لماذا سيطر الدور التشريعي على الرقابي في برلمانات بعد 2011.. في “الثورات والبرلمانات”؟ (عرض كتاب لدار النخبة)

قراءة وعرض: زياد مصطفي..باحث بوحدة الدراسات المصرية.

صدر عن دار النخبة للنشر والطباعة والتوزيع بالقاهرة، كتاب جديد بعنوان “الثورات والبرلمانات” للمؤلف الدكتور أبو الفضل الإسناوي، مدير تحرير مجلة السياسة الدولية بالأهرام، يعالج ويطرح أسباب الخلل في الأداء البرلماني للمجالس النيابية العربية بعد عام 2011 وقبلها، حيث  تدور فكرة الكتاب، التي حاول المؤلف توضيحها خلال سطور المطبوعة، حول دراسة وبحث حدود الدور الذي  لعبته الثورات العربية منذ عام 2011 في أداء برلمانات ما بعدها في بعض دول الشمال الأفريقي سواء الدول التي اندلعت فيها ثورات لإسقاط النظام الحاكم كتونس ومصر أو الدول التي شهدت احتجاجات محدودة واحتواءً سريعاً كالجزائر التي تأجل اكتمال ثورتها لسنوات.

وتمثل التساؤل الرئيسي الذي طرحه ” المؤلف”، في كتابه، وهو: إلى مدى كانت برلمانات ما بعد 2011 في هذه الدول تمثل الثورات، سواء في نخبتها التشريعية أو في توجهاتها أو مبادئها أو تنفيذ أهدافها، وكذلك شكل علاقتها بالحكومات..هل تعاون وانسجام أم غير ذلك؟.

ولإجابة هذا التساؤل . . .  افترض ” الكاتب” أن تركيبة البرلمان في بعض دول الشمال الأفريقي سواء كانت مصر أو تونس أو الجزائر.. يمكن أن تسهم أكثر من غيرها بدور فعال في تفعيل أدائه التشريعي والرقابي ، إذا تحقق التوازن في العلاقة بين الحكومة والبرلمان.

ويتناول الفصل الأول من الكتاب الإطار النظري للعلاقة بين الثورات العربية والبرلمان، متطرقاً إلى مفاهيمها الأساسية كتعريف الثورة والمفاهيم المرتبطة به، وكذلك مفهوم البرلمان، ومفهوم الأداء البرلماني، وتعريف النخبة وأنماطها ودورها في البرلمان، منتهياً بتناول العلاقة بين الثورات والبرلمانات. أما فصله الثاني، فقد خصص لرصد وتحليل تأثير الثورة التونسية على البرلمان التونسي، وقد انتهى” المؤلف” في الفصل إلى أن  أداء البرلمان التونسي بعد الثورة لم يتغير كثيراً عن أداء برلمانات ما قبلها رغم تغير تركيبته الداخلية من حيث عدد الأحزاب، والتنوع المهني، والتعليمي، ومن حيث الفئات العمرية. كما أن الأداء التشريعي للبرلمان التونسي بعد 2011 اتسم بالبط، ولم يتمكن من التصديق على أغلب القوانين المكملة للدستور مثل (قوانين هيئة الانتخابات، وهيئة حقوق الإنسان، وغيرهما…)، بالإضافة إلى اتسام البرلمان التونسي بعد الثورة بالضعف في الأداء الرقابي كسابقه، فلم يتمكن من استخدام آليات إسقاط الحكومة، وأيضا لم يتمكن كسابقه من مراقبة تنفيذ قوانين المالية وتسوية الميزانية.

 أما الفصل الثالث من الكتاب  فقد خُصصه المؤلف لرصد وتحليل تأثير ثورتي 25 يناير و30 في البرلمان المصري، وانتهى مستخدما كسابقه الأسلوبين الكمي والنوعي كطرق لقياس أداء البرلمان- إلى أن الأداء التشريعي لبرلمان ما بعد ثورة يونيو 2013 تحسن بالمقارنة برلماني 2005 و2011/2012. وهنا التحسن كما أكده المؤلف، هو تحسن عددي وله ظروف دستورية، مع الإشارة إلى أن برلمان 2011/2012 ظل الأضعف في أدائه التشريعي. وعلى ما سبق، يؤكد ” الإسناوي” في كتابه على حدوث تراجع في الأداء الرقابي بعد ثورتي يناير ويونيو بالمقارنة بما قبلهما. رغم تغير تركيبة النخبة التشريعية أو تركيبة البرلمان التي عكست الثورتين، حيث لم يستخدم برلماني ما بعد ثورة يناير 2011 آلية الاستجواب.

أما الفصل الرابع الكتاب، فقد خصصه المؤلف لرصد وتحليل تأثير الثورات العربية  على البرلمان الجزائري منذ 2011، منتهياً إلى أن تغيير محدود قد حدث في النخبة التشريعية في البرلمان الجزائري بعد 2011، تمثل في زيادة عدد الأحزاب الممثلة في البرلمان، وارتفاع نسبة الحاصلين على مؤهلات عليا، صاحبه تراجع كبير في الأداء التشريعي، الذي اتسم بغياب اقتراحات النواب وسيطرة الحكومة على العملية التشريعية. كما أشار المؤلف إلى أن استمرار سيطرة أحزاب السلطة ( حزبي جبهة التحرير الوطن والتجمع الوطني) على تشكيلة البرلمان بعد الثورات العربية تسبب في ضعف الأداء الرقابي، حيث ظلت تلك الأحزاب تمثل حصناً برلمانيا لمنع استخدام الآليات الرقابية المرتبة لمسئولية سياسية على الحكومة.

وقام “الإسناوي” في مبحث ختامي من كتابه بتقييم عام لتأثير الثورات العربية على تركيبة وأداء برلمانات بعض دول الشمال الأفريقي حالات تونس ومصر والجزائر، وذلك ووفقا للاتجاهات قياس أداء البرلمان قبل وبعد ثورات 2011 التي انتهت إليها الدراسة في الدول الثلاثة، وما ذكرته الفصول الأربعة سالفة الذكر.

ولمقارنة الأداء البرلماني بين الدول الثلاثة بعد الثورات العربية، وقياس التحسن في الأداء من عدمه، استخدم “المؤلف” وطبق ثلاثة مؤشرات في كتابه، هي: مؤشر تحقيق التمثيل في البرلمان- أي قياس مدى تمثيل البرلمان كل شرائح المجتمع سياسياً واجتماعياً. ومؤشر التناسبية- أي قياس مدى ملائمة نتاج عمل البرلمان مع تركيبته. ومؤشر الفاعلية- أي قياس مدى جودة تنظيم عمل البرلمان، وانجازه للوظائف التشريعية والرقابية بطريقة تلبي حاجات المواطنين.

وفي ضوء ما تقدم ذكره من مؤشرات، وبالإضافة إلى إتباع المعطيات الكمية للمخرجات التشريعية والمعطيات الكمية لاستخدام الآليات الرقابية بشقيها، فقد انتهى المؤلف في المبحث الأخير من كتابه إلى أنه من أكثر العوامل التي شملتها الدساتير في الدول الثلاثة بعد 2011، تأثيرا على التركيبة البرلمانية واستقرارها في الدول الثلاثة، هي إلزام الدستور المصري دون غير على تمثيل ست فئات خاصة، هذا بالإضافة إلى اختلاف النظام الانتخابي المطبق في مصر عن دولتي تونس والجزائر، حيث انتخبت مصر نوابها على أساس النظام المختلط بين الفردي والقائمة المغلقة المطلقة بينما دولتي تونس والجزائر فاتفقتا على الاقتراع النسبي على القائمة.

كما يؤكد المؤلف، في المبحث الختامي من الكتاب على أن النظام الانتخابي المطبق في دولتي تونس والجزائر بعد 2011، بالمقارنة بالنظام المستخدم في مصر، كان دائما يؤدى إلى مشكلات بين الكتل الممثلة في البرلمان، وإن كانت تأثيراته السلبية في تونس فاقت الجزائر بكثير، وذلك وفقاً للمؤلف بسبب حداثة النخبة التشريعية الحزبية التونسية، التي ظلت طوال الوقت عرضة لظاهرة التجوال السياسي داخل البرلمان، التي اعتبرها “الإسناوي” في كتابه تؤدى إلى إعادة ترتيب أوزان الكتل البرلمانية في كل دور انعقاد، بل خلال دور الانعقاد الواحد.

ويضف المؤلف، قائلاً أنه بحسب مؤشر التناسبية يعتبر الأداء التشريعي لمجلس النواب المصري 2015، هو الأكفأ بالمقارنة بالبرلمانين التونسي 2014 والجزائري 2012-2017. كما أنه بحسب مؤشر الفاعلية، يؤكد الكاتب على تراجع معدل القوانين من اقتراحات النواب في الدول الثلاثة مقارنة بمشروعات القوانين المقدمة من الحكومة في برلمانات الدولة الثلاثة أيضا، وهو ما يشير وفقاً لمؤلف الكتاب إلى استمرار اختلال التوازن في المبادرات التشريعية حتى بعد الثورات العربية 2011 لصالح الحكومة على حساب البرلمان صاحب الاختصاص الأصيل في عملية التشريع.

وبالإضافة إلى ما سبق، يؤكد المؤلف على أن المعطيات الكمية للمخرجات الرقابية للبرلمانات في الدول الثلاثة منذ 2011، تشير إلى ضعف الدور الرقابي في البرلمانات الثلاثة، خاصة في استخدام الآليات الرقابية التي ترتب مسئولية سياسية على الحكومة، وإن كان وفقاً للكاتب البرلمان التونسي، هو الأفضل فى ظل رفضه منح الثقة لحكومة الحبيب الجُملى في 2019 بينما لم يستخدم البرلمان الجزائري أياً من هذه الأدوات بسبب تركيبته البرلمانية، بالإضافة إلى الضوابط الدستورية التعجيزية التي منحت فائدة هذه الآليات الرقابية للحكومة لا للبرلمان. كما أن البرلمان المصري لم يتمكن من استخدام هذه الآليات منذ ثورة يناير حتى نهاية دور الانعقاد الرابع لبرلمان 2015.

وفي نهاية الكتاب، وضع المؤلف مجموعة من النتائج النهائية الهامة، وهي أن مستوى أداء برلمانات الدول الثلاثة مصر وتونس والجزائر تأثر بدرجات متفاوتة بعد 2011 بفعل مجموعة من المتغيرات، أولها، أن هناك تعديلات دستورية وقانونية اُختصت بمكانة البرلمان في النظام السياسي، وطرق انتخابه. وثانيها تغير الخريطة الحزبية. وثالثها، الذي يعد نتيجة للأول والثاني، تمثل في تغير تركيبة النخبة التشريعية، وطرق توزيعها على أجهزة البرلمان. أما النتيجة الأخرى التي توصل لها المؤلف، فهي أن النظام الانتخابي في الدول الثلاثة، ونظام تقسم الدوائر، وتمثيل الفئات المهمشة، انعكس بصورة واضحة على تركيبة البرلمان، فعمليا وفقاً للكاتب حدث تغير ملحوظ في النخبة التشريعية في دولتي تونس ومصر بعد الثورات العربية، صاحبه تفوق في الأداء التشريعي والرقابي لبرلماني الدولتين بالمقارنة بالبرلمان الجزائري الذي استمر فيه حزبا السلطة صاحبا الأغلبية متحكمين في مخرجاته التشريعية والرقابية.

كما أكد المؤلف، في نتائج كتابه على أن السلطة التنفيذية في الدول الثلاثة استمرت  بعد 2011 مهيمنة على المبادرات التشريعية على حساب البرلمان، حيث تراجع معدل القوانين من اقتراحات النواب مقارنة بمشروعات القوانين المقدمة من الحكومة، وإن كان نسبة اقتراحات النواب في البرلمان المصري 2015، هي الأعلى بين برلمانات الدول الثلاثة. كما أكدت النتائج النهائية في المبحث الأخير من الكتاب على أن الأداء الرقابي لبرلمانات الدول الثلاثة بعد الثورات العربية ظل ضعيفاً، خاصة فيما يتعلق باستخدام النواب الآليات الرقابية التي يترتب عليها المسئولية السياسية للحكومة. فلم تتمكن أي من برلمانات الدول الثلاثة من سحب الثقة من الحكومة بسبب هيمنة الأغلبية المؤيدة للسلطة التنفيذية على تركيبة البرلمان. وعلى مستوى الآليات الرقابية غير المرتب عليها مسئولية سياسية للحكومة، فقد ظل استخدامها ضعيف، ودون المستوى المطلوب في برلمانات الدول الثلاثة. وبمقارنة الأداء فيما يتعلق بالآليات الرقابية المشتركة في الدول الثلاثة تبين تفوق البرلمان المصري في استخدام السؤال ولجان تقصى الحقائق.

وتمثلت النتيجة الأخيرة التي توصل لها المؤلف في الكتاب في أن تركيبة البرلمانات في الدول الثلاثة بعد الثورات العربية، أثرت على أدائها الرقابي بالمقارنة بالأداء التشريعي، حيث تسببت الانشقاقات والانقسامات التي شهدتها الكتل النيابية في البرلمان التونسي، وسيطرة الائتلاف الحكومة على البرلمان الجزائري، وعدم التوازن بين الكتل النيابية في البرلمان المصري، في تراجع الدور الرقابي لصالح الدور التشريعي في الدول الثلاثة.

وفي الصفحات الأخيرة من الكتاب وضع المؤلف مجموعة من التوصيات من شأنها المساهمة في معالجة الاختلالات وتفعيل الأداء البرلماني بدرجات تتقارب مع مستوى التغير الذي حدث في احتياجات الشارع وملامح النخبة التشريعية بعد الثورات العربية، وهي:

(*) ضرورة إعادة النظر في النظام الانتخابي في دولة تونس، وتغييره بدرجة تتوافق مع واقع الحالة الحزبية والسياسية لها، خاصة وأنها تحتاج إلى نظام انتخابي يُحد من الانقسامات والانشقاقات، وينشأ حكومة مستقرة وغير مهددة البقاء.

(*) تعديل بعد المواد في اللوائح المنظمة لعمل البرلمانات في الدول الثلاثة، خاصة المتعلقة بتوزيع الكتل النيابية على أجهزة البرلمان، مع ضرورة تحقيق تمثيل مناسب لكل الكتل النيابية، وذلك لإنعاش الدور الرقابي في تلك البرلمانات.

(*) ضرورة وضع تشريع في لائحتى البرلمان التونسي والجزائري يمنع الانتقالات الداخلية للنواب بين الكتل النيابية للمحافظة على استقرار الأداء التشريعي والرقابي في المجلسين. وفي البرلمان المصري ضرورة تعديل المادة المتعلقة بمنع الانتقالات الداخلية بحيث تلزم النواب بالمنع الكامل دون التصويت على الانتقالات بموافقة الأغلبية.

(*) ضرورة تحقيق التوازن بين البرلمان والسلطة التنفيذية في أولوية طرح ومناقشة اقتراحات ومشروعات القوانين المقدمة من الطرفين للمناقشة والتصديق. خاصة وأن دساتير الدول الثلاثة تلزم البرلمان بوضع أولوية لمناقشة مشروعات القوانين المقدمة من الحكومة على اقتراحات القوانين المقدمة من النواب، بالإضافة إلى وضعها شروط صعبة لتمرير اقتراحات النواب، وإن كان الدستور المصري الصادر في 2014  هو الأقل  في الشروط التعجيزية على النواب في هذا الشأن.

(*) الدعم الفني للنواب من خلال ربط البرلمانات بمراكز متخصصة، وزيادة عدد المستشارين في اللجنة النوعية والمتخصصة والقضاء على ظاهرة غياب النواب لتحقيق الاستقرار والكفاءة في الأداء التشريعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى