أي دور لإسرائيل في الأزمة بين أذربيجان وإيران؟
تشهد العلاقات بين إيران وأذربيجان توتراً ملحوظاً، في الآونة الأخيرة، فقد بات التخوف الإيراني من جارتها الشمالية”أذربيجان”، شديد الخطورة خاصة في ظل التعاون العسكري الوثيق مع إسرائيل، حيث زاد التوتر على الحدود الإيرانية الآذرية، كما أجرى الجيش الإيراني مناورات بالقرب من الحدود مع أذربيجان، لإظهار قدراتِه العسكرية، يأتي هذا العرض في وقت تتصاعد فيه التوترات بين كل من طهران وباكو، فقد أطلقت وحدات مدفعية تابعة للقوات البرية للجيش الإيراني النار على مواقع وأهداف محددة مسبقاً ودعمت مروحيات الجيش العملية طوال الوقت.
بدأت الأزمة تتصاعد بعد الخلاف بين إيران وجارتها جمهورية أذربيجان على خلفية أزمة الممرات الحدودية البرية بين الجانبين وخاصة تلك التي تُوصل إيران بجمهورية أرمينيا عبر أراض أذربيجانية كانت تحتلها أرمينيا، كما ساهمت مناورة عسكرية مشتركة أجريت في سبتمبر بين القوات الأذربيجانية والتركية والباكستانية في إضافة أبعاد جديدة للأزمة بين طهران وباكو، وقد ظهرت بوادر التوتر خلال الحرب الأذربيجانية – الأرمينية العام الماضي، عندما تحدثت المعلومات عن دعم إسرائيلي واسع ومكثف للجيش الأذربيجاني، جنباً إلى جنب مع الدعم التركي، اللذين أسهما في الانتصار الذي حققه الجيش الأذربيجاني.
كيف بدأ التصعيد الإيراني؟:
أجرت قوات الحرس الثوري الإيراني مناورة عسكرية في 19 سبتمبر على حدود أذربيجان دون إعلان مسبق، شاركت فيها القوات البرية للحرس بمعداتها الثقيلة وسلاح المروحيات، وكان الرئيس الأذربيجاني، “إلهام علييف”، علق على التحرك الإيراني وحشد القوات على الحدود المشتركة، وفي الوقت الذي قال “إن المناورة تتم وفقاً لـ”سيادة إيران” على أراضيها، لكنه تساءل: “لماذا لم تجر إيران مناورات عسكرية خلال ثلاثين سنة من احتلال أرمينيا لثلاث مناطق حدودية وهي فضولي وجبرائيل وزنغَلان؟”، وجاء رد الخارجية الإيرانية، أن إجراء مناورات عسكرية هو قرار «سيادي» لإيران، وكرر وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان هذه المواقف واعتبر أمير عبد اللهيان، أن تصريحات علييف “مثيرة للتعجب ومؤسفة”، لذلك جاء تهديد رئيس أذربيجان، أوغلو علييف، بإشراك قوى دولية وإقليمية في حال تمادت إيران في المناورات العسكرية التي بدأتها قرب الحدود بين البلدين، في إشارة ضمنية إلى العلاقة الوثيقة، ومنها التعاون العسكري، بين باكو وتل أبيب.
من وراء التصعيد بين أذربيجان وإيران؟:
تقوم إسرائيل بعمليات عسكرية واستخباراتية واقتصادية في أذربيجان، كما تسعى لتوسيع رقعة هذا التأثير في القوقاز عبر الوجود في جورجيا القريبة من إيران، حيث تنظر طهران بقلق إلى العلاقات الوطيدة بين جمهورية أذربيجان وإسرائيل التي ارتقت منذ سنوات إلى المستويين العسكري والأمني بالإضافة إلى العلاقات التجارية والاقتصادية وفي مجال الطاقة، وقد أسهمت تل أبيب في تفوق وانتصار أذربيجان خلال الحرب الأذربيجانية – الأرمينية العام الماضي، عندما تحدثت المعلومات عن دعم إسرائيلي واسع ومكثف للجيش الأذربيجاني، وكان سبباً في الانتصار الذي حققه الجيش الأذربيجاني.
وساهمت الطائرات المسيرة الهجومية مساهمة كبيرة في انتصار أذربيجان، وكان هذا الانتصار عبر بيع باكو طائرات مسيرة وتكنولوجيا تجسس تعمل عبر الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية سبباً كافياً لمزيد من التنسيق والتعاون بين البلدين، حيث تحدثت المعلومات الصحافية عن قيام “إسرائيل” بإنشاء قواعد ومحطات رادارات قرب الحدود مع إيران لمراقبة التحركات العسكرية الإيرانية ورصد الصواريخ الإيرانية في حال إطلاقها صوب “إسرائيل”، فيما تعمل شركات إسرائيلية على إقامة مشاريع زراعية وصناعية شبيهة بنظام المستوطنات اليهودية جنوب أذربيجان، وعلى بعد 50 كم من الحدود مع إيران.
نتائج عاكسة:
وترتيباً على ما سبق، فقد تخوفت طهران من الوجود الإسرائيلي والداعم لأذربيجان، بمختلف أشكاله العسكرية والاستخباراتية، ورأت فيه خطراً على أمنها القومي، وخاصة مع المعلومات التي تتحدث عن دور الموساد في استفزاز المشاعر القومية لدى الآذريين من مواطني إيران، وهم يعيشون قرب الحدود مع أرمينيا وأذربيجان، وعددهم نحو ثلاثين مليوناً، مقابل ثمانية ملايين هم سكان أذربيجان، ولا تكتفي تل أبيب بهذا الدور والوجود العملي الفعال عسكرياً واستخباراتياً وإعلامياً واقتصادياً في أذربيجان، بل كانت تستفيد أيضاً تل أبيب من وجودها الاستخباراتي الواسع في أفغانستان خلال الاحتلال الأميركي هناك، كما تتخوف طهران من تأثير جمهورية أذربيجان على الأتراك الأذربيجانيين في إيران، الذين يبلغ عددهم حوالي 20 مليون نسمة من إجمالي 85 مليون من سكان البلد، حيث ينظرون إلى جمهورية أذربيجان كامتداد قومي وثقافي ولغوي لهم، لذلك قد يكون التعاون الوثيق بين أذربيجان وإسرائيل يعمل على مزيد من التصعيد مع إيران، وكما كانت إسرائيل من الدول الأولى التي اعترفت بأذربيجان عندما أعلنت استقلالها عام 1991، فقد صارت جزءاً من منظومتها الاستراتيجية، في هذه المنطقة، وقد توطدت المصالح بين البلدين أهما كالآتي:-
(*) تعد أذربيجان بالنسبة لإسرائيل جزء من استراتيجيتها العامة، سياسة الأطراف التي تتبعها، سياسة تعتمد على إقامة علاقات متينة مع دولة قريبة من دولة أخرى عدوة، وقد وجدت تل أبيب في أذربيجان بوابة لعدو، لأنها تشكل ساحة خلفية لإيران، كما أنها دولة نفطية.
(*) تغطي أذربيجان 60% من حاجة “إسرائيل” إلى البترول الذي يصل إلى ميناء جيهان التركي بواسطة الأنابيب، ويجري نقله إلى ميناء حيفا بناقلات النفط التي يقال إن مالكيها هما نجل الرئيس رجب طيب أردوغان ونجل رئيس الوزراء السابق بن علي يلدرم، بأسعار رخيصة.
(*) لعبت الجالية اليهودية دوراً مهماً في تطوير العلاقات بين الدولتين. وهاجر أكثر من 70 ألف يهودي من أذربيجان إلى إسرائيل في بداية التسعينات، يعمل معظمهم الآن في صناعات النفط والغاز بفضل خبرتهم التي اكتسبوها في بلادهم النفطية. وبقي في أذربيجان اليوم 30 ألف يهودي يسكن معظمهم في العاصمة.
(*) في السنوات الأخيرة، أصبحت أذربيجان وجهة سياحية مهمة للإسرائيليين (حوالي 50000 سائح سنويًا قبل وباء جائحة كورونا).
(*) هناك تعاون بين أذربيجان وإسرائيل في المجال الصحي، مجموعة عمل مشتركة بين الوزارات في مجال الزراعة، وتعاون في مجال المياه وتحلية المياه”.
(*) تمتلك شركة الطيران الإسرائيلية مصنعًا للطائرات بدون طيار في “باكو”، بالشراكة مع الحكومة المحلية، سمي المصنع على اسم الرئيس المؤسس للجمهورية وهو والد الرئيس الحالي.
(*) عند إقامة المعرض الأمني الأول في تاريخ أذربيجان احتلت الصناعة العسكرية الإسرائيلية 20 في المائة من مساحة المعرض، مما يؤكد أهمية التعاون العسكري بين البلدين.
(*) هناك مساعي لتل أبيب لإنشاء محطات تجسس إسرائيلية في جورجيا، هدفها مراقبة التحركات العسكرية الإيرانية والتنصت على الاتصالات الإيرانية، وهي المهمة التي تقوم بها قاعدة كوراجيك الأميركية جنوب شرق تركيا، ومهمتها الأساسية إبلاغ تل أبيب فور انطلاق أي صاروخ إيراني باتجاه “إسرائيل”، حتى يتسنى للقبة الحديدية التصدي له قبل دخوله الأجواء الفلسطينية.
(*) قد تكون هناك مساع إسرائيلية وأخرى تركية لتحقيق المصالحة بين أذربيجان وأرمينيا، ليُسهم ذلك في تشكيل تكتل جديد في منطقة القوقاز قد يستهدف إيران، بل وروسيا، اللتين تسعيان معاً للتصدّي لمثل هذا التحرك.
(*) هناك دعم كبير في تطوير العلاقات بين أذربيجان و”إسرائيل”، في جميع المجالات، وأهمها العسكرية والاستخباراتية، حيث تبيع تل أبيب ما قيمته مليار دولار سنوياً من الأسلحة والمعدات العسكرية لأذربيجان، وهو ما ينم عن عمق العلاقة مع تل أبيب، حيث أن 80% من العلاقات بين البلدين خفية، ليستمر الهدف الرئيس لـ “إسرائيل” من دون شك هو عرقلت إيران وعرقلت مشاريعها في سوريا ولبنان واليمن والخليج، وأماكن أخرى في العالم.
وفي النهاية، يبقى التساؤال: طالما تظل إسرائيل متهمة كطرف ثالث في توتر العلاقة بين إيران وأذربيجان، بل وتعمل على إعادة ترسيم الحدود بين إيران وأذربيجان وأرمنيا، وبالتالي حذف أرمنيا من الحدود الإيرانية، وهذا الأمر هام بالنسبة لإيران لأنها تنظر إلى أرمينيا كبوابة هامة نحو جنوب القوقاز ونحو القارة الأوروبية في التجارة الخارجية- فهل تنجح طهران في التعامل مع هذه الظروف المستجدة دون خسائر؟ وهل ستسمح بأي تغييرات جيوسياسية في الخارطة في حدودها مع أرمنيا أو أذربيجان؟ وهل تعي طهران أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” يملك قاعدة كبيرة في أذربيجان وله مواقع متقدمة للتجسس وربما التخطيط للقيام بهجمات عليها، من داخل الأراضي الأذربيجانية لاستهداف بعض المنشآت النووية الإيرانية؟.