في «أوراق أفريقيا».. أي مستقبل يتنظر تشاد؟

في تشاد لا يأمن التشاديون لأمرين مهمين؛ الطقس والسياسة؛ فالأخيرة لا تختلف في تقلباتها عن حالة الطقس دائمة التغير في البلاد، فحالة الاطمئنان التي أشاعها تشكيل حكومة وطنية في منتصف أكتوبر 2022، لم تستطع أن تبدد كل غيوم القلق وعدم الاستقرار التي اعتاد التشاديون عليها منذ الاستقلال عن فرنسا في أغسطس 1960، حتي بعد أن رأوا بأعينهم المتمردين السابقين الذين طالما خاضوا صراعات عسكرية وسياسية مريرة ضد نظام الرئيس السابق “إدريس ديبي”، الذي لقي مصرعه علي جبهة القتال، بعد أيام قليلة من إعلان فوزه بدورة رئاسية سادسة في الانتخابات التي جرت في الحادي عشر من إبريل عام 2021، والتي تعد الانتخابات الأولى في ظل الدستور الجديد الذي تم إصداره عام 2018، والذي حدد مدة الرئاسة لتصبح ست سنوات، مما كان يسمح له بالبقاء في السلطة حتى عام 2033.

غير أن المواجهات التي جرت مع جبهة الموائمة والوفاق في إقليم كانم في غـرب البــلاد الأوســط، وضعت حداً لنهاية حياة الرئيس “ديبي”، ونظام حكمه، والذي امتد لأكثر من ثلاثين عاماً، منذ استلائه على السلطة في تشاد عام 1990، عبر تمرد ضد نظام الرئيس “حسين حبري”.

وقد أعلن عن وفاة الرئيس “إدريس ديبي”، في العشرين من إبريل 2021، “متأثراً بجروح أصيب بها في معركة على خط المواجهة، وفي نفس اليوم أعلن تشكيل المجلس العسكري الانتقالي بقيادة نجل الرئيس “ديبي”، الجنرال “محمد إدريس ديبي”، والذي وعد بتنظيم حوار مع المعارضة، وإعادة السلطة إلى المدنيين خلال ثمانية عشر شهراً قابلة للتجديد لمرة واحدة.

وبعد الحوار الوطني الذي أقيم بالعاصمة القطرية الدوحة؛ أصدر رئيس المجلس العسكري الانتقالي “ديبي الأبن”، مرسوماً يقضي بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، مما أسهم في شيوع حالة من الاطمئنان بين التشاديين؛ لكنها ممزوجة بالحذر في ذات الوقت؛ إذ يدرك التشاديون أكثر من غيرهم، أن استقرار الأوضاع البادي أمام أعينهم، ليس سـوى قمة جبل الجليد، فما تعانيه البلاد من انقسام، يحمل تاريخاً طويلاً من عدم الاستقرار على المستويات كافة، سياسية كانت أو مجتمعية، وبداخل أجهزة ومؤسسات الدولة، إضافة إلى التأثير الكبير للقوى الأوروبية، لا سيما فرنسا صاحبة الإرث الاستعماري الطويل في بلادهم خاصة وفي أنحاء القارة الإفريقية عامة، فضلاً عن تأثير الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، وكذلك روسيا، المتحفزة والمتوثبة لحجز موطئ قدم في كل بقعة تشم فيها رائحة الفراغ الأفريقي في أي من أرجاء القارة، وبخاصة تشاد، التي تحتل القلب منها.

من خلال ذلك أصبح مستقبل تشاد بعد الرئيس “إدريس ديبي”، رهناً بحالة الانقسام الداخلي (السياسي والمجتمعي والمؤسسي)، وحالة الحرب الباردة الجديدة بين القوى الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وروسيا من جهة أخرى، مع عدم استبعاد أدوار دولية وإقليمية أخرى، تحاول استثمار حالة الفراغ المفاجئة في قلب القارة الأفريقية.

وفي ضوء ما تقدم، تحاول هذه الورقة مناقشة مستقبل تشاد في ضوء حالة الانقسام متعددة المستويات، التي تعاني منها البلاد، وكذلك حالة الصراع بين القوى الكبرى على القارة الإفريقية عامة، وحول تشاد خاصة، ما يجعلها تعيش لحظة فارقة بالفعل، قياساً إلى ما يشهده العالم من إرهاصات إعادة تشكيل نظام عالمي جديد. 

وتأتي الورقة في ثلاثة محاور؛ يستعرض الأول، أسباب حالة الانقسام التي تعاني منه تشاد، ويتناول المحور الثاني المشهد الراهن ومؤشرات حرب باردة جديدة، بينما يستشرف المحور الثالث انعكاسات تطورات الوضع الراهن على مستقبل تشاد، والسيناريوهات المتوقعة.

لتحميل الإصدار اضغط هنا: – أي مستقبل يتنظر تشاد؟

د. حسام البقيعي

رئيس وحدة دراسات العالم، الباحث حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى