لماذا يُعجل أردوغان بإجراء الانتخابات الرئاسية؟

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ٢٣ يناير الجاري عن تقديم موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ليتم عقدها في 14 مايو المقبل، وذلك قبل قرابة شهر من موعدها المحدد سلفا في ١٨ يونيو المقبل، في انتخابات من المتوقع لها أن تشهد منافسة شرسة بين المتنافسين. وعليه يناقش هذا التحليل أهداف أردوغان من تبكير موعد الانتخابات خلافا لما كان مقرر لها، والظروف التي ساعدت على ذلك، والتي جعلت أردوغان يري أنه جاهز لخوض السباق الانتخابي، خاصة وأن المعارضة التركية طالبت أكثر من مرة إجراء انتخابات مبكرة وكان هو من يرفض.

أردوغان للسويد: لن ندعم عضويتكم بالناتو طالما لا تحترمون معتقداتنا

 دلالات التاريخ:

في ١٨ يناير الجاري، سبق وأن أشار أردوغان إلى احتمالية تقديم موعد الانتخابات إلى ١٤ مايو خلال اجتماع له مع مسؤولين في حكومته. حتى عاد بعدها بأقل من أسبوع ( في ٢٣ يناير ) ليؤكد رسميا على الموعد الجديد لبدء السباق الانتخابي خلال اجتماع له مع مجموعات من الشباب في ولاية بورصا، قائلا  ” أشكر الله على أننا سنسير جنباً إلى جنب معكم، شباننا الذين يدلون بأصواتهم لأول مرة، في الانتخابات التي ستجرى يوم 14 مايو “.

وعليه، يبدو أنه صدقت توقعات كثير من المحللين والساسة في احتمالية أن يلجأ أردوغان إلى تقديم موعد الانتخابات عن موعدها المقرر في 18 يونيو المقبل، وفقا لعدة أسباب طرحوها محللون أتراك، من بينها الاقتصاد المتذبذب والعطل الدراسية وامتحانات دخول الجامعات المقررة في يونيو المقبل أيضا.

أضف إلى ذلك، أن اختيار أردوغان لتاريخ 14 مايو له دلالة كبير لدى العدالة والتنمية، وأردوغان بالتحديد، ففي ١٤ مايو ١٩٥٠ فاز الحزب الديمقراطي ( المعارض ) برئاسة عدنان مندريس على حزب مصطفي كمال أتاتورك ( حزب الشعب الجمهوري )، وتولى مندريس رئاسة الحكومة لأول مرة في تاريخ الجمهورية التركية، بعد سيطرة لحزب أتاتورك دامت لعقود. وذلك قبل أن يطيح الانقلاب العسكري بحكومة مندريس بعد عشرة أعوام من توليها. ولا طالما شبه أردوغان نفسه بعدنان مندريس واعتبره قدوة له، واعتبر أيضا أن حزبه العدالة والتنمية امتدادا للحزب الديمقراطي.

حتى عند إعلان أردوغان تقديمه لموعد الانتخابات ردد كلمات مندريس بعد فوزه بانتخابات ١٩٥٠، قائلا ” كفى الشعب سيقول كلمته، وحقق الفوز في صناديق الاقتراع “، واستكمل ” ستوجه أمتنا ردها على تحالف الطاولة السداسية في اليوم نفسه بعد 73 عاما “. الأمر الذي اعتبره محللون رسالة تحمل دلالات سلبية بحق المعارضة التركية العلمانية بالنسبة للمواطنين.

 ومن ناحية أخرى، أراد أردوغان إثارة تعاطف الشريحة المحافظة في تركيا ومناشدتها للتوجه إلى صناديق الاقتراع والتصويت لصالحه وحزبه، كما فعلت معه طيلة السنوات الفائتة ، ومع مندريس من قبل، حيث تعتبر الفئة المحافظة هي التي يراهن عليها أردوغان في الانتخابات المقبلة كما راهن عليها دوما.

ناهيك عن  أن اختيار أردوغان لتاريخ ١٤ مايو جاء عقب شهر تقريبا من تاريخ ٧ إبريل المقبل، حتى يضمن بذلك دخول قانون الانتخابات الجديد حيز التنفيذ. لأن قانون انتخاب أعضاء البرلمان نشر في الجريدة الرسمية في ٦ أبريل ٢٠٢٢، وبالتالي لا يمكن دخول التغييرات الجديدة حيز التنفيذ إلا بعد مرور عام من نشر التعديل الجديد في الجريدة الرسمية، ولا يطبق إلا على الانتخابات التي تجرى بعد هذا التاريخ، وذلك وفقا للدستور التركي.

وجدير بالذكر أنه تم إجراء بعض التعديلات على القانون الانتخابي؛ حيث تقرر أنه إذا تجاوزت أصوات أحد الأحزاب المتحالفة العتبة الانتخابية ( وذلك بعدما سمح بالتحالفات الحزبية في القانون الانتخابي الذي كان معمولا به في انتخابات ٢٠١٨ )، فسيتم اعتبار أن جميع أطراف التحالف قد تجاوزت الحد الأدنى، وسيتم توزيع الأصوات التي تم الحصول عليها في الدوائر الانتخابية على التحالفات أولا، ثم توزيع النواب حسب عدد الأصوات التي حصل عليها الحزب السياسي داخل التحالف. كما تم تخفيض العتبة الانتخابية المطلوبة لدخول البرلمان التركي من 10% إلى 7%.

كما أن أردوغان قد أخذ في حسبانه احتمالية ذهاب مؤيديه إلى تأدية مناسك الحج والعمرة وغيرها من العطلات، بما قد يقلل من نسبة الإقبال على الانتخابات، وبالتحديد الفئة المحافظة التي يستهدفها أردوغان، بما قد يجعل حظوظ أردوغان والعدالة والتنمية عموما مهددة هذه المرة إلى حد كبير.

قوة تركيا في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية ليست خيارا بل هي أمر إجباري" : رئاسة الجمهورية التركية

 أجواء مواتية:

 فعلي ما يبدو أنه ثمة مجموعة من المستجدات التي دفعت أردوغان أخيرا إلى تبكير موعد الانتخابات، رغم مناشدات المعارضة المتكررة في مناسبات عدة، والتي قد تصب في صالح أردوغان وفقا لحساباته، لعل أبرزها:

  1. استغلال التحسن الحاصل في الاقتصاد التركي، بعدما تراجع معدل التضخم من ٨٥ ٪ إلى 60 ٪ خلال الأسابيع الماضية، ووفقا لتوقعات الاقتصاديين _ ووفقا لما صرح به أردوغان شخصيا _ فإنه سيواصل الانخفاض خلال 2023. وذلك باعتبار العامل الاقتصادي هو المقوض الأهم لشعبية أردوغان خلال العامين الماضيين، والذي قد يهدد استمرارية أردوغان وحزبه في الحكم من عدمه بعد سيطرة دامت لعقدين على المشهد السياسي.
  2. اهتزاز صورة مرشح المعارضة المحتمل والأبرز أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية اسطنبول أمام الرأي العام التركي، بعد صدور حكم قضائي مؤخرا بالسجن لمدة عامين بحقه بتهمة ” إهانة ” الهيئة العليا للانتخابات، خاصة إذا تم تأييد الحكم القضائي ضده. وذلك باعتباره المرشح الأقوى للمعارضة حالت وافقت عليه الطاولة السداسية، خاصة بعدما نجح في انتزاع الولاية الأكبر والأغنى من قبضة العدالة والتنمية ( ولاية إسطنبول ) في انتخابات البلدية الأخيرة في 2019، بالذات في ظل وجود شبهات بوجود دعم غربي له قد يدعم حظوظه في مواجهة أردوغان.
  3. والسعي للاستغلال الفوري لما أنجزه أردوغان في الحرب الأوكرانية، والتي أسهمت بدورها بشكل كبير في إعادة تلميع صورة أردوغان وحزبه مرة أخرى بعد أن أحدثت الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها تركيا شرخ عميقا بها. وإذا فاز أردوغان فعلا في الانتخابات ستكون الحرب الأوكرانية هي العامل الأبرز في ذلك، لأن الشعب التركي معروف عنه الاهتمام بالسياسة الخارجية لبلاده ومواقف الحكومة والساسة بوجه عام تجاه بعض الملفات الخارجية، وخاصة ما تشغل باله منها.

وبالتالي فإن دور أنقرة في الحرب الأوكرانية كوسيط بين المعسكر الشرقي والغربي عموما قد أعاد الثقة الشعبية إلى أردوغان مرة أخرى، خاصة بعد ما حاول عرقلة انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو إلا في حال تخلتا عن دعم حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة إرهابيا. على اعتبار أن ملف حزب العمال الكردستاني والأكراد عموما يأتي على رأس الأولويات الأزلية للرأي العام التركي.

وفي نفس الوقت فإن الأزمة الأوكرانية غير معروفة نهايتها أو مدى تداعياتها المقبلة حتى الآن، وبالتالي فإن تقديم أردوغان للانتخابات سيتفادى من خلاله أي مخاطر متعلقة بتداعيات الحرب الأوكرانية سياسيا واقتصاديا، ومن ناحية أخرى سيتفرغ هو للمناورة خلالها مع القوى الدولية والإقليمية.

  1. استغلال تعثر المعارضة في الإعلان عن مرشح حتى الآن رغم اجتماع أحزاب المعارضة على طاولة واحدة وإعلان تحالفهما رسميا فيما يعرف إعلاميا باسم ” الطاولة السداسية “، كما فشلت أيضا في الإعلان عن برنامج رسمي لكي تستخدمه كدعاية انتخابية أمام الناخبين، مما أثار استياء البعض. وبالتالي فإن إعلان تقديم موعد الانتخابات سيربك حسابات المعارضة التركية أكثر وأكثر، وهو ما قد ينعكس على التصريحات والمواقف الداخلية لقوى المعارضة التي قد تبدو متخبطة نوعا ما في الفترة المقبلة.

 بل واستغلال التصدعات في صفوف المعارضة بسبب إصرار كل من كمال كليتشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري على الترشح للرئاسة، وأكرم إمام أو رئيس بلدية اسطنبول، ودعم ميرال أكشينار زعيمة حزب الجيد للأخير على حساب كليتشدار أوغلو أو منصور يافاش رئيس بلدية أنقرة.

وختاما، ستمثل الانتخابات التركية بشقيها الرئاسي والبرلمان اختبارا في منتهى الصعوبة لأردوغان وحزبه، ورهانا خطرا على مدى نجاح سياسات حكمه خلال العقدين الأخيرين، داخليا وخارجيا.

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى