تناحر الأهداف: هل تقتنع إثيوبيا بمطالب دولتي المصب في تصحيح مسار أزمة “السد”؟

 يطرح قيام إثيوبيا بإنجاز 80 % تقريبا من سد النهضة، وتمكنها في يوليو الماضي من إنهاء المرحلة الأولى لتعبئة بحيرة السد بـ 5 مليار متر مكعب من المياه، واستعدادها بتعبئة 15مليار متر مكعب في مرحلة الملء الثاني مع بداية يوليو القادم، ومن ناحية أخرى نجاح القاهرة في كشف لعبة الخداع الإثيوبي في التفاوض أمام المجتمع الدولي ومنظماته ودوله الفاعلة، خاصة عندما نقلت عملية التفاوض العام الماضي إلي واشنطن وتوصلت مع إثيوبيا والسودان إلي اتفاق شبه نهائي بشهود من البنك الدولي والولايات المتحدة الأمريكية، وهروب أديس أبابا من واشنطن قبل التوقيع على الاتفاق في فبراير 2020- سؤال مركزي، يمكن الإجابة عنه، وهو: من نجح في تحقيق أهدافه حتي الآن في معركة سد النهضة.. القاهرة أم إثيوبيا؟.

إثيوبيا والأهداف المستحيلة:

انطلق المفاوض الإثيوبي منذ 10 سنوات من قاعدة ثأرية أرساها رئيس وزرائها الراحل ميلس زيناوي، الذي دخل في صراع علني مع أجهزة الدولة المصرية، واضعاً أسس سد إثيوبيا علي الخداع لعدم قدرته على مواجهة مصر بشكل علني ورسم خططه متضمنة مجموعة من الأهداف التي تحرم مصر من كل حق منحته لها الاتفاقيات الدولية التي وقعت في أعوام 1902/1929/1959، والتي جميعها تلزم إثيوبيا ودول حوض النيل بإخطار مصر مسبقا والحصول على موافقتها قبل إقامة أي مشروع على ضفاف نهر النيل، ووفقا لمنهج زيناوي تتلخص هذه الأهداف فيما يلي:

(*) أهداف إنشائية:

 وضعت إثيوبيا عدة أهداف محدده بمرحلة جسم السد ومراحل تعبئته واستخدمت في هذه المرحلة لعبة التفاوض الفارغ من المضمون، الذي يستهدف كسب الوقت حتى تنتهي أديس أبابا من مراحل بناء السد، ويمكن اعتبار السنوات العشر الماضية هي الحيز الزماني لتلك الأهداف، والتي تتمثل في:

 (&) بناء سدها وتعبئة بحيرتها بـ 20 مليار متر مكعب في مرحلتي الملء الأول والثاني اللازمتين لتشغيل توربينات السد وتوليد الكهرباء دون مشاركة دولتي المصب.

(&) تخزين أكثر من مائتي مليار متر مكعب من المياه خلف بحيرتي سد النهضة وسد السرج.

(&) الانتهاء من تنفيذ 33 سد علي ضفاف نهر النيل الأزرق، وذلك وفقا لدراسة أمريكية  وضعتها وزارة الزراعة الأمريكية بداية ستينات القرن الماضي.

 (&) إنهاء جميع إنشاءات السد تحت مظلة تفاوض عقيم خالي من المضمون مع مفاوضي مصر والسودان.

 (*) أهداف استراتيجية:

ويكشف الخطاب السياسي والبحثي الإثيوبي عن مجموعة أخري من الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها أديس أبابا مسبقا وبالتوازي مع فكرة إنشاء سد ضخم لاحتجاز المياه على الحدود السودانية، وإجمالا يمكن الإشارة إلى تلك الأهداف، وأهمها:

 (&) إلغاء كل الاتفاقيات الدولية التي منحت مصر الحق في المرور الآمن لمياه النيلين الأزرق والأبيض إلى أراضيها دون مساس من دول حوض النيل واستبدالها بمبادئ عامه لا تلزم بلاد الحبشة بأي استحقاقات لدولتي المصب.

 (&) تستهدف إثيوبيا الوصول إلي أكبر بنك للمياه العذبة في العالم، حيث يمكنها تخزين مئات المليارات من تلك المياه، وهو ما يحولها إلي اكبر تاجر مياه في العالم.

  (&) تطمع إثيوبيا أن تكون المورد الأول للكهرباء لدول القارة السمراء من خلال عشرات السدود التي تشيدها على النيل الأزرق.

(&) إثيوبيا تريد الحصول على كل ذلك بموافقة دولتي المصب عبر عمليه خداع كبري بدأت منذ عشر سنوات، بعرض الرسم الإنشائي الأول لسد النهضة علي مصر بسعة 14 مليار متر مكعب من المياه علي الرغم أن السعه الحقيقية هي 74  مليار متر مكعب.

 (&) تريد إثيوبيا تنفيذ مخططاتها تحت مظلة مرونة وهمية وتعاون مزعوم تدعيه مع دولتي المصب ودول العالم، وهو ما ظهر جليا في مطالبتها دولتي المصب بإرسال موظفين لتلقي بيانات عملية الملء الثاني.

(&) اعتبار المياه سلعه، وبيعها لدول كثيرة على رأسها مصر والسودان وإسرائيل، خاصة وأن أديس أبابا تغازل إسرائيل منذ عشرات السنين لوصول مياه النهر العذبة إلى أراضيها.

(&) أمام الصراعات المستمرة بين أعراق وقبائل إثيوبيا، وضع صانع القرار هناك هدف استراتيجي، وهو استخدام السد كمشروع قومي ملهم لتوحيد تلك الأعراق والقبائل خلفه، وأيضا استخدامه كورقة حشد وتعبئة ضد عدو خارجي متمثلا في دولتي المصب.

 القاهرة…أهداف مشروعة:

وفي مقابل الأهداف الإثيوبية غير المشروعة في حق دولتي المصب، تسعي القاهرة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، أهمها:  

(&) إجبار إثيوبيا على توقيع اتفاق ملزم وقانوني يضمن عدم إنشاء إثيوبيا سدود أخرى على ضفاف النهر.

(&) المرور الحر والأمن لمياه النيل إلى أراضيها دون احتجازها وتحويلها إلى أوراق سياسية بيد بلاد الحبشة.

(&) تحتاج مصر إلى أكثر من ضعفي حصتها من المياه نظرا لدخولها تحت خط الفقر المائي، الذي يقدر نصيب الفرد بـ 1000 متر بينما حصته في مصر لا تتجاوز 550م.

(&) تريد مصر تلبيه احتياجات الشعب الإثيوبي من التنمية عبر حقه في الحصول على الكهرباء وتصديرها لدول الجوار مقابل حصول مصر على الماء الذي تحتاجه.

(&) تعظيم استخدامات الموارد المائية والاستفادة القصوى منها عبر إطلاق مشروعات كبرى في منطقه حوض النيل تضم مصر وجميع دول الحوض، وقدمت مصر في هذا الاتجاه أكثر من خمسين مشروع في هذا الشأن.

(&) تريد مصر أيضاً لإثيوبيا ودول الحوض استخدام إلف مليار متر مكعب من المياه تهدر سنويا في البرك والمستنقعات والتبخر بدلا من التركيز فقط على 84 مليار متر مكعب هي حصتي مصر والسودان.

 (&) استزراع جميع الأراضي الخصبة لدول حوض النيل عبر استخدام وسائل الري الحديثة للزراعة لتوفير احتياجات شعوب دول الحوض الغذائية وتصدير الفائض لدول العالم، ويكفي هنا  الإشارة إلى أن السودان وحده لديه 200 مليون فدان من أجود أراضي العالم لا يزرع منها سوى 15 مليون فدان.

(&) مصر تريد أن تتحول المياه إلى مشروع سلام وتنمية واستقرار ونهضة علمية، وليس مشروع حرب يجلب التخلف والفقر والجوع واللجوء وهجرة الأوطان.

تأسيساً على ما سبق، وفي النهاية، يمكن القول أنه يبدو التفاوض بين مصر وإثيوبيا غير قادر على التوفيق بين تلك الأهداف المتناحرة، خاصة وأن إثيوبيا وضعت كل خططها على أسس تنفي وجود 150 مليون مصري سوداني ترتبط حياتهم بتلك المياه التي تحتجزها  بلاد الحبشة.

خالد محمد علي

خبير في الشأن السوداني، وإفريقيا جنوب الصحراء، ومدير تحرير في صحيفة الأسبوع المصرية، ورئيس تحرير طبعة الأسبوع بالسودان سابقًا، الباحث شارك في العديد من مراكز الفكر، ونشر دراسات متنوعة في الشأن السوداني وإفريقيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى