ما المتوقع من الانتخابات الرئاسية الموريتانية 2024؟
تجرى اليوم الـ29 من يونيو الجاري الانتخابات الرئاسية الموريتانية، التي يخوضها 7 مرشحين، أهمهم الرئيس المنتهية ولايته “محمد ولد الشيخ الغزواني”، وتُعد هذه الانتخابات ثامن انتخابات رئاسية في البلاد منذ إقرار الدستور عام 1991.
وبحسب المراقبين يعتبر الغزواني من أكثر المرشحين المحتملين بالفوز بولاية ثانية، خاصة وأن “الغزواني” تمكن من تحقيق سياسات تنموية من خلال قيامه بإنشاء مندوبية تآزو التي استفاد منها أكثر من مليون و500 ألف مواطن، فضلاً عن الزيادات في الرواتب والعلاوات التي تم إقرارها قبل ولايته المنتهية، الأمر الذي زايد من شعبيته بين فئة الشباب الموريتاني، فضلاً عن نجاح الرئيس “محمد الغزواني” في استقطاب دعم أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، مثل حزب التكتل بزعامة المعارض السابق “أحمد والداده”، وحزب التحالف الشعبي التقدمي الذي يترأسه “مسعود ولد البلخير”؛ نتيجة للتوترات الجيوسياسية والأمنية المحيطة بالبلاد من الناحيتين الشرقية والجنوبية. كما يحظى” الغزواني” بأغلبية الأعضاء في الجمعية الوطنية، حيث حصل حزب الإنصاف الذي يدعم الرئيس المنتهية ولايته علي 107 مقد من أصل 176 في الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو الماضي.
خريطة المنافسة:
تشهد الانتخابات الرئاسية الموريتانية 2024 تنافس سبعة مرشحين، ووفقًا لقرار المجلس الدستوري الموريتاني في 16 مايو 2024، وذلك بعد الحصول علي التزكيات المطلوبة والتي تضمنت تزكية 100 مستشار بلدي من بينهم 5 عمد علي أن ينتمي المستشارون لأكثرية الولايات، ويُعد أبرز المرشحين الرئيس المنتهية ولايته “محمد ولد الشيخ الغزواني” المُنتمي لحزب الأغلبية والإنصاف، والذي يطمح بالفوز بولاية ثانية بعد فوزه في انتخابات عام 2019 بنسبة 52.01% من أصوات الناخبين، إضافة إلي ست مرشحين من توجهات سياسية مختلفة، وهم بيرام الداه أعبيد المنافس القوي للرئيس محمد الغزواني والذي خاص انتخابات عام 2019 وحصل علي المركز الثاني بنسبة 18.8% من أصوات الناخبين، ورئيس المعارضة ورئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الإخواني “تواصل” حمادي ولد سيدي المختار، ورئيس حزب العدالة والديمقراطية “مامادوباوكار”، والأستاذ الجامعي “أوتوما سوماري”، والمحامي والنائب البرلماني “العيد ولد محمدن“، والخبير المالي “محمد الأمين المرتجى الوافي“.
وعليه، تضمنت المنافسة الانتخابية ثلاثة أحزاب سياسية، وهي: حزب الأغلبية والإنصاف، والحزبي الثاني حزب “تواصل” المُنتمي لجماعة الإخوان، والذي حصل علي عدد 11 مقعدًا من أصل 176 مقعدًا من انتخابات مايو 2023، وأخيرًا حزب التحالف من أجل العدالة والديمقراطية وهو أحد الأحزان المعارضة، وقد احتل هذا الحزب الترتيب الـ 12 من بين 26 حزبًا تنافسوا في الانتخابات الجهوية والبلدية والبرلمانية والتي أجريت في مايو 2023، وفي المقابل ترشح أربع مرشحين مستقلين وأبرزهم “بيرام أعبيد” الذي يمثل حركة “إيرا” الحقوقية المناهضة للرق، من خلال برنامج انتخابي بدعم من القوي المعارضة وتكتل الأحزاب التي لم تتمكن من الحصول علي التزكيات الكافية لخوض السباق الانتخابي.
علاوة علي ما سبق، تم استبعاد الرئيس السابق “محمد ولد عبدالعزيز” من المنافسة في الانتخابات الرئاسية 2024 بقرار من المجلس الدستوري، بعد السماح له بالخروج من السجن وتقديم أوراق ترشحه؛ نتيجة لعدم حصوله علي التزكيات المطلوبة من مستشارين بلديين، وعمد لقبول ملف ترشحه.
تحركات ما قبل التصويت:
بدأت الحملات الانتخابية للمرشحين السبعة منذ 14 يونيو الجاري، ولم تخلو هذه الحملات من أعمال الشغب والتنافس القوي بين مؤدي المرشحين، ويتم توضيح ذلك كالتالي:
(*) تزايد الصراع بين المرشحين والاتهام بالتحيز للرئيس المنتهية ولايته: اشتد التنافس بين المرشحين علي وسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن تزايد الاتهامات بسيطرة الرئيس “محمد الغزواني” علي واجهات اللوحات الإعلانية في العاصمة نواكشوط وباقي المدن الموريتانية، الأمر الذي أدي إلي اتهام اثنان من مرشحي المعارضة للانتخابات، بأن السلطة تنحاز للرئيس المنتهية ولايته.
وعليه، قامت حملة المرشح المعارض “العيد ولد محمدن إمبارك”، باتهام مجموعة من مؤيدي “ولد الشيخ الغزواني” بخلع صور الإعلانات لمرشحهم مقابل وضع صورًا للغزواني، الأمر الذي اعتبرته حملة “ولد محمدن”، انتهاكًا لقواعد الإشهار السياسي، الأمر الذي جعل سلطة تنظيم الإشهار، تقوم بضبط قواعد الإشهار السياسي وقمع المخالفات وفقًا للقانون.
(*) تلقي حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية تحذيرًا: تلقي حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية تحذيرًا من سلطة تنظيم الإشهار؛ بسبب مخالفته للقانون في حملته الإعلانية من خلال تعليق صور علي الأماكن العامة، ومن ثم أكد الحزب استعداده لتنفيذ القوانين التي تنص عليها سلطة تنظيم الإشهار مقابل تطبيق القانون علي جميع المرشحين، حيث اتهم الحزب قيام الرئيس المنتهية ولايته بتعليق صورة أيضًا علي الأماكن العامة.
ومما سبق، أكدت سلطة تنظيم الإشهار عدم انحيازها لأي طرف، مؤكدة علي تطبيقها القانون علي الجميع، وصرحت السلطة أنها رصدت ما يزيد عن 350 مخالفة لقوانين الإشهار من جميع المرشحين وأغلبها من حملة الرئيس المنتهية ولايته “محمد ولد الغزواني”.
(*) تزايد أعمال الشغب في مدينة “نواذيبو”: شهدت مدينة” نواذيبو” ثاني أهم المدن الموريتانية أعمال شغب ليل يوم الإثنين الموافق 24 يونيو الجاري،وذلك من طريق قيام شبان باستهداف حفلاً ينظمه شباب حزب “الإنصاف” الحاكم، دعمًا للرئيس المنتهية ولايته، وقد نتج عن أعمال الشغب إصابات طفيفة،الأمر الذي زاد المخاوف علي سير السباق الانتخابي، ووفقًا لفيديو تم تداوله علي مواقع التواصل الاجتماعي، ظهر الشبان يرمون الحجارة علي المشاركين في الحفل، ويخربون بعض المقاعد والأثاث، وهم يهتفون باسم المرشح المعارض “بيرام الداه أعبيد”، وفي المقابل نفت حملة المرشح المعارض أي يكون لها أي صلة بأعمال الشغب، مؤكدة أن الهدف من هذه العملية هو تشوية صورة “أعبيد”، بينما استبعد الرئيس المنتهية ولايته أن يكون وراء أعمال الشغب أي من المرشحين، وأشار إلي أنها قد تكون مجموعة من اللصوص التي تسعي للنشل والسرقة.
عوامل مؤثرة:
نتيجة للاضطرابات الأمنية والانقلابات العسكرية التي تعاني منها دول الجوار الموريتاني، فضلاً عن الخوف من حدوث أعمال شغب مثلما حدث في انتخابات عام 2019، حدث تحولات في المشهد السياسي للبلاد، حيث اصطفت بعض الأحزاب المعارضة التقليدية إلي الرئيس المنتهية ولايته “محمد ولد الغزواني”، ويتم توضيح ذلك بشكل أكثر تفصيلاً:
(&) الاضطرابات في دول الجوار: تأتي الانتخابات الرئاسية الموريتانية في ظل ظروف مضطربة بين الدول المجاورة للبلاد، ففي الجنوب استطاعت السنغال انتزاع السلطة من القوي العسكرية عبر إدارة الناخبين وصناديق الاقتراع، حيث تم انتخاب المعارض الشاب “باسيروديومايفاي” رئيسًا للسنغال، الأمر الذي يعطي الآمال للمرشح المعارض “بيرام ولد الداه أعبيد” المنافس القوي للرئيس “محمد الغزواني، بالفوز بالانتخابات الرئاسية، أما في الشرق لا تزال مالي تحت سيطرة المجلس العسكري بعد الانقلاب الذي شهدته البلاد، وقد علق المجلس أنشطة الأحزاب السياسية المعارضة في مالي.
يضاف إلي ما سبق، الاضطرابات الأمنية التي تشهدها المناطق الحدودية الموريتانية المالية، حيث جرت العديد من الحوادث الأمنية علي الحدود علي مدار عام 2023، إضافة إلي استهداف عدد من المواطنين الموريتانيين علي الشريط الحدودي في أبريل 2024، الأمر الذي جعل المعارضة التقليدية تدعم الرئيس المنهية ولايته، خوفًا من حدوث أي اضطرابات في البلاد وللحفاظ علي استقرار وأمن البلاد، الأمر الذي يزيد من فرص نجاح مرشح حزب الإنصاف.
وجدير بالذكر، أن موريتانيا شهدت في الفترة من 1978 وحتي 2008 سلسلة من الانقلابات العسكرية قبل انتخابات عام 2019، التي تعد أول انتقال ديمقراطي بين رئيسين منتخبين.
(&) مخاوف أمنية: بحدوث أعمال الشغب في مدينة “نواذيبو”، زادت المخاوف الموريتانية من تكرار أحداث العنف التي حدثت في أعقاب الانتخابات الرئاسية الماضية عام 2019، حينما رفضت المعارضة الاعتراف بالنتائج، إضافة إلي تكرار الأحداث في أعقاب الانتخابات التشريعية المحلية في مايو 2023، حيث اندلعت مظاهرات منددة بالتزوير ومطالبة بإعادة الاقتراع، الأمر الذي تسبب آنذاك في مقتل وإصابة عدد من الأشخاص، فضلاً عن حرق مفوضيات للشرطة في عدة مدن من البلاد؛ ولكن سيطرت قوات الأم آنذاك علي الوضع بسرعة بعد قطع الإنترنت لمدة أيام.
وعليه، قامت السلطات الإدارية والأمنية بمجرد حدوث أعمال شغب في البلاد، بتهدئة الموريتانيون وتأكيدها علي استعداها الكامل لمواجهة أي أعمال شغب. كما أصدر المدير العام للأمن الوطني الجنرال “محمد الشيخ محمد الأمين” يوم الثلاثاء 25 يونيو تعميمًا أمنيًا موجهًا إلي وزارة الداخلية ولجميع المديرين الجهويين المركزيين للأمن ولقائد التجمع الخامس المكلف بحفظ النظام، ولمدير الأمن العمومي، وتضمن التعميم قرار بحظر بيع البنزين في الأوعية المنقولة، وحظر عرض العجلات المستعملة في الشارع العام، وهي مواد تستخدم في المظاهرات وأعمال الشغب، فضلاً عن بدأ الشرطة في جمع العجلات المستعملة المكدسة في الشارع العام، وتخزينها في مكان تشرف عليه السلطات الإدارية.
(*) استقطاب الأحزاب المعارضة: في ظل الأوضاع المضطربة المحيطة بالبلاد، وخاصة الانقلابات العسكرية في دول الجوار والتحولات السياسية التي تشهدها منطقة الساحل والصحراء، حدثت تحولات في المشهد السياسي الموريتاني، وخاصة اصطفاف رئيس المعارضة التقليدية ورئيس تكتل القوي الديمقراطية “أحمد داداه”، ورئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي “مسعود ولد البلخير” إلي جانب الرئيس المنتهية ولايته “محمد ولد الغزواني”، وفي المقابل أعلن رئيس حزب اتحاد قوي التقدم والمرشح السابق للرئاسة الدكتور “محمد ولد مولود” دعمه للمحامي “العيد ولد إمبارك”.
وختامًا، بقراءة المشهد السياسي الموريتاني، فإن الرئيس المنتهية ولايته “محمد ولد الغزواني”، سوف يحظى بولاية ثانية من الجولة الأولي في الانتخابات الرئاسية الجارية، خاصة في ظل اصطفاف بعض الأحزاب المعارضة ودعم الحزب الحاكم وأحزاب الأغلبية للغزواني، فضلاً عن ضعف فرص المرشحين الست وفقًا للمعطيات التي تم ذكرها، إضافة إلي حالة التفكك التي تشهدها القوي الإسلامية، الأمر الذي يضعف من فوز مرشح حزب “تواصل” حمادي ولد سيد المختار.