بين الهيمنة والسيطرة.. لماذا تدهورت العلاقة بين دول نهر النيل؟
شهدت الآونة الأخيرة جدلًا كبير بسبب النزاع الدائر حول نهر النيل بين دولة أثيوبيا باعتبارها إحدى دول المنابع الرئيسية لنهر النيل وبين كل من مصر والسودان باعتبارهما دولتى المصب ونتيجة لتلك الحالة ظهرت العديد من المصطلحات التى يتم استخدامها من قبل المتخصصين والفنيين فى نزاعات الأنهار الدولية، والتى تحدث التباسًا واضحًا لدى المتابعين مثل مصطلح الهيمنة المائية [i]Hydro Hegemonyوالفرق بينها وبين السيطرة المائية. وعليه، ويسعى هذا التحليل إلى فك الالتباس الشديد بين المعنيين.
مفاهيم مُلتبسة:
فالسيطرة Domination تعنى القيادة عن طريق الإكراه، بينما الهيمنةHegemony تعنى القيادة عن طريق الخضوع الطوعي للسلطة، وبهذا المعنى نكون أمام أحد تصورين للهيمنة أحدهما إيجابي والآخر سلبى؛ وينطوي النموذج الإيجابى على الهيمنة بقصد ممارسة التنظيم والترتيب والإدارة التي تعود بالفائدة على الجهات الفاعلة الأضعف، أما النموذج السلبى فيعنى التسلطية، وامتداد فرض السيطرة من خلال عدم التماثل أو المساواة الهيكيلة.
وبإسقاط ذات المعنى على الهيمنة المائية، فإننا نكون أمام أحد أمرين إما القيادة الإيجابية، أو القيادة القمعية للموارد المائية، فنجد أنه من الممكن أن تؤدى الهيمنة المائية إلى التقاسم المفيد فى إدارة أحواض الأنهار الدولية، بينما على النقيض من ذلك يمكن أن تنطوى قواعد اللعبة على شكل من أشكال القمع؛ فتكون الدول الأقوى هي المسيطرة على اتخاذ القرارات، أو التوزيع غير العادل لحصص المياه، وكذلك المنافع التى يمكن جنيها من وراء النهر، وهو الأمر الذى قد يولد الصراع حول المياه فى مرحلة من مراحله.[ii]
ومن المفيد عند متابعة التفاعلات التى تتم حول الأنهار الدولية ملاحظة أنها تكون بين أحد خيارين إما التعاون أو الصراع، فمن المسلم به أن كل دولة تسعى إلى تحقيق أقصى قدر من السيطرة على الموارد المائية، ولكن إذا كانت الموارد المائية ذاتها شحيحة فإنها ستسعى إلي المنافسة للحصول على أكبر قدر من التدفقات المائية، وسيكون شكل المنافسة حول الموارد المائية أحد ثلاثة أشكال:
- التعاون بمعنى وجود شكل من أشكال التعاون بين الدول المتشاطئة؛
- السيطرة لصالح الدولة الأقوى، وفى هذه الحالة يكون التعاون فى أدنى حالاته، وتعمل تلك الدولة على إيقاف القدرة على التنافس؛
- التنازع وفى هذه الحالة يكون التنافس في أوجه.
أسباب التوتر بين الدول المتشاطئة:
وبناءً على ذلك يكون الوضع الأكثر استقرارًا لكافة الدول المتشاطئة، هو تحقيق التعاون عبر الخضوع لهيمنة سلطة أعلى تدير العلاقة بينها وذلك من خلال الوصول لاتفاق لتقاسم المياه، وهو ما يعد شكلًا من أشكال الهيمنة الإيجابية[iii] .
ومن ناحية أخرى، تعد الأنهار الدولية ساحة مفتوحة من العلاقات الدولية، حيث يشوب التوتر بين الدول المتشاطئة بسبب حاجة كل منها لتحقيق التنمية، وهو الأمر الذي يدفعها إلي السيطرة على أكبر قدر من الموارد المائية، ويظهر ذلك جليًّا فى التنافس بين دول المنبع ودول المصب، حيث ترى دول المنبع أنها هي السبب في مياه النهر، وبالتالى يحق لها أن تقيم ما تشاء عليه من مشروعات تساعدها فى تحقيق التنمية التى تخدم أهدافها الاقتصادية والسياسية دون التشاور مع الدول الأخرى التي من الممكن أن تلحق بها أضرار جراء تلك المشروعات، بينما ترى دول المصب أن ذلك يمثل تهديدًا لمصالحها الحيوية، وبالتالى تسعى إلى إحكام قبضتها على الموارد المائية، وهو ما يخلق صراعًا بين الدول المتشاطئة.[iv]
شكل رقم (1)
وتقوم الهيمنة المائية على ثلاثة أعمدة رئيسية كما هو موضح بالشكل[v] رقم(1)، يتعلق الركن الأول بالعلاقة بين الدول المتشاطئة على النهر، وهو هنا يشير إلى العلاقة بين دول المصب ودول المنبع؛ فوفقًا للنظريات التقليدية للصراع حول المياه نجد أن جذورها تكمن في الزيادة السكانية، فضلًا عن العوامل الاقتصادية والتنمية الصناعية التي تؤدى إلى ندرة المياه نتيجة لزيادة الطلب على الموارد المحدودة، أو تدهورها، فأكثر من مليار شخص حول العالم لا يستطيعون الحصول على المياه الصالحة للشرب، وثلثي سكان العالم سيعيشون في فقر مائي بحلول عام 2025، وستعاني نصف دول القارة الأفريقية من شح المياه، الأمر الذي يثير النزاع بين الدول من أجل الحصول على المياه اللازمة لها في عمليات التنمية، وتوفير الحياة لشعوبها.[vi]
ومن الجدير بالذكر أن أغلب دول الحوض لديها خطط للتنمية تسعى من خلالها لتحقيق معدلات مرتفعة من التنمية الاقتصادية والعمل لتحقيق الرفاهية لشعوبها وعبر الوصول إلى مستوى دخل مرتفع لهم؛ وعلى سبيل المثال اعتمدت الحكومة الأوغندية في عام 2007 خطة التنمية الشاملة طويلة المدى للتنمية في أوغندا خلال الفترة من 2010 وحتى 2040حيث تتطلع من خلالها لتحويل المجتمع الأوغندي من مجتمعٍ بدائي إلى مجتمعٍ حديثٍ مزدهر في غضون ثلاثين عامًا من خلال زيادة نصيب الفرد من الدخل القومي من 506 دولار سنويًا في 2010 ليصل إلى 9500 دولار بحلول 2040[vii]، ويُعد قطاع الزراعة هو الداعم الرئيسي للاقتصاد الأوغندي، حيث يعمل به أكثر من 65.6% من القوى العاملة الأوغندية، ويُسهم بنسبة 21% من الناتج المحلي الإجمالي، فقد استحوذ القطاع الزراعي على نسبة 47% من إجمالى الصادرات الأوغندية في عام 2007، ويعتمد قطاع الزراعة في أوغندا على صغار المزارعين وخاصةً في محصولي البُن والموز فضلًا عن كونها منتجٍ رئيسس للشاس والقطن والتبغ، وتسعى أوغندا من خلال خطتها التنموية إلى تحويل القطاع الزراعي من زراعة الكفاف إلى قطاعٍ تجاري من أجل توفير الأمن الغذائي وخلق المزيد من فرص العمل وزيادة عائداتها من التصدير، وذلك عبر استخدام الأساليب التكنولوجية الحديثة في الري والاستثمار في مجال تطوير صناعة الأسمدة من أجل الوصول للأهداف المنشودة.[viii]
المسار الآمن في أزمة نهر النيل:
وفيما يتعلق بقطاع توليد الكهرباء، فإن إثيوبيا مثلها مثل باقي دول منابع النيل، تعاني نقصًا شديدًا في توليد الطاقة الكهربائية حيث يصل متوسط نصيب الفرد من الكهرباء فيها وفقاً لتقديرات عام 2010 ما يقرب من 45 كيلو وات/ساعة، وهو ما يؤثر بالطبع على باقي قطاعات التنمية التي تحتاجها إثيوبيا، فمخطط التنمية الطموح الذي تسعى للقيام به في المجال الصناعي يحتاج إلى توفير إمدادات الكهرباء بشكلٍ كافي[ix].
وكل تلك الخطط الطموحة أدت إلى تدهور العلاقة بين تدهور العلاقة بين دول المنابع ودول المصب، حيث تسعى دول المنابع إلى السيطرة المنفردة على مياه النهر والانتهاء من خططها دون النظر إلى ما يمكن أن يحدث بدول المصب، خاصة بعد ضعف الثقة بينهما نتيجة نقص المعلومات حول تلك الخطط والتى ينبغي أن تتم بالتنسيق التام بين دول المنابع ودول المصب حتى يمكن تحقيق أقصى استفادة ممكنه من خلالها لكافة دول النهر.
أما الركن الثانى من أركان الهيمنة، وهو استخدام القوة القسرية سواء عبر استخدام القوة العسكرية من أجل فرض السيطرة التامة على الموارد المائية إذا شعرت الدول الأقوى بمحاولة الدول الأخرى الأقل قوة التأثير على الموارد المائية التى يمكنها استغلالها، فتهدد فى تلك الحالة باللجوء إلى استخدام القوة العسكرية من أجل الهيمنة على تلك الموارد، ومن ثم يحدث النوع السلبى من الهيمنة والمتعلق بالسيطرة بالقوة.
وفي ذات السياق يمكن اللجوء إلى استخدام آليات أخرى للهيمنة مثل آلية القوة الاقتصادية من خلال استخدام الحوافز مع الدول سواءً كانت تلك الحوافز اقتصادية مثل زيادة التعاون في المجالات الاقتصادية، وتقوية التجارة البينية بين الدول المتشاطئة للنهر، وكذلك العمل على تحفيز مشروعات تجلب النفع المشترك للدول المتشاطئة مثل الاستثمار في مشروعات توليد الطاقة الكهربائية، وبالتالى يمكن للدول الأضعف في حوض النهر الاستفادة منه، وهو ما يعتبر إحدى آليات الهيمنة الإيجابية.
أما الآلية الثالثة، فهي العقوبات التى قد تفرضها بعض الجهات من أجل إجبار الدول المتشاطئة على الخضوع للهيمنة مثل الشروط التى تفرضها الجهات المانحة من أجل التحفيز على التعاون بين الدول، أو الامتناع عن تنفيذ المشروعات لتلك الدول كنوع من أنواع العقوبات المفروضة عليها.
وأخيرًا فإن إحدى آليات الهيمنة قد تكون من خلال استخدام القوة كاستخدام قوة القانون الدولي عبر استخدام المعاهدات الدولية من أجل الهيمنة الإيجابية، وإخضاع الدول لقوة القانون[x]
وفى ذات الشأن، فإن الركن الثالث من أركان الهيمنة هو الإمكانيات المستغلة، والتي تعني الاستفادة القصوى من الإمكانيات المتاحة عبر تفعيل التعاون حول مشروعات البنية التحتية، والتي ستعود بالنفع على كافة الدول المشتركة في حوض النهر، وأيضًا دفع المزيد من رؤوس الأموال لاستثمارها في مجال البنية التحتية .
وأخيرًا، فان محاولة السيطرة على نهر النيل من خلال عدم الاعتراف بكافة الاتفاقيات الدولية المتعلقة بإدارة نهر النيل أو الاتفاقيات المتعلقة بإدارة الأنهار الدولية بصفة عامة لن يؤتى ثمارة لأي من دول حوض النيل فلا يمكن أن تتحقق تنمية لدولة من الدول المشاطئة على النهر دول موافقة باقى الدول وإلا سيتحول الأمر إلى صراع أو حرب على المياه قد يطيح بكافة فرص الاستثمار والتنمية فى كافة دول حوض النيل، أما الخضوع لسيطرة القانون الدولى للأنهار والبحث عن أفضل السبل لتفعيل التعاون المشترك فى كافة المجالات، وكذلك توفير آلية لتبادل المعلومات بين دول حوض النيل هو السبيل لنجاح ذلك التعاون .
[i]مصطلح الهيمنة Hegemony مشتق من الكلمة اليونانية Hegeisthai وتعني القيادة، وتتحقق الهيمنة في مجال الأنهار الدولية من خلال استراتيجيات السيطرة على الموارد المائية سواء من ناحية التكامل أو الاحتواء، ويتم تنفيذ ذلك من خلال مجموعة من التكتيكات التى يتم من خلالها استغلال عدم التماثل لضمان حقوق الدول الضعيفة داخلإطار مؤسسي واحد يضمن حقوقها. للمزيد فى ذلك انظر:
Milan A.Karner, “Hydropolitics in the Jordan River basin the Conflict and Cooperation Potential of Water in the Israeli – Palestinian Conflict”, MA. Thesis, (Dublin, University of Dublin, Trinity College ,2012), P. 15.
[ii]Mark Zeitoun ,Jeroen Warner, “Hydro-Hegemony – A Framework For Analysis of Trans-boundary Water Conflicts”, Water Policy (London: IWA Publishing, Vol.8, 2006) PP. 437-440.
[iii]Ibid. PP. 443- 444.
[iv]Jeroen Warner, ” Contested Hydrohegemony: Hydraulic Control and Security in Turkey”, Water Alternatives (Paris: Water Alternatives Association,Vol.1, Issue 2, 2008), P.P., 275-276.
[v]Source: Ed Atkins, “Beyond State- Fetishism: The Case for Neoliberalism as A Hydro-Hegemon”, working Paper No.03-14 ( Bristol , School of Sociology, Politics and International Studies ,University of Bristol ) P.5
[vi]Lori Pottinger, “Extreme Vulnerability to Climate Change Increases Pressure on Rivers”, in World Rivers Review (August 2006) at:
-http://www.internationalrivers.org/climate-change/impacts-adaptation/africas-perfect-storm
[vii]John VianneyAhumuza ,Vision 2040 is a reality for Uganda’s strategic plans, 24th July 2014 in: http://www.newvision.co.ug/new_vision/news/1303734/vision-2040-reality-ugandas-strategic-plans
[viii]Republic of Ugand, Uganda vision 2040 ,Pp..45-47
[ix]Renewable Energy Country Profiles Africa, International Renewable Energy Agency (Abu Dhabi, IRENA , 2011 ) P.50
[x]يوجد العديد من النماذج لتلك المعاهدات؛ ففي عام 1996 خلُص كل من الهندوبنجلاديش إلى معاهدة لتقاسم مياه نهر الجانج أنهت النزاع الذي استمر على فترات متقطعة ولمدة تزيد على 40 عامًا، حيث مرت بالعديد من مراحل المفاوضاتالتى بدأت منذ عام 1951 حتى عام 1974، وتم توقيع أول معاهدة حول نهر الجانج عام 1977، ثم وضعت مذكرة للتفاهم عام 1982 من أجل زيادة المقترحات، ثم شهد حوض النهر سيطرة من جانب الهند لتتوقف المفاوضات خلال الفترة من 1993- 1995 حتى تم توقيع المعاهدة عام 1996، وهي مستمرة حتى الآن …. للمزيد انظر:
- Nishat, M. F. K. Pasha, “A Review of the Ganges Treaty of 1996”, Paper Presented To The Awra/Iwlri-University of Dundee International Specialty Conference (Dundee: Awra/Iwlri-University,2001), PP. 2- 4.