د. أبوالفضل الإسناوي يكتب: مجدي قصبجي… رجل أعمال بعقل الباحث ووعي الدولة

حين أكتب عن مجدي قصبجي، فأنا لا أتناول مجرد اسم بارز في قطاع اللوجيستيات، ولا أتوقف عند مسيرة رجل أعمال حقق نجاحًا اقتصاديًا ممتدًا، بل أكتب عن نموذج ذهني مختلف في إدارة الأعمال، نموذج يضع المعرفة والبحث العلمي في قلب القرار، ويمنح الدولة والمجتمع موقعًا أصيلًا في معادلة النجاح.
ما يلفتني في شخصية مجدي قصبجي، منذ متابعة تجربته عن قرب أو قراءة مسارها بتحليل هادئ، هو هذا الانحياز الواضح للبحث والمعرفة. فهو لا يتعامل مع القراءة بوصفها نشاطًا ثقافيًا جانبيًا، بل بوصفها أداة عمل حقيقية. اهتمامه بالإنتاج العلمي والبحثي في مصر، خاصة في مجالات العلوم الاجتماعية والاقتصادية، يمنحه قدرة مميزة على فهم سلوك السوق، وتحولات المجتمع، وديناميكيات الطلب والعرض، في سياقها الأشمل لا في لحظتها العابرة.
وأنا أقدّر هذا التوجه تحديدًا، لأنني أرى كيف انعكس بشكل مباشر على نجاحاته العملية. مجدي قصبجي من القلائل الذين يولون اهتمامًا متوازنًا كذلك بـ العلوم التطبيقية، المرتبطة بالتكنولوجيا، وسلاسل الإمداد، وإدارة العمليات، وهو ما جعله قادرًا على الربط بين النظرية والتطبيق، وبين الفكرة والتنفيذ. هذا الربط، في تقديري، هو ما يصنع الفارق الحقيقي بين رجل أعمال يتحرك بالحدس، وآخر يتحرك بالفهم.
أسلوبه الإداري يقوم، كما أراه، على تقدير موقف واعٍ، لا على ردود أفعال متسرعة. القرارات عنده تُبنى على دراسات سوق علمية، وتحليل للبيئة الاقتصادية والاجتماعية، وقراءة دقيقة للمخاطر والفرص في آن واحد. هذا النهج يمنحه قدرة لافتة على التعامل مع التقلبات، خاصة في القطاعات التي تتسم بالحساسية والتشابك، مثل اللوجيستيات والتجارة والصناعة، حيث لا مجال للقرارات الارتجالية.
من هنا أفهم كيف تأسست ريلاينس لوجيستكس عام 1998، وكيف استطاعت أن تنمو بهدوء وثبات في سوق شديد التنافسية. الشركة، في تجربتها، لم تُبنَ على منطق التوسع السريع أو القفزات غير المحسوبة، بل على تراكم الخبرة والمعرفة، وعلى فهم حقيقي لاحتياجات القطاعات الإنتاجية. ومع مرور الوقت، أصبحت واحدة من الشركات الرائدة في تجارة وشحن وتقديم الخدمات اللوجيستية لقطاعات استراتيجية تشمل مواد التشييد والبناء والطاقة والمعادن.
وأنا أقرأ هذه التجربة، أجد أن النجاح لم يكن في حجم النشاط فقط، بل في نوعية الدور الذي اختارته الشركة لنفسها. فاللوجيستيات عند مجدي قصبجي ليست خدمة مساندة على هامش الاقتصاد، بل قلب العملية الإنتاجية، وعنصرًا حاسمًا في دعم الصناعة والتجارة معًا. هذا الفهم العميق جعل من شركته جزءًا من منظومة أوسع، لا مجرد لاعب منفصل داخل السوق.
ومع تطور الاقتصاد المصري، وتزايد تعقيد سلاسل الإمداد، بدا واضحًا أن مجدي قصبجي يقرأ المشهد بعين مستقبلية. إدراكه المبكر أن اللوجيستيات لم تعد كافية بذاتها، وأن التكامل مع التمويل والتكنولوجيا أصبح ضرورة، يفسر تحركاته الاستراتيجية الأخيرة، وعلى رأسها استحواذ “ريلاينس لوجيستكس” على حصة في شركة كاتليست بارتنرز هولدنج.
أنا أقرأ هذه الخطوة باعتبارها انتقالًا واعيًا من نموذج العمل التقليدي إلى نموذج القيمة المضافة، حيث تتكامل الخدمات اللوجيستية مع أدوات التمويل غير المصرفي، بما يدعم النشاط الصناعي والتجاري، ويمنح الشركات مرونة أكبر في مواجهة التحديات. هذه ليست صفقة عابرة، بل تعبير عن عقلية تفهم أن الاقتصاد الحديث يقوم على التشابك بين القطاعات، لا على انعزالها.
كما أرى في هذه الخطوة وعيًا باتجاهات الدولة المصرية، التي تولي اهتمامًا متزايدًا بـ الاقتصاد الرقمي، والشركات الناشئة، ودعم المشروعات المتوسطة والصغيرة، خاصة تلك المعتمدة على التكنولوجيا. هذا التلاقي بين رؤية رجل الأعمال ورؤية الدولة هو، في تقديري، أحد أهم عوامل النجاح والاستدامة.
وأنا أتابع هذه التجربة، لا يمكنني تجاهل اهتمام مجدي قصبجي الواضح بـ الحوكمة والإدارة الرشيدة. بناء هياكل إدارية منضبطة، والاستعانة بكوادر ذات خبرات متنوعة في الاستثمار وأسواق المال والتحول الرقمي، يعكس إيمانًا حقيقيًا بأن النجاح لا يُدار بالأفراد وحدهم، بل بالمؤسسات القوية القادرة على الاستمرار والتطور.
على المستوى المجتمعي، أجد أن تصور مجدي قصبجي للمسؤولية الاجتماعية يستحق التوقف عنده. فهو لا يتعامل معها كشعار أو بند دعائي، بل كجزء أصيل من فلسفة العمل. توفير فرص عمل جادة، مستقرة، وآمنة، في رأيي، هو أحد أكثر أشكال المسؤولية المجتمعية صدقًا وتأثيرًا، لما له من دور مباشر في دعم الوعي الوطني، وتحقيق قدر من السلام الاجتماعي، وبناء مجتمع أكثر تماسكًا.
ولا يمكنني فصل هذه الرؤية عن حبه الواضح للدولة المصرية وتقديره لمسارها الوطني. ألحظ احترامه الصادق للجهود التي يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسي لدعم الصناعة الوطنية، وتوطين الإنتاج، وبناء اقتصاد قائم على العمل والإنتاج لا على الاستهلاك فقط. هذا التقدير لا يظهر في الخطاب، بل في الاختيارات العملية، وفي الانحياز الواضح للقطاعات الإنتاجية.
كما أتابع اهتمامه بتحركات وزارة الصناعة، وما تشهده من نشاط ملموس في دعم القطاع الصناعي والبنية التحتية المرتبطة به، خاصة الجهود التي يقودها الفريق كامل الوزير، والهادفة إلى ربط الصناعة بشبكات النقل واللوجيستيات، وتسهيل حركة الإنتاج والتوزيع. في تقديري، هذا الربط بين الصناعة واللوجيستيات هو أحد مفاتيح بناء اقتصاد قوي وقادر على المنافسة.
في النهاية، حين أكتب عن مجدي قصبجي، فأنا أكتب عن رجل أعمال يفكر بهدوء، يقرأ بعمق، ويتحرك بانحياز واضح للدولة والمجتمع. نموذج يؤكد أن النجاح الاقتصادي الحقيقي لا يقوم على الأرقام وحدها، بل على المعرفة، والانضباط، والإيمان بدور الدولة، واحترام الإنسان. وهي معادلة حين تكتمل، يصبح النجاح أكثر رسوخًا، وأكثر قدرة على الاستمرار.