كيف تفكر إيران في اغتيالات قيادات الحرس الثوري؟
شكلت التظاهرات التي عمت عشرات المدن في كافة أنحاء إيران خلال الأسابيع الماضية ولا تزال، والتي نتج عنها مقتل العديد عدد من المواطنين، بالإضافة إلى الجرحى جراء الاحتجاجات الغاضبة تشهدها مدن إيران للأسبوع الرابع علي التوالي، والتي يظهر فيها فيديوهات غضب طلابي وهتافات ضد النظام عقب وفاة الشابة “مهسا أميني” خلال احتجازها، بعدما اعتقلتها شرطة الأخلاق بدعوى عدم التزامها بالحجاب الشرعي، ونتيجة وفاتها أشعلت نار الغضب في إيران، حول عدة قضايا من بينها القيود المفروضة على الحريات الشخصية والقواعد الصارمة المتعلقة بملابس المرأة، فضلاً عن الأزمة المعيشية والاقتصادية التي يعاني منها الإيرانيون، ولعبت النساء دوراً بارزاً في تلك الاحتجاجات ولوحت محتجات بحجابهن
وحرقهن له.
وخلال تلك المواجهات بين المواطنين والأجهزة الأمنية، فقد استهدفت قيادات في الحرس الثوري حوادث غامضة الأشهر الأخيرة، تكتمت السلطات الإيرانية على تفاصيلها، وكانت أحدث عمليات الاغتيال في صفوف رجال الأمن الإيرانيين، مقتل “علي موسوي”؛ قائد مخابرات ولايتي سيستان وبلوشستان، حيث تلقى رصاصة في الصدر، بنهاية الشهر الماضي، إثر هجوم مسلح على مركز للشرطة في مدينة زاهدان، فكان رد جهاز استخبارات الحرس الثوري، أن تلك الجريمة لن تبقى من دون رد، فضلاً عن إعلان وسائل إعلام إيرانية بأن “قوات الأمن تمكنت من تصفية منفذ عملية زاهدان الإرهابية بمحافظة سيستان وبلوشستان جنوب إيران”، وهنا التساؤل، هو: هل سيكون مقتل قائد استخبارات الحرس الثوري الإيراني سبباً في تصعيد الأزمة أم لا؟
رد حكومي:
في بيان رسمي أعلنت استخبارات الحرس الثوري أن:”الشعب الإيراني لن يترك محاولات استهداف أمنه وحياة جنوده دون رد.. على أعداء إيران الحاقدين وخاصة التنظيمات الانفصالية الظالمة وعملائها في الداخل أن يعلموا أننا نرصد مؤامراتهم وفتنهم بدقة وبإشراف أمني كامل وسنوجّه لهم ضربات مدمرة ومهلكة بفضل الله.. سننتقم بقوة لدماء شهدائنا الذين قضوا في عملية زاهدان الإرهابية، ولن نترك الهجمات المسلحة التي نفذتها الجماعات المعارضة ومثيري الشغب دون رد حازم”.
كما حذر جهاز استخبارات الحرس الثوري في بيانه، أعداء الشعب الإيراني والثورة الإسلامية اللدودين ولا سيما الزمر الإجرامية والانفصالية وعملائها من أن أبناء إيران الإسلامية لم ولن يغفلوا حتى لحظة واحدة عن حماية الثورة ومنجزاتها، وإنما لديهم كامل الاستشراف والرصد الاستخباري لتحركاتهم وفتنهم الغاشمة، وشدد البيان على أن هؤلاء الأعداء سيتلقون ردًا قاصماً من جانب الكوادر الاستخبارية المنتسبة للحرس الثوري.
كما توعد وزير الاستخبارات الإيراني، في البيان بشأن مقتل قائد استخبارات الحرس ” على موسوي” في محافظة سيستان وبلوشستان، من وصفهم “بمثيري الفرقة ومرتكبي الجرائم، قائلاً:” إن الجماعات الإرهابية سوف تلقى قريباً نتائج أعمالها المخزية وجرائمها ضد المواطنين العزل وأعمال الشغب التي ألحقت خسائر كبيرة بالممتلكات العامة”، كما أعلنت استخبارات الحرس الثوري الإيراني في بيان، تعقيباً على مقتل عدد من قياداته وأعضائه في مدينة زاهدان:” أنالإرهابيين سيتلقون ضربات مهلكة”.
اغتيالات متكررة:
لم تكن المرة الأول لعمليات الاغتيالات أو القتل لقيادات جهاز الاستخبارات من الحرس الثوري هناك سلسلة من الاغتيالات والإصابات المريبة التي طالت ضباطاً في الحرس الثوري، أو عاملين في المجال النووي بشكل خاص، سواء كانت القائم بالعمليات من الداخل أو الخارج، وكانت تلك الاغتيالات سبباً في السابق لإقالة الرجل الذي كان يعد من بين أقوى رجالات جهاز استخبارات الحرس الثوري، “حسين طائب”، وكان أبرزها اغتيال العقيد “حسن صياد خدائي”، بطلقات نارية قرب منزله شرقي طهران، في 22 مايو الماضي، تلاه مقتل ضابطين بظروف غريبة إثر نقلهما إلى المستشفى، ولكن تلك المرة تم الاغتيال داخل تلك الاحتجاجات فقد أكدت وكالة “إرنا” الرسمية مقتل قائد جهاز استخبارات الحرس الثوري “علي موسوي” خلال المواجهات مع المسلحين والتي أطلق عليها النظام في إيران “الجماعات الإرهابية”.
اتهامات النظام للخارج:
تصريحات الرئيس “إبراهيم رئيسي” جاءت أيضاً على نفس ضوء ما قاله المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي ألقى باللوم على الولايات المتحدة وإسرائيل في التحريض على الاضطرابات في أول تصريحاته بشأن الاحتجاجات، كما صرح الرئيس الايراني “إبراهيم رئيسي”: “العدو ومنذ 43 عاماً يخطئ في حساباته عندما يتصور أن إيران كباقي البلدان والشعب الإيراني كباقي الشعوب”.. إنها إيران، أرض الأبطال.. هل تتصورون أن بإمكانكم ومن خلال الخدع والخطط واثارة الفتن أن تسيطروا وتهيمنوا على الشعب الإيراني وعلى المنجزات العظيمة للثورة الاسلامية؟هل تتصورون حقًا أن شعبنا يسمح لكم بذلك؟”.
وكان الرد الرسمي تجاه تلك الاحتجاجات الغاضبة بأنها لم تكن أقل من “مؤامرة من قبل أعداء إيران”، وبحسب بيان الرئاسة الإيرانية إن “الذين يعتبرون إيران الموحدة والقوية تهديداً لمصالحهم يجب الحذر منهم”، مشيدين بما أسموه بـ “جهود قادة القوات الأمنية وعناصرها عن تقديرهم لليقظة التي يبديها أهل البلاد الذين يتمتعون ببُعد نظر وحسن التوقيت في فهم ما يحدث من التخطيط المكثف للأعداء وتحييد مؤامراتهم المعادية”.
كما جاء رد وزير الخارجية الإيراني، “حسين أمير عبداللهيان” لموقع المونيتور الأمريكي قائلاً: “بإمكان كل من يسافر إلى إيران أن يرى بنفسه حجم الحريات الاجتماعية الموجودة في البلاد.. عليكم أن تزوروا طهران وتروا الأوضاع في شوارعها وتلمسوا حرية الرأي والتعبير والحجاب.. المواطنون الإيرانيون يراعون الحشمة والحجاب كما يشاؤون، ضمن الأطر العامة التي تسمح بذلك.. لدينا ديمقراطية كاملة في إيران”.
وبناء على ما سبق، فقد اعتمدت الحكومة الإيرانية بصفة أساسية على أذرعها الأمنية للقضاء على الموجة الاحتجاجية الحالية، وهو ما أدى إلى تصعيد العنف مع انتشار وزيادة كثافة التظاهرات، وتزداد مع تلك الاحتجاجات الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد الإيراني، سواء بسبب قطع الإنترنت أو عمليات الإضرار بالممتلكات العامة والخاصة، إلى جانب الخسائر التي لحقت بدور السينما والتجارة الرقمية.
فعلى الرغم من تصاعد حدة التظاهرات، وانتشارها عبر معظم أنحاء الدولة، لم تتخذ الحكومة الإيرانية أي إجراءات لاحتواء حالة الغضب الشعبي الذي تواجهه، واكتفت الحكومة باستخدام زراعها الأمنية بالأساس، وتصعيد العنف ضد المتظاهرين في الشوارع من جانب، وتهديد الآخرين الذين يشاركون أو يؤججون التظاهرات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فإن كل ذلك لم يكن إلا مبررات من جانب النظام ومؤسساته المختلفة أمام الداخل والخارج لتخفيف وطأة تلك العمليات القمعية لهذه الاحتجاجات الغاضبة، ولكنها في حقيقة الأمر لمتحقق إلا تعميق للأزمة السياسية، حيث اعتبرت وسائل إعلام إيرانية معارضة بأن “ما يحدث في البلاد لاسيما طهران وكردستان ثورة واسعة النطاق”.
تأسيسا على ما سبق، وفي ظل ما تقدم، يمكن التأكيد على الثلاثة نقاط التالية، وهم:
(*)- على الرغم من ارتباط الاحتجاجات بصورة أساسية بالنساء، بسبب تداعيات قانون الحجاب والعفة، ما جعل السيدات الفئة الأساسية المشاركة في التظاهرات، ومع ذلك انضم العديد من الفئات ليس فقط من الرجال، ولكنها ضمت أيضاً التيارات الليبرالية والمحافظة، وانتشارها عبر معظم أنحاء الدولة، لم تتخذ الحكومة الإيرانية أي إجراءات لاحتواء حالة الغضب الشعبي الذي تواجهه، واكتفت الحكومة باستخدام ذراعها الأمنية بالأساس، وتصعيد العنف ضد المتظاهرين في الشوارع، كما جاء في تقرير لمنظمة العفو الدولية، بحصولها على وثائق حكومية مسربة، تظهر أن إيران أمرت قواتها الأمنية بـانتهاج استراتيجية “المواجهة الشديدة” للمتظاهرين، واستخدام كل أشكال العنف، بما في ذلك إطلاق الذخيرة الحية على المتظاهرين.
(*)- على الرغم من صعوبة توقع مسار الاحتجاجات الجارية وعواقبها، فإن خطورتها تأتي في ظل السياق الحالي في إيران، حيث وصلت الأوضاع الاقتصادية جراء العقوبات الدولية والأزمات المتلاحقة إلى أدنى مستوياتها، ويعيش المجتمع الإيراني في ضغوط اقتصادية شديدة، وتردت الأوضاع المعيشية ووصلت البطالة إلى معدلات مرتفعة، فضلاً عن زيادة مستوى التضخم، وقد أخفقت الحكومة في التعامل مع الأزمات المتلاحقة على رأسها أزمة المياه، وجائحة “كورونا”. كل هذه العوامل مجتمعة، وغيرها وضعت الداخل الإيراني في حالة احتقان وغضب شديدين، وبينما ينتظر الشعب الإيراني حلولاً من الدولة لتحسين أوضاعه، يركز النظام على تطبيق قواعد ثقافية ودينية صارمة، ولا يلقي بالاً لتحسين معيشة المواطنين.
(*)-طالما أن “الحرس الثوري” يتولى العديد المهام العسكرية الكبيرة في البلاد وخارجها، لذلك فإن مقتل قائده، وهو القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية والرئيسية في إيران، لن يمر مرار الكرام فقد يصعد من حالة القمع للمواطنين ومزيد من الجرحى والقتلى، خاصة بعد تعرض أحد أعضاء قوات الباسيج؛ التابعة للحرس الثوري، للطعن حتى الموت، في مدينة مشهد بشمال شرق البلاد مؤخراً، ولن تكون المرة الأخيرة.