هل تحكم واشنطن قبضتها على الملف الليبي؟

أقر مجلس النواب الأمريكي يوم 28 من سبتمبر الماضي، مشروع قانون تحقيق الاستقرار في ليبيا الذي قدمه النائب الديموقراطي تيد دويتش والجمهوري جو ويلسون وذلك بأغلبية 386 صوتاً بـ”نعم” مقابل 35 صوتاً ب”لا”، حيث يطالب هذا التشريع الذي حظي بدعم حزبي واسع بفرض عقوبات على الأشخاص الأجانب الذين يقدمون دعمًا كبيرًا للميليشيات أو الجماعات شبه العسكرية في ليبيا، في انتهاك لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1970، كما يفرض القانون عقوبات على الأجانب الذين يثبت تورطهم في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في ليبيا ويدعو إلى زيادة المساعدة الأمريكية بما في ذلك المساعدات الإنسانية والصحية وتعزيز الديمقراطية و المؤسسات الاقتصادية الليبية، كما يطالب الرئيس الأمريكي بفرض عقوبات على الأفراد الأجانب الذين ثبت أنهم يدعمون أو يشاركون في العمليات العسكرية الروسية في ليبيا وبموجب مشروع القانون تنتهي العقوبات في 31 ديسمبر 2026.
ووفي ضوء ذلك يسعى هذا التقرير إلى إلقاء الضوء على خطوات تقديم مشروع قانون تحقيق الاستقرار في ليبيا، وما هي أبرز البنود التي تضمنها ويسعى إلى تحقيقها، وما هي التغيرات المحيطة بالمشهد الليبي، ومن هم المستهدفون الحقيقيون من وراء قانون تحقيق استقرار ليبيا، وما هي حدود تأثير قانون تحقيق استقرار ليبيا.
المشروع وتفاصيله The Libya Stabilization Act (H.R. 1228):
في 28 سبتمبر 2021، تم تمرير مشروع قانون استقرار ليبيا HR 1228، الذي عرف سابقًا بـ HR 4644، ويمكن تتبع خطوات تقديمه وأبرز بنوده في السطور التالية:
(*) إعادة تقديمه مرة أخرى: عام 2019، تم تقديم مشروع قانون الاستقرار في ليبيا (LSA) في كل من مجلس النواب الأمريكي ومجلس الشيوخ الأمريكي، حيث طالب هذا القانون الإدارة الأمريكية بتوضيح استراتيجيتها في ليبيا، والإبلاغ عن التدخلات الخارجية، وفرض عقوبات على من ينتهك حظر الأسلحة أو يسعى إلى تقويض الاستقرار والأمن في ليبيا، ثم في 18 نوفمبر 2020، أعلن مجلس النواب الأمريكي تمرير قانون تحقيق الاستقرار في ليبيا رقم H.R. 4644، وفي 21 أبريل 2021، أقرت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب بالإجماع نسخة أعيد تقديمها من قانون تحقيق الاستقرار في ليبيا، ثم في 23 فبراير 2021، أعاد أعضاء مجلس الشيوخ ماركو روبيو وكريس كونز وكريس مورفي و ليندسي جراهام تقديم مشروع قانون مصاحب إلى قانون الاستقرار في ليبيا LSA في مجلس الشيوخ الأمريكي، حتى تم تمريره في 28 سبتمبر 2021 برقم مشروع قانون استقرار ليبيا HR 1228.
(*) أبرز بنود القانون: يمكن تلخيص قانون تحقيق الاستقرار في ليبيا (HR 1228) من خلال خمسة أهداف شاملة والتي يستهدف تنفيذها على مدار 5 سنوات:
- توضيح السياسة الأمريكية في ليبيا: والتي تقر على أن الاستقرار في ليبيا أمر مهم للولايات المتحدة، ولا يوجد حل عسكري للقضية الليبية، والتأكيد على تأييد الولايات المتحدة لجهود الأمم المتحدة، وقرارات حظر السلاح، بالإضافة إلى إدانة خليفة حفتر لهجومه على طرابلس وإدانة كل الجهات لاختراقهم لحقوق الإنسان، ثم تأكيد التزام الولايات المتحدة لتقديم الدعم الإنساني والحكومي إلى ليبيا.
- معالجة التدخلات الخارجية: من خلال المطالبة بإدانة التدخلات التي تهدد الاستقرار من كل الجهات، والمطالبة بتقديم تقارير مفصلة عن التدخلات الدولية في ليبيا وانتهاكات حظر السلاح المتكررة لكل من السودان، قطر، تركيا، روسيا، الصين فرنسا، وإيطاليا، ودول أخرى في غضون ٩٠ يوما، ووضع خطة أمريكية لمكافحة التدخل الروسي في ليبيا خصوصا والتدخل الخارجي عامة في غضون ٩٠ يوما.
- تقديم الإغاثة الإنسانية: من خلال تكليف الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية بتنسيق الإغاثة الإنسانية بشكل مكثف لليبيين والمهاجرين في ليبيا.
- فرض عقوبات ضد المخالفين: من خلال طرح مجموعة من العقوبات ضد كل من يهدد الاستقرار ويسعى لتهديد المسار السياسي، أو يسرق أصول الدولة سواء جهة أو فرد، وكل من يتواطأ في انتهاكات حقوق الإنسان، وتتضمن هذه العقوبات، حيازة الأصول والممتلكات، ومنع الدخول إلى الولايات المتحدة وعدم الأهلية للحصول على التأشيرات الأمريكية.
- تعزيز المؤسسات الديمقراطية والاقتصادية: حيث تتولى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية مهمة دعم التحول الديمقراطي عن طريق توحيد المؤسسات، دعم الانتخابات، والمجتمع المدني، بالإضافة إلى دعم بناء خطة للتعافي الاقتصادي في شراكة مع وزارة الخزانة وبنوك أخرى، وتترأس الولايات المتحدة الجهود الدولية من أجل استرجاع الأصول العامة الليبية المسروقة وحماية أموال الشعب الليبي من السرقة.
استهداف واضح:
تنبع رؤية إدارة بايدن للملف الليبي، من أن التوصل إلى حل سياسي سيخدم المصالح الأجنبية على أكمل وجه، وفي إطار ذلك أشار العديد من الخبراء إلى أن قانون تحقيق استقرار ليبيا، يستهدف تحجيم نفوذ العديد من الأطراف المنخرطة في المشهد الليبي، وأبرزها:
(&) تقويض النفوذ الروسي: الذي يعتبر هدفاً رئيسياً للولايات المتحدة في المنطقة، نظراً لما يمثله من تهديداً مباشراً لمصالح حلفاء واشنطن في أوروبا وحلف ناتو وعرقلة للجهود الأممية نحو التوصل إلى تسوية بين أطراف النزاع الليبي، حيث حذر الجنرال “ستيفن تاونسند” قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) ، في يناير 2020 من أن روسيا تسعى في ليبيا إلى إظهار نفسها كشريك بديل للغرب، كما تسعى إلى التمركز بجانب الجناح الجنوبي من حلف الناتو، كذلك أفادت أفريكوم أن روسيا قامت بنشر طائرات MiG-29 و Su-24 air24 ومعدات الدفاع الجوي SA-22 والمركبات المدرعة المقاومة للألغام إلى ليبيا لدعم المتعاقدين العسكريين الخاصين الذين ترعاهم الدولة الروسية ، بما في ذلك مجموعة فاجنر.
(&) عرقلة محدودة للتواجد التركي: بالرغم من عدم إشارة القانون صراحة إلى تركيا على غرار روسيا، حيث تنظر واشنطن إلى أنقرة باعتبارها حليف مهم في حلف الناتو، إلا أن مشروع قانون تحقيق استقرار ليبيا يأتي في وقت تشهد فيه العلاقات الثنائية بين واشنطن وأنقرة توترات على خلفية شراء تركيا منظومة الدفاع الجوي S-400 من موسكو، ودعم تركيا للحل العسكري في ليبيا من خلال الدفع بعدد كبير من المرتزقة السوريين إلى ليبيا، وبالتالي يتعارض ذلك مع الأهداف التي نص عليها القانون وقد تجد أنقرة نفسها عرضة للعقوبات، كما أن اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 للمرة الأولى في العاصمة طرابلس يوم 30 سبتمبر الماضي- أي بعد يومين من إقرار مجلس النواب الأمريكي القانون، بحضور كل من الجنرال “ستيفن تاونسند”، قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبدالحميد الدبيبة، والمبعوث الأمريكي الخاص لليبيا وسفير واشنطن لدى ليبيا “ريتشارد نورلاند”، والتأكيد على التزام الولايات المتحدة بتنفيذ اتفاقية أكتوبر 2020 لوقف إطلاق النار، والانسحاب الكامل لجميع القوات الأجنبية والمقاتلين، يحمل في طياته رسالة غير مباشرة لأنقرة بضرورة إعادة النظر في سياستها في ليبيا لأنها تمثل تهديد لتوجهات الإدارة الأمريكية الجديدة.
(&) تقييم أنشطة الأطراف الإقليمية الأخرى: من خلال تقديم تقرير مفصل في غضون 90 يوماً حول مشاركة بعض الحكومات الأجنبية في أنشطة ضربات الطائرات بدون طيار والطائرات منذ أبريل 2019، وتقدير أنواع المعدات وحجمها التي تم نقلها من قبل تلك الحكومات إلى أطراف النزاع ، بما في ذلك المتعاقدون العسكريون الأجانب أو المرتزقة أو القوات شبه العسكرية العاملة في ليبيا، وأخيراً تقدير الدعم المالي الذي تقدمه كل حكومة لأطراف النزاع.
مشهد ليبي متضرب:
الجدير بالذكر أن إقرار قانون دعم استقرار ليبيا يأتي وسط سياق ليبي متغير تشوبه التوترات بين الأطراف الليبية الداخلية، والدعوات بضرورة ضبط عملية السلام الدولية بالإضافة إلى ضعف موقف خليفة حفتر، وذلك على النحو التالي:
- تصعيد بين الأطراف الليبية: جاءت خطوة إقرار قانون دعم استقرار ليبيا بعد أسبوع واحد من تمرير البرلمان الليبي في شرق ليبيا تصويتا بحجب الثقة عن حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة التي تتخذ من طرابلس مقرا لها تحت إدارة عبد الحميد الدبيبة، والتي تعتبر ضربة جديدة تهدد جهود السلام التي تدعمها الأمم المتحدة وتعرض الانتخابات المقبلة للخطر.
- عرقلة جهود السلام الدولية: على الرغم من أن العملية الانتقالية التي توسطت فيها الأمم المتحدة والتي بدأت في يناير 2020 مع مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا قد ساعدت في وقف إطلاق النار وتعيين حكومة مؤقتة في فبراير 2021، إلا أن الاتفاق على إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا في غضون ثلاثة أشهر لم يتم الالتزام به حتى الآن، بالإضافة إلى تجاهل خطة العمل الجديدة التي أعلنها المفاوضون من الأطراف المتنازعة في 9 أكتوبر بشأن سحب المرتزقة الأجانب.
- تضاؤل الدعم الموجه إلى خليفة حفتر: بحلول يونيو 2020، كانت قوات حفتر قد هُزمت في طرابلس، وفي أكتوبر 2020، أُعلن وقف إطلاق النار، وعلى الرغم من أن حفتر لا يزال يتمتع بنفوذ كبير، لكن يبدو أن حلفاءه الإقليمين قد غيروا استراتيجياتهم، فمنهم من عقد في الفترة الأخيرة سلسلة من الصفقات الاقتصادية مع الحكومة المؤقتة في طرابلس، وهناك دول خفضت من وجودها في ليبيا.
خلاصة القول، ترى إدارة بايدن أن القيادة الأمريكية في ليبيا أمر بالغ الأهمية في وقف التدخل الأجنبي المستمر، وإنهاء الصراع من أجل تمهيد الطريق لليبيا مستقرة وديمقراطية، وبالرغم من تأكيد واشنطن على أنها تستهدف من وراء قانون تحقيق استقرار ليبيا، معاقبة معرقلي العملية السياسية ودعم الانتخابات، وإذا تم توقيعه ليصبح قانونًا، قد يعطي الإدارة الأمريكية الثقل لوضع الجهات الفاعلة التي من شأنها تقويض العملية تحت تهديد آلية العقوبات، بالإضافة إلى تعزيز الآليات لمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان، وتوفير دورًا أمريكيًا أكثر نشاطًا في المرحلة الانتقالية في ليبيا- إلا أن هناك بعض العراقيل التي قد تحد من تأثير ذلك القانون في حالة الموافقة عليه من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي، على سبيل المثال يرى البعض أنه قد يُستغل للتدخل في شؤون ليبيا أكثر من أي وقت مضى، وفرض عقوبات على بعض الجهات والمواطنين الرافضين للسياسة الأمريكية نحو ليبيا، كذلك إذا دفع مشروع القانون إدارة بايدن في النهاية إلى فرض عقوبات لن تكون تلك العقوبات انتقائية، وقد يؤدي فرضها على حلفاء وشركاء الولايات المتحدة، مثل الإمارات العربية المتحدة أو فرنسا، التي تدعم حفتر، إلى تعقيد أي إجراء أو إيقافه، وأخيراً من غير المرجح أن يعزل قانون تحقيق الاستقرار في ليبيا عملية السلام الهشة للأمم المتحدة في ليبيا عن المخاطر المحتملة.