مستقبل “إخوان تونس” بعد إقرار الشعب للدستور
مثلت نتائج العملية الدستورية ضربة قاصمة ومفاجأة غير متوقعة للقوي السياسية المعارضة للرئيس التونسي “قيس سعيد” خاصة التيارات الموالية لجماعة الإخوان، ومن أبرزهم “حركة النهضة” برئاسة “راشد الغنوشي”، وجبهة الخلاص الوطني برئاسة “نجيب الشابي”، وذلك بعد إعلان “فاروق بوعسكر” رئيس الهيئة التونسية العليا المستقلة للانتخابات مساء 27 يوليو 2022، أن 94.6 بالمئة من الناخبين وافقوا على الدستور الجديد بنسبة تصويت بلغت 28 في المئة، وهذا من شأنه أن يعيد البلاد إلى نظام رئاسي، يمنح الرئيس المزيد من الصلاحيات، وهذا ما ترفضه الأحزاب المعارضة التي شكك بعضها في نتائج العملية الدستورية، وقدم البعض الآخر طعونًا أمام المحكمة الإدارية لإعادة النظر في نتائج الاستفتاء.
ضربة قاصمة للإخوان:
ونزلت نتائج الاستحقاق الانتخابي بالصاعقة على تيار الإخوان الذي يعي أن الدستور الجديد قد ينهي بشكل لا جدال فيه “العشرية السوداء” لحكم الإخوان على مدار السنوات الماضية والتي أوقعت البلاد في أزمات سياسية واقتصادية، نجم عنها احتجاجات ضد الحكومة التونسية التي كان يرأسها “هشام مشيش” المدعوم من حزب النهضة في يوليو 2021، وهو ما دفع الرئيس التونسي، للتحرك على الفور وأقال رئيس الوزارء الموالي للإخوان، ودخلت تونس في أزمة دستورية، نجم عنها اتخاذ “قيس سعيد” لجملة من القرارات، كان من بينها، إعلان حالة الطوارئ وتعين “نجلاء بودن” لرئاسة الحكومة وحل البرلمان، وترأس النيابة العمومية، وفي الوقت نفسه، كان يتم الإعداد لكتابة دستور جديد.
وبعد الانتهاء من صياغة الدستور، دعا الرئيس التونسي في 25 مايو 2022 الناخبين إلى التصويت باستفتاء شعبي على دستور جديد للبلاد في 25 يوليو 2022، يعيد البلاد إلى النظام الرئاسي بعدما فشل النظام البرلماني الهجين الذي وضعته حركة النهضة على مدار السنوات العشر الأخيرة في معالجة مشاكل البلاد الهائلة وأثبت فشله على جميع الأصعدة، وذلك جراء حالة الصدام بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ويرجع هذا لرغبة “الغنوشي” والبرلمان في السيطرة على سلطات رئيس البلاد من ناحية، وابتزاز رئيس الوزارء من ناحية أخرى، لفرض سيطرة إخوانية على جميع أجهزة صنع القرار في تونس، وفقًا لدستور 2014.
سيناريوهات محتملة:
ومن المفترض أن النتيجة النهائية لعملية الاستفتاء سيتم الإعلان عنها في نهاية أغسطس 2022 بعد انتهاء المحكمة الإدارية من النظر في الطعون المقدمة من بعض التيارات السياسية المعارضة خاصة التي شاركت في الاستفتاء ولم تقاطعه، وفي ظل ذلك، سيظل رئيس البلاد قادرًا على الحكم بمرسوم حتى إجراء الانتخابات البرلمانية في ديسمبر 2022. وفي ضوء ما تقدم، يبقي التساؤل الرئيس ما هي السيناريوهات المستقبلية التي ستشهدها تونس بعد نجاح عملية الاستفتاء؟، وهو ما يمكن الإجابة عليها بالقول أن الوضع الحالي في تونس يحتمل معه كل الخيارات، كما يلي:
(*) السيناريو الأول: الاستمرار في تهميش دور القوي السياسية الإخوانية: قد يواصل الرئيس التونسي فحملة “التهميش” التي بدأها في يوليو 2021، وخلال العام الجاري، بإبعاد الإخوان عن أجهزة صنع القرار بالبلاد، بداية من إقالة رئيس الوزراء الموالي لحركة النهضة “هشام مشيش”، وإجراء تغيرات بالسلطة القضائية في يونيو 2022، بإقالة 57 قاضيًا من مناصبهم، بتهمة الفساد والتواطؤ والتستر على متهمين فى قضايا إرهاب، وهو ما دفع الجماعات المحسوبة على تيار الإخوان لدعوة القضاة للاحتجاج على هذا القرار وبالفعل قام عدد من القضاة التونسيين بتنظيم إضراب عام في المحاكم التونسية لفترة، وفي مارس 2022، صدر أمرًا بإحالة رئيس حركة النهضة “الغنوشي” والقيادي في الحركة “رفيق عبد السلام” إلى القضاء بتهمة تلقي الحركة تمويلًا من جهة أجنبية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن “قيس سعيد” قد تجنب مشاركة بعض الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في عملية الاستفتاء على الدستور، وعقب ظهور نتائج الاستفتاء، قال الرئيس التونسي، أن نجاح عملية إعداد دستور جديد للبلاد يعني دخولها في مرحلة “الجمهورية الجديدة” ستكون فيها السيادة للشعب، وانتصارًا لمبادئ الثورة التي اختطفتها الإخوان والموالين لهم، مشددا أن المرحلة القادمة ستشهد وقفة لمحاسبة جميع الفاسدين، فضلا أنه من المتوقع وفقا لمصادر مطلعة أن يتم الإعلان قريبا عن قانون انتخابي يتم بموجبه منع الإخوان والأحزاب الفاسدة من حق الترشح في الانتخابات النيابية التي ستعقد في 17 ديسمبر المقبل.
(*) السيناريو الثاني: تصاعد أعمال العنف والتشكيك في نتائج الاستفتاء: سيكثف الإخوان من تحركاتهم التصعيدية لتوجيه ضربات للرئيس التونسي، وذلك من خلال اتجاهين، أولهما، سيكون من خلال حشد الموالين للجماعة للخروج في احتجاجات رافضة للاستفتاء وممارسة بعض أعمال العنف آملا في الحصول على مكاسب سياسية خاصة أنه عقب ظهور نتائج الاستفتاء، بدأ تيار الإخوان وعلى رأسهم حركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني، في إصدار بيانات كعاداتهم للتشكيك في نزاهية عملية الاستفتاء والزعم أن انخفاض نسبة المشاركة على نحو 28% يعني فشل العملية الدستورية، وأكدوا استعدادهم للدفاع عن البلاد ومكاسب الثورة، بجانب أنه قبل ساعات من إعلان نتيجة الاستفتاء، طالبت جبهة الخلاص الرئيس التونسي بالتنحي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة تحظي بشرعية الشعب، ونظرًا لأن السلطات الأمنية التونسية تعي أن هذا السيناريو غير مستبعد لأن تلك الجماعة والتيارات الموالية لها لطالما قامت بأعمال عنف في البلد، فتم نشر الجيش والشرطة من شمال البلاد إلى جنوبها لمراقبة تحركات أي ميليشيا ترتكب أعمال عنف.
أما الأمر الثاني، سيكون من خلال تحرك القوي المعارضة لعملية الاستفتاء بشكل قضائي للتشكيك في نتائج الاستفتاء، وبالفعل تم تقديم الطعون من قبل بعض الأحزاب والمنظمات السياسية، مثل، حزب “آفاق تونس”، حزب “الاتحاد الشعبي الجمهوري”، ومنظمة “أنا يقظ”، وأفادت أنها شاركت في عملية الاستفتاء وصوتت بـ”لا”، ورصدت بعض الخروقات والتجاوزات والمخالفات المسجلة في مسار الاستفتاء وفي نتائجه، وهو ما دفعهم لتقديم تلك الطعون.
(*) السيناريو الثالث: حسم المشاحنات وانخراط المعارضين في عملية الحوار الوطني: رغم أن الرئيس التونسي لم يدعو بعض الأحزاب للمشاركة في لجان الحوار الوطني وإعداد الدستور، إلا أنه قد يتجه لحسم المشاحنات بينه وبين معارضيه، والعمل على إشراكهم مجددًا في الحياة السياسية ولكن بشروط سيضعها وسيتم التوافق فيما بينهم عليها، خاصة أنه يعي أن تهميش بعض التيارات قد يزيد من تعثر العملية الديمقراطية برمتها، وذلك قد يكون هذا بضغط من بعض القوي الدولية، وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية فرغم تأكيدها على وقفها مع اختيارات الشعب التونسي إلا أنها أعربت عن مخاوفها من أن “يقوض” الدستور الجديد حقوق الإنسان والحريات الأساسية في تونس.
ومن ناحية أخرى، فإن الإخوان والمعارضين قد يوافقون على شروط الرئيس التونسي وذلك بعد تأكدهم من أن “قيس سعيد” يحظي بدعم من قبل الشعب الذي بعث لهم برسالة مفاداها رفضهم للنظام البرلماني الإخواني الذي أدخل البلاد في أزمات اقتصادية واجتماعية، وهو ما يفشل محاولتهم لحشد الشعب مجددًا، وعليه فإن ارتكبهم لأعمال عنف لن يفيدهم في نهاية الأمر ولن يكون في مصلحتهم، ومن ثم فإن الخروج من هذه الأزمة لن يكون إلا بالحوار الوطني الشامل، وأيضا الاستفادة من تجربة الإخوان في مصر وأن تعنتهم لن يؤدي إلإ إلى تهيشهم وإبعادهم من المشهد السياسي برمته ونبذهم من قبل الشعب.
وتأسيسًا على ماسبق، فإن التطورات الجارية على المشهد التونسي تؤكد أن جميع السيناريوهات محتمل حدوثها ولكن بنسب متفاوتة، ولكن الأهم من ذلك أن المرحلة المقبلة، ستشهد قيام الرئيس “قيس سعيد” بمزيد من الإجراءات والإصلاحات على مختلف الصعد السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية أيضًا، لإيصال رسالة للشعب التونسي، مفاداها أنه اختار الأصلح لإدارة شؤون البلاد وأن الجمهورية الجديدة لتونس قد بدأت، وأن البلاد شهدت انتقالاً سلمياً إلى الديمقراطية مع الدستور الجديد، وأنه يجب عليهم التكاتف والتعاون والدعم معًا والإبعاد عن دعم أية تيارات تريد الشر لتونس، للعبور بالبلاد نحو الاستقرار السياسي.