كيف سيواجه رئيسي فضيحة “سجن إيفين”؟
فتحت فضيحة تسريبات سجن إيفين سيء السمعة ملف انتهاكات حقوق الإنسان داخل إيران، فمن داخل سجن إيفين تجرى إعدامات بعد محاكمات سريعة عبر الشنق في فناء داخل السجن، مما يزيد سجل إيران الأسود في الإعدامات، كثاني أعلى نسبة إعدام في العالم، بالرغم من الرفض الإيراني بشكل قاطع الاطلاع على وضع سجن إيفين” سيئ السمعة”، والذي أدرجته الولايات المتحدة على القائمة السوداء في عام 2018 بسبب “انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان”، وأنه بالرغم من المطالبات الكثيرة للمنظمات الحقوقية، وحتى بعد انتشار فيروس كورونا، تظل ترفض طهران طلبات متكررة لمنظمة الصحة العالمية لمعاينة السجناء.
ورغم أن قوات من الحرس الثوري تدير السجن، ويخضع مباشرة لرعاية المرشد الحالي علي خامنئي، ورغم أن الوصاية النظرية لإدارة السجون بوزارة العدل بالحكومة الإيرانية، إلا أن ذلك لم يمنع اختراق مجموعة قراصنة إلكترونية تطلق على نفسها اسم “عدالة علي” لكاميرات المراقبة الأمنية بالسجن ونشرت صور لمشاهد التعذيب على مواقع التواصل الاجتماعي للانتهاكات التي تجري داخله وتسريبها إلى الإعلام الدولي، ويضم سجن إيفين السجناء بين معارضين للنظام الحالي، والمحتجين على الأوضاع المعيشية، وأيضا ذوي الجنسية المزدوجة، الذين تلاحقهم التهم الملفقة غالبا، بالعمالة والتجسس؛ لتبرز إلى الواجهة واحدة من أبرز بؤر التعذيب.
لماذا أنشأت طهران سجن إيفين؟:
أسس سجن إيفين الشاه محمد رضا بهلوي عام 1971، ويخضع لرعاية المرشد ويديره الحرس الثوري، وتُمنع زيارته من أي وفد خارجي حتى بعد كورونا، ونزلاؤه معارضون للنظام ومحتجون وسياسيون يحتوي غرف استجواب تحت الأرض، وقسماً للنساء تُجرى إعدامات فيه بعد محاكمات سريعة، وركبت فيه الكاميرات بعد عام 2009 إثر الاحتجاجات الكبيرة التي اندلعت في إيران وقتها، كما أن القائمين على هذا السحن موضوعون على قائمة العقوبات الأمريكية والأوروبية.
فقد تم اتخاذ سجن إيفين من قبل طهران موقعا ًرئيسياً لإيواء السجناء السياسيين الإيرانيين، وشهد مجزرة عام 1988، ضد معارضي النظام، والتي تم إعدام فيها حوالي 30 ألف شخص، والتي كان للرئيس الحالي إبراهيم رئيسي دوراً مهماً فيها باعتباره من أعضاء “لجنة الموت”، ورغم أن السجن عند إنشائه كان مخصصا لإيواء 320 سجينًا فقط، إلا أن النظام الإيراني ترك آلاف السجناء يقبعون فيه لسنين، قبل أن يقدمهم لمقصلة المشانق، بعد دورات تعذيب مؤلمة، ومفضوحة.
كما أنه يتم إجبار سجناء إيفين – والعديد منهم رهائن وسجناء سياسيون – بصورة روتينية على تحمل التعذيب وسوء المعاملة الجسدية الواسع والإساءة النفسية، بما في ذلك الخضوع لاستجوابات قاسية بلا هوادة والتهديدات بالعنف والإعدام، والسجن فترات طويلة في الحبس الانفرادي، وغيرها من المعاملة غير الإنسانية القاسية والمهينة وفقاً لمنظمات حقوقية.
هذا الوضع، وما تم عرضه في السطور السابقة، دفع السلطات حينها في عهد الرئيس “أحمدي نجاد” إلى السماح بتركيب كاميرات مراقبة في إيفين، لكن صلاحيات الاطلاع عليها تبقى محصورة داخلياً بالسجن، إلا أن رغم ذلك استمرت الانتهاكات داخل السجن، وذكرت تقارير للأمم المتحدة، مرارًا وتكرارًا أن سجن إيفين هو موقع لتعذيب السجناء؛ لكن نداءات الحقوقيين والسياسيين لوضع حد لتلك الانتهاكات لم تلقَ آذانا صاغية لدى النظام في إيران، الذي ظل ينكر ما يجري، زاعماً أن الأمر مجرد حملات من الإعلام الغربي، لتشويه صورة إيران.
ويحتوي السجن على مجموعة من غرف الاستجواب تحت الأرض حيث –وفقًا لمنظمة العفو الدولية – يتعرض المعتقلون للتعذيب بانتظام لإجبارهم على التوقيع على اعترافات، تقودهم إلى المشانق في أكثر الأحوال، ويحمل قسم النساء في هذا السجن نصيباً كبيراً من الانتهاكات اليومية، بتعريضهن للتعذيب والمعاملة غير الإنسانية، ومنع العلاج في المستشفيات، وفق تقارير منظمة العفو الدولية العام الماضي، وحتى وقت قريب كان السجن مسرحاً للتعذيب بعيدا ًعن أنظار العالم والإيرانيّين، وبعدما اكتظ عام 2009 بالمعتقلين إثر الاحتجاجات غير المسبوقة في إيران، وما تعرض له المعتقلون من تعذيب، انتشرت روايات الناجين منهم لتفضح ما يجري في دهاليز السجن، ومؤخراً بعد تسريب لمجموعة قراصنة تطلق على نفسها “عدالة علي” عبر الإنترنت لقطات مصورة مكنت العالم من الاطلاع على تعذيب السجناء في سجن إيفين، واعتراف المسئولين النادر بحدوث انتهاكات، ينتظر الإيرانيون، ونشطاء حقوق الإنسان خطوة تنهي عقوداً من العذاب المستمر، ومحاسبة المسئولين عنه.
الانتهاكات.. ما بين الاعتراف والرفض الإيراني:
دأب العديد من الناشطين الحقوقيين على مدى سنوات مضت في إيران وخارجها، فضلاً عن معارضين إلى نشر تقارير عن الانتهاكات التي ترتكب في سجن إيفين، أحد أفظع سجون إيران، إلا أن رؤية توثيق الكاميرات أشد تأثيراً بكثير من الكلام ووصف هذا السجن سيئ الصيت، الذي يضم في معظمه سجناء سياسيين، قامت القراصنة بنشر مقاطع الفيديو، وفضح تلك الانتهاكات داخل سجن إيفين بالعاصمة طهران، وهو الأمر الذى جعل رئيس مصلحة السجون الإيرانية يقدم اعتذاراً عن “الأحداث المريرة”، بعدما أظهرت لقطات مصورة سربها القراصنة عبر الانترنت من اعتداءات الحراس بالضرب على السجناء، وقال رئيس مصلحة السجون، محمد مهدي حاج محمدي، في تغريدة على “تويتر” نشرتها وسائل إعلام رسمية: “فيما يتعلق بصور سجن إيفين، أتحمل المسؤولية عن هذا السلوك غير المقبول، وأتعهد بالعمل على منع تكرار تلك الأحداث المريرة والتعامل بحسم مع المخطئين”، وأضاف: “أعتذر إلى الله سبحانه وتعالى، وإلى قائدنا العزيز (المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي) وإلى الأمة، وإلى حراس السجن الشرفاء، الذين لن يتم تجاهل جهودهم بسبب تلك الأخطاء”.
وكذلك أكد حسن شجاع، رئيس “لجنة المادة 90” التابعة للبرلمان الإيراني، أن اللجنة حققت في مقاطع الفيديو المسربة من سجن إيفين شمال طهران، وجرى التثبت من تلك الانتهاكات المريرة التي ارتكبت بحق المعتقلين، ولجنة “المادة 90” البرلمانية هي مكلفة بموجب الدستور الإيراني بالتصدي للشكاوى الخاصة بانتهاكات الدستور التي ترتكبها سلطات الحكم الثلاث، وأكد على أنه “بعد مراجعة تلك المقاطع المسربة من سجن إيفين ثبت أنها صحيحة وقد حدثت ضد المعتقلين وهي مريرة ومؤسفة للغاية”.
لكن على الجانب الأخر، رغم إقرار المسئول الرسمي الأول عن مصلحة السجون بصحة المقاطع البشعة التي سربت من سجن إيفين، ظهر إلى المشهد نائب إيراني ينفي صحتها زاعماً أنها مؤامرة خارجية، وهو رئيس اللجنة القانونية والقضائية في البرلمان الإيراني، حسن نوروزي، فقد استنكر تلك المقاطع والصور، وقال إن ” مقاطع الفيديو التي تتحدث عن إساءة معاملة السجناء في سجن إيفين هي “صناعة صهيونية” لصرف انتباه الناس عن “هزيمة أمريكا على طالبان”، كما رفض أيضاً النائب الأول لرئيس السلطة القضائية الإيرانية، محمد مصدق، ذكر في حديث للتلفزيون الإيراني، أن “بعض مقاطع الفيديو الخاصة بسجن إيفين تم تحريرها ولا علاقة لها بالسجن”.
المنظمات الدولية وتطورات داخل السجن:
يظل السؤال الذي يطرحه العديد من المراقبين، وهو: هل يمنع تنديد المنظمات الدولية ما يحدث داخل سجن إيقين؟، وللإجابة عن هذا السؤال يمكن تأكيد ورصد ما يلي:
- من جهتها قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها إن سلطات سجن إيفين، تستخدم التهديد بالتعذيب والتهديد بالحبس، لأجل غير مسمى، وتعذيب الأقارب والخداع والإذلال والاستجوابات اليومية المتعددة التي تستمر لخمس أو ست ساعات، والحرمان من الرعاية الطبية وزيارات ذوي السجناء لمعتقل إيفين.
- ذكرت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه أن 95 شخصا ًعلى الأقل، بينهم ست نساء، أعدموا في إيران منذ مطلع العام الحالي، وبحسب باشليه، فقد تمّ إعدام 267 شخصا في إيران في العام 2020، بينهم تسع نساء.
- أدرجته الولايات المتحدة على القائمة السوداء في عام 2018 بسبب “انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان”.
وترتيباً على ما سبق، كانت مقاطع الفيديو من داخل سجن إيفين صادمة للرأي العام العالمي، وتظهر فيها حقيقة ما يحصل في سجون النظام الإيراني، الذي ينتهك أبسط حقوق الإنسان، ويبدو من الاعتذار الإيراني السريع أنها تخشى بالفعل من ملف حقوق الإنسان، لا سيما أنها تقمع منذ سنوات طويلة سجناء سياسيين وأقليات عرقيّة في البلاد، لذلك لم يكن أمامها أي خيار آخر، فضحّت بمحمد مهدي الحاج محمدي، رئيس مصلحة السجون الإيرانية، وجعلته يعترف بكامل مسؤوليته عما تم تسريبه من مشاهد عنف بحق المعتقلين، مقدما اعتذاره لـ”المرشد الأعلى وللأمة”، في محاولة لاستدراك الموقف، خاصة أنه يمكن اعتماد هذه الفيديوهات كوثيقة رسمية لإدانة النظام الإيراني بعدما تأكد خبراء من صحتها. تأسيساً على كل ما سبق، يمكن التأكيد على ما يلي:
(*) إن استمرار اختراق كاميرات المراقبة ونشر الانتهاكات، التي تحصل داخل سجن “إيفين”، قد يحاصر طهران أكثر ويؤثر بشكل كبير على مفاوضاتها النووية ويزيد حجم العقوبات المفروضة عليها، خاصة أن منظمة العفو الدولية، ومنظمات أخرى، أخذت هذه المقاطع كدليل دامغ على الضرب والانتهاكات والإهمال المتعمد وسوء معاملة أشخاص يحتاجون إلى الرعاية الطبية، وطالبت المجتمع الدولي بالتحرك لوقف هذه الممارسات اللا إنسانية.
(*) بالرغم من أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا توليان أهميةً كبيرة لملف حقوق الإنسان في إيران، لكن مع ضغط منظمات حقوق الإنسان، فسيكون وضع النظام الإيراني محرجاً، وربما سجبر طهران على اتخاذ تدابير جدية لتحسين سجونها السياسية لإنقاذ مفاوضاتها النووية مع الغرب في فيينا من جهة، ولتخفيف مشكلاتها الداخلية، التي باتت تطفو على السطح بسبب الحصار الخارجي والممارسات الخاطئة بحق الشعب من جهة ثانية.