رهان التوطين: مأزق الصناعات الطبية في مصر

يُعد قطاع الصناعات الطبية من الصناعات الاستراتيجية الكبرى في الاقتصاد المصري، إذ ترتبط هذه الصناعة بمصطلح الأمن القومي؛ نظراً لما يُمثله من أهمية حيوية في دعم المنظومة الصحية وتلبية احتياجات السوق المحلي من المستلزمات والأدوية، وهو ما يرتبط بالعنصر البشري الذي يُعد أساس الأمن القومي المصري، فضلاً عن إمكانياته التصديرية الواعدة، إذ يشتمل هذا القطاع على مجموعة متنوعة من الصناعات، منها التجهيزات الطبية وصناعة الأدوية ومستحضرات التجميل، التي تُعد من أهم متطلبات التنمية في الاقتصاديات المختلفة، فالصناعة تُسهم بنسبة 16.7% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، ويعمل بها نحو 28% من قوة العمل، وفقاً لبيانات وزارة التخطيط. وعلى الرغم من اتساع القاعدة الصناعية، لا تزال مساهمة الصناعات الطبية متواضعة نسبياً، إذ تُمثل أقل من 2% من إجمالي الناتج الصناعي، ويغطي الإنتاج المحلي فقط ما يتراوح بين 25% إلى 30% من الطلب المحلي على الأجهزة والمستلزمات الطبية.

ولكن في ظل التوجهات الحكومية؛ لتعزيز التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، باتت الصناعات الطبية تحظى باهتمام متزايد سواء على مستوى الاستثمار أو الدعم التنظيمي، كما سلطت جائحة كورونا الضوء على أهمية توطين تقنيات الإنتاج الطبي في الداخل، فمنذ هذه الجائحة ارتفع الطلب على مستلزمات المستشفيات وأدوات التشخيص المختبري، ومعدات الرعاية التنفسية بشكل كبير، ففي الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021، بلغت مبيعات مجموعات اختبار كوفيد 19 نحو 2.2 مليار دولار أمريكي .

وفي هذا السياق، تسعى مصر إلى تعزيز قدراتها في مجال توطين الصناعات الطبية، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتقليل فجوة الاستيراد، وزيادة الصادرات للأسواق الإقليمية والدولية، إذ تشير البيانات إلى أن حجم واردات مصر من الأجهزة والمستلزمات الطبية تجاوز 2.5 مليار دولار أمريكي في عام 2022، بينما لم تتعدَّ نسبة المكوّن المحلي في معظم المنتجات الطبية نسبة 30%، وفي المقابل، تمتلك مصر بنية صناعية واعدة، تضم أكثر من 230 مصنعاً مرخصاً لإنتاج مستلزمات طبية، إلا أن معظمها يتركز في التصنيع التجميعي دون تصنيع المكونات التقنية الحساسة .

فالحكومة المصرية تتبنى منذ عام 2020 خطة قومية لدعم توطين الصناعات الطبية من خلال مبادرات مثل هيئة الشراء الموحد والهيئة المصرية للدواء، ومبادرة “ابدأ” لدعم التصنيع المحلي. كما أعلنت الدولة عن إنشاء مدينة الدواء المصرية “جيبتو فارما” ومجمعات صناعية طبية في العاشر من رمضان وبدر، كخطوة نحو بناء منظومة صناعية متكاملة.

من هنا، هدفت هذه الدراسة إلى توضيح ملامح قطاع الصناعات الطبية في مصر واستعراض الواقع الراهن له ولقطاعاته المختلفة، بالإضافة إلى تحليل نقاط القوة والضعف، والفرص والتحديات التي تواجهه، كما ستبرز الدراسة أبرز اللاعبين في السوق المحلي، وآفاق النمو المستقبلي في ضوء المبادرات الحكومية وخطط التوسع الإقليمي، فضلاً عن الاستفادة من تجارب دولية ناجحة مثل الهند وتركيا والبرازيل، وتقديم آليات تنفيذية في قطاعات الصناعات الطبية، بما يتسق مع رؤية 2030.

لقراءة العدد كاملا رجاء فتح الرابطأوراق القاهرة- أغسطس ٢٠٢٥- الصناعات الطبية في مصر.

رضوى محمد سعيد

رضوى محمد- باحث أول بالمركز، ورئيس وحدة الدراسات المصرية، ومدير برنامج الدراسات المصرفية بالمركز. وهي خبيرة بوحدة الدراسات الاستراتيجية بقطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية. الباحثة حاصلة على بكالوريوس اقتصاد، كلية اقتصاد وعلوم سياسية- جامعة القاهرة، الباحثة مهتمة بتحليل القضايا الاقتصادية الكلية، عملت كباحثة متخصصة في تحليل السياسات العامة المصرية بالعديد من الشركات المتخصصة ومراكز الفكر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى