سد الذرائع: هل فعلاً يفكر “الجولاني” في القتال بأوكرانيا؟

في الفترة الأخيرة ترددت أنباء عن مغادرة عناصر إرهابية مسلحة تابعة لـ “أنصار التوحيد” و”حراس الدين”، من الأراضي السورية إلى الأراضي الأوكرانية، بهدف قتال الروس، وبمباركة وتشجيع من “هيئة تحرير الشام” بقيادة أبو محمد الجولاني.

وبالتالي، إذا صدقت تلك الأنباء التي تؤكد على أن هذه التنظيمات الإرهابية المذكورة تحركت إلى خارج حدود سوريا، بمباركة أبو محمد الجولاني، بعد اجتماعه بزعماء عدة تنظيمات مسلحة، وحثهم علي الجهاد في أوكرانيا ضد الروس- وحتى إن لم تصدق تلك الأنباء، وتُصبح مجرد افتراض، فإنه قد يكون من الضروري الإجابة عن تساؤلات تتعلق بصحته (الافتراض) أو خطأه، ويعد أهم هذه الأسئلة: هل فعلا يفكر “الجولاني” في القتال بأوكرانيا؟، وما هي الأهداف التي تسعي إليها “هيئة تحرير الشام” من وراء هذه الدعوات؟، وما السيناريو المحتمل المترتب علي ذلك؟، وما التأصيل الفقهي الذي دعا الجولاني المقاتلين للجهاد في أوكرانيا تأسيسا عليه؟.

دواعي برجماتية:

تتبع هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني، سياسات برجماتية بحتة، منذ إعلان الهيئة الانفصال عن تنظيم القاعدة عام 2016، لتؤكد بموجب هذا الموقف، تخليها عن منهج تنظيم القاعدة، المؤسس علي فكرة الجهاد العالمي، فأعلنت الهيئة من وقتها تخليها عن الجهاد خارج الأراضي السورية، وما تبع ذلك من إعلان واتباع منهج جديد في التعامل مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة، وفي التعامل مع التنظيمات الإرهابية خارجها في سوريا كذلك.

ترتيبا علي ذلك؛ قامت الهيئة باتباع سياسات مرنة مع الولايات المتحدة، كمحاولة لإثبات أنها تحولت لفصيل سياسي، وأنشأت ذراع سياسي بناء عليه، وظهر قائدها في الإعلام، مؤكداً علي ذلك، سعياً لرفع اسم الهيئة من علي قوائم الإرهاب الأمريكية، والاعتراف بها دوليا، علي الجانب الآخر قامت الحركة بمحاولات مستميتة لإضعاف التنظيمات المسلحة الأخرى، عن طريق تحييد قادة تلك التنظيمات، وأهم عناصرهم، أو اعتقالهم. رغبة منها في تطهير إدلب من تلك التنظيمات وفلولها، لإرسال الإشارات للغرب، وأمريكا تحديداً بالقدرة والسيطرة، والسير في ذات الاتجاه، وهو الرغبة في القضاء علي الإرهاب.

عليه؛ فمن غير المستبعد، صحة ما ورد من أنباء، عن مشاركة الهيئة ودعمها، لفكرة نقل مجاهدين للقتال ضد روسيا، وذلك استكمالا لسياسات بدأتها الحركة منذ ست سنوات تقريباً، تعمل علي إرضاء الولايات المتحدة، أملاً في الدخول في مفاوضات معها، علي غرار نموذج طالبان في أفغانستان، مؤكدة مراراً أنها حركة محلية، تعمل علي تقويض التنظيمات المتشددة، وهي بذلك لا تمثل تهديدا للولايات المتحدة، مستفيدة بذلك من تجربة طالبان، وروسيا في نفس الدرب في التعامل مع أمريكا.

في ذات السياق، لن تعلن الهيئة بشكل رسمي دعمها للجهاد، وإرسال مسلحين لأوكرانيا، حتي لا يبدو التناقض في منهجية الحركة، التي طالما أكدت أنها حركة محلية، علي الجانب الآخر، ستتمكن الحركة بموجب تلك الدعوات، بالتخلص من بقايا التنظيمات، التابعة للقاعدة وداعش، حيث استنزفت الهيئة في العامين الآخرين، في التخلص من تلك التنظيمات.

بهذا تكون الهيئة قد حققت مكاسب لأطراف عدة، أولها: لحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة، في محاولة لتكرار المشهد الأفغاني بمعطيات مختلفة بعض الشئ. وثانيها: مكسب للحركة نفسها، التي تحاول منذ فترة التخلص من المسلحين من خارجها، لإحكام السيطرة علي إدلب، والشمال السوري بأكمله.

سيناريو محتمل:

مع تصاعد احتمالية صدق الرواية السابقة، ستتغير موازين الفواعل الدولية علي جميع الأصعدة، فعلي الجانب الروسي، تحاول روسيا إثبات أن “هيئة تحرير الشام”، مسئولة عن تفجيرات في إقليم القرم المتنازع عليه، حتي من قبل دخول روسيا إلي أوكرانيا، لمحاولة إهدار كل محاولات الهيئة للاعتراف بها دوليا، حيث تعد الهيئة أقوي تنظيم إرهابي في الشمال السوري، وأحد أهم أعداء روسيا داخل سوريا.

من جانب آخر؛ تسعي الهيئة إلي زيادة الضغط العسكري علي روسيا داخل أوكرانيا، لإشغالها خاصة بحرب عصابات الشوارع، وبقتال مسلحين منتمين لتنظيمات إرهابية ذات خبرة قتالية، لإشغال الجانب الروسي وتحيده عن استهداف الهيئة بغاراته، لتنفيذ أطماع الهيئة في التوسع والسيطرة في سوريا.

أما علي الصعيد الأمريكي، تسعي الهيئة إلى إرسال مسلحين للقتال في أوكرانيا، لخدمة المصالح الأمريكية، تنفيذا للإرادة الأمريكية، لكسب رضاء الطرف الأمريكي، وصولاً إلي أهداف الحركة في تحيد الجانب الأمريكي، بعدم محاربة الهيئة داخل سوريا، وربما الوصول إلي ما هو أبعد، وهو الاتفاق والتحالف مع أمريكا، والاعتراف بالحركة دولياً، بعد رفع اسمها من قوائم الإرهاب العالمي الأمريكية.

سد الذرائع:

بقراءة تاريخ الهيئة، ورصد التفسيرات والتنظيرات الفقهية، لمواقف الهيئة السابقة، نستطيع أن نستنتج، أن يكون التنظير لشرعية الجهاد في أوكرانيا من قبل الهيئة، جاء تطبيقا لقاعدة سد الذرائع، التي سبق وأن استخدمها الجولاني من قبل، لتبرير الانفصال عن القاعدة، وإلغاء العمل باسم جبهة النصرة، وإعادة تشكيل جماعة جديدة، تحمل اسم الهيئة الحالي، حيث أكد الجولاني حينها، أن هذا الانفصال تطبيقا لقاعدة سد الذرائع في غير موضعها ومفهومها، التي تبطل دعاوي أمريكا وروسيا باستهداف الحركة، ومحاربتها لتبعيتها لتنظيم القاعدة.

تطبيقا لنفس القاعدة الفقهية، فقد تكون نظرت الهيئة وأفتت للمسلحين، شرعية القتال في أوكرانيا، رغم أنها حرب كفار مقابل كفار سدا للذرائع، حتى لا تكون التنظيمات الإرهابية في مرمي استهداف القوات الأمريكية، التي ترغب وربما نسقت مع الحركة، نقل هؤلاء المسلحين إلي أوكرانيا.

تأكيدا علي ما سبق؛ فقد كشفت حسابات لجهاديين، تداول الفتاوى التي تبيح، بل وتشجع علي القتال في أوكرانيا ضد الروس، ويتمثل أهم ما تضمنته هذه الفتاوى في أنه ” إذا لم توجد راية شرعية قادرة علي النكاية بالعدو، فلا حرج من القتال تحت راية حاكم كافر، إذا دعت إلي ذلك المصلحة” ، والمقصود هنا النكاية بالعدو الروسي، والقتال لصالح أوكرانيا والحليف الأمريكي.

أخيرا؛ النتيجة المتوقعة من السياسات السابق ذكرها، تشكيل حزام أوربي تنشط فيه الجماعات المتطرفة، التي سيتحقق لها جزء من مساعيها، في التوسع والسيطرة في أماكن جديدة، خاصة وأن أغلب هذه التنظيمات تابعة للقاعدة وداعش، وكلا التنظيمين يتبنيا أيديولوجية الجهاد العالمي، لذا سيكون من الصعب القضاء علي هذه العناصر، بعد انتهاء الحرب، مما يؤدي أن تكون هذه المنطقة من أوروبا، ساحة جديدة ملتهبة للإرهاب الدولي.

أسماء دياب

د. أسماء دياب، المدير التنفيذي للمركز، ورئيس برنامج دراسات التطرف والإرهاب، دكتوراه في القانون الدولي- كلية الحقوق جامعة عين شمس، حاصلة على ماجستير القانون الدولي جامعة القاهرة، وحاصلة على دبلوم القانون الدولى جامعة القاهرة. وحاصلة على دبلوم القانون العام جامعة القاهرة، خبيرة في شئون الحركات الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى