هل تنجح اجتماعات وزراء الخارجية العرب بشأن سوريا؟
في السابع من مايو الجاري تعقد جامعة الدول العربية اجتماع غير عادى بخصوص عودة سوريا إلى الجامعة العربية، كما استضافت المملكة العربية السعودية الجمعة 14 أبريل الماضي اجتماعًا في مدينة جدة، شاركت فيه دول مجلس التعاون الخليجي الست، بالإضافة إلي مصر والأردن والعراق، وذلك للمشاورة وتبادل وجهات النظر بشأن عودة سوريا إلى الجامعة العربية، في إطار تحولات وتغيرات سياسية واستراتيجية كبري علي المستويين الإقليمي والدولي، والتي بدأ يتغير معها المشهد السياسي في المنطقة العربية علي وجه التحديد، بداية من المصالحة السعودية – الإيرانية برعاية الصين في مارس الماضي، والتي تقضي باستئناف العلاقات بينهما، وإجراء محادثات سعودية – حوثية للتوصل لوقف دائم لإطلاق النار، ومؤخرًا إعادة العلاقات الدبلوماسية بين دولة قطر ومملكة البحرين.
واستكمالًا لتلك الجهود، فقد استضافت العاصمة الأردنية عمان، يوم الاثنين 1 مايو الجاري، اجتماعًا لوزراء خارجية كل من الأردن ومصر والسعودية والعراق مع وزير الخارجية السوري، في إطار تواصل المشاورات والمساعي العربية الهادفة إلى إنهاء عزلة سوريا وعودتها إلى مقعدها في الجامعة العربية، وعلي ما سبق يبقي السؤال، هو: إلي أين ستصل نتائج هذه الاجتماعات بشأن سوريا، خاصة بعد انقطاع العلاقات لفترة طويلة؟وما العوائق التي تعترض عودة سوريا إلي الجامعة العربية؟ وما هي تداعيات عودتها؟
مساعي عربية متواصلة:
من المعلوم أن العلاقات السورية العربية مرت بفترة طويلة من الانقطاع، وهي منذ بداية الأزمة في سوريا في عام 2011م، حيث قطعت دول عربية عدة خصوصًا الخليجية منها علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا وأغلقت سفاراتها في دمشق، وذلك بسبب موقفها المناهض للحكومة السورية، كما علقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا فيها.
ومما لاشك فيه أن سوريا بلد عربي ذو أهمية قصوى وذراع هام للأمن القومي العربي والإقليمي. لذا أبدت معظم الدول العربية ترحيبها بإعادة العلاقات مع سوريا مرة أخري بعد قطيعة استمرت أكثر من 11 عام، وبرز مؤخرا دور الدولة المصرية والإماراتية، بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية في إعادة التواصل مع سوريا والمشاركة في المساعي الرامية لإنهاء الأزمة على النحو التالي:
(*) اجتماع جدة: استضافت مدينة جدة السعودية في 14 أبريل 2023، اجتماعًا تشاوريًا بمشاركة وزراء خارجية دول مجلس التعاون الست، بالإضافة إلي مصر والأردن والعراق، بشأن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وكان الاجتماع قد سبقته عدة تحركات من قبل الجانب السعودي علي وجه التحديد، إذ استضافت الرياض قبل أيام من ذلك الاجتماع، وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، في تحول مفاجئ تبعه بيان مشترك تضمن عدة نقاط على صعيد “التسوية السياسية وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين”.
ولكن بيان الوزراء بعد اجتماع جدة لم يشر إلى التوصل لأي قرار يتعلق بعودة دمشق المحتملة إلى جامعة الدول العربية، واكتفى بيان الخارجية السعودية، بالقول “إن الوزراء تبادلوا وجهات النظر حول الجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية ينهي كافة تداعياتها ويحافظ على وحدة سوريا”. كما أكد البيان على “أهمية قيام مؤسسات الدولة بالحفاظ على سيادة سوريا على أراضيها لإنهاء تواجد المليشيات المسلحة والتدخلات الخارجية في الشأن السوري، وشدد أيضًا علي أهمية حل الأزمة الإنسانية في سوريا وتوفير البيئة الملائمة لوصول المساعدات لجميع المناطق”، وختامه، أن “الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة في سوريا، مؤكدًا ضرورة وجود دور عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة”.
(*) اجتماع عمّان: جاء اجتماع عمّان في الأول من مايو 2023 في المملكة الأردنية الهاشمية، استكمالًا للمساعي العربية لبحث إمكانية عودة سوريا إلي الجامعة العربية مرة أخري، وأيضًا لبحث الجهود المبذولة لإطلاق دور عربي قيادي للتوصل لحل سياسي للأزمة السورية. وقبيل الاجتماع، التقى وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي بنظيره السوري فيصل المقداد، في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها لوزير خارجية سوريا إلى الأردن منذ اندلاع الأزمة في بلده عام 2011. وبحث الوزيران “الجهود المبذولة لإطلاق دور عربي قيادي للتوصل لحل سياسي للأزمة السورية”، كما بحثا أيضًا عددًا من القضايا الثنائية بين البلدين منها “أمن الحدود ومكافحة تهريب المخدرات والمياه واللاجئين”، بحسب بيان وزارة الخارجية الأردنية.
وناقش الاجتماع الخماسي بين وزراء خارجية الأردن ومصر والسعودية والعراق وسوريا سبل التعامل مع الأزمة السورية، بما في ذلك “تعزيز تضامن الدول العربية مع الشعب السوري في تجاوز محنته”. ووفقًا للبيان الختامي للاجتماع فقد تم الاتفاق علي ما يلي:
(-) دعم سوريا ومؤسساتها في أي جهود مشروعة لبسط سيطرتها على أراضيها وفرض سيادة القانون، وإنهاء وجود الجماعات المسلحة ووقف التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية.
(-) موافقة سوريا على العمل مع الأردن والعراق الشهر المقبل للمساعدة في تحديد مصادر إنتاج المخدرات وتهريبها عبر حدودها.
(-) العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين إلى بلدهم، هي أولوية قصوى ويجب اتخاذ الخطوات اللازمة للبدء في تنفيذها فورًا.
(-) تعزيز التعاون بين سوريا والدول المضيفة للاجئين بالتنسيق مع الأمم المتحدة “لتنظيم عمليات عودة طوعية وآمنة للاجئين وإنهاء معاناتهم، وفق إجراءات محددة وإطار زمني واضح”.
وقد أجرى وزير الخارجية الأردني، مساء الاثنين الأول من مايو الجاري، اتصال هاتفي مع الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبوالغيط، “ليطلعه علي مجريات الاجتماع الذي تناول عناصر جديدة في التعامل مع الأزمة السورية، وخلاصته التي انعكست في البيان الصادر عنه”، وذلك وفق بيان للمتحدث الرسمي باسم الأمين العام للجامعة العربية. مما يعني أن الجامعة العربية تتابع وباهتمام شديد ملف حل الأزمة السورية وإعادتها إلي الحاضنة العربية مرة أخري، لذا ربما الاجتماعات المقبلة لمجلس الجامعة والأمانة العامة ستناقش الأمر.
ترحيب عربي:
لا يمكن إغفال الجهود العربية التي بذلت خلال السنتين الماضيتين علي وجه التحديد، حيث بدأت مؤشرات التقارب بين سوريا وعدة دول عربية في الظهور، من بينها، الإمارات العربية المتحدة، والتي أعادت علاقاتها الدبلوماسية معها، والرياض التي أجرت محادثات مع دمشق حول استئناف الخدمات القنصلية بين البلدين. وكذلك دعا وزير الخارجية الكويتي الشيخ سالم العبدالله الصباح، الحكومة سوريا، لاتخاذ خطوات لبناء الثقة من أجل المساعدة في التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية ولعودة دمشق إلى الجامعة العربية. وصرح قائلا “أن إجراءات الثقة يجب أن تشمل إطلاق صراح السجناء والمعتقلين والكشف عن مصير المفقودين”. وشدد علي موقف بلاده الثابت والداعي لوحدة سوريا وسلامة أراضيها ورفض التدخل الخارجي في شؤونها، مؤكدًا أن سوريا بلد عربي مهم، وركن أساسي في الأمن القومي العربي، وأن بلاده لن تخرج عن الإجماع العربي بشأنها.
كما أن سلطنة عمان تعتبر إحدى البوابات الرئيسية للانفتاح العربي علي سوريا، كما أنها لعبت دور الوسيط الإقليمي لتقريب وجهات النظر بين الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في الأزمة السورية وتطبيع العلاقات العربية- السورية، ولقد استضافت مسقط في أغسطس 2015 اجتماع ثلاثي بين وزراء خارجية كل من سوريا والسعودية وإيران، بطلب من طهران، كما التمست روسيا الوساطة العمانية لإنهاء تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية، خلال زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف إلي مسقط في مايو 2022، كما أن زيارة الأسد الأخيرة للسلطنة، من المحتمل تدفع بعملية إعادة إدماج سوريا عربيا، ويذكر أن سلطنة عمان هي أول دولة عربية تعيد سفيرها إلي سوريا عام 2020، و لا تدخر جهدا من أجل التوسط لحل الأزمة والمصالحة مع دمشق علي الصعيدين الإقليمي والدولي.
ولقد أبدت دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء قطر، والدول العربية الأخرى، تأييدها لكسر عزلة سوريا وعودتها لمقعدها في الجامعة العربية. ومن المرجح أن تستمر المحادثات بين الدول التي تقود جهود كسر عزلة دمشق والدوحة في الأيام القادمة بما يضمن مسار المصالحة الذي تستعد له القمة العربية التي تستضيفها المملكة العربية السعودية في مايو الجاري.
مبررات قطرية:
دافع رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني عن قرار دولته بالمعارضة، محددا عدة أسباب حسب قوله، هي كالتالي:
(&) أن الأسباب التي دعت إلى تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية لا تزال قائمة، ومن ثم، فإنه لم يطرأ جديد حتي الآن يبرر عودتها، وبالطبع هو يشير هنا إلي موقف الحكومة السورية من المعارضة، وهو الموقف الذي استدعي اتخاذ هذا الإجراء في بادئ الأمر.
(&) الحديث عن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية – تكهنات-، مشيرا إلى أن أسباب تعليق عضوية دمشق لا تزال قائمة بالنسبة للدوحة. وكان ذلك عشية اجتماع جدة أبريل الماضي. بالإضافة إلى أن قرار دولة قطر، هو ألا تتخذ أي خطوة إذا لم يكن هناك حل سياسي للأزمة السورية.
(&) الحرب توقفت لكن الشعب السوري مازال مهجرا والناس الأبرياء في السجون. نحن لا نريد فرض حلول على الشعب السوري وهو الذي يجب أن يصل إلى حل ويجب أن يكون هناك حل سياسي للأزمة السورية.
توضيحا لما سبق من مبررات الرفض القطري لعودة سوريا، يمكن القول إن تلك الأسباب غير صلبة في معناها، بل يمكن أن تتغير مع الوقت، لاسيما أن هنالك علاقات ارتباط وثيقة بين قطر و إيران حليفة النظام السوري، وكذلك ارتباطها بعلاقات جيدة مع تركيا التي تسعى إلى مصالحة مع دمشق في الآونة الأخيرة، ومن المحتمل أن تتدخل كل منهما لدي قطر لإثنائها عن معارضتها عودة سوريا إلى محيطها العربي، إعمالا بتغليب المصلحة. وكذلك أيضا استجابة الجانب السوري والتزامه الكامل بحل سياسي للأزمة وكذلك مخرجات المباحثات العربية.
حلحلة محتملة وتداعيات مؤكدة:
بات واضحًا من سياق البيان الختامي، سواء في اجتماع جدة أو اجتماع عمّان، وبالإجماع “أن الحل السياسي هو المخرج الوحيد من الأزمة السورية، كما أنه من الضرورة أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة، ووضع الآليات اللازمة لهذا الدور، وتكثيف التشاور بين الدول العربية بما يكفل نجاحه. وأيضا لابد من تضافر الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية ينهي كافة تداعياتها ويحافظ على وحدة سوريا، وأمنها واستقرارها، وهويتها العربية، ويعيدها إلى محيطها العربي، بما يحقق الخير لشعبها الذي عاني كثيرًا من ويلات الأزمة السورية. وكذلك الكارثة الإنسانية التي خلفها الزلزال، وتوفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق في سوريا، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، واتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية.كذلك يجب علي الرئيس السوري بشار الأسد أن يتخذ خطوات لبناء الثقة من أجل المساعدة في التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية.
بالتالي، يمكن القول إن عودة سوريا إلى الجامعة العربية لها تداعياتها المحتملة والمؤكد بعضها في الوقت نفسه، حيث أن الخطوة الأولي في الانفتاح علي دمشق، هي استعادة مقعدها في الجامعة العربية، وهذا الأمر كان محور اجتماع وزراء خارجية الدول العربية المشاركون في اجتماع جدة وكذلك اجتماع عمان،هذه العودة ستعمل علي تفعيل العمل العربي المشترك، لأن مستقبل الشرق الأوسط وفي قلبه الدول العربية ومدي قدرته علي التحرر من الهيمنة الخارجية، مرتبط بقدرة الدول العربية علي استعادة التضامن العربي وتفعيل النظام الإقليمي واستعادة سوريا الصف العربي.
في النهاية، يمكن القول إنه من المحتمل أن تشهد المرحلة المقبلة انفراجة في العلاقات العربية- السورية. وعلي صعيد آخر، فإن هناك تحديات لا يمكن إغفالها تقف أمام عودة سوريا الكاملة لمحيطها العربي، علي رأسها معارضة أمريكا التطبيع مع سوريا، خاصة في ظل توسط موسكو في التقارب بين دمشق و أنقرة، كذلك العقوبات المفروضة علي سوريا “قانون قيصر الأمريكي” والذي يقف عقبة أمام العلاقات الاقتصادية والتجارية مع دمشق.