تأثير تسريبات “المالكي” على عملية انتخاب الرئيس العراقي

أعادت التسريبات الصوتية لـ”نوري المالكي” رئيس ائتلاف دولة القانون التي وجه فيها اتهامات بالقتل لـ”مقتدي الصدر” رئيس التيار الصدري والحاصل على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية التي عقدت في أكتوبر 2021؛ الجدل من جديد، خاصة أنها تأتي في وقت حرج تشهده بلاد الرافدين بعد أن فشلت القوي السياسية في تشكيل تحالف يقوم بمهمة تشكيل الحكومة أو انتخاب رئيس جديد للجمهورية يقوم بدوره في تسمية رئيسيًا للوزراء وهو ما فاقم من حالة “الانسداد السياسي” التي تشهدها العراق.
انسداد سياسي:
التسريبات التي نشرها الصحفي العراقي “علي فاضل” المقيم في واشنطن على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر” في 17 يوليو 2022، والتي أعلن فيها “المالكي” أن البلاد ستشهد “حرب طاحنة” في حال لم يتم التصدي لكل من “الصدر” ورئيس البرلمان العراقي وبعض القوي الشيعية والكردية، تكشف عن حدة الصراع الدائر بين القوي الشيعية، وهي ليست بغربية فكل من “المالكي” و”الصدر” تجمعهم علاقات متوترة منذ سنوات، إلا أن تلك التسريبات جاءت في وقت تستعد فيه قوي الإطار التنسيقي لاختيار رئيس الحكومة الجديد، خاصة بعد أن انسحب التيار الصدري من المشهد السياسي تاركًا الساحة للإطار التنسيقي بقيادة “المالكي” للقيام بمهة تشكيل الحكومة المرتقبة.
وتجدر الإشارة أن البرلمان العراقي أعلن في يناير 2022 عن فتح باب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية خلفًا للرئيس “برهم صالح” المنتهية ولايته، ووقتها حدد رئيس البرلمان “محمد الحلبوسي” مدة 15 يوم لاستقبال طلبات الترشح وفقًا للدستور، وتنافس 25 مرشح على هذا المنصب من بينهم الرئيس الحالي، ومع ذلك فشلت الأحزاب السياسية بالبرلمان في انتخاب رئيس جديد للبلاد، وهو ما أدي إلى مخالفة البرلمان للإطار الدستوري، لأنه من المفترض وفقًا للدستور العراقي، أن ينتخب رئيس الجمهورية خلال مدة 30 يومًا من أول جلسة للبرلمان، ومع ذلك تم عقد حوالي أربع جلسات خلال الأشهر الماضية باءوا جميعهم بالفشل.
وبناءًا على نظام تقاسم السلطة المتبع في بلاد الرافدين منذ الغزو الأمريكية للعراق في 2003 والإطاحة بالرئيس العراقي الراحل “صدام حسين”، فإن رئيس البلاد يكون من الأكراد ورئيس وزرائه من الشيعة أما رئيس البرلمان من السنة، وهذا لتجنب وقوع أي حالة من الصراع الطائفي بين هذه الأطراف.
وعليه، فإنه كان من المفترض أن يتم عقد جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية في 18 يوليو 2022، إلا أنه تم تأجليها، ليخرج النائب في الاطار التنسيقي احمد الموسوي في 23 يوليو الجاري، قائلا أنه سيتم حسم مرشحي الاطار التنسيقي والبيت الكردي في جلسة بالبرلمان ستعقد الاسبوع المقبل (دون أن يحدد يوم بعينه).
وبناءًا على ما تقدم، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه في هذا الصدد، هو، هل تؤدي تسريبات “المالكي” لإبعاده عن الساحة السياسية وعودة “الصدر” مرة أخرى إلى المشهد وحل أزمة تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس البلاد؟، وقبل الإجابة على هذا السؤال، يجب الإشارة إلى وجود بعض العوائق التي أحالت دون اختيار الرئيس العراقي الجديد، على النحو التالي:
(*) عدم اكتمال النصاب القانوني لاختيار رئيس البلاد: في كل جلسة يعقدها البرلمان العراقي بشأن اختيار رئيس جديد للجمهورية، يواجه عقبة متمثلة في عدم اكتمال النصاب القانوني اللازم لاختيار الرئيس، حيث يحتاج البرلمان للشروع بعقد بجلسة انتخاب رئيس للبلاد، نصاب الثلثين أي 220 من 329 نائباً، وهو ما فشل فيه حتى الآن، ففي الجلسة التي عقدت في فبراير الماضي حضر فقط 58 نائبًا من أصل 329 وقاطع باقي النواب الجلسة، أما في7 مارس الماضي، حضر 202 نائبا فقط بينما قاطع الجلسة 126 نائب، وفي الجلسة الثالثة التي عقدت 30 مارس 2022، حضر 200 نائب، ولهذا كان من المفترض أن تكون آخر جلسة لاختيار رئيس البلاد وفقًا لما أعلنته المحكمة الاتحادية (أعلي سلطة قضائية بالعراق) في السادس من أبريل الماضي إلا أن ذلك لم يحدث.
(*) اختلاف رؤي القوي السياسية حول إدارة الدولة: عقب الانتخابات البرلمانية بدأت كل قوي تطرح ما تريده بشأن شكل الحكومة المقبلة، والاتفاق فيما بينهم على اسم مرشح لرئاسة الحكومة خلفا لـ”مصطفي الكاظمي” رئيس الوزارء الحالي، إلا أن غياب التوافق السياسي بين تحالف “إنقاذ الوطن” بقيادة “مقتدى الصدر” الذي يريد أن تكون حكومة أغلبية وطنية يشارك فيها تحالفه فقط نظرًا لكونه الحاصل على الأغلبية بأكثر من 170 نائبًا، وقوى “الإطار التنسيقي” بقيادة “نوري المالكي” التي تريد حكومة توافقية يشارك فيها الجميع، أحال دون تشكيل الحكومة وهذا بدوره فاقم من حدة الخلافات داخل البرلمان بشأن اختيار رئيس الجمهورية، هذا بالإضافة إلى فشل التيار الصدري قبل إعلان انسحابه من المشهد السياسي في عقد اتفاق مع “النواب المستقلين” لمساندة التحالف الثلاثي لتحقيق النصاب اللازم لاختيار رئيس البلاد.
(*) تفاقم حالة الانقسام السياسي داخل المكون الكردي: فشلت القوي السياسية الكردية حتى الآن في الاتفاق على مرشح واحد لشغل منصب رئيس الجمهورية وهو ما ساهم في تفاقم حالة الاحتقان السياسي بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، فأبرز المرشحين عن حزب الاتحاد الكردستاني، هما، الرئيس الحالي “برهم صالح”، ووزير الموارد المائية السابق “لطيف رشيد”، أما المرشحين عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، هما، ” هوشيار زيباري” وزير الخارجية السابق وهو ما تم استبعاده نهائيا من الترشح للرئاسة بقرار قضائي في فبراير 2022، بسبب عدم تلبيته للشروط الدستورية جراء اتهامات له بالفساد، و هناك أيضا “ريبار أحمد” مسؤول المخابرات الكردي ووزير الداخلية الحالي في إقليم كردستان العراق.
ومن الجدير بالذكر، أنه عقب تغير القانون العراقي بعد 2003، والاتفاق على أن يكون رئيس الجمهورية من الأكراد، فإن الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي وهما من الأحزاب الكردية الرئيسية على الساحة السياسية العراقية، وقعوا اتفاق يتم بمقتضاه أن يكون رئيس البلاد من الاتحاد الوطني، ويتسلم منصب رئاسة إقليم كردستان مرشح من الحزب الديمقراطي، ولكن في انتخابات 2018، تغير الوضع حيث رشح كلا الحزبين مرشحين منفصلين لنفس المنصب، وفاز وقتها “برهم صالح” عضو الاتحاد بأغلبية أصوات مجلس النواب.
وبناء على ذلك، كشف رئيس كتلة الاتحاد الوطني “حريم كمال آغا” مطلع يوليو 2022، عن مفاوضات يجريها الاتحاد الاتحاد مع الحزب الديمقراطي بشأن حل منصب الرئاسة، مبينًا أن الاتحاد متمسك بترشيح “برهم صالح” لتولي هذا المنصب، ولافتًا أنه في حال لم يتفق الطرفان على مرشح بعينه، في هذه الحالة سيتم تكرار تجربة 2018، بأن يذهب كل طرف إلى قاعة البرلمان مع مرشحهما. ومن جانبها، أوضحت المتحدثة باسم كتلة الاتحاد “سوزان منصور” في 17 يوليو 2022، أن زيارة رئيس الاتحاد الوطني “بافل جلال طالباني” إلى العاصمة العراقية بغداد، تأتي بهدف تفاهمات بشأن انتخاب رئيس الجمهورية.
دلالة التوقيت:
وبجانب تلك العوائق التي تحول دون اختيار رئيس جديد للبلاد، يجدر الإشارة أن خروج تسريبات لرئيس ائتلاف دولة القانون “نوري المالكي” في هذا التوقيت تحديدًا، يفتح الباب للحديث عن تطورات جديدة ستشهدها الساحة السياسية العراقية قريبًا، خاصة أن التسجيلات المسربة ليست ضد “مقتدي الصدر” فحسب، بل أنها ضد المرجع الشيعي العراقي “علي السيستاني” الذي اتهمه “المالكي” في التسريب بـ”الصامت” الذي لا يحرك ساكنًا حول احتمالية عودة البعثيين للسلطة مجددًا ( إشارة إلى حزب البعث الذي كان يحكم البلاد إبان حكم صدام حسين)، هذا بجانب اتهامه لرئيس البرلمان العراقي “الحلبوسي” باختراق اجتماعات قوي الإطار التنسيقي، ولم يكتفي بذلك بل وصف الشيعة بـ”الأراذل” قائلا أن “أمرهم بيد إيران”.
ورغم أن “المالكي” نفي صحة تلك التسجيلات الصوتية إلا أن هناك دعوي قضائية مرفوعة ضده بشأن التحقق من ذلك، وهو ما يجعل الساحة السياسية مفتوحة أمام زعيم التيار الصدري للتحالف مع الأحزاب الأخري من أجل تشكيل الحكومة خاصة بعد أن دعا “المالكي” بعد هذه التسريبات لاعتزال العمل السياسي وطالب جميع الكتل السياسية بالتصدي لأي شخص يحمل أفكار هدامة بأن يقود العراق (في إشارة إلى المالكي).
تداعيات محتملة:
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول أن المشهد السياسي العراقي بعد تسريبات “المالكي” التي أثارت ردود فعل غاضبة داخل الشارع العراقي وخاصة الداعمين لـ”مقتدي الصدر” وحلفاؤه، قد يشهد عدة تداعيات خلال الفترة القادمة، أولها، عودة “مقتدى الصدر” إلى المشهد السياسي مرة أخرى والعمل على تشكيل حكومة مع القوى المعارضة لـ”المالكي” من داخل الإطار التنسيقي، وثانيها، يتمثل في احتمالية حدوث انقسامات وانشقاقات داخل تحالف الإطار التنسيقي وخاصة ائتلاف دولة القانون الذي يرئاسة “المالكي”، خاصة أن الإطار أدان في بيان له ما قاله رئيس ائتلاف دولة القانون، وهو ما يسهل عملية التفاهمات السياسية بين بعض الأحزاب داخل قوي الإطار مع التيار الصدري، أما الاحتمال الثالث، هو أن يتم حل مجلس النواب والدعوة لانتخابات مبكرة، خاصة مع احتمالية عودة الخلافات الحادة سواء على المستوي السياسي أو العسكري بين الأحزاب الكردية في حال لم تتفق على مرشح بعينه لرئاسة البلاد.