كيف تعامل “رئيسي” مع الأزمات الإيرانية خلال العام الأول من رئاسته؟

أطلق الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” خلال حملته الانتخابية في يونيو 2021، عددًا من الوعود الزائفة ما بين رفع العقوبات الأمريكية وحل أزمة مفاوضات إحياء الاتفاق النووي وإصلاح مشاكل البلاد الاقتصادية وكبح أزمة الإسكان والقضاء على الفساد والبطالة وتحسين علاقات إيران الخارجية، وقدراتها على المستويين العسكري والسياسي، إلا أنه بعد مرور عام على تولي “رئيسي” المحسوب على تيار  المحافظين المتشدد منصبه في 3 أغسطس 2021 خلفًا لـنظيره “حسن روحاني”؛ لا تزال رؤيته لكيفية إدارة شؤون الجمهورية الإيرانية غير واضحة، رغم بعض التكهنات التي تفيد بأن “رئيسي” هو الخليفة المحتمل للمرشد الإيراني “علي خامنئي”.

وانطلاقًا مما تقدم، فإن هذا التحليل يحاول الإجابة عن جملة من التساؤلات، منها، هل نجح الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” في حل أزمات إيران الداخلية والخارجية بعد مرور عام على توليه الحكم؟، وهل  قدم المرشد  “خامنئي” دعمًا للرئيس الإيراني خلال العام الماضي؟، وهل يسعى المحافظين خلال الفترة المقبلة لتوجيه ضربات للرئيس الإيراني وحكومته؟.

أزمات متفاقمة:

ثمة أزمات أمنية وسياسية واقتصادية شهدتها إيران في العام الأول من حكم الرئيس “إبراهيم رئيسي” هي على النحو التالي:

(*) استمرار عرقلة مفاوضات إحياء الاتفاق النووي:  إبان تولي “رئيسي” مقاليد الحكم كانت مفاوضات إحياء الاتفاق النووي في فيينا قد توفقت لحين انتهاء إيران من اختيار  رئيس الجمهورية، وبعد ثلاثة أشهر استأنفت المفاوضات في نوفمبر 2021، ومنذ هذا التوقيت وحتى الآن، لم تصل تلك المفاوضات إلى أية نتيجة إيجابية، رغم أن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” أعلن عقب توليه منصبه في يناير 2021، استعداد بلاده للعودة  إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه نظيره السابق “دونالد ترامب” في مايو 2018، وبناء عليه فرض عقوبات اقتصادية على طهران، واشترط “بايدن” عودة إيران إلى تنفيذ جميع التزاماتها بموجب الاتفاق خاصة بعد أن قامت خلال السنوات الماضية برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60%، وهو ما أقلق واشنطن والدول الأوروبية، وحتى الآن فشلت الجولة التاسعة من مفاوضات فيينا الجارية في الوقت الحالي من التوصل إلى حل، بسبب مطالب إيران برفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأمريكية، ودعوات واشنطن لنظام الملالي بالتوقف عن دعم الجماعات الإرهابية بدول منطقة الشرق الأوسط.

(*) تفاقم عمليات الاختراق الأمني والاستخباراتي: ضعفت البنية الأمنية الإيرانية أكثر خلال العام الأول من حكم “رئيسي” وهو ما تسبب في وقوع مزيد من الاغتيالات بحق مسؤولين بارزين، من بينها،  واقعة اغتيال العقيد “حسن صياد خدائي” القيادي في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في مايو 2022، من أمام منزله بالعاصمة طهران، وعقب تلك العملية قتل عدد من الضباط الذين يعملون في المجال النووي، ووقعت عدة هجمات إلكترونية على بعض مؤسسات الملالي، ومع هذا فإن المحافظين لم ينتقدوا بشكل مباشر وحاد “رئيسي” وحكومته وأجهزته الأمنية لفشلهم في حماية البلاد من تلك العمليات، كما كانوا يفعلون مع الرئيس الإيراني السابق “حسن روحاني” حينما وقعت في عهده انفجارات في بعض المنشآت النووية والعسكرية، من أبرزها انفجار منشأت نظنر النووية مرتين في يوليو 2020 وأبريل 2021، وواقعة اغتيال العالم النووي “محسن فخري زادة” في نوفمبر 2020 شرق العاصمة طهران.

(*) دخول الأزمة الاقتصادية في نفق مظلم: لم تتحقق وعود الرئيس الإيراني حتى الآن في حل أزمات البلاد الاقتصادية، بل تفاقمت تلك الأزمات خلال العام الأول من حكمه، إذ ارتفع معدل البطالة ليبلغ 16.6%، وبلغ معدل التضخم ارتفاعات قياسية حيث بلغ 12.2%،  وزادت نسبة الفقر، وبدل من حل تلك الأزمات دون الإضرار بشكل كبير  بالمواطن الإيراني، قامت حكومة “رئيسي” برفع أسعار السلع الغذائية الأساسية بنسبة 300% خلال يوليو 2022، بعد أن ألغت الدعم المقدم لبعض السلع الأساسية كالبيض والدقيق، ومنتجات الألبان واللحوم، والأرز بنسبة 188%، وهو ما نجم عنه انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين من هذه السلع وغيرها، وتدهور الأوضاع الاقتصادية وانهيار قيمة العملة الإيرانية، وهذا بدوره أدي إلى اندلاع احتجاجات في أرجاء الجمهورية الإيرانية، ورفع المتظاهرون هتافات كـ “الموت للديكتاتور خامنئي” و “الموت لرئيسي”، و”عار  على رئيسي”.

(*) تشديد القبضة الأمنية على الإيرانيين: شهدت إيران خلال العام الأول من حكم “رئيسي” قبضة أمنية مشددة على المواطنين ما بين قمع واعتقالات وإعدامات، حيث خرجت احتجاجات بشكل متواصل للعاملين في مصانع النفط والغاز، والمعلمين، وكان آخرها احتجاجات الغلاء في مايو 2022، وهو ما دفع القوات الأمنية لشن حملة اعتقالات موسعة بحق المتظاهرين والناشطين الذين يكشفون عن جرائم هذا النظام ضمن إطار سياسية “تكميم الأفواه” التي يتبعه “رئيسي” لقمع معارضيه، كما تم تشديد القبضة الأمنية على المرأة الإيرانية حيث عاد عمل “الشرطة الأخلاقية” في يوليو 2022، للقبض على النساء الغير ملتزمات بإرتداء الحجاب الشرعي، إضافة إلى أن مؤشر الصحافة العالمي لعام 2022، كشف أن إيران من بين أسوء ثلاث دول في استخدام أساليب القمع والتضيق بحق الصحفيين، فضلًا عن توسع عمل سياسة حجب الإنترنت في عهد “رئيسي” لعزل الإيرانيين عن العالم الخارجي وعدم معرفة دول العالم بعمليات الترهيب التي تحدث بحق الإيرانيين على يد أجهزة نظام الوالي الفقيه.

(*) تدهور علاقات إيران مع دول المنطقة: لم يشهد العام الأول لحكم “رئيسي” أي تحسن في علاقات إيران مع دول منطقة الشرق الأوسط بل على العكس تدهورت، والبداية بتركيا (الحليف الأبرز لإيران) ففي الوقت الذي عمل فيه الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” على توطيد علاقاتها بدول المنطقة،  تراجعت علاقته مع النظام الإيراني نسبيًا، خاصة أنه في يونيو 2022، ألقت الأجهزة الأمنية التركية القبض على خلية تجسس كانت تعمل لصالح إيران بهدف اغتيال إسرائيليين بالأراضي التركية، ردًا على عمليات الاغتيال التي طالت مسؤولين إيرانيين، وهو ما دفع تل أبيب للتوصل مع تركيا من أجل التصدي لأعمال إيران بحق رجال الأعمال الإسرائيلين في تركيا، ولذلك قام وزير الخارجية الإيراني “أمير عبداللهيان” على الفور بزيارة العاصمة التركية أنقرة من أجل توضيح موقف بلاده من ناحية، وعدم خسارة الحليف التركي من ناحية أخرى.

وبالانتقال إلى ملف الوساطة التي تقودها العراق بين السعودية وإيران منذ أبريل 2022، فإنها حتى الآن لم تنجح في عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتخفيف حدة التوتر  بينهم، وذلك جراء استمرار أعمال إيران المعرقلة لأمن واستقرار المنطقة، إضافة إلى فشل الوساطة التي قادتها قطر  في مايو 2022، لحل أزمة مفاوضات إحياء الاتفاق النووي.

دعم خامنئي وانتقادات المحافظين:

وبالإضافة لما تقدم، فإن “إبراهيم رئيسي” فشل خلال العام الأول من حكمه في حشد الشعب الإيراني لصالحه بل على العكس فإن هناك غضب شعبي عارم إزاء طريقة إدارته لشؤون البلاد، وما يقوي موقف “رئيسي” أنه لا زال معتمدًا على الدعم المقدم من قبل المرشد الأعلى “علي خامنئي” والحرس الثوري الإيراني، خاصة أنه وفقًا للمراقبين فإن المرشد حتى الآن لم يعلن استيائه من إدارة “رئيسي” للبلاد بل على العكس يشيد به بشكل مستمر، والسبب في ذلك مساعي “خامنئي” لإعداد مرشد موثوق به يتولي أهم منصب أيديولوجي في إيران “منصب الوالي الفقيه” ليخلفه بمجرد رحيله.

ومع ذلك، يبدو أن المحافظين “بدأو في تغير رأيهم تجاه  “رئيسي”  فرغم دعمهم الشديد له إبان فترة الانتخابات الرئاسية وتوجيههم انتقادات حادة إلى الرئيس الإصلاحي السابق “حسن روحاني” وحكومته، إلا أن مصادر مطلعة كشفت عن عدم رضا عناصر محسوبة على التيار المحافظ في مؤسسة الملالي عن أداء الرئيس الإيراني وحكومته خلال العام الماضي ووصفوا هذا الأداء بأنه كان “ضعيفًا للغاية”، بل وقالوا أن “رئيسي” لا يفهم في أساسيات الاقتصاد، وهو ما دفع رئيس تحرير صحيفة “جمهوري إسلامي” الموالية للنظام إلى مطالبة “رئيسي” بتقديم استقالته إذا لم يكن قادرًا على حل مشاكل البلاد الاقتصادية وأزماتها الخارجية، فضلًا عن أنباء  تفيد بأن الفترة المقبلة ربما تشهد استجوابات مكثفة لوزارء الحكومة الإيرانية أمام مجلس الشوري الإسلامي الإيراني وربما يؤدي ذلك لإقالة بعضهم.

حسابات خارجية:

تأسيسًا على ماسبق، يمكن القول أن فشل الرئيس الإيراني في إدارة عدد من ملفات البلاد الداخلية والخارجية يرجع إلى تركيزه بشكل كبير  على تقوية علاقاته بحلفاء آخرين وهما الصين وروسيا، حتى لو على حساب منحهم نفوذ أكبر داخل إيران، حيث وقع اتفاقية للتعاون لمدة 25 عامًا يتم بموجبها سيطرة الصين على عدد من المؤسسات التجارية والأراضي داخل طهران، ومن ناحية أخرى قوى علاقاته العسكرية مع الحليف الروسي وأمده بطائرات مسيرة لاستخدامها في حربه ضد أوكرانيا بل وقامت موسكو مطلع أغسطس 2022 بإطلاق القمر الصناعي الإيراني “خيام” لمراقبة عملياته العسكرية في أوكرانيا، بالإضافة إلى استمرار دعم إيران للجماعات الإرهابية الموالية له في عدد من دول المنطقة خاصة اليمن، لبنان، العراق، للحفاظ على نفوذها في تلك البلدان، واستخدامهم كـ”ورقة ضغط” ضد دول المنطقة والعالم، وهو ما يدل أن عدم تغير “رئيسي” من نهج إدارته للبلاد والتركيز على حل أزمات المواطن الإيراني الاقتصادية والمعيشية، يعني أن الجمهورية الإيرانية قد تشهد احتجاجات موسعة خلال الفترة المقبلة تهدد عرش “رئيسي” على غرار احتجاجات 2017، و2019.

نورا فايد

باحثة مشاركة متخصصة في شئون الخليج العربي وإيران، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، وباحثة مشاركة في عدد من المراكز البحثية السياسية، مهتمة بدراسة الشأن الإيراني وحركات الإسلام السياسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى