هل يستفيد أردوغان من كارثة الزلزال؟

بعدما استيقظت تركيا فجر يوم الاثنين 6 فبراير على وقع زلزال مدمر بلغت قوته نحو 7.7 ريختر، وفقا لما أعلنته إدارة الطوارئ والكوارث التركية، وفي سابقة لم تتكرر منذ زلزال أرزنجان في 1939، الذي أودى بحياة ما يقارب من ٣٢ ألف شخص، انهالت التعهدات بالمساعدات على تركيا لدرجة أنها خطفت الأضواء عن زلزال مماثل تقريبا في سوريا. الأمر الذي يثير تساؤلات حول كيفية استفادة أردوغان من تلك المساعدات، ومدى تأثيرها على المواقف الخارجية لتركيا وموقف القوى الدولية والإقليمية منها، بالإضافة إلى تأثيره على الملف الداخلي كذلك.

 دعم اقتصادي:

حيث أعلنت عدة دول خليجية عن استعدادها لتقديم الدعم إلى تركيا لمساعدتها على مواجهة آثار كارثة الزلزال؛ فقطر على سبيل المثال سيرت جسرا جويا لدعم تركيا وفقا لوكالة الأنباء القطرية، ويرافق أولى رحلات الجسر مجموعة إنقاذ قطرية تابعة لقوة الأمن الداخلي، ومستشفى ميداني ومساعدات إغاثة وغيرها من المستلزمات. والأمر نفسه تقريبا فعلته الإمارات. كما قامت الكويت أيضا بإرسال طواقم طبية عبر جسر جوي كذلك. وقِس على ذلك العديد من الدول العربية مثل البحرين والأردن. حتى أن مصر أعلنت  فورا عن استعدادها لتقديم المساعدة لمواجهة آثار الزلزال، وذلك بعد تحسن طرأ مؤخرا على العلاقات بين البلدين. والسعودية، حيث بعث الملك السعودي وولي العهد برقية خاص للرئيس التركي، كما أكد ولي العهد محمد بن سلمان خلال اتصال هاتفي بالرئيس التركي عن وقوف بلاده إلى جانب تركيا لتجاوز الكارثة.

كما أعلنت عدة دول غربية عن استعدادها أيضا لتقديم المساعدات لأنقرة بأي طريقة ممكنة، مثل بريطانيا وفرنسا، كما أكد المستشار الألماني عن عزم بلاده إرسال مساعدات إلى تركيا قائلا ” بالطبع سنرسل المساعدة”. كما أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان عن استعداد بلاده تقديم المساعدة أيضا، ووجه أيضا الرئيس الأمريكي جو بايدن وكالة التنمية الدولية بتقييم كيفية مساعدة تركيا.كما أعلن ينس ستولتنبرج الأمين العام لحلف الناتو عن التحرك فورا لحشد الدعم لتركيا.

ناهيك عن التعاطف الشديد الذي أبداه الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، وبنيامين نتنياهو أيضا. هذا إلى جانب هولندا واليونان وإسبانيا والسويد والهند وباكستان وغيرها عشرات من الدول، إلى جانب الدعم المقدم من المنظمات الدولية. ففي بيان للرئيس التركي أعلن فيه عن أن 45 دولة عرضت المساعدة على أنقرة خلال الساعات الأولي من الكارثة، إلى جانب حلف الناتو والاتحاد الأوروبي.

وفي هذا الإطار، سيسعى أردوغان لاستغلال الموقف على أكمل وجه، وسيطالب هذه الدول، وخاصة الولايات المتحدة والدول الأوروبية بالمزيد من المساعدات، التي تفيده في الجانب الاقتصادي. وعليه من الممكن أن تشهد الخزينة التركية انتعاشا ملموسا خلال الفترة المقبلة على إثر الأموال التي من المنتظر أن تتدفق على أنقرة في إطار المساعدات الدولية والإقليمية لمواجهة تداعيات الزلزال، الأمر الذي قد ينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد التركي قبيل الانتخابات.

فرصة سياسية:

استنادا إلى ما سبق، قد تشهد العلاقات التركية مع بعض الدول تطور سياسي، أكثر مما هي عليه الآن؛ كما هو الحال مع مصر، التي أعربت بشكل جدي عن استعدادها لمساعدة الحكومة التركية. ولهذا فمن الممكن أن يواجه الموقف المصري إزاء الكارثة بشكر أو تقدير خاص من قبل الحكومة التركية، قد يسفر فيما بعد عن تقدم ملحوظ في إطار استعادة العلاقات بين البلدين، وقد يتم ذلك في صورة زيارة لوزير الخارجية التركي إلى القاهرة، أو الرئيس التركي نفسه فيما بعد، خاصة بعدما تم إرسال المساعدات المصرية على وجه السرعة في اليوم التالي للزلزال وفقا لما أعلنه وزير الخارجية المصري سامح شكري.

حتى أن اليونان سارعت أيضا لمساعدة تركيا رغم الخلافات المستمرة التي تجمع بين أثينا وأنقرة، حيث قدم رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس تعازيه ودعمه لتركيا، قائلا إن بلاده ” تحشد مواردها وستساعدها على الفور”، وذلك رغم تصريحات الرئيس التركي مؤخرا التي هدد خلالها بغزو اليونان ردا على استفزازات الأخيرة في بحر إيجة، وبالتالي قد يسهم الموقف الإنساني من اليونان في استعادة الهدوء للعلاقات بين البلدين.

أضف إلى ذلك، أن موقف الدول الخليجية قد يساعد على تجاوز المزيد من الخلافات التي لا زالت  تجمع  بين الجانبين، ولهذا من الممكن أن تشهد الفترة المقبلة توافقات سياسية جمة على الصعيد الإقليمي بين تركيا والدول الخليجية، فيما يخص مواجهة التهديدات الإيرانية. خاصة وأن إيران لم تتخذ موقفا إنسانيا متلهفا حيال تركيا على غرار موقفها من زلزال سوريا.

 أما عن الولايات المتحدة وأوروبا، فقد ينجح أردوغان بفضل هذه الكارثة الطبيعية في كسب تعاطف الدول الغربية والتخفيف من حدة انتقاداتها، كما من الممكن أن تتراجع هذه الدول عن فكرة فرض المزيد من العقوبات الغربية على تركيا على إثر علاقتها بروسيا، خاصة بعدما انتقدت الدول الغربية الدعم العسكري التركي الأخير بمواد عسكرية لروسيا في حربها ضد أوكرانيا. إلى جانب إخماد ثورة الكونغرس الأمريكي ضد تركيا حتى ولو مؤقتا، بعدما ازداد النقاش فيه حول تركيا في الفترة الأخيرة منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي عن تقديمه طلب للكونجرس للموافقة على إرسال طائرات إف 16 إلى تركيا،وذلك أيضا بسبب العلاقات التركية مع روسيا.

فضلا عن أن قرار السويد بإرسال مساعدات إلى تركيا قد يسهم في تخفيف حدة الموقف التركي الذي رفض مؤخرا انضمام السويد إلى حلف الناتو، بعد حادثة حرق المصحف الشريف في السويد. حيث أعلنت الحكومة خلال  مؤتمر صحفي مع وكالة الطوارئ المدنية وحماية المجتمع عن تقديم دعم للسكان المتضررين على شكل خيام وإسكان مؤقت للطوارئ. كما خصصت الحكومة سبعة ملايين كرون لدعم الاتحاد الدولي للصليب الأحمر، خمسة ملايين لتركيا ومليونان لسوريا. كما أكد وزير الدفاع السويدي عن أن المشاورات جارية من أجل تقديم المزيد من الدعم. ومن ثم من المتوقع العودة لسياسة المساومات المرنة مرة أخرى بين البلدين. والأمر نفسه بالنسبة إلى فنلندا.

 الملف الداخلي:

إضافة إلى ما سبق، فإن موقف أردوغان على الصعيد الداخلي، سيصبح أقوى من ذي قبل، وهو على أعتاب انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد قرابة ثلاثة أشهر. فمن شأن هذه الكارثة الطبيعية وطريقة تعامل الحكومة التركية _ وأردوغان بالتحديد _ معها، أن تكسبه وحزبه المزيد من التعاطف الشعبي، بعدما استنفرت الحكومة التركية جميع إمكانياتها لمواجهة الكارثة، إلى جانب متابعة أردوغان للأزمة وعمله على توضيح أبعاد وتداعيات الأزمة شخصيا للرأي العام وبشكل دوري وبأسلوب خطابي عاطفي يتميز به.

إلى جانب إعطاء أردوغان أولوية للملف الداخلي عن السياسة الخارجية، من خلال تفرغه المتوقع لإدارة الملف الداخلي ومعالجة آثار الأزمة في ظل احتدام الحرب الأوكرانية. ومثال على ذلك أن يقرر أردوغان زيادة قدرة المباني على مواجهة الزلازل. إلى جانب وجود توقعات بتحقيق تقدم في الملف الاقتصادي قد يعين أنقرة على الخروج من ضائقتها الاقتصادية المستمرة في السنوات الأخيرة. بالذات وأن ذلك كله يتزامن مع ظهور باهت للمعارضة التركية سواء تجاه الأزمة أو ما قبلها. خاصة وأنها سارعت لانتقاد الحكومة التركية بدلا من أن تقترح أو تسهم في إيجاد حلولا  لمعالجة تداعيات الزلزال، الأمر الذي قد يكون لا يكون في صالحهم في مثل هذا التوقيت.

وفي الختام، يبدو أن أردوغان سيبذل قصارى جهده لاستغلال التعاطف الدولي مع بلاده لصالحه سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، تعينه في المستوى الأول على الفوز في الانتخابات القادمة في ١٤ مايو. كما ومن المرجح أن تخلق الأزمة تأثيرات سياسية من وإزاء تركيا خلال الفترة المقبلة.

 

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى