أي دلالات لـ مناورات إيران الجوية بمياه الخليج العربي وبحر عمان؟

في الوقت الذي تشهد فيه مفاوضات إحياء الاتفاق النووي في فيينا عرقلة من قبل الجانبين الإيراني والأمريكي نظرًا لرفض  كلا منهم شروط الآخر، وإعلان واشنطن أن طهران عقدت مؤخرًا اتفاق مع روسيا يتم بموجبه حصول الأخيرة على المئات من الدرونز الإيرانية لاستخدامها في حربها مع أوكرانيا؛ أطلق الجيش الإيراني في 24 أغسطس 2022 مناورات للطائرات القتالية والاستطلاعية المسيرة (درونز) تشمل 150 طائرة بمياه الخليج العربي وبحر عمان جنوب إيران، زاعمًا أن الهدف من تلك المناورات التي تأتي عقب أيام قليلة من شن واشنطن غارات جوية على مواقع الميليشا الموالية لإيران في شمال سوريا؛ هو  مراقبة المناطق الحدودية للبلاد وتقييم أنظمة التعامل مع الأعمال العدوانية لأية طائرات مسيرة تستهدف إيران.

رسائل إيرانية:

وانطلاقًا مما تقدم، فإن هذا التحليل يحاول الإجابة عن جملة من التساؤلات، منها، ما هي الرسائل التي تحملها المناورات الإيرانية في هذا التوقيت تحديدًا؟، وهل هذه المناورات موجهة لاستهداف واشنطن وإسرائيل أم لحماية الحدود الإيرانية كما زعم مسؤولي الملالي؟.

وهذ ما سنحاول الإجابة عليه من خلال القول أن إطلاق طهران لمناورات مسيرة في الوقت الحالي يعد رسالة قوية إلى أمريكا وإسرائيل، بأن إيران لا زالت تمتلك القدرات العسكرية الكافية التي تمكنها من صد أية هجمات على أرضيها رغم العقوبات الأمريكية التي أدت إلى انهيار الاقتصاد الإيراني والعملة المحلية للبلاد، وهو ما يبعث بجملة من الرسائل الإيرانية، على النحو التالي:

(*) الكشف عن تطوير برنامج الطائرات المسيرة الإيرانية:  يريد نظام الملالي من القيام بإجراء تلك المناورات على نطاق واسع، إيصال رسالة إلى أعدائه وخاصة (أمريكا، إسرائيل)، أن برنامج “الدرونز” الذي بدأت طهران تطويره منذ ثمانينات القرن الماضي، دخل الآن مراحل متقدمة، حتى باتت الجمهورية الإيرانية تمتلك مرحلتي “التصنيع والتصدير” لهذا النوع من الطائرات، رغم العقوبات الأمريكية المفروضة عليها منذ عشرات السنين والتي أدت إلى انهيار الاقتصاد الإيراني، فضلًا أن الإعلان عن مستوي التقدم الذي وصل إليه برنامج الدرونز ، الهدف منه إثارة قلق كل من واشنطن وتل أبيب اللذين يتهمان نظام الملالي بشكل مستمر، بأنه يقوم بدعم الجماعات الإرهابية الموالية له في دول المنطقة خاصة “حزب الله اللبناني” و”ميليشا الحوثي” باليمن بهذا النوع من الطائرات التي تستخدم أيضا في استهداف القوات الأميركية وحركة الملاحة في الخليج.

 (*) استعراض قوة الدرونز الإيرانية: بين الحين والآخر تقوم إيران بالعمل على استعراض قدرتها العسكرية والصاروخية لإظهار  ما تملكه من قدرات عسكرية وأسلحة ترسل من خلالها رسائل ردعية دفاعية إلى الأطراف الأخرى، إما عن طريق إجراء مناورات، أو إطلاق تصريحات عسكرية، أو حتى تعزيز التحالفات مع بعض القوي الخارجية التي تمثل ثقل في المنطقة والعالم، للقول أن الخوف والقلق منها لا يكمن فقط في قدرتها على تطوير سلاح نووي بعد نجاحها في تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% خاصة عقب انسحاب الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” من الاتفاق النووي في مايو 2018، وإنما في قيامها للمرة الأولى بإجراء تمرين مشترك بالدرونز على مستوى الصنوف الأربعة للجيش، وقاعدة الدفاع الجوي المشتركة في البلاد باستخدام 150 طائرة مسيرة، وهو ما سبقه الكشف عن عدة قواعد محصنة للطائرات المسيرة تحت الأرض تابعة للجيش الإيراني، وما يدل على ذلك قول مساعد الشؤون التنسيقية لقائد الجيش “حبيب الله سياري” إبان إعلانه عن انطلاق المناورات، “دقة وقوة الأسلحة، وقدرات التوجيه وأنظمة التحكم، والقدرات القتالية للطائرات المسيّرة، هي من الأمور التي سيتم اختبارها وتقييمها في المناورات”.

 (*) أداة ضغط للحصول على مكاسب في مفاوضات الاتفاق النووي: يقوم النظام الإيراني على مدار السنوات الماضية باختيار “توقيت مدروس” لإجراء المناورات، وفي أغلب الأحيان تعد هذه المناروات بمثابة “أداة ضغط” تمارسه إيران على القوي الدولية خاصة المهتمة بمفاوضات الاتفاق النووي، ففي ديسمبر الماضي وبعد أيام قليلة من توقف مفاوضات فيينا النووية، قام الحرس الثوري الإيراني على الفور بإجراء مناورة عسكرية كبرى في كافة أنحاء جنوبي البلاد، وهذه المرة تأتي مناورات الطائرات المسيرة في الوقت الذي تقترب فيه مفاوضات إحياء الاتفاق النووي بين  طهران والغرب من نهايتها وسط توقعات متفائلة، بخصوص التوصل إلى اتفاق ينص على عودة  إيران إلى الالتزام بالاتفاق النووي المبرم عام 2015، والهدف من هذا هو توجه جمهورية الملالي للإسراع من تقدمها سواء العسكري أو النووي لتحقيق تقدم في المفاوضات النووية، وجعل الأطراف الأخرى تستجيب للشروط الإيرانية.

(*) تأكيد إيراني على عدم ترك الساحة السورية لأمريكا: تأتي مناورات الدرونز الإيرانية بعد يوم واحد من قصف الجيش الأمريكي لمنشآت بنى تحتية تضم مجمع يستخدم لتخزين الذخيرة ولأغراض لوجستية في شرق سوريا، قالت واشنطن أنها ذات صلة بالحرس الثوري الإيراني، ورغم نفي الخارجية الإيرانية لذلك إلا أنها وجهت انتقادات للضربات الأمريكية، قائلة  في بيان لها، أنها تعد انتهاكا لسيادة سوريا، في حين أفاد عدد من المراقبين أن القصف الأمريكي لهذه المواقع يأتي ردا على قيام فصائل موالية لإيران في بمهاجمة  القوات الأمريكية في قاعدة التنف العسكرية جنوب شرقي سوريا، وهو ما يعني أن كلا الطرفين يريد إبعاد الآخر عن الساحة السورية وهو ما لا يمكن أن تقوم به إيران في الوقت الحالي لوجود مصالح جمة لها بالداخل السوري.

(*) التأكيد على قدرة إيران على مواجهة التهديدات الإسرائيلية: يريد نظام الوالي الفقيه إيصال رسالة إلى تل أبيب أنه يمتلك الإمكانيات العسكرية والصاروخية التي تمكنه من الرد على أي تهديد إسرائيلي لقواعد إيران النووية والعسكرية، خاصة عقب قيام إسرائيل خلال الشهريين الماضيين بمحاولة اختراق المجال الجوي الإيراني أكثر من مرة بمقاتلات شبح من طراز “إف-35″، بجانب قيامها منتصف مايو الماضي بإجراء مناورة عسكرية في قبرص يُطلق عليها اسم “عربات النار” تحاكي ضرب منشآت نووية إيرانية، إضافة لمناورات أمريكية إسرائيلية سرية في عمق البحر الأحمر  في 5 أغسطس 2022، تحاكي الهجوم على الموانئ البحرية وتوجيه ضربة إلى إيران من الجو والبحر، بجانب الاستيلاء على سفن حربية إيرانية في مياه الخليج العربي، وهو ما يعني أن إيران تريد تقويض أية استعدادت مشتركة بين أمريكا وإسرائيل للمشاركة إما في ضربة هجومية أو في عملية دفاعية في حال انهيار المفاوضات النووية، وهذا ما أكده الجنرال بالحرس الثوري “غلام علي رشيد” قائلًا في تصريحات له، “القوات الإيرانية سوف تشن هجومًا ساحقًا على جميع القواعد والمراكز والمسارات والأماكن المستخدمة لتنفيذ العدوان من قبل النظام الصهيوني دون تلكؤ”.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول أن قيام القوات الإيرانية الممثلة في الجيش والحرس الثوري بشكل دائم  بهذه المناورات، لاستعراض القوة والكشف عن القدرات العسكرية والصاروخية بل والنووية أيضًا التي يمتلكوها؛ يعد عنوانًا رئيسيًا للسياسة التي يتبناها نظام الوالي الفقيه في التعامل مع الضغوط الأمريكية والتهديدات الإسرائيلية من جهة، والرغبة في الضغط على المجتمع الدولي للحصول على مكاسب بشأن المفاوضات النووية والرضوخ لأية مطالب إيرانية، والتأكيد على تأثير  الطائرات المسيرة الإيرانية في مستقبل الصراع الإقليمي داخل منطقة الشرق الأوسط من جهة أخرى.

نورا فايد

باحثة ببرنامج دراسات الخليج العربي، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، وباحثة مشاركة في عدد من المراكز البحثية السياسية، مهتمة بدراسة الشأن الإيراني وحركات الإسلام السياسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى