نتائج إيجابية: كيف يتأثر الشارع المصري بعملية إحلال “التوك توك” بـ “المينى فان”؟
فى متابعة لخطة إلغاء ظاهرة “التوك توك” العشوائية فى المدن والأحياء ومنع استخدامها فى الجرائم وتأثيرها السلبى على حركة المرور والحفاظ على المظهر الحضارى للمدن، عقد رئيس الوزراء “مصطفى مدبولي” فى العشرين من يونيو 2021، اجتماعاً لبحث إجراءات تقنين أوضاع مركبات “التوك توك” وتشجيع أصحابها على الترخيص بحضور الدكتور وزراء المالية والتنمية المحلية والتجارة والصناعة ومسئولي الإدارة العامة للمرور والجهات المعنية، على أن تتولى وزارة التنمية المحلية التنسيق مع المحافظين لتيسير إجراءات ترخيص سيارات “الميني فان” كوسيلة نقل جماعي آمنة وحضارية، بالإضافة إلى العمل على دخول مركبات “التوك توك” ضمن المبادرة الرئاسية لإحلال السيارات للعمل بالغاز الطبيعي، على أن تعمل سيارات “الميني فان” التي سيتم تسليمها كبديل “للتوك توك” بالغاز الطبيعي.
تأسيسا على ما سبق، يحاول هذا التحليل رصد وتحليل مدى تطور وانتشار ظاهرة “التوك توك” فى مصر، وملامح القرار الحكومى باستبدال هذا النوع من المركبات بأخرى آمنة ومرخصة، والدوافع الحكومية منه، بالإضافة النتائج الإيجابية المحتملة من تطبيق عملية الاستبدال.
تطور وانتشار ظاهرة “التوك توك” فى مصر:
ظهرت مركبات “التوك توك” فى مصر لأول مرة بالأحياء الشعبية عام 2005، ثم اتسع انتشارها بشكل كبير فى محافظات الدلتا والصعيد فى ظل ما كانت تعانيه هذه المناطق من نقص شديد فى منظومة المواصلات بين القرى والمراكز، ولكن منذ انتشار وسيلة الركوب تلك والتى ساعدت فى انتشار العديد من جرائم السرقة والاختطاف وحالات الاغتصاب وحوادث السير وتكدس المرور وتوسيع ظاهرة عمالة بالإضافة إلى خفض أعداد العمالة بالصناعات الحرفية، تعددت المحاولات الحكومية حول إيجاد حل قاطع لها بعد أن أصبحت سبباً فى العديد من المشكلات والآثار السلبية، وتنوعت القرارات الحكومية فى هذا الشأن ما بين قرارات بحظر سير هذه المركبات فى المدن الجديدة والشوارع الرئيسية ومنع استيراده عام 2014 وأخرى بالسماح بترخيصها وفقاً لقانون المرور القديم رقم 121 لسنة 2008 وتعديلاته بقانون رقم 54 لسنة 2014، وغيرها بوضع آلية محددة لترخيصها وتحديد خطوط سير لها خارج عواصم المحافظات عام 2016، وتشجيع أصحاب “التوك توك” على ترخيص مركباتهم بالعديد من المحافظات منذ نهاية عام 2018، ثم قرار حظر ترخيص مصانع تجميع وتصنيع “التوك توك” فى يناير 2019، وانتهت أخيرا مسيرة تلك القرارات بتوجيه رئيس الوزراء “مصطفى مدبولى” فى 5 سبتمبر 2019 لوزارة المالية والجهات المعنية بالبدء فى وضع برنامج لاستبدال وإحلال “التوك توك” بسيارات آمنة ومرخصة.
ورغم كل المحاولات الحكومية هذه لمحاربة انتشار ظاهرة “التوك توك” إلا أنها استمرت فى انتشارها دون توقف حتى تجاوز عددها نصف مليون توك توك، ووفقاً للبيانات الرسمية المتاحة عن أعداد التكاتك المرخصة نجد أنها شهدت نمواً مطرداً منذ عام 2010، فقد ارتفعت من 34.5 ألف توك توك إلى 183.9 ألف توك توك للعام 2018، بمعدل نمو 390.7% خلال تلك الفترة، ولكن على الرغم من أن معدل النمو هذا يحمل جانب إيجابي فى أن المحاولات الحكومية لإجبار أصحاب التوك إلى ترخيص مركباتهم قد نجحت بعض الشئ إلا انه يعبر أيضا عن جانب سلبى وهو أن أعداد المركبات غير المرخصة يفوق أعداد تلك المرخصة بكثير.
ملامح القرار الحكومى:
جاء الاجتماع الأخير بمجلس الوزراء فى 20 يونيو 2021 لبحث إجراءات تقنين أوضاع مركبات “التوك توك” وتشجيع أصحابها على الترخيص كمتابعة للقرار الحكومى الصادر فى 5 سبتمبر 2019 باستبدال مركبات “التوك توك” بأخرى مرخصة وآمنة وتعمل بالغاز الطبيعي “المينى فان”، وهو القرار الذى جاء فى هذا التوقيت مختلفًا عن القرارات السابقة له، فلم يقتصر على منع وسيلة الركوب تلك وتغريم المخالفين لقراراته فقط والذى لم يجدى نفعاً من قبل، ولكنه يعمل على إيجاد حلول بديلة لظاهرة لا يمكن أن تختفى فجأة أو تتوقف بشكل تام لما تتمتع به من مزايا رغم سلبياتها العديدة، فهى تمثل مصدر للإيرادات العامة للدولة من خلال المركبات المرخصة ومجالا لاستيعاب القوى العاملة ومواجهة البطالة. وقد سبق توجيه رئيس الوزراء “مصطفى مدبولى” بالبدء فى برنامج الاستبدال هذا قرارا من مجلس المحافظين فى مارس 2019 ببدء ترخيص مركبات “الفان” لتصبح بديلا عن الـ “توك توك”.
ويراعى قرار استبدال التوك توك بمركبات مرخصة وآمنة أيضاً إشكالية نقص وسائل النقل فى القرى والنجوع والتى تتميز شوارعها بالضيق وغير ممهدة، فوفقًا للقرار الأخير الصادر عام 20219 سيتم قصر عمل ” التوك توك” بتلك المناطق، فى حين سيتم استبدال “التوك توك” بسيارات “المينى فان” في كل من الشوارع والميادين الرئيسية والمدن بمختلف المحافظات، وستتم عملية الاستبدال تلك من خلال تقييم سعر “التوك توك” الذى سيقوم صاحبه بعملية الاستبدال ثم يتم حساب الفرق بين سعر البيع وسعر شراء سيارة “المينى فان”، على أن يتم تقسيط الفرق فى السعر من خلال قروض ميسرة، وتقوم الدولة بالتصرف فى مركبات “التوك توك” التى سيتم شراؤها على أنها خردة، على أن تتولى وزارة المالية والجهات المعنية تنفيذ هذا البرنامج، مثلما حدث عندما تم استبدال سيارات التاكسى القديمة بالتاكسى الأبيض فى أكتوبر 2009.
دوافع الإحلال:
(*) وضع حل جذرى لظاهرة “التوك توك” المنتشرة فى كل المحافظات وتوفير وسيلة ركوب أكثر أمانًا: أدركت الحكومة عدم جدوى القرارات الحكومية السابقة التى كانت تستهدف القضاء بشكل نهائى على تلك الظاهرة ولم يكن لها أى أثر فى خفض أعداد “التوك توك” أو حتى إيقاف إنتاجه نهائياً، ولذلك جاء القرار الحكومى الآخير تلك المرة بوضع حل بديل لها، من خلال استبدالها بسيارات “المينى فان”، والتى تسع عدد أكبر من الركاب يصل عددهم إلى 7 ركاب وغير مستهلكة للبنزين الذى ارتفعت أسعاره بعد إلغاء الدعم عليه نهائياً فى يوليو 2019، مما يجعلها أكثر جذباً لأصحاب “التوك توك” للاستغناء عن مركباتهم تلك واستبدالها بذلك النوع من المركبات الجديدة.
كما تُعد مركبات “المينى فان” اكثر أماناً من الـ “توك توك” والذى يتسم بعدم اتزانه وعدم صلابة هيكله الخارجي وكذلك عدم وجود أبواب أو أحزمة أمان مما يعرض الركاب للخطر في حالة الحوادث.
(*) الحفاظ على الشكل الحضاري للمدن: اتسم انتشار ظاهرة ” التوك توك” بالعشوائية وتشويه المظهر الحضارى للمدن، مما يجعل استبدالها بسيارات “المينى فان” يساعد فى عودة المظهر الحضارى هذا مرة أخرى.
(*) التخفيف من تكدس المرور: كان لمركبات “التوك توك” أثر كبير فى تكدس المرور فى العديد من المحافظات خاصة القاهرة الكبرى، وذلك بعد سير تلك المركبات بالشوارع الرئيسية والمدن ومخالفتها لقواعد المرور، ولذلك سيساعد القرار الحكومى الأخير على خفض أعداد “التوك توك” بتلك المناطق وبالتالي تقليل حدة الازدحام المرورى بها.
(*) توفير فرص العمل: تستهدف الحكومة زيادة فرص العمل أمام الشباب للعمل كسائقين لمركبات “المينى فان”، نظرا لاعتبار الكثير من الشباب أن قيادة الـ “توك توك” ليست بالمهنة اللائقة.
نتائج إيجابية محتملة:
يؤدى القرار الحكومى باستبدال مركبات “التوك توك” بمركبات “المينى فان” تعمل بالغاز الطبيعى إلى العديد من النتائج الإيجابية المحتملة، والتى يمكن توضحيها فيما يلى:
(*) دمج نحو أكثر من نصف مليون مواطن فى الاقتصاد الرسمى: فبرنامج الاستبدال الذى ستطبقه الحكومة والذى سيؤدى إلى تحويل مركبات “التوك توك” إلى آخرى مرخصة بالإضافة إلى تشجيع تقنين أوضاعها فى القرى والنجوع وتقنين أوضاع مركبات” المينى فان” التى تعمل بترخيص ملاكى فى غياب عن منظومة الأجرة، سيعمل على دمج ما يقرب من نصف مليون شخص فى الاقتصاد الرسمى، مما سيزيد من حجم الاقتصاد المصرى.
(*) زيادة حصيلة الإيرادات العامة للدولة: فتوجيه سائقى “التوك توك” إلى مركبات أخرى آمنة ومرخصة وترخيصه فى القرى والنجوع، سيساعد فى زيادة حصيلة الدولة من الضرائب والرسوم على السيارات، حيث تستهدف الدولة وصول الإيرادات العامة للضرائب إلى 983.01 مليار جنيه فى العام المالى الحالى 2020/2021 إلى 964.8 مليار جنيه، وإلى 983.01 مليار فى العام المالى القادم 2021/2022.
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على البيان المالى للعام 2021/2022
(*) خفض واردات الدولة من المواد البترولية وتوفير النقد الأجنبي: اعتماد مركبات “المينى فان” على الغاز الطبيعى كوقود سيوفر الكميات التى تستهلكها مركبات “التوك توك”، والتى تصل إلى نحو 55% من استهلاك بنزين 80 سنوياً، وهو ما سيدفع إلى خفض واردات مصر من المواد البترولية والتى كانت تشكل أكثر من 16% من فاتورة الاستيراد، قبل انخفاض هذه النسبة إلى 14.2% في العام المالى السابق 2019/2020، والذى كان مدفوعا أيضًا بخفض أسعار النفط العالمية في النصف الأول من عام 2020 تأثرا بجائحة كورونا والخلاف داخل أوبك.
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات البنك المركزى المصرى
(*) إجبار المصانع على وقف إنتاج “التوك توك” واستيراد مكوناته والاتجاه إلى إنتاج مركبات “الفان”: فقد حاولت الحكومة مرات عديدة وقف إنتاج مركبات “التوك توك” وكان من ضمنها قرار حظر استيراده فى يناير 2014 وآخر بحظر ترخيص مصانع تجميع وتصنيع “التوك توك” فى يناير 2019، ولكن هذه المحاولات لن تقف حائلا أمام استمرار إنتاجه ومواصلة انتشاره، أما برنامج الاستبدال فسيجبر تلك المصانع على إيقاف إنتاجه بالفعل أو إنتاجه بأعداد منخفضة للغاية لتلبية الطلب عليه فى القرى والنجوع التى سيستمر عمل الـ “توك توك” بها، فى حين ستوجه تلك المصانع إنتاجها إلى مركبات “المينى فان” التى سيزيد الطلب عليها بشكل كبير بمجرد دخول القرار الحكومى حيز التنفيذ.
(*)عودة العمالة إلى الصناعات الحرفية: حيث تسبب انتشار ظاهرة “التوك توك” فى ترك عدد كبير من الحرفيين لورشهم للاتجاه إلى قيادة الـ “توك توك” لما يمثله من مصدر سريع للدخل، وهو ما أدى إلى إحداث أزمة عمالة فى بعض الحرف اليدوية وزيادة صادرات مصر منها، وبذلك فتطبيق القرار الحكومى الأخير سيساعد فى عودة العمالة فى تلك الحرف مرة أخرى خاصة من هم أقل من 20 سنة.
(*) علاج جزئى لمشكلة تكدس المرور: سيساعد تطبيق القرار الحكومى باستبدال “التوك توك” بمركبات “المينى فان” التى ستسوعب عدد أكبر من الركاب بجانب التزامها بخطوط سير محددة، فى توفير علاج جزئى لمشكلة تكدس المرور بمصر التى أصبحت تتفاقم عاماً بعد عام.
(*) الحد من التلوث البيئي: استخدام مركبات “المينى فان” للغاز الطبيعى كوقود وليس البنزين الذى يستهلكه الـ “توك توك”، مما يساعد فى خفض انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري؛ بما يتماشى مع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ والتى تُعد مصر أحد الدول الموقعين عليها، وأهم بنودها تعهد المجتمع الدولي بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها “دون درجتين مئويتين”، بجانب توقيعها على اتفاق باريس للمناخ، واهتمام القيادة السياسية بقضية التغير المناخى فى مصر والقارة الإفريقية منذ عام 2018، والاتجاه إلى زيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة والمتجددة، خاصة وان نحو 73% من إجمالي المركبات المرخصة فى مصر تستعمل البنزين كوقود و20% منها تستخدم السولار فى حين تشكل المركبات التى تستخدم الغاز الطبيعى نحو 7%.
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء
وختامًا، يمكن القول بأن عملية استبدال مركبات “التوك توك” باخرى آمنة ومرخصة سيساعد بلا شك فى وضع حل جذرى وقاطع لتلك الظاهرة التى لم تستطع العديد من الحكومات السابقة فى وضع حلول نهائية وجذرية لها، والذى سيكون له العديد من النتائج الايجابية على الناحية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والأمنية.