هل ترد إيران على إسرائيل بعد ضرب أصفهان؟
لا تزال تداعيات الانفجارات القوية مستهدفة مصنعاً عسكرياً التي هزت مدينة أصفهان الإيرانية مستمرة حتى الآن ، وحسب الرواية الرسمية الإيرانية، تعرض أحد مجمعات الصناعات الدفاعية التابعة للوزارة في اصفهان، مساء السبت، لهجوم فاشل بأجسام طائرة صغيرة (مسيرات)، وتم إسقاط طائرتين وانفجرتا”.
وجاءت بعض التقارير الدولية في بداية الأمر وربطت بين المنشأة المستهدفة بصناعة الطائرة المسيرة “شاهد 136″، والتي أصبحت جزءاً من أدوات روسيا في الحرب ضد أوكرانيا، ويأتي هذا الهجوم وسط توتر بين إيران والغرب بسبب ملف طهران النووي وتزويدها روسيا بالأسلحة في عمليتها العسكرية بأوكرانيا، إضافة إلى قمع إيران المظاهرات المناهضة لحكومتها.
ولكن سرعان ما أشارت طهران بأصابع الاتهام في ذلك الهجوم إلى تل أبيب ، وكان ذلك بشكل رسمي في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، حيث أعلن مبعوث طهران لدى المنظمة الدولية أمير سعيد إيرواني أن التحقيقات الأولية تشير إلى مسؤولية إسرائيل عن الهجوم، وقالت طهران إنه لم يسفر عن سقوط قتلى ولم يتسبب في أضرار جسيمة، وأنها متعهدة بالرد.
أهمية أصفهان العسكرية:
تعد أصفهان مركزا لصناعة الصواريخ الإيرانية وأبحاثها وتطويرها، تجري فيها تجميع صواريخ متوسطة المدى مثل “شهاب” (قادر على ضرب إسرائيل)، ووفقاً لعدة تقارير تحدثت عن إمداد إيران لروسيا طائرات مسيرات من نوع “شاهد” 136 الانتحارية التي استخدمت في حرب أوكرانيا، وفي أصفهان أربع منشآت أبحاث نووية صغيرة، حصلت عليها إيران منذ سنوات عديدة.
هل ضربة أصفهان نفذتها إسرائيل؟
منذ وقت طويل تعبر إسرائيل عن استعدادها لضرب أهداف إيرانية إذا فشلت الدبلوماسية في الحد من برامج طهران النووية أو الصاروخية، لكنها تتبع نهج الإحجام عن التعليق على وقائع بعينها، واتهمت طهران تل أبيب من قبل ذلك بالتخطيط لهجمات باستخدام عملاء على الأراضي الإيرانية، وفي يوليو، أعلنت إنها ألقت القبض على “فريق تخريب يضم مسلحين من الأكراد” يعملون لصالح إسرائيل وخططوا لنسف مركز “هام” للصناعة الدفاعية في أصفهان، بالإضافة إلى العديد من المواقع النووية التي تقع في محافظة أصفهان بما في ذلك نتانز الذي يمثل محور برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم واتهمت إيران إسرائيل بتخريبه في 2021، هذا بالإضافة إلى أنه وقوع عدد من الانفجارات والحرائق بمحيط مواقع عسكرية ونووية وصناعية إيرانية في السنوات القليلة الماضية كانت تل أبيب ورائها.
هجوم مختلف وغير مسبوق:
يعد هذا الهجوم والذي خرج عن طابعه السري هذه المرة، بعد جمع معلومات عن هجوم ضرب مركز تصنيع حربي في المدينة الواقعة وسط إيران، لذلك شملت الرسالة الرسمية من مبعوث طهران “إيرواني” إلى الأمين العام للأمم المتحدة أن: “إيران تحتفظ بحقها المشروع والطبيعي في الدفاع عن أمنها القومي والرد بحزم على أي تهديد أو خطأ ترتكبه إسرائيل أينما وكلما رأت ضرورة لذلك”، وأن “هذا الفعل الذي ارتكبته تل أبيب يتعارض مع القانون الدولي”.
وتعاملت إيران بشكل مختلف مع تلك الضربة غير المسبوقة، ولم تتكتم عنها، وكذلك وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية وشبه الرسمية تعاملت بحذر شديد مع ذلك الهجوم، فلم تنشر سوى البيان الذي أصدرته وزارة الدفاع، ولكن البيان الرسمي الإيراني لم يحدد طبيعة المجمع الصناعي الدفاعي الذي تم استهدافه، وفيما يلي أبرز النقاط في البيان الرسمي الإيراني:
ـ تعرض أحد مجمعات الصناعات الدفاعية التابعة للوزارة في اصفهان، مساء السبت، لهجوم فاشل بأجسام طائرة صغيرة (مسيرات).
ـ أصيب إحداها من قبل الدفاع الجوي للمجمع فيما انفجرت الاثنتان الأخريان بعد وقوعهما في فخاخ دفاعية.
ـ إن هذا الهجوم الفاشل لم يسفر عن وقوع ضحايا ولحقت أضرار طفيفة بسقف المصنع، ولم تتسبب في إحداث خلل في معدات ومهمات المجمع.
رد الفعل الإسرائيلي:
اعتاد العالم على صمت إسرائيلي محكم عند وقوع هجمات داخل إيران، واختيار الصمت يتناغم مع استراتيجية إسرائيلية قديمة وطويلة الأمد، فحتى اليوم لم تقر إسرائيل بامتلاكها سلاحاً نووياً على الرغم من إدراك العالم هذه الحقيقة، وفي حالة إيران لم تعترف إسرائيل أبدًا باغتيال علماء إيرانيين أو بتفجير بعض المنشآت أو شن هجمات سيبرانية.
ويعتبر هذا الهجوم الإسرائيلي الأول منذ إعادة تولي نتنياهو لمنصبه قبل نحو شهر، ومن المؤكد أن إسرائيل نفذت هذا الهجوم بدافع من مخاوفها الأمنية، وأن جهاز المخابرات “الموساد” الإسرائيلي هو من يقف وراء العملية.
وبعد الرصد والتحليل لبعض وسائل الإعلام الإسرائيلية مثل “القناة 12” الإسرائيلية أفادت، الأحد بأن الهجوم استهدف منشأة لصناعة الطائرة المسيرة “شاهد 136″، وقالت: الطائرات المسيرة المهاجمة انطلقت من موقع قريب عبر مُشغلين “على درجة عالية من الاحتراف” ويعرفون هدفهم جيدًا، وذكرت أيضاً أن الهجوم جمع بين معلومات غاية في الدقة وقدرات تكنولوجية متطورة للغاية، كلها إشارات تؤكد معرفتهم بالطائرة المسيرة التي تم التنفيذ بها وإمكانياتها.
الطائرة المستخدمة في الهجوم:
أكدت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”، أن طائرة “كوادكوبتر” هي التي استخدمت في الهجوم، وهذه أبرز صفاتها هي طائرة خفيفة الوزن مزودة بأربع مراوح منفصلة، ويمكن شراء نسخ بسيطة منها من الأسواق، تحلق بعض النسخ العسكرية منها لمدة 38 دقيقة، تستطيع حمل نحو 6 كيلوغرامات من المتفجرات، تستخدم في مهام متعددة مثل المراقبة والبحث والإنقاذ، وفق موقع airforce-technology، وهذا لا يعني أن هذه الصفات كلها تنطبق على الطائرات المستخدمة في الهجوم.
سجل إسرائيل في استخدام “كوادكوبتر”:
(*) في أغسطس 2019، أرسلت إسرائيل طائرة “كوادكوبتر” متفجرة إلى قلب منطقة تسيطر عليها ميليشيات حزب الله في بيروت، حيث تم تدمير آلة حيوية لإنتاج صواريخ دقيقة، وفق مسؤولين إسرائيليين.
(*) في يونيو 2021، انفجرت طائرات “كوادكوبتر” في أحد مراكز التصنيع الرئيسية لأجهزة الطرد المركزي في في كرج بضواحي طهران. قالت إيران إنه لم تحدث أضرار بالموقع، لكن صور الأقمار الصناعية أظهرت أدلة على وقوع أضرار كبيرة.
(*) في مايو 2022، استهدفت غارة بطائرة بدون طيار موقعا عسكريا شديد الحساسية خارج طهران حيث تطور إيران تكنولوجيا الصواريخ والنووية والطائرات بدون طيار.
رد الفعل الأمريكي:
جاءت الضربة في وقت تجري الولايات المتحدة وإسرائيل محادثات لبحث سبل جديد كيفية مواجهة برنامج إيران النووي وطموحاتها النووية، في بعض الأحيان، تعطي إسرائيل للولايات المتحدة تحذيرًا مسبقاً بشن هجوم أو تبلغ المسؤولين الأمريكيين أثناء بدء العملية، لكن ليس من الواضح ما حدث في هذه الحالة، وفق “نيويورك تايمز”.
وجاء في تغريدة لمستشار الرئيس الأوكراني، مخايلو بودولياك، قال فيها إن الضربة في أصفهان مرتبطة بالحرب في أوكرانيا، وعلى الفور، استدعت الخارجية الايرانية، القائم بالأعمال الأوكراني في طهران احتجاجاً على تصريح بودولياك، كما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن إسرائيل هي التي نفذت الهجوم عبر طائرات مسيرة، مما أسفر عن انفجار كبير في وسط مدينة أصفهان السبت، كما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أميركيين وأشخاص مطلعين على الأمر أن الذي نفذ الهجوم على أصفهان هو إسرائيل.
وبناء على ما سبق، هناك بالتأكيد تنسيق الكبير بين إسرائيل والولايات المتحدة في هذا الهجوم، كما أن تسريب واشنطن يمنحها الكثير من المصداقية، خاصة في الساعات الأولى من الهجوم وفي ظل ضآلة المعلومات بشأن ما حدث، رغم تصريح المتحدث باسم البنتاغون باتريك رايدر إن الجيش الأميركي لم يلعب أي دور في هذه الضربات، لكن كل الشواهد تؤكد ذلك خاصة في ظل ازدياد العلاقات المضطربة بين إيران والولايات المتحدة بعدما اشترت روسيا مئات الطائرات المسيرة من إيران – والتي استخدمتها لضرب المدن الأوكرانية- وبعد أن أصبح التحالف العسكري المتعمق بين إيران وروسيا يمثل مصدر قلق متزايد لواشنطن، من الواضح أن إدارة بايدن قد وافقت على هذا النهج حتى في الوقت الذي تحاول فيه إنكار معرفتها المسبقة بالهجمات.
ـ تستمر حرب الظل بين إيران وإسرائيل يحاول كلا الطرفين تسجيل نقاط، ويمثل هذا الهجوم استكمالاً في ملف صراع طويل الأمد بين إسرائيل وإيران، حيث استخدمت إسرائيل التخريب والاغتيال وضربات الطائرات المسيرة لاستهداف برنامج طهران النووي وقدراتها في مجال الأسلحة التقليدية، وقامت إيران بتسليح العديد من القوى على طول الحدود مع إسرائيل، سواء داخل لبنان أو في سوريا أو حتى داخل الأراضي الفلسطينية.
ـ من المرجح أن تهاجم إيران أهدافاً داخل إسرائيل، بما في ذلك السفن في الخليج، وتمتلك طهران قدرات متقدمة في مجال الطائرات بدون طيار والهجمات السيبرانية، على الرغم من أنه يبدو أن إسرائيل والولايات المتحدة تراهنان على أن إيران ليست في وضع يسمح لها بفعل الكثير في المقابل نظرًا لأزمة الاحتجاجات الداخلية فيها والاقتصاد المتعثر.
من المتوقع أن يشن الحرس الثوري الإيراني ضربات صاروخية وبواسطة طائرات مسيرة على أهداف من خلال الوجود العسكري في سوريا فقد عملت طهران على توظيف وجودها هناك لتسهيل نقل الأدوات القتالية إلى “حزب الله” عبر الأراضي السورية والعراقية.