تأثير الجرائم الإلكترونية على السيادة المصرية… في ” التأثير القانوني والسياسي للجرائم الإلكترونية على السيادة الوطنية المصرية منذ 2014 حتى 2024″.. (عرض رسالة ماجستير)

رسالة الشهر.. قراءة وعرض: عبدالرحمن سعد الدين
تمثل رسالة الماجستير التي حملت عنوان “التأثير القانوني والسياسي للجرائم الإلكترونية على السيادة الوطنية المصرية منذ عام 2014 حتى عام 2024” إعداد أحمد حسين محمد النجار، تحت إشراف أ.د/ أحمد صالح، واحدًا من أهم الدراسات التي تناولت إشكالية السيادة الوطنية في ظل التوسع الهائل للفضاء الرقمي وتحوّل الجرائم الإلكترونية إلى تهديدات مباشرة لبنية الدولة الحديثة. تنطلق الرسالة من حقيقة جوهرية مفادها أنّ السيادة الوطنية لم تعد محصورة في الإقليم التقليدي للدولة، بل امتدت اليوم لتشمل الفضاء السيبراني بما يمثله من فضاءات مفتوحة، غير محدودة، وعابرة للحدود، يمكن من خلالها التأثير على القرار السياسي، واقتحام الخصوصية المجتمعية، وإرباك مؤسسات الدولة، وصولًا إلى تهديد البنى الاقتصادية والأمنية.

تستعرض الرسالة السياق التاريخي والسياسي الذي شهدته مصر خلال عقد كامل من التحولات الكبرى، منذ عام 2014، وهو العام الذي بدأت فيه الدولة المصرية إعادة بناء مؤسساتها بعد مرحلة اضطراب سياسي عنيف. وفي ظل هذا الإطار، تزايدت المخاطر الرقمية، وتنامت الجرائم الإلكترونية التي استهدفت الدولة عبر محاور متعددة؛ من اختراق قواعد البيانات، إلى استهداف البنية التحتية المعلوماتية، وصولًا إلى الحملات المنظمة لبث الشائعات، وتأجيج الرأي العام، واستغلال مواقع التواصل الاجتماعي كمنصات للتأثير السياسي عبر ما يمكن تسميته “حروب السيادة الرقمية”.

وقد ركز الباحث على تحليل الطبيعة المركبة لهذه الجرائم، معتبرًا أنها لم تعد جرائم تقنية بحتة، بل أصبحت أدوات للصراع الجيوسياسي بين الدول، تُستخدم للتأثير على السياسات العامة، والتلاعب في المزاج المجتمعي، وإضعاف قدرات الدول على اتخاذ قرارات مستقلة. ومن هنا جاء الربط المركزي في الدراسة بين الجرائم الإلكترونية والسيادة، حيث أبرز الباحث كيف يمكن للهجمات السيبرانية أن تُضعف سيطرة الدولة على مواردها، أو تحد من قدرتها على حماية حدودها الرقمية، أو تنتقص من قدرتها على إدارة بياناتها القومية، وهو ما يمثل تحولًا جذريًا في مفهوم السيادة التقليدي الذي كان يقوم على السيطرة على الأرض والموارد والسكان.

ولم تكتفِ الرسالة بالتحليل النظري؛ بل قدمت قراءة معمقة لمجموعة من الحالات الواقعية التي تعرضت لها مصر خلال الفترة محل الدراسة، خاصة الهجمات السيبرانية التي استهدفت مواقع حكومية، ومحاولات اختراق مؤسسات حيوية، إلى جانب الحملات الممنهجة التي استهدفت ضرب الثقة بين المواطن والدولة عبر التضليل المعلوماتي. وقد عكست هذه الحالات حجم التحديات التي واجهتها الدولة، وطبيعة الاستجابة المؤسسية والأمنية لها، ومدى قدرة منظومة الأمن السيبراني المصري على التكيف مع هذا النمط من المخاطر.

ومن الجوانب المهمة في البحث تحليله لمكانة قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، باعتباره خطوة مفصلية في تنظيم الفضاء السيبراني المصري. فقد تناول الباحث بنية القانون، ومدى قدرته على الحد من الجرائم الإلكترونية، ودوره في تحقيق الردع، وضبط المحتوى غير القانوني، وتنظيم التعامل مع البيانات الشخصية، وتوفير أدوات قانونية للدولة لمواجهة التعديات على الخصوصية والسيادة الرقمية. كما ناقش العلاقة بين هذا القانون والأطر السياسية والاستراتيجية التي اعتمدتها الدولة لإدارة الأمن السيبراني، وإطلاق المبادرات الوطنية لبناء قدرات بشرية وتقنية قادرة على مواجهة هذا النوع من المخاطر.

كما تناولت الدراسة البعد السياسي للجرائم الإلكترونية، ودورها في تشكيل الوعي الجمعي، وقدرتها على التأثير على الاتجاهات العامة. فقد أوضح الباحث أن حملات الشائعات الممنهجة التي تتعرض لها مصر بين الحين والآخر ليست حوادث منفصلة، بل جزء من استراتيجية صفراء تستهدف إضعاف الرابط بين الدولة والمجتمع، وإحداث فجوة بين المواطن ومؤسساته، وتشويه صورة الدولة خارجيًا. وتبرز الرسالة هنا أهمية الإعلام الوطني الرقمي، ودوره في مواجهة هذه الحملات، إلى جانب ضرورة تثقيف الجمهور بخطورة تداول المعلومات غير الموثوقة.

وتخلص الدراسة في نتائجها إلى أن السيادة الوطنية لم تعد مفهومًا تقليديًا قائمًا على الحدود الجغرافية وحدها، بل أصبحت سيادة هجينة تشمل الفضاء المعلوماتي. وأن الدول، وعلى رأسها مصر، باتت مطالبة بتعزيز منظوماتها القانونية والتقنية، وتطوير البنية التحتية الرقمية، وتحديث سياسات الأمن السيبراني، وتبني التشريعات التي توازن بين حماية الدولة وحماية حرية استخدام التكنولوجيا.

وتقترح الرسالة جملة من التوصيات، من بينها ضرورة تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الجرائم الإلكترونية، وتطوير آليات الإنذار المبكر، وبناء منظومة وطنية موحدة للأمن السيبراني، إلى جانب ضرورة رفع الوعي المجتمعي بخطورة الفضاء الرقمي وأهمية حماية البيانات. كما تؤكد على أهمية تحديث التشريعات بشكل دوري، بما يتناسب مع التطور السريع للتكنولوجيا والجرائم المرتبطة بها، وتعزيز التكامل بين المؤسسات الحكومية والخاصة لمواجهة التهديدات السيبرانية، وتطوير برامج تدريب متخصصة لبناء كوادر قادرة على إدارة المخاطر الرقمية وحماية السيادة المعلوماتية.

وبذلك تقدم الرسالة إضافة علمية رصينة للحقل القانوني والسياسي، وتفتح الباب أمام مزيد من الدراسات المتخصصة في العلاقة بين الأمن السيبراني والسيادة الوطنية، في وقت يتزايد فيه اعتماد الدول على التكنولوجيا، ويتعاظم فيه دور الفضاء الرقمي كأحد ميادين القوة والصراع في القرن الحادي والعشرين.




