هل تؤثر الحرب الإيرانية-الإسرائيلية على أصدقاء طهران في إفريقيا؟

في ظل التصعيد غير المسبوق في منطقة الشرق الأوسط، لم تعد القارة الإفريقية بمنأى عن تداعيات الصراع القائم بين إيران وإسرائيل من جهة، وانخراط الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب من جهة أخري، فقد تصاعد التوتر عقب الضربات الإسرائيلية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية في 12 يوليو 2025، وتفاقم الصراع مع إعلان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في 22 يوليو عن قصف مواقع نووية رئيسية في إيران (فوردو، أصفهان، ونطنز).

وبينما ترتكز الأنظار على الساحة الإقليمية المُشتعلة، تُثار التساؤلات حول مدي امتدادات تأثير هذا الصراع خارج الإقليم، وتحديدًا على القارة الإفريقية، لاسيما الدول التي تربطها علاقات استراتيجية مع طهران، مثل بعض دول الساحل والصحراء، وتأتي هذه الأحداث في سياق عالمي متشابك، تتداخل فيه القضايا الأمنية والاقتصادية، مما يعزز احتمال تأثر إفريقيا بشكل غير مباشر، خاصة مع هشاشة بعض اقتصاداتها، واعتمادها على الخارج، وتزايد التنافس الغربي على مواردها.

وتأسيسًا على ما سبق، يطرق هذا التحليل إلى تقدير مواقف أصدقاء إيران في إفريقيا من هذا التصعيد، وتقدير مستوي تأثرهم، مع توضيح تداعيات الأزمة على المدي القريب والبعيد.

مواقف غامضة:

مع بداية الضربات الأمريكية على إيران، لوحظ غياب شبه كامل للمواقف الرسمية من معظم الدول الإفريقية الصديقة التي تربطها علاقات استراتيجية مع إيران، ويمكن تفسير هذا الصمت في ثلاثة أسباب، أولها: قد ترجع إلى خشية الدول الصديقة لإيران من إظهار دعم صريح لطهران خوفًا من العزلة الدولية، ثانيها: تتلقي العديد من الدول الإفريقية المساعدات من الولايات المتحدة، لذلك تتجنب الاصطفاف إلى جانب طهران، ثالثها: قد تخشي بعض الحكومات من إثارة اضطرابات داخلية إذا ما تم التعبير عن تعاطف مع إيران، خاصة في ظل الانقسام المذهبي.

وفي المقابل، أبدت بعض الحكومات الإفريقية مواقف واضحة عقب الضربات الجوية الإسرائيلية على إيران، حيث أدانت كل من جنوب إفريقيا والسودان وموريتانيا وتونس الهجمات الإسرائيلية على طهران، فيما دعت كينيا ونيجيريا إلى التهدئة والحوار. كما اعربت دول أخري مثل الجزائر والسنغال وغينيا بيساو عن قلقها من تصاعد التوتر، بينما التزمت دول أخري الصمت حتي الآن، وخاصة الدول التي تربطها علاقات وثيقة مع إسرائيل مثل رواندا، واتسمت ردود أفعال كل من إثيوبيا وكوت ديفوار والكاميرون بالحياد من أجل الحفاظ على علاقاتهم الاستراتيجية مع تل أبيب، فضلاً عن تجنب التوتر الدبلوماسي مع الولايات المتحدة الداعمة لإسرائيل، حيث لا تزال العديد من الدول تعتمد على تمويل التنمية من واشنطن والاتحاد الأوروبي.

خريطة الدول الصديقة لإيران:

هناك العديد من الدول الإفريقية التي تربطها علاقات استراتيجية مع إيران، يتم توضيحها بشكل مُختصر فيما يلي:

(&) دول غرب إفريقيا (النيجر ومالي وبوركينا فاسو ونيجيريا): نجد أن دول غرب إفريقيا تربطها علاقات وثيقة مع طهران خاصة بعد تراجع النفوذ الأمريكي والفرنسي أثر الانقلابات العسكرية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ففي النيجر تسعي طهران للحصول على اليورانيوم مقابل السلاح والتعاون في مجالات متعدد، حيث افتتحت نيامي سفارة لها في طهران في يناير 2024، ورافق ذلك مفاوضات بشأن اليورانيوم، وفي بوركينا فاسو وقع البلدين اتفاقيات اقتصادية في الطاقة والتعدين، أما مالي تتلقي دعمًا عسكريًا من إيران لمكافحة الإرهاب، بينما تحتفظ نيجيريا بعلاقات تجارية متقدمة مع طهران، وأن كانت مهددة بسبب دعم إيران للحركة الإسلامية النيجيرية.

(&) دول القرن الإفريقي (إريتريا وإثيوبيا والصومال وجيبوتي والسودان وكينيا وأوغندا): سعت إيران مرارًا إلى ترسيخ وجودها في دول القرن الإفريقي نظرًا لموقعها الاستراتيجي على البحر الأحمر وخليج عدن، حيث بنت علاقات قوية مع إريتريا عبر اتفاق لإقامة قاعدة عسكرية في ميناء عصب مقابل مساعدات اقتصادية، ودعمت إثيوبيا ضد جبهة تيجراي. أما في الصومال دعمت حركة الشباب لزعزعة النفوذ الغربي ونشر الفكر الشيعي، وأعادت علاقاتها مع جيبوتي في سبتمبر 2023 بعد قطعية استمرت قرابة 8 سنوات. كما وقعت مذكرات تفاهم مع أوغندا في 2023، ولكن لم تكتمل، فيما اتفقت طهران وكينيا على إنشاء مصنع لتصنيع السيارات في مدينة “مومباسا” الساحلية وغيرها من المشاريع الاقتصادية، بالإضافة إلى استعادة طهران لعلاقاتها مع السودان، مع سعيها للحصول على قاعدة بحرية في بورتسودان.

(&) دول جنوب إفريقيا: تحتفظ إيران بعلاقات استراتيجية مع جنوب إفريقيا، التي تدعم طهران في ملفها النووي وتساندها في المحافل الدولية، كما وقعت الدولتين اتفاقيات اقتصادية وعسكرية، بينما في زيمبابوي تم توقيع 12 اتفاقية في مجالات الطاقة والاتصالات خلال زيارة رئيسي للبلاد في 2023، وسعت إيران للحصول على مخزونات اليورانيوم  في زيمبابوي، ولكن دون نتائج ملموسة حتى الآن.

(&) شمال إفريقيا: ترتبط إيران بعلاقات قوية مع الجزائر التي تدعم موقفها في البرنامج النووي وتشاركها الموقف العدائي تجاه إسرائيل.

تداعيات مُحتملة:

ثمة تداعيات مُحتملة من الحرب الإيرانية-الإسرائيلية، يمكن توضيح أبرزها فيما يلي:

(*) احتمالات حدوث توقف مؤقت للمشاريع الاقتصادية والدعم الإيراني في إفريقيا: قد تتوقف أو تتقلص بعض المشاريع الاقتصادية الإيرانية في إفريقيا، مع امكانية انخفاض بعض المساعدات والتمويل الإيراني للمؤسسات الدينية والتعليمية، نتيجة تركيز طهران على الداخل الإيراني وتكاليف الحرب، فضلاً عن احتمالية تعطيل تنفيذ الاتفاقيات المُوقعة مع دول مثل زيمبابوي وأوغندا بسبب التخوف من استهداف مصالح طهران.

(*) احتمالات خطر استهداف المصالح الإيرانية في إفريقية: من المحتمل أن يتم استهداف المصالح الإيرانية من قبل وكلاء إسرائيليين أو مدعومين من الغرب، مما قد يهدد المراكز الثقافية والاقتصادية الإيرانية. كما قد تهدد هذه التطورات بتقويض النفوذ الإيراني المتنامي في إفريقيا منذ يوليو 2023 أثناء زيارات الرئيس السابق “إبراهيم رئيسي” إلى كينيا وأوغندا وزيمبابوي، فضلاً عن احتمالية توقف الشراكات الإيرانية مع هذه الدول بشكل مؤقت وسط تحولات قد تُعيد تشكيل الحسابات الإستراتيجية للدول الإفريقية في ظل نظام عالمي مضطرب.

(*) تزايد الضغوط الخارجية: قد يرجع تجنب الاصطفاف العلني لإيران من بعض الدول الإفريقية الصديقة لها، خوفاً من فقدان الدعم الغربي، لذلك قد تشهد العلاقات الإفريقية-الإيرانية مع طهران جمودًا مؤقتًا أو إعادة تقييم، خاصة وأن الدول الإفريقية قد تواجه ضغوطًا أمريكية أو إسرائيلية غير مُعلنة لتحجيم التعاون مع إيران، خاصة وأن بعض المحللين حذروا من أن بعض الدول الإفريقية التي تربطها شراكات  استراتيجية مع إيران، مثل النيجر وبوركينا فاسو، قد تواجه ضغوطًا متزايدة في مواقفها الخارجية، في ظل اعتمادها على التمويل الغربي والمساعدات التنموية البديلة.

(*) احتمالات عدم استقرار سعر النفط: من المُحتمل أن يشهد سعر النفط حالة من عدم الاستقرار خلال الفترة المُقبلة، وهذا يتوقف على احتمالية إغلاق مضيق هرمز، حيث يمر خُمس استهلال العالم من النفط عبر مضيق هرمز، الذي يعد بوابة للخروج من الخليج العربي، كما توقع المحللين أن يرتفع سعر البرميل من  3 إلى 5 دولارات، فيما توقع “بنك جي بي مورجان” أن يرتفع سعر النفط إلى 130 دولارًا إذا تم إغلاق مضيق هرمز لفترة طويلة. ومع ذلك، فإن أسعار النفط حالياً منخفضة، والأسواق العالمية تشهد وفرة في الإمدادات، لذلك من المرجح أن يكون هذا التأثير محدودًا وقصير الأمد، ويتوقف على احتمالية إغلاق مضيق هرمز من عدمه.

(*) احتمالات تهديد أمن الدول المجاورة للبحر الأحمر: من المحتمل أن تتصاعد الضربات اليمنية للحوثيين على سفن الشحن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، بالتزامن مع تنامي  الوجود العسكري الأمريكي من تهديد أمن الدول الإفريقية، خاصة إريتريا وجيبوتي والسودان والصومال، والتي تعتمد على الاستقرار البحري لتأمين موانئها واقتصاداتها.

(*) احتملات تأثر حركة الموانئ وارتفاع تكاليف النقل: نتيجة للحرب المُشتعلة بين إيران وإسرائيل، قد تتأثر موانئ بورتسودان وجيبوتي ومصوع؛ نظرًا للقرب الجغرافي من مناطق الهجمات، مما قد يدفع المستثمرين وشركات الشحن إلى تقليص الاعتماد على هذه الموانئ، وهو ما يُضعف موارد الدول المستضعفة، خاصة وإن تصاعد المخاطر الجيوسياسية تسببت بالفعل في دفع شركات الشحن الدولية في تغيير مساراتها نحو رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي تسبب في ارتفاع تكاليف الشحن وزيادة مدة الشحن، الأمر الذي يفاقم الأعباء على الدول الهشة اقتصاديًا في دول مثل السودان وإثيوبيا والصومال، لذلك قد تؤثر هذه التحولات سلبًا على الأمن الغذائي وارتفاع أسعار السلع؛ نظرًا لاعتماد تلك الدول على الواردات التي تمر عبر الممرات البحرية الذي تشهد اضطرابات متزايدة.

(*) تصاعد التنظيمات الإرهابية: تُهدد الحرب الإسرائيلية- الإيرانية من تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية في القارة السمراء وتحديدًا في دول الساحل والقرن الإفريقي، خاصة وأن حروب الشرق الأوسط سبق وأن تسببت في تصدير الفكر المتطرف إلى القارة، لذلك فإن الحروب الطويلة قد تعزز من التجنيد والتطرف في المناطق الهشة أمنيًا في مناطق مثل شمال غانا وبحيرة تشاد والصومال المعرضة لتصاعد العنف، مما قد يعمق الأزمات الإنسانية  ويُقوض الاستقرار الإقليمي للدول الإفريقية.

ومما سبق، قد تُؤثر الحرب على أهداف إيران في إفريقيا، خاصة التحكم في الممرات المائية، فمع ارتفاع التوتر في البحر الأحمر قد يدفع دول القرن الإفريقي لإعادة النظر في تعاونها مع طهران، فضلاً عن احتمالية تراجع فرص طهران في الحصول على اليورانيوم من النيجر نتيجة الضغوط الدولية، مع امكانية ازدياد مقاومة التيارات السلفية لمنع نشر الفكر الشيعي في بعض الدول الإفريقية، خاصة الصومال ونيجيريا.

كما أن علاقات إيران مع إفريقيا محدودة وضعيفة للغاية، إذا لم تُسجل تطورات تذكر باستثناء خطوة واحدة، تمثلت في افتتاح النيجر سفارة لها في طهران في يناير 2024، ورافق ذلك مفاوضات بشأن الحصول على اليورانيوم، وهو ما أثار قلق الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن الوجود الإيراني في القارة لا يزال هامشياً، ويقتصر على عدد قليل من السفارات ذات الطواقم الدبلوماسية المحدودة، خاصة في المناطق ذات الغالبية السنية في شرق إفريقيا ومنطقة الساحل، وتركز طهران في تحركاتها داخل بعض الدول الإفريقية على نشر المذهب الشيعي، لذلك نجد أن إيران لا تكرس موارد كافية لتطوير سياسة خارجية فاعلة وممنهجة تجاه إفريقيا، مما يجعل تأثير أي تطورات في الشرق الأوسط على القارة محدودًا للغاية نتيجة ضعف الحضور الدبلوماسي الإيراني فيها.

ختامًا، يمكن القول إن القارة الإفريقية تبدو أمام مفترق طرق يتطلب قدرًا عاليًا من الحذر والبراجماتية في إدارة علاقاتها وتحالفاتها الخارجية، فبينما تتصاعد التوترات في الشرق الأوسط، تفرض الأزمات العالمية نفسها على الداخل الإفريقي، خاصة وأن التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل وأمريكا، لم يُعد حدثًا بعيدًا عن القارة بل كشف عن مدي هشاشة البنية الاستراتيجية الإفريقية، واعتمادها الكبير على الخارج في مجالات حيوية كالأمن والطاقة والتمويل، مما يستدعي تعزيز القدرة الذاتية للدول الإفريقية على الصمود والتكيف، وبناء سياسات خارجية متوازنة تضمن أمنها واستقرارها دون الانخراط في صراعات لم تخدم استقرار القارة.

عبير مجدي

عبير مجدي- باحثة متدربة بمركز رع للدراسات الاستراتيجية، عملت متدربة حتى انتهت مدة تدريبها في مارس ٢٠٢٥.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى