مكاسب معلقة: هل تستفيد نيجيريا من فرص تصدير الغاز لـ “أوروبا”؟
يسرا محمد مسعود- باحث مساعد في وحدة الدراسات الدولية.
تعد نيجيريا إحدى الدول التي تمتلك أكبر احتياطيات من الغاز في العالم، وهو ما يفوق احتياجاتها للسوق المحلية، ويساعدها على التصدير، وبعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022، والتخوف الأوروبي من أن تقوم روسيا بقطع إمدادات الغاز الروسية الواردة إليها، أصبحت أمام نيجيريا فرصة تصديرية مهمة، إذا ما تمكنت أبوجا من زيادة شحنات الغاز المصدرة إلى أوروبا، في ظل مساعي الاتحاد الأوروبي إلى الاستغناء عن الغاز الروسي، وبالتالي تأتي نيجيريا من أبرز الدول الأفريقية التي يمكن أن تساعد في سد فجوة الطاقة في أوروبا.
وفي هذا الإطار، يبحث هذا التحليل التالي موقف نيجيريا من الحرب في أوكرانيا، وهل يمكن لهذه الحرب أن تشكل فرصة حقيقية أمام نيجيريا لتعزيز صادرتها من الغاز إلى أوروبا؟.
تداعيات الحرب الأوكرانية على أفريقيا:
تعاني القارة الأفريقية بالأساس من العديد من الأزمات الاقتصادية والسياسية، زاد من وطأتها التداعيات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية، وما يمكن أن تؤدي إليه من ارتفاع الأسعار، لا سيما أسعار المواد الغذائية والمواد النفطية، وهو ما آثار مخاوف الأفارقة، خشية تفاقم حالات الفقر في معظم دول أنحاء القارة، وهو ما حذر منه الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش”، والذي اختزل ما يمكن أن تتعرض له أفريقيا في وصف “إعصار المجاعات”، إذ أن ثمانية عشر دولة أفريقية، تمثل البلدان الأقل نمواً بين دول العالم، وتستورد ما لا يقل عن 50% من القمح الذي تحتاجه من أوكرانيا وروسيا.
لكن في الوقت ذاته، تعزز الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، من فرص أفريقيا التصديرية للغاز الطبيعي، لا سيما وأن الطاقة الإنتاجية للغاز المسال فى العالم؛ لن تكون كافية لتلبية الطلب للفترة 2025-2040، وهو ما يفتح المزيد من الفرص يمكن أن تستغلها الدول الأفريقية المنتجة للغاز، علاوة على ذلك فإن الاكتشافات الأخيرة للنفط والغاز الطبيعي فى ناميبيا وموزمبيق وغرب أفريقيا وجنوب أفريقيا ومصر تبدو فرص واعدة لهذه البلدان، نظراً لقربها النسبى من السوق الأوروبية، كما يمكنهم أيضاً تزويد بلدان أمريكا الجنوبية بالغاز الطبيعي المسال ولاسيما البرازيل، التي تستهلك كميات كبيرة من الغاز الطبيعي.
موقف نيجيريا من حرب أوكرانيا:
يتضح أن موقف نيجيريا من الحرب، جاء متناغماً مع غالبية مواقف الدول الأفريقية، التي أدانت الهجوم الروسي على أوكرانيا، فقد حث الرئيس السنغالي”ماكىسالى” – الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي- الطرفين الروسي والأوكراني على الوقف الفوري لإطلاق النار، وبداية مفاوضات سياسية دون إبطاء تحت رعاية الأمم المتحدة، حفاظاً على العالم من الانزلاق إلى صراع كوكبي، يهدد السلام والاستقرار الدولي، وخدمة لجميع شعوب العالم.
وقد ظهر موقف نيجيريا من خلال دورها بالأمم المتحدة، والذي أدانت فيه بشدة استخدام القوة لحل النزاعات بين الدول ولذلك، أدانت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، واعتبرتها تشكل خرق صارخ لسيادة ووحدة الأرضي الأوكرانية، ورأت أنه في مواجهة الاضطرابات الجيوسياسية التي سببتها الحرب الروسية الأوكرانية، لا يمكن للقارة الأفريقية أن تبقى في منطق التبعية التي تجبرها على تدفعها إلى اختيار قوة على أخرى، ويجب أن تنشأ سياسة خارجية أفريقية.
نظرا لأن نيجيريا ستعاني من صعوبات اجتماعية واقتصادية خطيرة إذا تصاعدت الحرب واستمرت لفترة أطول، لهذا تسهى أبوجا إلى إعطاء دفعة قوية لخطة التنمية الوطنية النيجيرية (NDP) 2021-2025 ، التي تم افتتاحها العام الماضي، والتي تشجع على تطوير الاقتصاد النيجيري، من خلال إطلاق المبادرات الاقتصادية، لوضع البلاد في حالة استعداد تمكنها من التحكم فيما تواجه من أزمات، كما تتمثل إحدى السمات الرئيسية للبرنامج الوطني للتنمية، هو مساعي تنويع الاقتصاد النيجيري ليشمل مختلف المنتجات.
فرص نيجيريا في تصدير الغاز إلى أوروبا:
دفعت الحرب الروسية-الأوكرانية، الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى فرض عقوبات اقتصادية قاسية ضد روسيا، لكن ذلك خلف العديد من التحديات على أوروبا، التي تعتمد بنسبة 40%، في احتياجاتها من الغاز على روسيا، وقد فرضت الحرب على أوروبا البحث عن بدائل للغاز الروسي، ومحاولة تنويع إمداداتها من الغاز وتقليل اعتمادها على روسيا، خشية انقطاعه في أي وقت، وتأتي دول الشرق الأوسط وأفريقيا، البديل الأبرز لتغطية حاجة الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي.
وفي أفريقيا، هناك العديد من البلدان التي تمتلك احتياطيات كبيرة من الغاز، والتي يأتي في مقدمتها الجزائر، التي تعد بديلا مناسباً لتوريد الغاز إلى أوربا، استناداً إلى ما يتوفر لها من الاحتياطيات الكبيرة، وموقعها الجيوسياسي، وهناك أيضاً السنغال، ونيجيريا وتنزانيا، وجميعهم يتمتع بقدرات كبيرة من الغاز الطبيعي، وبهذا المعنى، تعاونت نيجيريا والنيجر والجزائر، لتسيير خط أنابيب للغاز الطبيعي لعبور الصحراء، والتوجه إلى زيادة صادراتها من الغاز إلى الأسواق الأوروبية.
وإضافة إلى هذا الخط، يتم في الوقت الحالي نقل ما مجموعه 50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الجزائري إلى أوروبا عبر خط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي وخط الأنابيب العابر للبحر الأبيض المتوسط، وقد ظهر أن شركةSonatrach الجزائرية العامة للمحروقات، تستعد لتزويد الاتحاد الأوروبي بالمزيد من الغاز، في حال تراجع الصادرات الروسية، في ظل الأزمة الأوكرانية وذلك من خلال توجيهها بشكل خاص عبر خط أنابيب الغاز Transmed الذى يربط الجزائر بإيطاليا، وتخطط الجزائر لاستثمار 40 مليار دولار بين عامى 2022 و2026 فى التنقيب عن النفط وإنتاجه وتكريره وكذلك التنقيب عن الغاز واستخراجه.
ومع ذلك، ليست كل الدول الأفريقية يتوافر لديها غاز طبيعي، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغاز والنفط في هذه الدول، خاصة وأنها من الدول المستوردة للنفط، مما يجعلها تواجه أزمة خطيرة، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي والصناعي.
ومع استمرار سعى دول الاتحاد الأوروبي إلى توفير بديل فوري للغاز الروسى، قامت نائبة الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية “مارجيت فيستاجر”، بزيارة إلى العاصمة النيجيرية أبوجا، حيث التقت بنائب الرئيس “يمى أوسينباجو”، لبحث زيادة أمادات الغاز الطبيعي المسال من نيجيريا، والتى تعد موردًا رئيسيًا للغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، حيث بلغ إجمالي صادراتها فى عام 2021 حوالي 12.63 مليار متر مكعب، كما أظهرت البيانات أن أكبر المستفيدين من الغاز النيجيرى، هم إسبانيا ثم فرنسا والبرتغال وأخيرًا تركيا، فيما تفيد العديد من التقارير أن قدرة المنشآت التصديرية النيجيرية، تصل إلى حوالى 31 مليار متر مكعب سنويًا.
وتسعى الدول الأوروبية إلى إقناع نيجيريا بزيادة صادرتها من الغاز إلى أوروبا، ومحاولة الاستفادة من السعر المرتفع للغاز لتحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة، وقد نجحت تلك المفاوضات في تغيير مسار العديد من الشحنات وتوجيهها إلى أوروبا في الآونة الأخيرة في محاولة لتغطية بعض الاحتياجات الأوروبية.
وكذلك يمكن أن يوفر إنشاء خط أنابيب بطول أربعة آلاف كيلومتر من الدولة الواقعة في غرب إفريقيا مزيداً من الاستقلال عن الغاز الروسي، على الأقل في المدى المتوسط، وبمجرد اكتماله، من المتوقع أن ينقل خط الأنابيب ما يصل إلى 30 مليار متر مكعب من الغاز إلى الجزائر،الذي ستوجه من هناك إلى أوروبا. كما إنه في حال ما أمكن لنيجيريا تعزيز فرصها التصديرية من الغاز إلى أوروبا، ستصبح نيجيريا طرف مهم في حسابات القوى الدولية، كما أن مُنتجو الغاز في أفريقيا، مثل نيجيريا وتنزانيا والسنغال؛ يمكنهم المساعدة في إنهاء الاعتماد الأوروبي على الطاقة الروسية، حسبما ترى “دانيال ريسنيك” من معهد بروكينغز للأبحاث.
وتأسيساً على ما سبق، تمثل البلدان الأفريقية المنتجة للغاز، أهم البدائل المحتملة لإمداد أوروبا من الغاز، البديل للغاز الروسي، مع استمرار الحرب في أوكرانيا، والمساعي الأوروبية الحثيثة لإيجاد بدائل للغاز قبل حلول فصل الشتاء القادم، مما يعني أن أفريقيا لديها فرصة لزيادة حظوظها التصديرية من الغاز إلى أوروبا، في الوقت ذاته، يمكنها لعب دور مهم في تقليل التبعية لبعض الدول الأوروبية، ولكن المشكلة تكمن في التحديات التي تعيق قدرات الإنتاج والنقل في الدول الأفريقية، والتي تعد محدودة.
بالنهاية، يتضح أن الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا تعد فرصة ذهبية للدول الأفريقية فيما يتعلق بتصدير الغاز، إذا ما أمكن للدول المنتجة له -خاصة نيجيريا والجزائر-تنمية استراتيجية قوية لتلبية احتياجات أفريقيا من الغاز، وفى الوقت ذاته الاتجاه إلى التصدير إلى أوروبا، مما سيجعل من هذين البلدين، فاعلان رئيسيان في عملية تلبية المطالب الأوروبية من الغاز الطبيعي، وإن ظل التحدّي المباشر للاستفادة من هذه الفرص، تكمن في البنية التحتية المتردية، وضعف جهود التنمية، فضلاً عن معاناة ملايين الأفارقة من الظروف المعيشية الصعبة، حيث يكافحوا من أجل تأمين أقواتهم بشكل يومي.