زيارة الرئيس السيسي إلى تركيا.. قراءة من زاوية أقرب

انتهت زيارة الرئيس السيسي الأولى لتركيا التي بدأت أولى فعالياتها في 4 من سبتمبر الجاري، وتعتبر هذه الزيارة وفقًا لقراءتنا كمتخصصين في الاقتصاد والصناعة، مربحة للطرفين المصري والتركي، فقد تم الاتفاق على تعاون موسع بين البلدين، وهو ما يحقق مزايا اقتصادية ذات منفعة كبيرة على المصريين خاصة خلال السنوات المُقبلة.
لكل متخصص زاوية يقرأ ويُترجم عبرها فاعليات الرؤساء والقمم الكبرى، خاصة بين الدول المؤثرة في محيطها الجيوسياسي، فقراءة الخبراء والباحثين في العلاقات الدولية والنظم السياسية، تختلف كثيرًا عن ما يستنبطه الفاعلون على الأرض من فئة رجال الأعمال والصناع والتنفيذيين، وباعتباري أحد رجال الأعمال المصريين العاملين في قطاع الصناعة، كنت انتظر هذه الزيارة ليس من منطلق برجماتي أو مصلحي ولكن لإدراكنا أن هذه الزيارة ستُغير معادلات ولها انعكاسات تتقارب على المستويين الداخلي والخارجي، وهنا أترك المستوى الخارجي للمتخصصين فيه، وأتطرق إلى انعكاساتها على المستوى الداخلي فقط، خاصة من زوايا المنفعة الجماعية لكل المصريين، وهذا باعتباره الأقرب لي كأحد فواعل الصناعة المصرية.
فبمجرد أن ركب سيادته-الرئيس القائد عبد الفتاح السيسي- طائرته في رحلته إلى أنقره، وعدت نفسي والعاملين معي بالتفرغ لتتبع هذه الزيارة، وكانت أدواتي في المتابعة، هي الصفحة الرسمية للمتحدث الرئاسي، وقناتي القاهرة الإخبارية وإكسترا نيوز، باعتبارهما ممثلي قطاع الأخبار الرسمي في الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي نفتخر بها جميعًا. ففي الأول، وهو ما يجب أن نؤكد عليه، هو أن هذه الزيارة وبتحليل كل ما كتب عنها وما تتبعناه، تُمثل اتجاه مغاير في العلاقات بين البلدين، وتُعمق التعاون الاقتصادي بينهما، خاصة وأنه وفقًا لصفحة المتحدث الرئاسي المصري، تستهدف فرص استثمارية مُشتركة في كافة المجالات، وهو ما يطمئن بتحقيق تكامل إنتاجي واستهلاكي، يخدم المستثمرين والمستهلكين والمصدريين من المصرين والأتراك لمناطق جديدة، يعد أهمها في تقديري القارة الأفريقية، خاصة في مرتكزات الدولتين المصرية والتركية بمنطقة القرن الأفريقي.
والزواية الثانية، التي لابد أن نوضح ملامحها وتجدر الإشارة لها في هذه الزيارة،- هي تعزيز مناخ الاستثمار بين البلدين، فعندما كنت أشاهد قناة القاهرة الإخبارية، شدني تقرير حول الزيارة، تتمثل تفاصيله في أن الطرفين المصري والتركي، اتفقا على اتخاذ إجراءات متنوعة للعمل على إزالة العوائق التي تواجه المُستثمرين والشركات بين رجال الأعمال المصريين والأتراك.
في المُجمل، يعتبر توقيع 17 مذكرة تفاهم بين مصر وتركيا خلال الزيارة، بمثابة نقلة كبيرة في الاقتصادي المصري، لها مجوعة من الدلالات من حيث التوقيت والمحيط الجيواستراتيجي، فوفقًا لمتابعتنا البسيطة لتغطية الزيارة عبر الوسائل الإعلامية المختلفة، فقد تم توقيع مذكرة تفاهم مع شركة ” بولاريس” التركية، لتطوير منطقة صناعية بالعاصمة الإدارية الجديدة، ومذكرة للتعاون في مجال السكك الحديدية، ومذكرة تفاهم في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فضلاً عن توقيع مذكرة تفاهم للتعاون الاقتصادي والعلمي والفني في المجال الزراعي، ومذكرة تفاهم في مجال الصحة والعلوم الطبية.
الصناع والزراع والفاعلون في القطاعات الاقتصادية المتنوعة في مصر، هم أكثر الناس قدرة على قياس مردود هذه الزيارة على الواقع المصري، فمن المحتمل، وهذا في تقديري القائم على تقييم مدروس وقائم على معطيات جديدة، أن يتزايد حجم التبادل التجاري بيننا وبين الأتراك في وقت قريب، بنسبة تزيد عن 25%، بالتالي من المرجح أن يتزايد حجم التبادل التجاري من 3 مليارات دولار، وهو حاصل التبادل خلال الربع الأول من عام 2024 إلى أكثر من 7 مليارات خلال العام المقبل في ظل وجود اتفاقية تجارة حرة بين البلدين. ولا يفوتنا أن نؤكد أيضا على أن زيادة حجم التبادل التجاري دائمًا ما يصاحبه علميًا زيادة في حجم الاستثمار المباشر بين طرفي المعادلة. وعليه، أتوقع أن يترتب على هذه الزيارة، حدوث نمو سريع في حجم الاستثمار المباشر بين مصر وتركيا، خاصة وأن حجم الاستثمار التركي في مصر لا يتناسب مع تطور مستوى العلاقات بين البلدين الذي شاهدنا خلال الأيام السابقة، إذ يبلُغ تقريبا 3 مليار دولار عبر 1700 شركة مختلفة المجالات في جميع أنحاء جمهورية مصر العربية، وبالتالي قد تشهد مصر خلال الفترة المقبلة مزيد من فرص العمل.
ولا يفوتني كمتخصص وأحد رجال الأعمال المصريين العاملين في قطاع الصناعة، خاصة الصناعة الكهربائية والذكية، أن أشير إلى أن هذه الزيارة قد تنعكس بصورة سريعة على الصناعات الثقيلة والاستراتيجية في مصر- أي احتمال توسع نطاقها الجغرافي، وتنوع مصادرها سواء في قطاع صناعة السيارات، فتركيا لديها ميزة تنافسية في هذا القطاع، بالإضافة صناعة الزجاج وصناعة الأجهزة الكهربائية داخل مصر بشكل كبير.
بالتالي، زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تركيا في هذا التوقيت في ظل ما تشهده المنطقة والعالم من اضطرابات متكررة ودائمة في بعض المناطق، توصف بالزيارة الاستراتيجية، خاصة وأنه تم ترجمتها عند الأطراف الدولية والإقليمية والمُترقبين من زوايا مختلفة، كلاً حسب تخوفاته واهتماماته، فالتعاون المصري التركي، في هذا التوقيت إلى جانب انعكاساته الاقتصادية التي شرحناها وتطرقنا لبعضها، فإنه يرمي إلى تنسيق جيواستراتجي هام لا يدرك أبعاده ومستقبله إلا المتخصصين، ففي كل منطقة من الإقليم يتواجد فيها المصري والتركي قد نشهد تشبيك ايجابي بين الطرفين.