هل يكون “مجتبي خامنئي” المرشد الإيراني القادم؟

برز اسم “مجتبي خامنئي” ثاني أكبر أبناء المرشد الإيراني الأعلى “آية الله علي خامنئي” مرة أخرى على الساحة الإيرانية للقول أنه يتم إعداده لتولي منصب المرشد الأعلى خاصة مع تدهور صحة والده الذي يعاني منذ سنوات من سرطان البروستات مما دفعه لتفويض نجله الثاني للقيام بالمسؤوليات الأكثر أهمية في البلاد، الأمر الذي أدي لقيام معارضي نظام الملالي بتوجيه تحذيرات شديدة اللهجة إلى “خامنئي” في حال قيامه بتوريث منصب الوالي الفقيه الذي يتولاه بالتزكية منذ يناير عام 1989 عقب وفاة “روح الله الخميني” مؤسس نظام الجمهورية الإسلامية، لنجله “مجتبي” ذو الـ 53 عامًا ويعمل كمستشارًا في مكتب المرشد الأعلى وهو ما ساهم في تقوية نفوذه العسكري والسياسي على السلطة الإيرانية.
وتجدر الإشارة أن خلافة المرشد الأعلى لطالما أثارت جدلًا داخل الأوساط الإيرانية المحلية والدولية، لوجود معركة على منصب الوالي الفقيه (أعلى وأهم مركز في الجمهورية الإيرانية) بين التيارين المحافظين والإصلاحين، وفي بعض السنوات قيل أنه يتم تجهيز الإصلاحي “حسن روحاني” الرئيس الإيراني السابق لتولي هذا المنصب، وبعدها قيل أنه يتم إعداد المحافظ المتشدد “إبراهيم رئيسي” الرئيس الإيراني الحالي لخلافة المرشد، ولكن منذ العامين الماضيين تحديدًا برزت مساعى لتوريث “مجتبي” هذا المنصب، وبدأت أجهزة الملالي تروج لذلك لمعرفة رد الفعل الشعبي المتوقع حيال هذا.
وتجدر الإشارة أن هناك تخوف من قبل الشعب وقوي المعارضة من أن يحكم “مجتبي” قبضته الأمنية المشددة على البلاد في حال تقلد هذا المنصب، نظرًا لأمرين أولهما، خلفيته الدينية المتشددة التي لا تؤمن بالديمقراطية، فقد تلقي تعليمه الديني في مدينة قم (ثاني أهم المراكز العلمية الدينية للشيعة) على يد عدد من رجال الدين المحافظين المتشددين ومن بينهم من يدع لاستخدام العنف ضد المعارضين للنظام كـ”آية الله محمد تقي مصباح يزدي”، أما الأمر الثاني أن “مجتبي” يلعب دورًا مشابها لدور “أحمد الخميني” نجل المرشد السابق (فشلت محاولاته في الوصول للسلطة العليا وفقد منصبه وحياته في نهاية المطاف) بتقوية علاقاته مع القوي العسكرية والأمنية وإبعاد جميع المهددين لسلطته، مستغلًا سيطرته على قرار “خامنئي”.
وانطلاقًا مما تقدم، فإن هذا التحليل يحاول الإجابة على هذا التساؤل، وهو، هل يمتلك “مجتبي خامنئي” الأدوات التي تمكنه من تولى منصب المرشد الإيراني الذي له الكلمة الفصل في القرارات المصيرية التي تتخذها إيران؟.
المؤثر العسكري والاستخباراتي:
يتمتع “مجتبي” بنفوذ عسكري كبير داخل أرجاء الجمهورية الإيرانية ولديها علاقات قوية مع كبار القادة الإيرانيين في الأجهزة الأمنية والعسكرية، ومن بينهم “حسين طائب” رئيس منظمة استخبارات الحرس الثوري الإيراني الذي تم إقالته في يونيو 2022، ونائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني في مقر ثار الله “حسين نجات” (المسؤولة عن إدارة الأمن في طهران)، وتعد هذه الشخصيات من أبرز المقربيين من عائلة “خامنئي”، وتقوية نجل المرشد علاقته معهم بدأت أثناء مشاركته بجانب القوات المسلحة الإيرانية وتحديدًا في “كتيبة حبيب” بالحرس الثوري إبان حرب الخليج الأولي “الحرب العراقية الإيرانية” عام 1980، وقد يكون هذا السبب في ترقيتهم لتولي هذه المناصب عقب انتهاء الحرب، إضافة إلى أنه هو المتحكم في أجهزة الاستخبارات الإيرانية، في يوليو 2022 كشفت مصادر مطلعة أن “مجتبي” أنشأ قطاع استخباراتي يضم سبعة عشر جهازاً، وقام من خلالها بشن حملة تطهير طالت عدد من قادة الحرس الثوري بعد فشلهم في الرد على الهجمات الإسرائيلية على عدد من المنشآت النووية فضلًا عن عمليات اغتيال علماء نووين وقادة عسكريين.
نفوذ سياسي وإعلام مؤثر:
لعب “مجتبي خامنئي” خلال السنوات الماضية دورًا في إيصال أشخاص بعينها إلى السلطة التنفيذية لتولي منصب رئاسة الجمهورية الإيرانية، كان من أبرزهم “محمود أحمدي نجاد” الرئيس الإيراني الأسبق، حيث قدم دعمًا له إبان الانتخابات الرئاسية عام 2005 على حساب رئيس مجلس الشوري الإسلامي “محمد باقر قالبياف” الذي حصل في البداية على دعم سياسي قوى من “مجتبي” الذي تراجع فيما بعد ودعم “نجاد” قبيل الانتخابات بثلاثة أيام وقام بزيارته مقاره الانتخابي وبالفعل فاز “نجاد” في الانتخابات وتولي رئاسة إيران لفترتين متتالتين، فضلًا أن نجل المرشد هو المسؤول عن إدارة “حكومة الظل” التي تم تشكيلها عام 1997 وهي محور السياسة الإيرانية.
أما النفوذ الإعلامي، فقد عمل “مجتبي” على توسيع نطاق نفوذه الإعلامي داخل مؤسسة المرشد وهو ما دفعه لإنشاء “جهاز دعائي” يضم جميع وسائل إعلام النظام، ودشن أيضًا هيئة تعرف بـ “مجلس التخطيط السياسي لأئمة الجمعة”، للسيطرة على ما يقوله رجال الدين، وتضم هذه المؤسسات أشخاص موالين له لاستخدامهم بشكل منهجي في الترويج له وتضخيم صورته أمام الشعب الإيراني، لدرجة أن هناك من يقول أنه “آية الله” (رتبة لا يملكها إلا من يمتلك المقومات الدينية الكافية)، ويدير نجل خامنئي بشكل سري الإذاعة والتلفزيون الإيراني، فضلًا أنه في مطلع 2021، تم تدشين حملة إعلامية ضخمة للترويج أن “مجتبي” هو المرشد القادم، وتم نشر “ملصقات تحمل صور مجتبي” في أرجاء العاصمة الإيرانية طهران، وبثت حملة إعلامية أخرى لتضخيم مؤهلات “مجتبي” الدينية والقول أنه بدأ دراسة “فقه الخارج” في حوزة قم، من أجل نيل درجة “الاجتهاد” التي تعد إحدى صفات المرشد وفقًا للدستور الإيراني.
المؤثرات الاقتصادية:
توسع نفوذ الإبن الثاني للمرشد الأعلى حتى وصل إلى السيطرة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر على عدد من أكبر المؤسسات الاقتصادية في جمهورية الملالي بالنيابة عن والده، كـ”مؤسسة المستضعفين”، و”مقر خاتم الأنبياء” التابع للحرس الثوري الإيراني، و”لجنة تنفيذ أوامر الإمام”، وهذه المؤسسات تشكل حوالي 60% من الاقتصاد الإيراني، فضلًا عن إدارته لعدد من المؤسسات الدينية التي تدر عائد اقتصادي ربحي، بالإضافة إلى ما كشفته بعض الوثائق في مايو 2019، عن تورطه في إبرام صفقات أسلحة مشبوهة، وأنه المدبر الرئيسي لعمليات بيع النفط الإيراني بطرق غير قانونية للالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.
تأسيسًا على ماسبق، يمكن القول أنه ليس من المستبعد أن يتبوء “مجتبي خامنئي” منصب المرشد الأعلى، ولكن في حال حدوث ذلك فإنه الجمهورية الإيرانية ستكون قائمة على القمع وليس الإصلاح، حيث سيعمل على تكميم أفواه جميع قوي المعارضة وإبعادهم عن وظائفهم لإحكام قبضته على جميع مؤسسات الدولة، إضافة إلى أن هناك رفض شعبي لنجل المرشد سبق وعبر عنه الإيرانيين إبان تظاهرات 2009 حيث رفعوا عدد من الشعارات المناهضة للنظام منها، “مجتبى ستموت قبل أن تصبح مرشدًا”، فضلًا أن الإبن الثاني للمرشد يفتقر عدد من مهارات “خامنئي” كالصبر وكيفية اختيار التوقيت المناسب للتدخل خاصة عندما يتعلق الأمر بالاستيلاء على السلطة وممارستها.