السيناريوهات الثلاثة: دراسة تحليلية واقعية عن جولة الإعادة لانتخابات برلمان ٢٠٢٥

صعود المستقلين وتراجع الأحزاب في انتخابات مجلس النواب 2025 •• تحولات المزاج الانتخابي وتداعياته على بنية التمثيل السياسي في مصر

أولاً: الملخص التنفيذي:

تعكس نتائج الحصر العددي لانتخابات مجلس النواب المصري 2025، خاصة في دوائر مثل قويسنا وبركة السبع، صعوداً لافتاً للمرشحين المستقلين على حساب المرشحين الحزبيين، في ظاهرة تُعيد تشكيل العلاقة بين الشارع والقوى السياسية.

ويمثل هذا التحول مؤشراً على تراجع فاعلية الخطاب الحزبي وتنامي النزعة المستقلة للناخب وصعود نمط تمثيل فردي يركز على القضايا المعيشية. وترصد هذه الدراسة أربعة اتجاهات رئيسية:

1- إعادة توزيع القوة السياسية داخل البرلمان المقبل.

2- تآكل قدرة الأحزاب على التعبئة والحشد.

3- عودة مركزية الروابط الاجتماعية والعائلية في تشكيل القرار الانتخابي.

4- احتمال نشوء برلمان بكتل غير صلبة وتحالفات مرنة.

وتوصي الدراسة بجملة من الإجراءات الاستراتيجية للأحزاب ولصانعي القرار وللمجتمع المدني لضمان توازن المشهد، وعدم تحوّله إلى برلمان مفرط في الفردية المستقلة على حساب الفاعلية التشريعية.

ثانياً: خلفية المشهد الانتخابي:

شهدت العملية الانتخابية للعام 2025 بيئة سياسية مختلفة عن الجولات السابقة من حيث:

• طبيعة الحملات الانتخابية.

• حضور الأحزاب في الشارع.

• خلفيات المرشحين.

• أولويات الناخب.

وقد كانت دائرة قويسنا وبركة السبع بمثابة نموذج واضح لهذا التغير؛ حيث صعد أربعة مرشحين مستقلين إلى جولة الإعادة من دون وجود أي مرشح حزبي، وهو تطور يعكس تراجع النفوذ الانتخابي للأحزاب التقليدية في أحد معاقل المشاركة. وتثير هذه الظاهرة تساؤلاً جوهرياً:

• هل نحن أمام موجة انتخابية عابرة؟ أم بداية إعادة تشكيل لبنية التمثيل السياسي في مصر خلال السنوات المقبلة؟

هذه الدراسة تهدف إلى الإجابة عن هذا السؤال بصورة تحليلية وموضوعية.

ثالثاً: التحليل لصعود المستقلين:

١- تراجع الثقة في الخطاب الحزبي.

أظهرت المؤشرات الأولية حالة نفور نسبي من المرشحين الحزبيين نتيجة:

• ضعف الحضور الميداني.

• غياب البرامج القابلة للتطبيق.

• شعور متزايد بأن بعض الأحزاب لا تملك اتصالاً فعلياً بقواعدها الشعبية.

هذا الفراغ استغله المستقلون بوصفهم خياراً آمناً لدى الناخب.

٢- مركزية القضايا المحلية في قرار التصويت.

أصبحت الأولويات الخدمية من بنية تحتية وخدمات عامة واحتياجات يومية أكثر تأثيراً من الشعارات الوطنية أو الأيديولوجية.

والمرشح المستقل عادة ما يرتبط مباشرة بهذه القضايا ويُنظر إليه كفاعل فردي أكثر منه سياسي حزبي.

٣- تشتت الأصوات الحزبية داخل الدوائر.

بينما تدفع الأحزاب أحياناً بأكثر من مرشح داخل الدائرة الواحدة، يتوزع التصويت بينها بصورة تفقدها القدرة على المنافسة.

أما المستقلون، فبفضل خلفيات اجتماعية أو مهنية قوية، حافظوا على تماسك أصواتهم، ما منحهم الأفضلية كما حدث في قويسنا وبركة السبع.

٤- قوة الرأسمال الاجتماعي للمستقلين.

يملك العديد من المستقلين نفوذاً اجتماعياً متجذراً داخل الدوائر الانتخابية، مستمداً من النشاط الخدمي والدور المحلي والارتباط العائلي والتاريخ المهني. وقد أثبت هذا الرأسمال الاجتماعي فاعليته مقابل الرأسمال التنظيمي للأحزاب.

٥- محدودية الرسالة السياسية للأحزاب.

لم تنجح معظم الأحزاب في تحويل برامجها العامة إلى رسائل انتخابية موجهة تناسب كل دائرة، وجاء الخطاب الحزبي غالباً عاماً، بينما قدّم المستقل خطاباً مباشراً ومحدداً يناسب البيئة المحلية.

رابعاً: التداعيات المتوقعة على بنية البرلمان المقبل:

١- برلمان أقل حزبية وأكثر فردية: من المتوقع أن يحضر المستقلون كقوة مؤثرة، ما سيؤدي إلى صعوبة تشكيل كتل حزبية صلبة وزيادة الاعتماد على التحالفات المؤقتة.

۲- تعزيز دور القضايا المحلية داخل المجلس: سيتركز العمل النيابي على الملفات ذات الصلة بالخدمات والبنية الأساسية، بما قد يرفع مستوى الضغط على الوزارات التنفيذية المعنية.

٣- صعود التفاوض السياسي داخل البرلمان: مع غياب الكتل الصلبة سيصبح التشريع وإدارة الجلسات عملية تفاوضية أكثر منها عملية حزبية منظمة.

٤- تراجع قدرة الأحزاب على فرض الانضباط التصويتي: سيؤثر ذلك في تمرير القوانين الحساسة وفي قدرة الحكومة على الاعتماد على أغلبية مستقرة.

٥- إعادة تعريف العلاقة بين الدوائر والمركز: سيعطي البرلمان وجهاً أكثر محلية، وهو ما قد يعيد صياغة العلاقة بين الحكومة والنواب على محور المطالب الخدمية أكثر من الرؤية العامة.

خامساً: السيناريوهات المستقبلية:

١- استمرار موجة المستقلين، – يؤدي هذا إلى برلمان متنوع للغاية، لكنه قد يواجه تحديات في التنسيق التشريعي.

۲- عودة الأحزاب عبر الإعادة،– تنجح بعض الأحزاب في إعادة وضعها وتقديم رسائل أكثر فاعلية، مما يقلص الفجوة الحالية.

۳- صعود تحالفات جديدة،– تحالفات بين مستقلين وبعض الأحزاب قد تشكّل كتلة مؤثرة بعيدة عن الاصطفافات التقليدية.

سادساً: توصيات استراتيجية:

١- للأحزاب السياسية:

• تطوير خطط اتصال محلي حقيقية داخل الدوائر.

• تدريب كوادر قادرة على التفاعل الميداني لا النظري.

• إعادة صياغة البرامج لتكون قابلة للتطبيق على المستوى المحلي.

۲- لصنّاع القرار:

• دعم أدوات تمكين النواب في الملفات الخدمية.

• تطوير آليات تواصل منتظم بين الجهاز التنفيذي والنواب المستقلين.

• دراسة أثر التحولات الحالية على الاستقرار التشريعي.

٣- للمجتمع المدني ومراكز الدراسات:

• إعداد بحوث دورية حول تحولات السلوك الانتخابي.

• تقييم أثر ضعف الأحزاب على جودة العملية التشريعية.

• متابعة أداء النواب المستقلين وقدرتهم على صياغة المبادرات التشريعية وليس فقط المطالب المحلية.

لحظة إعادة تشكيل السياسة المصرية:

تشير المؤشرات الأولية لانتخابات 2025 إلى أننا أمام تحول مهم في بنية التمثيل السياسي؛ تحوّل يعكس انتقالاً تدريجياً من التمثيل الحزبي إلى التمثيل الفردي المستقل. إذ إن صعود المستقلين ليس مجرد حدث انتخابي، بل هو تعبير عن إعادة تعريف العلاقة بين المواطن والقوى السياسية، وعن رغبة في تمثيل أقرب للواقع الاجتماعي.

سيظل المشهد مفتوحاً خلال جولة الإعادة وما يليها، لكن المؤكد أن السياسة المصرية تدخل طوراً جديداً، تتداخل فيه الكثير من الاعتبارات التنظيمية والهيكلية، وهو ما يحتاج إلى متابعة دقيقة من المؤسسات الأكاديمية وصنّاع القرار.

لواء أحمد زغلول

اللواء أحمد زغلول مهران، مساعد مدير المخابرات الحربية الأسبق، وعضو الهيئة الاستشارية العليا لمركز رع للدراسات الاستراتيجية. كما أنه خبير متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى