إلى أن مصر يمكنها توليد نحو 53% من الكهرباء عن طريق الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، فقد جاءت هذه التوقعات نتيجة الانجازات الكبيرة التي نفذتها مصر في مشروعات توليد الطاقة من الرياح، والتي وضعتها في مستوي متقدم ما بين الدول العربية في استخدم الرياح في توليد الكهرباء، حيث سخرت مصر مصدر هام من مصادر الطاقة المتجددة، مُستغلة الموارد الطبيعية التي منحها الله لها بالعلم والتكنولوجيا.
في ضوء ما سبق، يهدف هذا التحليل إلى توضيح الانجازات التي حققتها مصر في استغلال طاقة الرياح لتوليد الكهرباء، مع توضيح الانعكاسات الاقتصادية التي ستعود على مصر من استغلال هذه الطاقة المتجددة.
انجازات غير مسبوقة:
تتجلي إنجازات الدولة المصرية في استغلال الرياح في توليد الطاقة في عديد من النواحي منها زيادة عدد محطات الرياح في مصر، وارتفاع المؤشرات التي تعكس هذه الانجازات.
الشكل رقم (1) من إعداد الباحثة يوضح محطات الرياح في مصر
(*) مزارع الرياح: تتنوع محطات الرياح في مصر ما بين محطات قائمة ومحطات تحت الإعداد، كما يوضح الشكل رقم (2)، فإن محطات الرياح القائمة تتمثل في مزرعة رياح الزعفرانة ومزرعة رياح جبل الزيت، ومحطة رياح قطاع خاص بخليج السويس، بينما هناك العديد من المحطات تحت الإنشاء مثل المشروع الخاص بشركة لاكيلا والكائن في منطقة غرب بكر لطاقة الرياح في رأس غارب بقدرة 250 ميجاوات، وهناك مشروع خليج السويس (1) والذي يبلغ قدرته الاستيعابية 250 ميجاوات، ويأتي هذا المشروع بالتعاون مع بنك الاستثمار الأوروبي والوكالة الفرنسية للتنمية والاتحاد الأوربي، وهو ما يوضح تعدد الأطراف المُشاركة في هذا المشروع، كما إن هناك مشروعات بنظام البناء والتملك والتشغيلBooفي منطقة خليج السويس بقدرة تصل إلي أكثر من 1700 ميجا وات، ويمكن إيضاح المحطات التي تم تنفيذها علي النحو التالي:
(-) مزرعة رياح جبل الزيت: تضم هذه المزرعة 3 محطات وهي: محطة رياح جبل الزيت (1) بقدرة 240 ميجاوات بالتعاون مع بنك التعمير الألماني وبنك الاستثمار الأوربي والمفوضية الأوربية، ومحطة جبل الزيت (2) بقدرة 220 ميجاوات بالتعاون مع الوكالة اليابانية للتعاون الدولي، ومحطة جبل الزيت (3) بقدرة 120 ميجاوات بالتعاون مع الحكومة الاسبانية، ومن هنا تبلغ الطاقة الاجمالية التي تولدها المزرعة من خلال المشاريع الثلاثة 580 ميجا وات ، وتضم مزرعة رياح جبل الزيت عدد 290 توربينه بطاقة استيعابية 2 ميجاوات لكل توربينة ، وبالنظر إلي هيكل المزرعة والأطراف المُشاركة في تنفيذها يتضح مدي ضخامة هذا المشروع، وحجم التأثير الكبير الذي ستضيفه لقطاع الطاقة المتجددة في مصر خاصةً، وإلي الاقتصاد المصري عامةً.
(-) مزرعة رياح الزعفرانة: تُعد أول محطة تم إنشاؤها لإنتاج الطاقة من الرياح، إذ كانت أولي مراحل انشاءها في عام 2000، بإجمالي 8 مراحل مختلفة، وتم تنفيذها من خلال بروتوكولات تعاون حكومي مع كل من المانيا والدنمارك وإسبانيا واليابان، وتتميز المحطة بضخامتها، إذ تغطي مساحة 120 كيلو متر مربع، وتنتج 554 ميجاوات أي ثلث ما ينتجه السد العالي، وتُعد هذه المحطة ثاني أكبر محطة في شمال أفريقيا بعد محطة جبل الزيت التي تنتج 580 ميجاوات، وتضم محطة الزعفرانة محطة للطاقة الشمسية جاري إنشاؤها، سوف تنتج 300 ميجا داخل المحطة، وكما تضم المزرعة عدد 700 توربينه من طرازات مختلفة.
(-) محطة رياح قطاع خاص بخليج السويس: تبلغ الطاقة الاستيعابية لهذه المحطة250 ميجاوات، وتعتبر أول محطة رياح مملوكة للقطاع الخاص في مصر، وهو ما يدل علىإن الدولة المصرية تسعي لزيادة دور القطاع الخاص في استثمارات الطاقة المتجددة، حيث سيترتب على ذلك زيادة الاستثمارات الموجهة لهذا النوع من المشروعات.
الشكل رقم (2) انتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة خلال عام 2022، هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة
(*) مؤشرات مرتفعة: حققت مصر انجازًا كبيرًا في استغلال طاقة الرياح في توليد الكهرباء، حيث يوضح الشكل رقم (2) ارتفاع معدلات الكهرباء المُولدة من مصادر الطاقة المتجددة، وقد قُدر حجم إنتاج الطاقة من الرياح 1845جيجا وات / ساعة في الربع الثاني من 2022، بالمقارنة بـ 1133 جيجا وات / ساعة خلال الربع الأول من 2022، كما حققت طاقة الرياح قدرة إنتاجية مرتفعة خلال عام 2022 لتبلغ 6.1 ألف جيجا وات / ساعة، بالمقارنة ب 5.39 ألف جيجا وات / ساعة، حيث تأتي طاقة الرياح في المركز الثاني بعد الطاقة الكهرومائية في توليد الكهرباء، وتتضح من هذه الأرقام مدي اهتمام مصر بالرياح كمصدر للطاقة، وإنها رسخت نفسها كمركز إقليمي للطاقة المتجددة في المنطقة العربية، إذ جاء تقرير منظمة “جلوبال إنيرجي مونيتور” مؤكدًا إن مصر تتصدر قائمة الدول العربية الأكثر إنتاجًا للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، حيث تصدرت مصر بإنتاج يبلغ 3.5 جيجاوات، تليها الإمارات بإنتاج 2.6 جيجاوات، والمغرب بإنتاج 1.9 جيجاوات، والأردن بإنتاج 1.7 جيجاوات، والسعودية بإنتاج 0.78 جيجا وات، وهو ما يوضح التقدم الكبير الذي أحرزته مصر في مجال الطاقة المتجددة.
انعكاسات محورية:
(&) التوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر: من منطلق إن الهيدروجين الأخضر ناتج عن استخدام الطاقة الكهربائية المُولدة من الطاقات المتجددة في تقسيم مكونات الماء إلى اكسجين وهيدروجين، يُمكن القول إن توسع الدولة المصرية في مشروعات استغلال طاقة الرياح وزيادة عدد مزارعها، سيحقق طفرة إنتاجية من الهيدروجين الأخضر في مصر، وهو ما يُعتبر وقود المستقبل، ومن المحتمل بدرجة كبيرة أن يزداد الطلب العالمي عليه، مُحققا عوائد اقتصادية جمة للدول التي تتميز بميزة تنافسية في إنتاجه.
(-) توفير النقد الأجنبي: إن توسع مصر في توطين مصادر الطاقة المتجددة التي سيزداد عليها الطلب الخارجي بشكل كبير، سينعكس علي زيادة تدفقات النقد الاجنبي، وتخفيض عجز ميزان المدفوعات، فقد تمكنت مصر بالفعل من تحقيق 116% معدل نمو في صادرات الطاقة الكهربائية المُولدة من طاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة ، وهو ما ساهم في تحقيق طفرة في الاحتياطي النقدي الأجنبي في مصر، فقد ارتفع إلي نحو 34.447 مليار دولار مقابل نحو 34.352 مليار دولار بنهاية فبراير 2023 و 34.224 مليار دولار بنهاية يناير 2023، وهو ما يؤكد وجود علاقة طردية بين التوسع في تصدير الطاقة المتجددة وزيادة تدفقات العملة الصعبة.
(-) زيادة إنتاج الكهرباء: فالمشاريع الضخمة التي تُنفذها مصر الخاصة بمزارع الرياح، تتميز بقدرتها الاستيعابية المرتفعة، إذ يوضح الشكل رقم 3 إن الطاقة المركبة للرياح ارتفعت من 750 ميغاوات في عام 2015 إلي 1375 ميجا وات في عام 2019 نتيجة التوسع في هذه المشروعات، مما يدعم القول إن مشاريع طاقة الرياح في مصر ستعمل علي زيادة معدلات انتاج الكهرباء.
الشكل رقم (2) يوضح الطاقة المركبة لطاقة الرياح من 2015 إلي 2029
(-) زيادة فرص العمل: زيادة المشروعات القومية الخاصة بطاقة الرياح، ستعمل علي زيادة فرص العمل، فمشروعات الطاقة المتجددة المختلفة متوقع أن تعمل علي توفير اكثر من 15 ألف فرصة عمل وهو ما يساهم في تخفيض معدلات البطالة في مصر بشكل كبير.
ختامًا، يتضح لنا الانجازات الكبيرة التي حققتها الدولة المصرية في الفترة الأخيرة، مُتداركة التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة بعد الأزمة الروسية الأوكرانية وتماشيًا، وهو ما سيعمل علي سنح الفرص الهامة أمام الدولة المصرية في تحقيق طفرة في العديد من المؤشرات الاقتصادية الكلية، و استحقاقها للصدارة بين الدول العربية في معدلات توليد الكهرباء من الرياح؛ نظرًا للمشروعات القومية العديدة التي نفذها الدولة في هذا الاطار .