كيف تبيح الثقافة الإسرائيلية العدوان على غزة؟

يتساءل أبناء الوطن العربي وأحرار العالم بأسره عن جذور القسوة والوحشية التي ظهرت في تصرفات جيش العدو الصهيوني في عداونه على قطاع غزة، ويبدو أن هذا السلوك المروع يستند إلى أوهام دينية وثقافية يتشبع بها أفراد هذا الجيش، وهو ما يكشف عن جوانب مظلمة في التعاليم التلمودية والثقافية اليهودية الإسرئيلية.

وكشفت المشاهد المأساوية آثار الدمار الشامل لمدن وأحياء غزة، التي هُدمت فوق رؤوس سكانها، أطفالًا ونساءًا وشيوخًا ورجالًا وشبابًا، ولم يبقى ذلك العدوان الإجرامي غير المسبوق في التاريخ على إنسان غزة أو طيرها أو حيوانها أو زرعها، إلا ودهسه بنار الحقد الأسود والانتقام المروع من الطرف الأضعف وهم المدنيين بدلًا من المواجهة بشرف ورجولة افتقدوها مع أبطال المقاومة.

وترتيبًا على ما سبق، يسلط هذا التحليل الضوء على الأسس الدينية والثقافية التي يعتمد عليها الجيش الصهيوني في تبرير وتنفيذ أعمال العنف والإجرام في قطاع غزة.

مشهد من الإجرام الإسرائيلي:

بعيدًا عن التدمير الشامل لكل أنواع الحياة في غزة، يمكن الإشارة فقط لتلك الأرقام الخاصة بالإنسان، والتي تتمثل في:

  1. قتل جيش العدوان في أقل من 50 يومًا أكثر من 20 ألف فلسطيني، منهم أكثر من 7 آلاف طفل، و6 آلاف آخرين تحت الأنقاض، تناثرت الجثث وتعفنت، ورفض جيش الاحتلال السماح بدفنهم حتى تحولت غزة إلى منطقة أوبئة تهدد بالقضاء على جميع سكانها.
  2. حذرت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، مارجريت هاريس، من موت جماعي بسبب الأوبئة، وتدمير القطاع الصحي، يفوق من قتلوا بسبب القصف الإسرائيلي.
  3. هناك أكثر من مليوني نازح يفتقدون المأوى، الأكثر حظًا منهم، مليون شخصًا يعيشون في مؤسسات الأونروا حيث لا توفر المنظمة أكثر من دورة مياه واحدة فقط لكل 220 شخصًا، ووحدة استحمام واحدة لكل 4500 شخص.
  4. الأمراض التنفسية الحادة أصابت 100 ألف شخص، و70 ألفًا عانوا من الإسهال، و40 ألفًا تعرضوا للجرب.
  5. نحو نصف مليون امرأة حامل ومرضع وطفل يحتاجون إلى تدخلات غذائية وعلاجية ووقائية عاجلة.
  6. قبل الحرب كان هناك 7 آلاف طفل دون سن الخامسة يعانون من الهزال، و4 آلاف يعانون من الهزال الشديد؛ الآن ارتفعت هذه الأعداد بنسبة 27 % لتصل إلى 10 آلاف طفل.
  7.  450ألف شخص يعانون من أمراض نفسية، دمر الاحتلال المستشفى الوحيد الذي كان يعالجهم.
  8. جميع المستشفيات تم تدميرها تدميرًا شاملًا، كما منع جيش الاحتلال دخول الوقود إلى شمال غزة رغم الهدنة، وعلى سبيل المثال مستشفى “الشفاء”، وهو أكبر مستشفيات فلسطين على الإطلاق يحتاج يوميًا إلى 17 ألف لتر من الوقود، وترفض قوات الاحتلال إدخال لتر واحد له.
  9. منع الوقود عطل عمل المؤسسات الصحية ومحطات توليد الكهرباء وتحلية المياه والاتصالات والمخابز.
  10. لم تسمح قوات الاحتلال إلا بدخول 4 آلاف شاحنة منذ بداية العدوان، وحتى تاريخ التحليل، رغم احتياج القطاع لأكثر من 70 ألف شاحنة خلال هذه الفترة.
  11. تعمدت إسرائيل إخفاء جرائمها بقطع الاتصالات والانترنت، وقتل كل من يحاول نقل الصورة من الصحفيين والإعلاميين، حيث قتلت 70 صحفيًا في غزة في أقل من 50 يوم.

التأصيل الديني للقسوة الصهيونية:

وبالعودة لتلك الأسباب الحقيقية لقسوة وبشاعة الإجرام في غزة، يمكننا أن نشير إلى مقومات الشخصية الصهيونية التي تبنى على أوهام دينية يروجون أنها مستقاه من التوارة، ولكنها في الحقيقة لا تمت للكتاب المقدس بشئ، وإن كانت تستند إلى تفسيراتهم التلمودية التي صنعوها ليعبدوها، كما صنعوا لهم عجلًا له خوار، وعبدوه، وهم بين يدي نبي الله هارون عليه السلام.

ومن تأصيلات السلوك العدواني للجيش والحكومة الصهيونية، ما يستندون إليه في أسفارهم، مثل ما جاء في سفر أشعياء (٦١/٥ ـ ٦) : “ويقف الأجانب ويرعون غنمكم ويكون بنو الغريب حراثيكم وكراميكم. أما أنتم فتُدعَون كهنة الرب تُسمَّون خدام إلهنا. تأكلون ثروة الأمم وعلى مجدهم تتأمَّرون”. كما جاء في سفر ميخا (٤/١٢) : “قومي ودوسي يا بنت صهيون لأني أجعل قرنك حديدًا وأظلافك أجعلها نحاسًا فتسحقين شعوباً كثيرين”.

ووفقًا لموسوعة عالم الإسرائيليات الأشهر، عبدالوهاب المسيري، فإن جميع فئات الشعب الإسرائيلي تغذى بنظرية الحلول، التي تتبدى في التمييز الحادّ والقاطع بين اليهود كشعب مختار أو كشعب مقدَّس يحل فيه الإله من جهة والشعوب الأخرى التي تقع خارج دائرة القداسة من جهة أخرى.

ويغذي الحلول نظرية المؤامرة لدى اليهود، حيث يرى اليهودي كل شئ على أنه مؤامرة موجهة ضده، وهو ما يرسخ لديه أن كل البشر أشرارًا مدنَّسين يستحيل الدخول معهم في علاقة، ويصبح من الضروري إقامة أسوار عالية تفصل بين من هم داخل دائرة القداسة ومن هم خارجها.

ووفقًا لهذا المفهوم يمكن تفسير مطالبة وزير التراث الإسرائيلي، عميحاي إلياهو، بتنفيذ ضربة نووية في قطاع غزة،  للقضاء عليها تمامًا، حيث يهيمن على أفكار المتدينين اليهود أن العرب والمسلمين أشرار يجب التخلص منهم، وهو أيضًا ما يفسر قتل أبناء غزة وهدم البيوت على رؤوسهم، وسحقهم أثناء الهروب في الممرات الآمنة إلى جنوب القطاع، وقتل المرضى في المستشفيات، وسحق الأطفال الرضع الذين هم لا يشكلون أي خطر على الجندي الإسرائيلي، ولكن قتلهم واجب لأنهم أغيار وأشرار، والتخلص منهم يضمن لجنود اليهود دخول الجنة.

التأثيرات الثقافية والتعليمية:

ومن بين تلك المؤثرات الثقافية التي تلقن لتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات،  والجنود وضباط الجيش الإسرائيلي، أنهم يدافعون عن شعب الله المختار، وهذا المفهوم يجعلهم فوق رؤوس الجميع، وهم شعب وبقية الأمم لا ترتقي لدرجة الإنسانية، حيث أشار البروفيسور أدير كوهين، في كتابه “وجوه قبيحة في المرآة” الصادر عام 1985، إلى وجود أكثر من 1500 كتاب من أدبيات الطفولة اليهودية، بين أيدي الناشئة اليهود تمثل ذروة الاستعلاء والفوقية اليهودية في مواجهة دونية مغرقة في التحقير لكل من هو عربي ومسلم.

وفي العام ٢٠١٦ كشفت صحيفة هآرتس أن وزارة التعليم توصي طلاب المدارس الإسرائيلية في المرحلة الإعدادية بمطالعة كتب تتضمن “رؤى عنصرية ضد العرب، واستعلائية يهودية”، وفي دراسة للباحثة نوريت بيلد إلحنان، أكدت أن الكتب المدرسية في إسرائيل تربي تلاميذها على العنصرية ونظام “الأبرتايد”، حيث خلصت الدراسة إلى أن “الأبرتايد” الإسرائيلي ليس فقط قوانين للعنصرية، بل طريقة تفكير ضد العرب.

 ووفقًا للتراث الديني الثقافي اليهودي، فإن أرواح اليهود مستمدة من الكيان المقدَّس، في حين جاءت أرواح الأغيار من المحارات الشيطانية والجانب الآخر الشرير.

السياسات الحكومية والتأثير القيادي:

وفي ظل ارتفاع نسبة المتدينين المتطرفين في إسرائيل إلى أكثر من 60 %، انعكس ذلك على عدد المجرمين والقتلى منهم داخل جيش الاحتلال، حيث أصبحوا أغلبية ساحقة تؤمن بإبادة العرب دون أي اعتبار لقوانين دولية أو أخلاقية.

ويتحرك جيش الاحتلال لارتكاب جرائمه بشكل مطلق استنادًا إلى حكومة يمينية متطرفة تنطلق من تلك الأفكار الخاصة بطهارة اليهودي وحقه في الحياة والتملك، ونجاسة العربي وضرورة إبادة الفلسطيني وهو ما يطلقون عليه بالدولة اليهودية الخالصة التي يجب أن تتم فيها عمليات تطهير عرقي وديني من كل المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين، إما بإبادتهم، أو بتهجيرهم خارج فلسطين المحتلة.

وقد ظهرت بعض المطالبات بإدخال أبناء غزة بالقوة إلى سيناء المصرية، وأبناء الضفة الغربية إلى الأردن، حتى ولو أدى ذلك إلى الدخول في حروب مع مصر والأردن، أي أن إقامة دولة يهودية خالصة من “الأشرار” و”الأنجاس” هو ما يحكم عقل وضمير جنود وضباط الجيش الإسرائيلي، وينتج منهم كل تلك القسوة الوحشية التي لم يسبق لها مثيل.

وتحالف يسيطر حزب القوة اليهودية، بزعامة إيتمار بن غفير، الذي يشغل حقيبة الأمن القومي الإسرائيلي، وحزب “الصهيونية الدينية”، بزعامة وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، على حكومة نتنياهو وجيش الاحتلال الإسرائيلي الآن، ويدير البلاد من خلال تلك الأفكار العلنية، والتي كانت في السابق قاصرة على حاخامات اليهود في معابدهم، وزواياهم الضيقة.

و “بن غفير” الوزير الفاعل في حكومة نتنياهو، أدين عام 2007 بالتحريض على العنصرية بعد أن رفع لافتات في احتجاج كتب عليها “طرد العدو العربي”، ويحتفظ حتى الآن بصورة في غرفة معيشته لباروخ جولدشتاين، وهو مستوطن أمريكي إسرائيلي قتل بالرصاص عام 1994، 29 مصليًا فلسطينيا في الحرم الإبراهيمي بالخليل، بينما كانوا يؤدون صلاة الفجر.

ومن هنا، يمكن تفسير المنطلقات الإجرامية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في شوراع ومنازل ومساجد ومستشفيات غزة، فالكيان الصهيوني يقوم على إبادة أصحاب الأرض وهم الشعب الفلسطيني وفقًا لأوهام ومرجعيات دينية يمكن أن تجر العالم إلى حروب تدمر كل المنطقة.

خالد محمد علي

خبير في الشأن السوداني، وإفريقيا جنوب الصحراء، ومدير تحرير في صحيفة الأسبوع المصرية، ورئيس تحرير طبعة الأسبوع بالسودان سابقًا، الباحث شارك في العديد من مراكز الفكر، ونشر دراسات متنوعة في الشأن السوداني وإفريقيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى