صناعة الرعب: دور سجن “بوكا” في ظهور الموجة الجديدة من الإرهاب

سلسلة تكاد لا تتوقف من الأحداث الإرهابية، التي كانت أخرها حالتي الدهس وإطلاق الرصاص في ألمانيا والولايات المتحدة، وبصاحبها آلة إعلامية نشطة لربط الحادث بأمور مثل الدين والعرق والهجرة. ورغم أن الحالتين يكتفنهما تعقيدات كثيرة، إلا أنه غالبا ما يتم الاعتماد على أيسر الأمور لتفسيرها وعلى نحو يحقق مصالح كل طرف. ولا يمكن اغفال حجم التغطيات الإعلامية والانتهازية السياسية في أي عمل (مستنكر بالطبع) يصاحبه أي إشارة إسلامية من بعيد أو من قريب،  وذلك مقارنة بحالات أخرى إرهابية لا تنال نفس التغطية الإعلامية والانتهازية السياسية مثل حادث قيام متطرف استرالي بقتل العشرات في مسجد في كريست تشيرش في نيوزلندا.

تحديات قائمة:
لا شك أن الإرهاب يعد من بين أخطر التهديدات، فقد تم تخصيص موارد هائلة في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة وإعادة تخصيصها لمهمة منع الإرهاب. ولكن هذه الجهود تفتقر في كثير من الأحيان إلى أساس مفاهيمي ـ ناهيك عن أساس تجريبي ـ لفهم الإرهابيين وأعمال العنف التي يرتكبونها. ويخلق هذا الفراغ تحدياً خطيراً على العديد من المستويات، بدءاً من القرارات على مستوى السياسات حول الكيفية التي ينبغي للدولة أن تستجيب بها للإرهاب، إلى القرارات على مستوى الأفراد حول ما إذا كان شخص معين موضع اهتمام، يتبنى أفكاراً متطرفة، يشكل حقاً تهديداً خطيراً في المحيط المحلي والإقليمي والدولي..

ورغم أن السؤال الأساسي حول أفضل السبل لتعريف الإرهاب كان في حد ذاته مشكلة محيرة، فإن السبيل الأيسر على الأقل لأغراض تحليلية يستند بالأساس على أعمال العنف التي تُرتكب عمداً ضد المدنيين غير المقاتلين بهدف تعزيز بعض الأهداف الإيديولوجية أو الدينية أو السياسية. وهناك أبعاد نفسية بجانب أسس اجتماعية (والتي يشار إليها أحياناً باسم “الأسباب الجذرية”) أو النظريات الاقتصادية والسياسية على المستوى الكلي لتفسير السلوك الإرهابي. يذكر أن الجيل الأول من الاستقصائيات النفسية، والذي استمد أساساً من نظرية التحليل النفسي، قد انتهى إلى حد كبير، وكان إطاره ونتائجه يفتقران إلى الصلة العملية.
هناك العديد من العوامل على المستوى الكلي والجزئي التي تؤثر على العنف السياسي عموماً، والإرهاب على وجه التحديد. والواقع أن “هناك اتفاقاً جوهرياً على أن علم نفس الإرهاب لا يمكن النظر إليه بمعزل عن العوامل السياسية والتاريخية والأسرية والديناميكية الجماعية والعضوية، وحتى العوامل العرضية والمصادفة البحتة.

رؤية راند:
في عام 2007 أصدرت مؤسسة راند والتابعة بالأساس لمؤسسات أمنية أمريكية دراسة تحت عنوان بناء شبكة من الإسلام المعتدل، حيث ذكرت الدراسة في بدايتها أن التفسيرات المتطرفة والعقائدية للإسلام قد اكتسبت أرضية راسخة في السنوات الأخيرة في العديد من المجتمعات الإسلامية من خلال شبكات إسلامية واسعة النطاق تمتد عبر العالم الإسلامي ومجتمعات الشتات المسلمة في أميركا الشمالية وأوروبا. وعلى الرغم من أن المعتدلين يشكلون أغلبية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، فإنهم لم يطوروا شبكات مماثلة لتضخيم رسالتهم وتوفير الحماية من العنف والترهيب. وبفضل الخبرة الكبيرة التي اكتسبتها الولايات المتحدة في تعزيز شبكات الناس الملتزمين بالأفكار الحرة والديمقراطية أثناء الحرب الباردة، فإنها تلعب دوراً حاسماً في تسوية أرض الملعب للمعتدلين المسلمين. ووضعوا رؤية لبناء “خريطة طريق” لتعزيز بناء شبكات المسلمين المعتدلين، وأن الولايات المتحدة تستطيع أن تعمل على تعزيز الشبكات الإسلامية المعتدلة.
لقد أوصت الدراسة الولايات المتحدة بالتركيز على الشركاء والبرامج والمناطق التي من المرجح أن يؤثر فيها الدعم الأميركي على حرب الأفكار الدائرة في العالم الإسلامي من خلال استراتيجية تعتمد خطوتها الأولى في أن تتخذ الحكومة الأميركية وحلفاؤها قراراً واضحاً بالمساعدة في بناء الشبكات الإسلامية المعتدلة، وأن يخلقوا رابطاً واضحاً بين هذا الهدف والاستراتيجية الأميركية الشاملة والبرامج. ويتطلب التنفيذ الفعال لهذه الاستراتيجية إنشاء هيكل مؤسسي داخل الحكومة الأميركية لتوجيه الجهود والإشراف عليها ومراقبتها. ويتعين على الحكومة الأميركية أن تبني الخبرة والقدرة على تنفيذ هذه الاستراتيجية، بما في ذلك مجموعة من المعايير المتطورة والمتطورة باستمرار والتي تميز المعتدلين الحقيقيين عن المتطرفين المتخفين في هيئة معتدلين، وقاعدة بيانات دولية للشركاء المحتملين والحاليين، وآلية لمراقبة البرنامج وتنقيحه والإشراف عليه. وترى راند أن الشركاء في جهود بناء الشبكات المعتدلة لابد وأن يكونوا أولئك الذين يلتزمون بأبعاد أساسية من الثقافة الديمقراطية، وأن الجهود المبذولة في البداية، يمكن أن تركز على مجموعة أساسية من الشركاء الموثوق بهم الذين يُعرف توجههم الإيديولوجي والعمل انطلاقاً من هناك، ولذلك يمكن البدء باستهداف خمس مجموعات باعتبارها لبنات بناء محتملة للشبكات: الأكاديميون والمثقفون المسلمون الليبراليون والعلمانيون؛ والعلماء الدينيون الشباب المعتدلون؛ والناشطون المجتمعيون؛ والجماعات النسائية المنخرطة في حملات المساواة بين الجنسين؛ والصحافيون والكتاب المعتدلون. ومن خلال العمل مرة أخرى في دور يشبه دور المؤسسات، ينبغي للولايات المتحدة أن تساعد البرامج التي تعزز التعليم الديمقراطي، وخاصة البرامج التي تستمد التعاليم السلطوية الداعمة للقيم الديمقراطية والتعددية من النصوص والتقاليد الإسلامية، ووسائل الإعلام المعتدلة، والمساواة بين الجنسين، والدعوة إلى أجندات معتدلة. مع تقديم اقتراح بتحويل التركيز من الشرق الأوسط إلى مناطق العالم الإسلامي، حيث تكون حرية العمل أكبر ممكنة، والبيئة أكثر انفتاحاً على النشاط والتأثير، وهناك احتمال أكبر للنجاح. مع التأكيد على فرص بناء الشبكات في الشتات الإسلامي في أوروبا، وبين المسلمين في جنوب شرق آسيا وتركيا، وفي بعض المجتمعات الأكثر انفتاحاً نسبياً في الشرق الأوسط. في ضوء ما ذكروه بأن الأفكار المتطرفة القادمة من الشرق الأوسط تنتشر إلى بقية العالم الإسلامي، والقيام بفتح قنوات اتصال من شأنها تشجيع نشر التفسيرات الحديثة والسائدة للإسلام مرة أخرى إلى الشرق الأوسط من المسلمين المعتدلين في أماكن أخرى .

معسكر “سجن” بوكا (2003-2009):


الدراسة التي أصدرتها مؤسسة راند الأمريكية (التي صدرت بعد الغزو الأمريكي للعراق بنحو أربع سنوات) تحث الحكومات الإدارات الأمريكية المختلفة على بناء مجتمعات وشبكات إسلامية معتدلة على حد تعبيرها، وبما يشير إلى أن الولايات المتحدة لها يد في التأثير على شكل وملامح مخرجات الدين في الشرق الأوسط والدول الإسلامية في آسيا وفي أوروبا، حيث أن الولايات المتحدة أيضا لها يد في تصنيع التطرف العنيف وفي إيجاد الإرهاب ولصقه بالدين الإسلامي في معظم الأحيان. وهو ما يعني ان الولايات المتحدة تتلاعب تارة بالاعتدال وتارة بالتطرف وفق مصالحها الانية والاستراتيجية. ففي خلال موجة الحرب الأميركية في العراق، احتُجز عشرات الآلاف من العراقيين في مراكز الاحتجاز الأميركية، بما في ذلك معسكر أو سجن بوكا. وفي ظل هذه المعسكرات المكتظة، انبثقت موجة أخرى من الإرهاب بين المعتقلين. وبقيادة أبو بكر البغدادي، أصبح هؤلاء السجناء جنود المشاة المستقبليين لما يسمى الدولة الإسلامية. وإدراكاً لإمكانات هؤلاء السجناء، هندست القيادة الناشئة للمجموعة حملة منهجية وناجحة أطلق عليها “كسر الجدران” والتي حررت الآلاف من المؤيدين من المراكز التي يديرها العراقيون.

وفي ظل غياب استراتيجية واضحة للولايات المتحدة لتقديم مساعدة حقيقية للحكومة العراقية حينئذ، والتي كانت في حاجة ماسة إلى المساعدة الفنية والقانونية لإجراء محاكمات شفافة وعادلة لأولئك المحتجزين في “بوكا” ومع تصور تعرض معتقلي داعش لسوء المعاملة. فإن هذا لم يؤدي إلا إلى تغذية الرواية التي تروج لها الجماعة وزيادة مظالم المسلمين السنة وتصورهم للحكومة التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد والتي تتسم بالقمع وعدم الشرعية، وبما يزيد من أسهم وكسب أرضية وبيئة حاضنة بالعراق وغيرها من الأراضي المجاورة وخاصة سوريا . ويشكل العرب السنة، الذين كانوا مهيمنين في عهد صدام حسين ويشكلون العمود الفقري للتمرد في العراق، الغالبية العظمى من المعتقلين في السجون التي تديرها الولايات المتحدة في العراق. وتولى العراق السيطرة على أبو غريب، الذي اشتهر بفضيحة إساءة معاملة السجناء التي تورطت فيها قوات أميركية، في سبتمبر 2006. لذلك فإن العديد من القادة الذين تولوا قيادة ما أصبح الآن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وان كانوا متطرفين قبل أن يمرون عبر بوابات معسكر بوكا، السجن العسكري الأميركي في جنوب العراق، من عام 2003 إلى عام 2009. إلا أنه من المؤكد أنهم كانوا جميعا متطرفين عندما خرجوا بعد أشهر أو سنوات من هذا السجن.
في معسكر بوكا، جرت إعادة تشكيل تنظيم الدولة الإسلامية في المستقبل بين اختلاط المتطرفين الأيديولوجيين العنيفين وضباط الجيش البعثيين السابقين. وإلى جانب ظروف أخرى (مثل الحرب الأهلية السورية والحكم الطائفي لرئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي)، فإن رابطة بوكا هذه شكلت نواة خلية سرطانية استولت على الكثير من العراق وسوريا.

وبالإضافة الى زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي، فإن هناك قائمة جزئية من المعتقلين السابقين في بوكا الذين لعبوا أدواراً رئيسية في إعادة تشكيل تنظيم الدولة الإسلامية مثل: أبو مسلم التركماني، الرجل الثاني بعد البغدادي؛ وأبو أيمن العراقي، القائد العسكري بالتنظيم؛ وحاجي بكر، الذي لعب دوراً أساسياً في مساعدة البغدادي على الوصول إلى السلطة؛ وأبو عبد الرحمن البيلاوي، المسؤول عن التخطيط العملياتي الذي استولى على الموصل في العراق؛ وأبو قاسم، المسؤول عن المقاتلين الأجانب والانتحاريين؛ وأبو لؤي، المسؤول العسكري الكبير؛ وأبو شيماء، المسؤول عن الخدمات اللوجستية؛ وأبو سجى، المسؤول عن برامج أسر الشهداء؛ وغيرهم كثيرون. وكان بعضهم ضباطاً في جيش صدام حسين (وخاصة القوات الجوية أو الجيش)، وكان الآخرون مدرسين أو أئمة أو بيروقراطيين. وعلية، يمكن القول أصبح تنظيم الدولة الإسلامية عبارة عن مزيج من الإيديولوجيات البعثية والتكفيرية، حيث تساعد المهارات التنظيمية الأولى في توجيه الحماسة التحفيزية للثانية. والنتيجة هي نشأت مجموعة متطرفة لا مثيل لها كانت قادرة على الانتقال من خلايا بوكا في العراق إلى مدينة كوباني الحدودية في سوريا.
الواقع أن معسكر بوكا العراقي، الذي يقع بجوار مجرى شط العرب المائي، يُعَد واحداً من أكثر السجون الأميركية وحشية في العالم. وكان هذا المعتقل تحت إدارة الجيش الأميركي في محافظة البصرة، وكان يضم بعضاً من أخطر السجناء العراقيين. ويقول ياسر عبد الله، الذي كان يُعرف برقم السجين 11509 أثناء فترة احتجازه، إنه على الرغم من وحشية الحراس، فقد تعلم درساً واحداً من معسكر بوكا. ويقول: “لقد كان مدرسة، لا جامعة. لقد أظهر لي الحقيقة العارية ونفاق الغرب. ويزعم ياسر أن التعذيب قد حوله إلى رجل متشدد.
وقد شيد الجيش البريطاني هذا المعسكر في بداية احتلال العراق، قبل أن تتقاسم لندن وواشنطن السيطرة على البلاد بينهما. وكان يُطلق عليه معسكر فريدي، حتى تم تسليمه إلى البحرية الأميركية في ديسمبر 2003. ثم تحول إلى مركز احتجاز ضخم مساحته 40 كيلومتراً مربعاً. ثم أعيدت تسميته بمعسكر بوكا نسبة إلى رونالد بوكا، وهو عمدة في إدارة الإطفاء وجندي سابق قُتل في هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

صناعة الارهاب:


لقد مر كل قادة الجماعات المسلحة الأكثر تطرفاً في العراق تقريباً عبر معسكر بوكا. فقد التحق بالسجن أبو بكر البغدادي، إلى جانب عدنان البيلاوي، وأبو مسلم الخراساني، وفاضل الحيالي، ومحمد العراقي، ومحمد عبد العزيز الشمري، وخالد السامرائي، إضافة الى أبو محمد الجولاني أو أحمد الشرع قائد العملية الانتقالية في سوريا الآن. ولقد كان أول المعتقلين في السجن هم رؤساء قاعدة القوة لصدام حسين ــ ضباط الجيش، ورؤساء الاستخبارات، وعلماء من مفاعل تموز النووي، وأعضاء بارزون آخرون في حزب البعث. وعندما اكتسبت التمرد ضد القوات الأميركية في العراق زخماً، جاء المزيد من السجناء من صفوف المقاومة، أو حتى من المعارضين الصريحين للاحتلال . وبعد بضعة أشهر، دخلت الدفعة الأولى من السجناء السلفيين السجن. وسرعان ما فتحوا “أول” مدرسة جهادية في العراق داخل المعسكر.

كان معسكر بوكا يضم أكثر من 24 ألف سجين ــ أغلبهم من السنة ــ بتهمة الإرهاب. وهنا، ورد أنهم تعرضوا لتعذيب منهجي، كان وحشيا للغاية في بعض الحالات حتى أن التعذيب كان قاتلا. فلقد توفي والد أحد كبار أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية، خالد السامرائي، تحت التعذيب. وورد أن والدة المقاتل وابنته قُتلتا أثناء غارة أميركية على منزل عائلته ــ. وكان ذلك جزء من السبب وراء تحول معسكر بوكا إلى مهد للإيديولوجية الجهادية العراقية، بحيث تكون الطريقة التي كان يتم بها تجميع السجناء معا. فقد كان المقاتلون القوميون العرب يوضعون في زنازين مع أيديولوجيين “تكفيريين. وإذا أضفنا إلى هذا التعذيب والمعاملة القاسية والظروف المهينة، فسوف نجد أن حتى أكثر المقاتلين علمانية ووطنية وقعوا في أيدي الجهاديين. وفي إحدى مراحل الاحتجاز، قيل إن عشرات السجناء قُتلوا على أيدي زملائهم السجناء بتهمة الردة و”انتهاك الإيمان”. وتم إنشاء محكمة شرعية سرية من قبل السجناء الذين أصدروا الأحكام الصادرة بحقهم. وبعد أن تبين أن حارسة أميركية قامت بتدمير نسخة من القرآن الكريم، اندلعت أعمال شغب في المعسكر ـ مما أسفر عن مقتل خمسة سجناء آخرين.

وفي هذا السياق، قال حسين البصري، زعيم التيار الصدري، إن معسكر بوكا أصبح مركزاً عصبياً لأجزاء من التمرد في العراق، وأنه أصبح رمزاً للظلم والتعذيب الأميركيين. وهو لم يستغرب أن يشجع مركز الاحتجاز على ازكاء روح التطرف والعنف. متسائلا حينئذ؟ ماذا تتوقع من الناس الذين استولى الأجانب على بلادهم ونهبوها، ثم ألقوا القبض عليهم وعذبوهم بسبب اعتراضهم على الاحتلال وتنديدهم به؟ أن يخرجوا ويجلسوا في هدوء؟ بالطبع لا”. ويقول إنه ليس من المستغرب أن يتحول السجناء إلى متطرفين في ظل هذه الظروف، عندما عرضت عليهم العصابات الجهادية فرصة الكرامة واحترام الذات.

وفي سياق اخر، يقول أحمد الربيعي، الخبير في الجماعات المسلحة العراقية، إن العشرات من قادة تنظيم الدولة الإسلامية قضوا وقتًا في المعسكر. مضيفا إنه من المثير للاهتمام أن بعض هؤلاء الأشخاص كانوا من أشد المعارضين لتنظيم القاعدة ونظرائه، وكانوا من دعاة القومية العراقية والعربية ـ ولكن عندما أطلق سراحهم تحولوا إلى شيوخ تكفيريين جهاديين”، على حد قوله.
وكان حامد السعدي عضواً في لجنة شؤون السجناء بين فبراير 2005 وسبتمبر 2007، وقال: “كان الأميركيون يعلمون أن السجناء في بوكا سيخرجون لزرع العبوات الناسفة مرة أخرى والانتقام من أي شيء وكل شيء يعترض طريقهم”.

ومن الجدير بالذكر أن “تي. جيه كولز” قد أشار في كتابه ” تصنيع الإرهاب” الى المناورات السياسية السرية والتلاعب الخفي في عالم الإرهاب المصنّع. ولقد استعان في كشفه بسجلات بعض المحاكم والتحقيقات البرلمانية والمنشورات غير المعروفة ولكنها رسمية، حيث يكشف ” كولز” عن دور الدولة العميقة في أعمال الإرهاب الوحشية. في استكشافه لعملية جلاديو، والإرهاب في أيرلندا الشمالية، والجهاد الإسلامي بشكل أساسي، يزعم أن وكالات الاستخبارات والجيش والحكومات تستخدم ستة أساليب رئيسية لتصنيع الإرهاب:1/ رد الفعل: مهاجمة بلدان أخرى وإثارة ردود فعل عنيفة.2/ الوكلاء: خلق الإرهابيين (بما في ذلك القاعدة) واستخدامهم ضد الأعداء.3/ المحرضون: استفزاز الأفراد من الأقليات لارتكاب أعمال إرهابية.4/ الضوء الأخضر: السماح للإرهابيين بارتكاب هجمات من أجل تبرير سياسات محددة.5/ الأعلام الكاذبة: ارتكاب الإرهاب وإلقاء اللوم فيه على أعداء معينين.6/ المحاكاة: إجراء التدريبات والتدريبات كغطاء للأعمال الإرهابية الواضحة. ويزعم كولز أن كل حالة من حالات الإرهاب تحتاج إلى تقييم منفصل. ويقدم في كتابه “تصنيع الإرهاب” صورة معقدة تميز بين حالات رد الفعل العنيف، والوكالة، والأعلام الكاذب، والمحاكاة، وما إلى ذلك. كما يقدم نبذة لمساعدة القراء على فهم عالمنا الفوضوي والخطير .

مسارات صناعة التطرف والإرهاب:

 

على الرغم من وجود عوامل تحفيزية مختلفة لفهم عملية التحول إلى إرهابي بشكل كامل، لا يمكن التعامل مع الدافع بمعزل عن الفرصة. وبعبارة بسيطة، يتبع الناس مسارًا يؤدي إلى التطرف والإرهاب والمنظمات الإرهابية. وقد يختلف المسار باختلاف الأشخاص، وقد يتأثر بمجموعة واسعة من العوامل. وأن المسار المؤدي إلى الإرهاب يمكن أن يتشكل من خلال عوامل عرضية وكذلك من خلال التأثير المشترك للميول الشخصية والحوافز الاجتماعية. ونادرًا ما يكون التحول إلى الإرهاب مفاجئًا. وإن ما نعرفه عن الإرهابيين الفعليين يشير إلى أنه نادرًا ما يتم اتخاذ قرار واعي بالتحول إلى إرهابي. وتنتج معظم المشاركة في الإرهاب عن التعرض التدريجي والتنشئة الاجتماعية نحو السلوك المتطرف”. ويرى لوكباوغ أن هذه واحدة من النقاط القليلة التي يتفق عليها الجميع في مجال دراسات الإرهاب، حيث صرّحوا “من المقبول عمومًا أن الإرهابيين لا يتحولون إلى إرهابيين بين عشية وضحاها. فهم يتبعون مسارًا عامًا من الاغتراب الاجتماعي إلى الملل، ثم الاختلاف والاحتجاج بين الحين والآخر قبل أن يتحولوا في النهاية إلى الإرهاب.
ونظراً للتنوع الواسع في الدوافع والضعف والفرصة للإرهاب، فقد لا يكون هناك مسار واحد أو إجابة عامة يمكن أن تنطبق على جميع أنواع الجماعات أو جميع الأفراد. ومع ذلك، فقد بُذلت عدة جهود لصياغة تسلسل عام للمراحل أو الأحداث أو القضايا التي قد تنطبق على أنواع الجماعات. والسؤال هنا هو كيف تتطور الأيديولوجيات المتطرفة (التطرف) وتترجم في النهاية إلى مبررات أو ضرورات لاستخدام العنف الإرهابي؟ وقد وضع أحد النماذج المبكرة التي طورها فريدريك هاكر إطاراً للتقدم في ثلاث مراحل. تضمنت المرحلة الأولى الوعي بالقمع. كانت المرحلة الثانية بمثابة اعتراف بأن القمع كان “اجتماعيًا” وبالتالي لا يمكن تجنبه. وكانت المرحلة الثالثة بمثابة حافز أو إدراك بأنه من الممكن العمل ضد القمع.

مراحل الإرهاب وفق رؤية الولايات المتحدة:
احتل التهديد الذي يمثله الإرهاب الإسلامي المتشدد “وفق الرؤية الغربية”ـ الذي يتجذر في الشرق الأوسط وجنوب آسيا ـ مركز الصدارة. ورغم أن هؤلاء المتطرفين الدينيين المتطرفين يمثلون وجهة نظر أقلية، فإن التهديد الذي يشكلونه حقيقي. وفي هذ السياق أشار بروس هوفمان من مؤسسة راند، ففي عام 1980 تم تصنيف مجموعتين من بين 64 مجموعة على أنهما دينيتان إلى حد كبير من حيث الدوافع؛ وفي عام 1995 تم تصنيف ما يقرب من نصف المجموعات التي تم تحديدها، أي 26 من بين 56 مجموعة، على أنها ذات دوافع دينية؛ وكانت أغلب هذه المجموعات تبنت الإسلام باعتباره القوة المرشدة لها. وفي هذا الإطار تم تقسيم مراحل الإرهاب من وجهة نظر الولايات المتحدة الامريكية على هذا النحو:
(*) مرحلة فجر الإرهاب الدولي الحديث 1986-1979: لقد أدت الحقبة الاستعمارية، والمحاولات الفاشلة التي جرت بعد الاستعمار لتشكيل الدولة، وإنشاء إسرائيل إلى توليد سلسلة من التحولات والحركات الماركسية والمعادية للغرب في مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي. وقد أدى نمو هذه الحركات القومية والثورية، إلى جانب وجهة نظرها القائلة بأن الإرهاب قد يكون فعالاً في تحقيق الأهداف السياسية، إلى توليد المرحلة الأولى من الإرهاب الدولي الحديث. وفي أواخر الستينيات، بدأت الحركات العلمانية الفلسطينية مثل فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في استهداف المدنيين خارج الساحة المباشرة للصراع. وفي أعقاب هزيمة 1967، أدرك القادة الفلسطينيون أن العالم العربي غير قادر على مواجهة إسرائيل عسكرياً. وفي الوقت نفسه، شهدت الدروس المستفادة من الحركات الثورية في أميركا اللاتينية وشمال أفريقيا وجنوب شرق آسيا وكذلك أثناء النضال اليهودي ضد بريطانيا في فلسطين، ابتعاد الفلسطينيين عن حرب العصابات الكلاسيكية، التي تعتمد عادة على الريف، نحو الإرهاب الحضري. لقد استغل الفلسطينيون المتطرفون أنظمة الاتصالات والنقل الحديثة لتدويل نضالهم. فشنوا سلسلة من عمليات الخطف والتفجير وإطلاق النار، وبلغت ذروتها باختطاف وقتل الرياضيين الإسرائيليين أثناء دورة الألعاب الأوليمبية في ميونيخ عام 1972.

أصبحت هذه الجماعات الفلسطينية نموذجاً للعديد من النشطاء العلمانيين، وقدمت دروساً للحركات العرقية والدينية اللاحقة. لقد أنشأ الفلسطينيون شبكة متطرفة عابرة للحدود الوطنية ـ كانت مرتبطة بالعديد من الدول الراعية مثل الاتحاد السوفييتي، وبعض الدول العربية، فضلاً عن المنظمات الإجرامية التقليدية. وبحلول نهاية سبعينيات القرن العشرين، أصبحت الشبكة العلمانية الفلسطينية قناة رئيسية لنشر الأساليب الإرهابية في جميع أنحاء العالم .

(*) مرحلة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أحد الأعضاء الأصليين لمنظمة التحرير الفلسطينية، ووفق الزعم الأمريكي هي جماعة ماركسية لينينية أسسها جورج حبش في عام 1967. كانت الجماعة ضد إعلان المبادئ لعام 1993؛ كما تم تعليق مشاركتها في منظمة التحرير الفلسطينية. شاركت في اجتماعات مع حزب فتح بزعامة عرفات وممثلي منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1999 لمناقشة الوحدة الوطنية ولكنها استمرت في معارضة المفاوضات مع إسرائيل. ارتكبت العديد من الهجمات الإرهابية الدولية خلال السبعينيات، ويُزعم أنها شاركت في هجمات ضد إسرائيل منذ بداية الانتفاضة الثانية في سبتمبر 2000. وتزعم الولايات المتحدة ان سوريا كانت مصدرًا رئيسيًا للملاذ الآمن والدعم اللوجستي المحدود.
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة: انشقّت هذه المجموعة، بقيادة أحمد جبريل، عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في عام 1968، راغبة في التركيز على العمل الإرهابي أكثر من العمل السياسي؛ وهي تعارض منظمة التحرير الفلسطينية بشدة وترتبط ارتباطًا وثيقًا بسوريا وإيران. نفذت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة هجمات متعددة في أوروبا والشرق الأوسط خلال السبعينيات والثمانينيات. وترى الولايات المتحدة ان هذه المنظمة فريدة من نوعها لأنها نفذت عمليات عبر الحدود ضد إسرائيل باستخدام وسائل غير عادية، بما في ذلك البالونات الهوائية والطائرات الشراعية الآلية.
منظمة أبو نضال: ترى الولايات المتحدة انها كانت منظمة إرهابية دولية معادية للغرب ومعادية لإسرائيل بقيادة صبري البنا؛ تركت منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1974. يتألف الهيكل التنظيمي من لجان وظيفية مختلفة، بما في ذلك اللجان السياسية والعسكرية والمالية. نفذت منظمة أبو نضال هجمات إرهابية في 20 دولة، مما أسفر عن مقتل أو إصابة ما يقرب من 900 شخص.

(*) مرحلة الجهاد الأفغاني والدول الراعية للإرهاب 1979-1991: كان عام 1979 نقطة تحول في الإرهاب الدولي. ففي مختلف أنحاء العالم العربي والغرب، أشعلت الثورة الإسلامية الإيرانية المخاوف من موجة من الإسلام الشيعي الثوري. وفي الوقت نفسه، حفز الغزو السوفييتي لأفغانستان والحرب التي أعقبتها بين المجاهدين ضد السوفييت، والتي استمرت من عام 1979 إلى عام 1989، صعود الجماعات الإرهابية وتوسعها. والواقع أن نمو مجموعة من المسلحين المدربين تدريباً جيداً والمتمرسين في المعارك بعد الجهاد يشكل اتجاهاً رئيسياً في الإرهاب الدولي المعاصر والعنف المرتبط بالتمرد. فقد قاتل متطوعون من مختلف أنحاء العالم الإسلامي في أفغانستان، ولقد استخدم ما يسمى بـ”الأفغان العرب” خبراتهم لدعم التمردات المحلية في شمال أفريقيا، وكشمير، والشيشان، والصين، والبوسنة، والفلبين.

وفي الغرب، ركز الاهتمام على الإرهاب الذي ترعاه الدولة، وخاصة حزب الله المدعوم من إيران وسوريا؛ كما كان استخدام الدول الراعية للجماعات الفلسطينية العلمانية مصدراً للقلق. وكان حزب الله رائداً في استخدام المفجرين الانتحاريين في الشرق الأوسط، وارتبط بتفجير عام 1983 وما تلاه من مقتل 241 من مشاة البحرية الأميركية في بيروت، لبنان، فضلاً عن عمليات اختطاف متعددة للمدنيين الأميركيين والغربيين ومسؤولي الحكومة .

وتتمثل الجماعات الدينية المتطرفة الرئيسية ” وفق الرؤية والتوصيف والتصنيف الأمريكي” فيما يلي:
(&) حزب الله: جماعة شيعية متطرفة تشكلت في عام 1982 في لبنان. وهي معادية للغرب وإسرائيل بشدة. وهي حليفة وثيقة لإيران، وغالباً ما تكون تحت إشرافها، ولكنها ربما نفذت عمليات لم توافق عليها طهران. ومن المعروف عنها أو يشتبه في تورطها في العديد من العمليات المعادية للولايات المتحدة. هجمات إرهابية، بما في ذلك تفجير شاحنة انتحارية في السفارة الأمريكية وثكنات مشاة البحرية الأمريكية في بيروت في أكتوبر 1983 وملحق السفارة الأمريكية في بيروت في سبتمبر 1984. كانت عناصر المجموعة مسؤولة عن اختطاف واحتجاز رهائن أمريكيين وغربيين آخرين في لبنان. هاجمت المجموعة أيضًا السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين في عام 1992 وهي مشتبه بها في تفجير المركز الثقافي الإسرائيلي في بوينس آيرس عام 1994. تعمل في وادي البقاع والضواحي الجنوبية لبيروت وجنوب لبنان. أنشأت خلايا في أوروبا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية وآسيا. تتلقى مبالغ كبيرة من المساعدات المالية والتدريبية والأسلحة والمتفجرات والسياسية والدبلوماسية والتنظيمية من إيران وسوريا.
(&) حركة المقاومة الإسلامية (حماس): نشأت حماس من جماعة الإخوان المسلمين أثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987)، وأصبحت المعارضة الدينية الرئيسية لإسرائيل في الأراضي المحتلة. وتشتهر الجماعة بشكل أساسي باستخدامها للمفجرين الانتحاريين، وهي منظمة بشكل فضفاض، مع مراكز قوة في غزة ومناطق معينة في الضفة الغربية. وعلى الرغم من إدانة حماس للسياسات الأمريكية المؤيدة لإسرائيل، إلا أنها لم تستهدف الولايات المتحدة بشكل مباشر.
(&) الجماعة الإسلاميةIG – الجماعة الإسلامية، الجماعة، الجماعة الإسلامية، الجماعة الإسلامية المصرية، تأسست الجماعة الإسلامية في سبعينيات القرن العشرين، وهي أكبر الجماعات المسلحة المصرية. ويتلخص هدفها الأساسي في الإطاحة بالنظام في القاهرة وإنشاء دولة إسلامية. ويبدو أن الجماعة الإسلامية كيان أكثر تنظيماً من الجهاد الإسلامي المصري، وتحتفظ بجناح خارجي حاضر على مستوى العالم. وقعت قيادة الجماعة الإسلامية على فتوى أسامة بن لادن المناهضة للولايات المتحدة في فبراير 1998، لكنها أنكرت دعمها لأسامة بن لادن. والشيخ عمر عبد الرحمن هو الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية، وبالتالي تعرضت الولايات المتحدة لتهديدات بالهجوم. ومنذ عام 1993 وحتى وقف إطلاق النار، شنت الجماعة الإسلامية هجمات على السياح في مصر، وأبرزها الهجوم الذي وقع في نوفمبر 1997 في الأقصر والذي أسفر عن مقتل 58 سائحًا أجنبيًا. كما أعلنت الجماعة الإسلامية مسؤوليتها عن محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا بإثيوبيا في يونيو 1995. وللجماعة الإسلامية حضور عالمي، بما في ذلك السودان والمملكة المتحدة وأفغانستان والنمسا واليمن. وتعتقد الحكومة المصرية أن إيران وبن لادن والجماعات المسلحة الأفغانية تدعم الجماعة الإسلامية.

عولمة الإرهاب 1990-2001:

لقد ساعد تفكك دول ما بعد الحرب الباردة، وإرث الحرب الباردة المتمثل في عالم غارق في الأسلحة التقليدية المتقدمة والمعرفة، على انتشار الإرهاب في مختلف أنحاء العالم. وتوفر الفراغات في الاستقرار الناجمة عن الصراع في مناطق مثل البلقان وأفغانستان وكولومبيا وبعض البلدان الأفريقية وهي مناطق جاهزة لتدريب الإرهابيين وأنشطة التجنيد، في حين يستغل الإرهابيون في كثير من الأحيان طرق التهريب والاتجار بالمخدرات لدعم العمليات في مختلف أنحاء العالم. ومع تزايد سهولة النقل والاتصالات عبر الحدود الوطنية، واستمرار استعداد دول مثل إيران والعراق لتقديم الدعم، والإيديولوجيات اللاإنسانية التي تمكن من شن هجمات تخلف أعداداً كبيرة من الضحايا، فقد بلغت الإمكانات القاتلة للعنف الإرهابي مستويات جديدة.

لقد برزت منطقة أفغانستان ـ وهي ليست دولة بالمعنى التقليدي ـ وخاصة منذ الانسحاب السوفييتي في عام 1989 كأرض تدريب للإرهابيين. إن باكستان، التي تكافح من أجل تحقيق التوازن بين احتياجاتها للإصلاح السياسي والاقتصادي وأجندتها الدينية المحلية، تقدم المساعدة للجماعات الإرهابية في كل من أفغانستان وكشمير في حين تعمل كمنطقة عبور أخرى بين الشرق الأوسط وجنوب آسيا.

منذ ظهورها في عام 1994، اكتسبت ميليشيا طالبان المدعومة من باكستان في أفغانستان العديد من الخصائص المرتبطة تقليدياً بالدول الراعية للإرهاب، حيث قدمت الدعم اللوجستي ووثائق السفر ومرافق التدريب. وعلى الرغم من أن الجماعات المتطرفة مثل الجهاد الإسلامي المصري، وتنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن، والمتشددين الكشميريين كانوا في أفغانستان قبل طالبان، فإن انتشار سيطرة طالبان شهد تطور الإرهاب القائم على أفغانستان إلى نشاط منسق ومنتشر نسبياً يركز على دعم وتطوير القدرات الإرهابية. ومنذ منتصف تسعينيات القرن العشرين، استخدمت الجماعات الإرهابية المدعومة من باكستان والتي تقاتل في كشمير بشكل متزايد معسكرات التدريب داخل المناطق الخاضعة لسيطرة طالبان. وفي الوقت نفسه، قاتل أعضاء هذه الجماعات، فضلاً عن آلاف الشباب من إقليم الحدود الشمالية الغربية الباكستانية، مع طالبان ضد قوات المعارضة. ولقد شهد هذا النشاط صعود التطرف في أجزاء من باكستان المجاورة لأفغانستان، الأمر الذي زاد من تعقيد قدرة إسلام آباد على فرض سيطرتها على المتشددين. وعلاوة على ذلك، فقد أدى اختلاط الحركات الباكستانية مع طالبان وحلفائها العرب الأفغان إلى تعزيز الروابط بين هذه الجماعات.

ومنذ عام 1989، كان الاستعداد المتزايد للمتطرفين الدينيين لضرب أهداف خارج البلاد أو المناطق الإقليمية المباشرة يؤكد الطبيعة العالمية للإرهاب المعاصر. وتشكل تفجيرات مركز التجارة العالمي عام 1993، وهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 على مركز التجارة العالمي والبنتاغون، نموذجاً لهذا الاتجاه . وتتمثل الجماعات الرئيسية في المرحلة الجديدة من الإرهاب الإسلامي المسلح، فيما يلي:

(*) تنظيم القاعدة (القاعدة): أسسه أسامة بن لادن تقريبا عام 1990، ويهدف تنظيم القاعدة إلى تنسيق شبكة مجاهدين عابرة للحدود الوطنية؛ الهدف المعلن هو “إعادة تأسيس الدولة الإسلامية” في مختلف أنحاء العالم من خلال الإطاحة بالأنظمة الفاسدة في العالم الإسلامي وإزالة الوجود الأجنبي ـ الأميركي والإسرائيلي في المقام الأول ـ من الشرق الأوسط. وقد أصدر أسامة بن لادن ثلاث فتاوى مناهضة للولايات المتحدة تشجع المسلمين على تبني الإسلام.
جيش عدن أبين الإسلامي: يُزعم أن جيش عدن أبين الإسلامي ينتمي إلى حركة الجهاد الإسلامي اليمنية، وقد تورط في أعمال عنف بهدف معلن هو “رفع راية الجهاد ومحاربة العلمانية في اليمن والدول العربية”. وقد أعدم زعيم جيش عدن أبين الإسلامي زين العابدين المحضار لمشاركته في اختطاف 16 سائحًا غربيًا في ديسمبر 1998. وقد قُتل أربعة من الرهائن وأُطلق سراح 13 رهينة آخرين عندما هاجمت قوات الأمن اليمنية المكان الذي كان يُحتجز فيه الرهائن. وفي مارس 1999 حذرت الجماعة السفيرين الأمريكي والبريطاني في اليمن من المغادرة على الفور.
(*) حركة المجاهدين: كانت حركة المجاهدين، التي تتخذ من باكستان مقراً لها، جزءًا سابقًا من حركة الأنصار، وتعمل بشكل أساسي في كشمير. وقد تنحى زعيم الجماعة منذ فترة طويلة، فضل الرحمن خليل، عن منصبه في منتصف فبراير؛ وقد تولى القائد الكشميري الشعبي والرجل الثاني في القيادة فاروق كشميري زمام الأمور. وتولى خليل، الذي ارتبط باسم بن لادن ووقع على فتواه في فبراير 1998 التي تدعو إلى شن هجمات على المصالح الأميركية والغربية.
(*) جيش محمد: توسعت جماعة جيش محمد المتمركزة في باكستان بشكل كبير منذ أن شكلها مولانا مسعود أزهر، زعيم حركة الأنصار المتطرفة السابق، في فبراير 2000. ويتلخص هدف الجماعة في توحيد كشمير مع باكستان. وهي متحالفة سياسياً مع الحزب السياسي المتطرف الموالي لطالبان، جمعية علماء الإسلام. وتحتفظ جماعة جيش محمد بمعسكرات تدريب في أفغانستان. وقد استمدت معظم مواردها المادية من جماعتي حركة الجهاد الإسلامي وحركة المجاهدين. وترتبط جماعة جيش محمد بعلاقات وثيقة مع العرب الأفغان وحركة طالبان. ويشتبه في أن أسامة بن لادن قدم التمويل لجماعة جيش محمد. وأعلنت الجماعة التي تحمل هذا الاسم مسؤوليتها عن الهجوم على المدمرة الأميركية كول.
لشكر طيبة او جيش الصالحين: لشكر طيبة هو الجناح المسلح للمنظمة الدينية الباكستانية، مركز الدعوة والإرشاد – وهي منظمة تبشيرية سنية معادية للولايات المتحدة تأسست عام 1989. وهي واحدة من أكبر ثلاث مجموعات وأفضلها تدريبًا تقاتل في كشمير ضد الهند، وهي غير مرتبطة بحزب سياسي. زعيم لشكر طيبة هو رئيس مركز الدعوة والإرشاد، الأستاذ حافظ محمد سعيد. جميع كوادر لشكر طيبة تقريبًا من الأجانب – معظمهم باكستانيون من المعاهد الدينية في جميع أنحاء البلاد ومحاربون أفغان قدامى في الحروب الأفغانية. تدرب لشكر طيبة مقاتليها في معسكرات تدريب متنقلة في جميع أنحاء كشمير الخاضعة للإدارة الباكستانية وأفغانستان.

وختاما، فان رؤية “تي. جيه كولز” في كتابه ” تصنيع الإرهاب، لا يمكن تجاهلها. وأن دور الولايات المتحدة الأمريكية في تصنيع الإرهاب تحت شعار الدين لا يمكن التغاضي عنه خاصة بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان. والإرهاب الذي صنعته الولايات المتحدة بعد غزو العراق وعدم محاسبتها على الصعيد الدولي لانتهاكاتها المفزعة في سجن بوكا وسجن أبوغريب بالعراق. ودور الأجهزة الأمنية الامريكية وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الغربية في التلاعب وتصنيع الإرهاب في الشرق الأوسط مع عدم تفريقها المتعمد بين المقاومة التي تطالب بحقوقها على أراضيها ضد المحتل وبين الإرهاب الذي يستهدف المدنيين لأسباب دينية او عرقية وفي ظل صعوبة وضع تعريف محدد للإرهاب على الصعيد الدولي.
كما أن وزارة الخارجية الأمريكية تتعمد في منشوراتها الصادرة عنها بشأن الإرهاب أن تعيد تاريخ الإرهاب إلى حركات النضال الفلسطيني حتى وأن شابها بعض الأمور التي لا يمكن تقبلها الآن، إلا انها كانت ظاهرة لابد من الحكم عليها في سياقها التاريخي والدولي حينئذ. وتستغل الأجهزة الأمنية الامريكية البيئة المحلية والإقليمية وممارستها غير النزيهة والتي تولد بيئة غير مواتية لسلوكها السياسي بالمنطقة في القيام بدور المحفز لتزكية الإرهاب والتطرف. وعلى صعيد آخر، تعمل على تعزيز الإسلام المعتدل وفق الرؤية الأمريكية والذي قد يغزى الإرهاب بطريق غير مباشر أيضا. وبذلك تتحرك الولايات المتحدة في هذا الملف وكأنها هي الممسكة لكل الخيوط وبما يحقق مصالحها الانية والاستراتيجية وبصرف النظر عن مصالح دول المنطقة وهو ما يتطلب الدعوة الجادة لعقد مؤتمر دولي لوضع تعريف جامع مانع للرهاب واستصدار قرار اممي يكافح الاسلاموفوبيا ويجرمها حتى يتم تجفيف منابع الإرهاب واستغلال المتطرفين لسيناريو الاضطهاد والمظلومية التي يتعرض لها المسلمين وكذلك العمل على ابتكار مناهج وأساليب عصرية لمواجهة التطرف بالفكر والتقليل من المواجهات الأمنية العنيفة والتي اثبتت التجارب أنها لا تولد إلا موجات متزايدة من العنف والعنف المضاد.

د. مصطفى عيد إبراهيم

خبير العلاقات الدولية والمستشار السابق في وزارة الدفاع الإماراتية، وعمل كمستشار سياسي واقتصادي في سفارة دولة الإمارات بكانبرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى