كيف تتعامل الشركات المستوردة لـ “التوك توك” بعد وقف استيراده؟

في إطار خطة الدولة المصرية لوقف استخدام مركبات “التوك توك” واستبدالها بأخرى مرخصة وآمنة تعمل بالغاز الطبيعي “المينى فان”، أصدرت وزارة التجارة والصناعة قرارًا وزاريًا جديدًا رقم 533 لسنة 2021 نُشر بالجريدة الرسمية فى العاشر من نوفمبر 2021، نص على “وقف استيراد المكونات الأساسية (قاعدة – شاسيه – محرك) للمركبات ذات الثلاث عجلات (التوك توك)” بدءًا من اليوم التالي لنشره فى الجريدة الرسمية.
صناعة “التوك توك” فى مصر:
لا يوجد فى مصر صناعة متكاملة لمركبات “التوك توك” بل تقوم هذه الصناعة على استيراد مكوناته الأساسية من الخارج وتجميعها فى الداخل والصناعات المغذية، ويتصدر مشهد صناعتها أربعة مصانع على رأسهم شركة (جى بى غبور أوتو) والتى تعتبر أولى الشركات التى قامت بتوريد مركبات “التوك توك” إلى السوق المصري في عام 1999 والوكيل الرئيسي لشركة “بجاج” الهندية الرابعة على مستوى العالم فى تصنيع المركبات ثنائية وثلاثية العجلات، وتشارك هذه الشركة فى الكميات المعروضة بالسوق شركات أخرى منها MCV وسعودى مودرن موتورز، أما عدد المصانع التى لها خطوط إنتاج مغذية فيبلغ عددها 15 مصنعًا، وبحسب تصريحات لغرفة الصناعات الهندسية فإن مكونات مركبات “التوك توك” التي يتم إنتاجها محليًا تصل إلى 65% أما المكونات المستورة فتشكل 35% مثل المحرك والشاسيه.
ويتراوح سعر بيع المركبة فى مصر ما بين 38 إلى50 ألف جنيه، بمكسب للمُصنّع يتجاوز 20 ألف جنيه عن كل 4 مركبات يتم بيعها لتجار الجملة والتجزئة، وحسب دراسة جدوى أجريت على السوق المصرى فى ديسمبر 2019، وجد أن السوق يحتاج إلى 50 ألف مركبة “توك توك” سنويًا، وبالتالى إذا افترضنا أن هذه هى الكمية المطلوبة فى الوقت الحالى نجد أن عملية التجميع والتصنيع تحقق مكاسب تزيد عن 250 مليون جنيه سنويًا.
وفى ظل وصعوبة سيطرة الدولة على مركبات “التوك توك” بإخضاعها للضوابط المرورية، فلا يوجد إحصائيات شاملة عن عدد المركبات فى السوق المصرى، ولكن يمكن الاستدلال عن هذا بأعداد التكاتك المرخصة وفقاً للبيانات الرسمة المتاحة، والتى شهدت نمواً مطرداً منذ عام 2010، وارتفعت من 34.5 ألف توك توك إلى 226.7 ألف توك توك للعام 2019، بمعدل زيادة 505% خلال تلك الفترة، ولكن على الرغم من أن معدل النمو هذا يحمل جانب إيجابي فى أن المحاولات الحكومية لإجبار أصحاب التوك إلى ترخيص مركباتهم قد نجحت بعض الشئ إلا أنه يعبر أيضا عن جانب سلبى وهو أن أعداد المركبات غير المرخصة يفوق أعداد تلك المرخصة بكثير، والتى يبلغ تقديرها نحو 3 ملايين “توك توك”.
وباستشراف حجم الطلب على مركبات “التوك توك” بالسوق المصرى سنويًا حسب أعداد المركبات المرخصة، نجد أنه خلال عام 2019، أصبح هناك 43 مركبة “توك توك” جديدة مرخصة، وهو ما قد يشير أن حجم الطلب فى السوق يزيد عن 50 ألف مركبة.
المصدر 1إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء
دوافع القرار:
جاء قرار وزارة التجارة والصناعة رقم 533 لسنة 2021 بوقف استيراد المكونات الأساسية لمركبات “التوك توك” بعد نحو عامين من القرار الحكومى الصادر فى 5 سبتمبر 2019 باستبدال مركبات “التوك توك” بآخرى مرخصة وآمنة وتعمل بالغاز الطبيعى “المينى فان”، والذى سبقه توجيه رئيس الوزراء “مصطفى مدبولى” بالبدء فى برنامج الاستبدال هذا قرارا من مجلس المحافظين فى مارس 2019 ببدء ترخيص مركبات “الفان” لتصبح بديلا عن الـ “توك توك”.
ولم يكن قرار حظر استيراد مركبات “التوك توك” أو أجزاؤها هو الأول من نوعه، فقد سبقه من قبل وزير التجارة والصناعة الأسبق ” منير فخرى عبد النور ” عام 2014 بحظر استيراد “التوك توك” ومكوناته، ولكن تم التراجع عنه بالسماح بدخول مستلزمات الإنتاج وقطع الغيار وفق ضوابط، ثم تلاه قرار وزير الصناعة السابق ” طارق قابيل ” عام 2017، بحظر استيراد “التوك توك” كامل الصنع، كما قرر توجيه كامل إنتاج المركبات التى يتم إنتاجها فى المناطق العاملة بنظام المناطق الحرة إلى التصدير فقط وعدم السماح ببيعها للسوق المحلى، وهو القرار الذى أحدث طفرة حينها فى مجال التجميع والتصنيع المحلى، والتسابق بين المصانع فى تجميعه محليًا وبالتالي زيادة المعروض منه.
ولهذا تختلف فاعلية هذه القرارات الأخيرة بشأن استبدال “التوك توك” بمركبات “المينى فان”
ووقف استيراد مكوناته الأساسية عما سبقها من قرارات حكومية لمحاربة ظاهرة الانتشار العشوائى لمركبات “التوك توك” والتى أثبتت عدم جدواها فى خفض أعداد “التوك توك” أو إيقاف انتاجه نهائياً أو حتى تقنينه وإخضاعه للضوابط المرورية والقانونية، حيث جاءت القرارات الحكومية تلك المرة بوضع حل بديل لها حتى تنتهي عملية إنتاج وإصلاح أية أجزاء متهالكة من المركبات حاليًا داخل مصر لتختفى هذه المركبات تدريجيًا من شوارع العاصمة والمدن.
تداعيات القرار على المصنعين:
لاشك أن قرار وقف الاستيراد لمركبات “التوك توك” رغم مزاياه العديدة من إحكام السيطرة والرقابة على هذه المركبات لمنع الحوادث الناتجة عنها من جرائم سرقة واختطاف وحالات اغتصاب وحوادث سير وتكدس مرورى، سيكون له تأثيرًا مباشرًا وواضح على مصانع تجميع وتصنيع “التوك توك” فى مصر والمصانع المُغذية، والذى سيظهر فى تراجع حجم الإيرادات السنوية سواء للمُنتج أو تاجر الجملة والتجزئة وورش التصنيع والصيانة، ستزيد عن 250 مليون جنيه، فضلاً عن المخزون الكبير لدى هذه الشركات سواء من المركبات المُجمعة أو قطع الغيار، بما سيجبر المصانع والموزعين على إعادة التصدير إلى الخارج وبالتالى تحمل بعض الخسائر.
وعلى الرغم من الجوانب السلبية التى ينظر إليها البعض بشأن التأثير على الإيرادات السنوية وفقد بعض الأشخاص لمصدر دخلهم وهم سائقى الـ “توك توك” الذين لم يلجأوا لاستبدال مركباتهم بمركبات “المينى فان” فى ظلا استيعاب هذه العمالة للأطفال ومسجلين الخطر، إلا أن الجوانب الإيجابية لهذا القرار تعتبر ذات التأثير الأكبر، فمن جانب المصانع المصنعة لهذه المركبات والمُغذية ستستفيد من استبدال صناعة الـ “توك توك” بمركبات الـ “المينى فان”، والتى سيزيد الطلب عليها بشكل كبير بمجرد دخول القرار الحكومى حيز التنفيذ، كما ستسفيد أيضًا ورش الصيانة لاسيما فى ظل ارتفاع تكلفة صيانة وقطع غيار هذه المركبات الجديدة عن “التوك توك”، بما سيعوض حجم الخسائر المتوقعة ويحقق إيرادات أعلى من الحالية، حيث يتراوح سعر مركبة “المينى فان” ما بين 120-170 ألف جنيه وهو أضعاف ثمن “التوك توك.
وبالتالى فإن الشركات المصنعة والمصانع المغذية والورش لمركبات “التوك توك” والمستوردة لمكوناته فى مصر، ستصبح أمام مجموعة من الخيارات:
(*) التخلص من المخزون لديها من مركبات مصنعة جاهزة على الاستخدام وقطع غيار، ولجوء الموزعين إلى الشركات المستوردة والمصنعة لإعادة تصدير المخزون للخارج.
(*) استغلال القرار الحكومى الصادر فى 5 سبتمبر 2019 باستبدال مركبات “التوك توك” بآخرى مرخصة وآمنة وتعمل بالغاز الطبيعى “المينى فان”، والذى جعل عمل “التوك توك” قاصرًا على القرى والنجوع التى تتميز شوارعها بالضيق وغير ممهدة، وبالتالى إعادة توزيع جزء من المخزون لديهم إلى الموزعين بالقرى والنجوع والتوجه إلى خلق تصنيع متكامل لهذا النوع من المركبات دون استيراد أية أجزاء من مكوناتها من الخارج مستقبلا لتغطية الطلب المحلى بالقرى والنجوع بأشكال أكثر أمانًا وتتناسب مع خطة الدولة المصرية لاستعادة المظهر الحضارى بالمحافظات من جهة والتصدير للخارج من جهة أخرى.
(*) سرعة الاستعداد للتوجه نحو تصنيع مركبات “المينى فان” التى سيزيد الطلب عليها بشكل كبير بمجرد دخول قرار الاستبدال حيز التنفيذ، وتحقيق مكاسب أعلى من المتحققة عن تصنيع “التوك توك”.
وختامًا، يمكن القول بأن قرار وقف استيراد المكونات الأساسية لمركبات “التوك توك” جاء ضمن خطة الدولة للقضاء على هذه الظاهرة العشوائية المشوهة للمدن، إلا أن هذا القرار سيتسبب ف تذبذب مفاجئ بحجم الإيرادات والمكاسب المتحققة لشركات ومصانع التجميع والتصنيع المحلى، وارتباك فى كيفية التخلص من المخزون لديهم ولدى الموزعين وحصر الخسائر، ولكن سيظل الجانب الإيجابى لهذا القرار وقرار الاستبدال بمركبات “المينى فان” فى أن التوجه نحو تصنيع مركبات “المينى فان” سيعوض الخسائر المؤقتة ويحقق مكاسب أعلى.