تضامن واسع: كيف تفاعلت السوشيال ميديا العربية مع الضربة الإسرائيلية على قطر؟

في التاسع من سبتمبر 2025، شنّت إسرائيل غارة جوية على العاصمة القطرية الدوحة، استهدفت مقرًا سكنيًا كان يجتمع فيه عدد من قادة حركة حماس لمناقشة مقترح تهدئة رعته الولايات المتحدة الأمريكية. وأسفرت الضربة عن استشهاد ستة أشخاص، دون أن تحقق الهدف المعلن باغتيال قادة الحركة. هذا الهجوم المفاجئ شكّل صدمة كبيرة للرأي العام العربي، واعتُبر تصعيدًا خطيرًا يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التوتر في الشرق الأوسط.

رد الفعل:

ردود الفعل العربية على الضربة كانت واسعة ومتنوعة، إلا أن الغضب كان السمة الأبرز. فقد امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بموجات استنكار قوية، توجهت بالأساس نحو الولايات المتحدة التي تُتَّهم بالتواطؤ عبر قاعدة العديد العسكرية الموجودة في قطر، والتي فشلت في حماية المجال الجوي للدولة المضيفة. كما تركز الغضب بشكل أكبر على إسرائيل، التي وُصفت في الخطاب الشعبي بأنها دولة مارقة تتجاوز كل القوانين والأعراف الدولية، وتسعى بشكل دائم إلى التصعيد حتى في الأوقات التي تتكثف فيها الجهود الدولية للتهدئة. ولم يقتصر الغضب على هذين الطرفين، بل طال قطر نفسها، حيث وُجهت لها انتقادات باعتبارها ضعيفة وغير قادرة على الدفاع عن سيادتها لاعتمادها المفرط على الضمانات الأمريكية، وهو ما انعكس بدوره على صورة دول الخليج ككل. في الوقت نفسه، عبر المواطنون العرب عن سخطهم من عجز المؤسسات الدولية، التي لم تستطع لا ردع إسرائيل ولا وقف حربها على غزة، ولا حتى منعها من انتهاك سيادة الدول المجاورة.

ومع ذلك، لم يخلُ المشهد من موجات تضامن واسعة مع قطر باعتبارها ضحية لانتهاك صارخ. فقد برزت عاطفة جماعية داعمة للشعب القطري وأسر الضحايا، لا سيما أسرة القيادي خليل الحية الذي فقد ابنه الثالث نتيجة للهجوم. وترافق ذلك مع تضامن رمزي واسع عبّر عن إدراك أن ما حدث قد يتكرر مع أي دولة عربية أخرى، وهو ما تجسد في شعارات مثل “اليوم قطر، وغدًا نحن”. هذا الشعور جسّد وعيًا عربيًا متزايدًا بأن إسرائيل لا ترى حدودًا ولا تحترم سيادة أي دولة بالمنطقة، مما يجعل جميع الدول في مرمى الاستهداف.

التفاعل الشعبي لم يكن عاطفيًا فحسب، بل جاء متنوعًا في أشكاله. فقد انتشرت آلاف التغريدات والمنشورات التي تناولت تفاصيل الضربة، وأُنتجت فيديوهات توضيحية من قبل مواطنين وصانعي محتوى لكشف الملابسات وطرح التساؤلات. غير أن هذه التفاعلات لم تخلُ من الانقسامات، حيث عبّر البعض عن دعم كامل لقطر، بينما اتخذ آخرون موقفًا ساخرًا أو متخوفًا، وهو ما زاد من حدة الجدل على المنصات الإلكترونية. وتحولت الصفحات الرسمية القطرية، وعلى رأسها صفحة وزارة الداخلية، إلى ساحة نقاش محتدم حول طبيعة الرد المتوقع على هذا الاعتداء.

تباين واضح:

أما على مستوى تباين المواقف بين الدول العربية، فقد عكست ردود الأفعال رؤية كل مجتمع. ففي منطقة الخليج، اعتُبرت الضربة تهديدًا مباشرًا لكل دول المنطقة، ما دفع المواطنين إلى الدعوة لقطع كافة أشكال العلاقات مع إسرائيل، والاعتماد على الاستثمارات الخليجية كورقة ضغط على الولايات المتحدة. بينما في الدول التي تعاني من هشاشة سياسية وانقسامات داخلية مثل العراق وسوريا والأردن، تم التعامل مع الهجوم كإشارة على أن الانتهاكات الإسرائيلية مرشحة للتوسع دون أي اعتبار للحدود. وفي مصر، برزت نبرة مختلفة ركزت على الثقة في قوة الجيش الوطني باعتباره رادعًا لأي تهديد، مع الدعوة إلى التكاتف والوحدة لمواجهة ما قد تحمله المرحلة المقبلة من مخاطر.

نتائج مهمة:

هذا التفاعل العربي الواسع أفرز عدة نتائج مهمة على مستوى الوعي الشعبي. فقد أُعيد إحياء فكرة التضامن العربي، من خلال شعارات مثل “كلنا قطر” التي انتشرت بقوة، مؤكدّة على أن الخطر مشترك وأن الرد لا بد أن يكون جماعيًا. كما أعادت الحادثة النقاش حول مشروع “القوة العربية المشتركة” الذي طُرح عام 2014 كوسيلة لردع أي انتهاك لسيادة الدول العربية. بالتوازي، تعززت قناعة الشعوب بأهمية التماسك الداخلي، حيث ازداد الدعم للجيوش الوطنية باعتبارها خط الدفاع الأول، وانتشرت آلاف المنشورات التي تربط بين وحدة الصف وقوة الردع. ورافق ذلك ارتفاع غير مسبوق في مستوى التفاعل على مواقع التواصل، حيث تصدر وسم الضربة قوائم الأكثر تداولًا، في مستوى لم يُشهد منذ الضربات الإسرائيلية على إيران.

في النهاية، يمكن القول إن الضربة الإسرائيلية على قطر لم تُقرأ عربيًا كحادث منفصل، بل كمؤشر على مرحلة جديدة من الصراع، تُرى فيها إسرائيل كخطر وجودي يتجاوز فلسطين إلى مجمل المنطقة العربية. الغضب كان واسعًا، التضامن كان بارزًا، والوعي بأهمية التماسك والوحدة تصاعد بشكل ملحوظ. ومن المؤكد أن هذه الحادثة ستدفع نحو مزيد من العزلة الإقليمية لإسرائيل، وتثبيت صورتها كعدو أول في الوجدان العربي، مع احتمالية أن تتحول إلى نقطة انطلاق لإحياء مشاريع سياسية وعسكرية عربية مشتركة تهدف إلى حماية السيادة ومنع تكرار مثل هذه الانتهاكات مستقبلًا.

عبدالرحمن سعدالدين

عبدالرحمن سعد الدين، باحث في وحدة دراسات العالم. الباحث حاصل على بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة الإسكندرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى