حالة أطفال النزوح بالعالم العربي في عام 2023
افتتاحية العدد الرابع من "مساحات فكرية"
لا يمكن قبول ما يحدث لأطفال النزوح بالعالم العربي منذ العام الماضي على أنه “حالة طبيعية”، فمن سوريا إلى اليمن إلى السودان إلى فلسطين، وحال أطفال النزوح في أسوء صورة، بل يعبر عن أزمة أخلاقية في الوقت الراهن، تشير إلى خذلان العالم لأطفاله، وعجزه عن محاسبة الجناة المتسببين في الواقع المرير الذي يعيشه هؤلاء في مناطق نزوحهم.
وأكد تقرير صادر عن مؤسسة “أنقذوا الأطفال”، في فبراير 2024 أن أكثر من 10 ملايين طفل أجبروا على الفرار من منازلهم خلال عام 2023، وكان الأطفال في السودان والصومال هم الأكثر تضررا. وأن إجمالي عدد الأطفال النازحين عالمياً بلغ أكثر من 50 مليونا.
حُرم الأطفال النازحين في هذه الدول من بيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم والخدمات الأخرى التي توفر لهم أساسيات الحياة، فقد حمل تقرير صادر عن “يونيسف” (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) في 14 فبراير الماضي، عنوانًا مخيفًا، هو أن “أطفال غزة يحتاجون إلى الدعم المنقذ للحياة”، وهو ما يعني اعتراض “يونيسيف” على واقع النازحين من الأطفال في غزة، وعدم قبولها صمت دول العالم تجاههم، مؤكدة أن السبل تقطعت بأكثر من 600 ألف طفل، أي نصف عدد السكان النازحين في رفح، ليس لديهم مكان آمن يذهبون إليه.
وفقا للتقرير السابق ذكره، فإن ما يقرب من 850 طفلًا في قطاع غزة هُجّروا داخلياً، ولا يحصلون على ما يكفي من الماء والغذاء والوقود والدواء، أي محرومون من الخدمات الأساسية، وتُمنع عن بعضهم المساعدات الإنسانية. فالبنية التحتية المدنية مثل الملاجئ والمرافق الصحية والتعليمية والكهربائية والمياه والصرف الصحي، التي يحتاجها الأطفال النازحين لم تحترم ولم تُحمى من أفعال جيش الاحتلال، حتى الكوادر الطبية التي تتنقل إلى أماكن نزوحهم لمنع تفشي الأمراض بينهم وتقديم الرعاية للمرضى والجرحى منهم، تظل مهددة حتى لا تقوم بدورها.
لقد أكدت “يونيسيف” في أخر تقاريرها أن الأطفال النازحين من ضربات جيش الاحتلال الإسرائيلي، يواجهون تهديدًا ثلاثيًا مميتًا لحياتهم، مع ارتفاع حالات الإصابة بالأمراض، وانخفاض التغذية، واستمرار التصعيد. ووفقًا للتقرير تعرض الأطفال النازحون في غزة وأسرهم للهجوم في الأماكن التي يفترض أن يكونوا فيها في أمان — مثل مراكز الإيواء وأماكن العبادة. لقد فقد النازحون إمكانية الحصول على المياه الصالحة للشرب والوصول إلى المراحيض والحمامات، وأصبح هؤلاء الأطفال وأسرهم يعجزون عن الحفاظ على مستويات النظافة الصحية اللازمة للوقاية من الأمراض والإسهال المزمن — وهو أهم أسباب وفاة الأطفال الصغار في أماكن النزوح. ورغم هذه المخاطر الشرسة، لا تصل المساعدات إلى جميع الأطفال. فيوماً بعد يوم، تواجه اليونيسف وشركاؤها ثلاثة تحديات رئيسية في الوصول إلى من هم في أمس الحاجة، هي “السلامة” و”الجوانب اللوجستية” و”القيود المفروضة على السلع التجارية”.
من فلسطين إلى السودان، تبدو حالة الأطفال النازحون أكثر قسوة، دون إعلامي يُسلط عليهم، فقد دعا تقرير صادر عن “اليونيسف” في فبراير 2024، دول العالم إلى عدم غض الطرف عن مأساة أطفال السودان التي أصبحت أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم، بعد مرور أكثر من ثلاثمائة يوم على الحرب وتسببت في موجة من الفظائع ضد أطفال السودان. ووفقًا للمتحدث باسم اليونيسف “جيمس إلدر” فإن منذ اندلاع الحرب في السودان، أدى إلى تهجير أربعة ملايين طفل سوداني- أي 13,000 طفل كل يوم لمدة 300 يوم، مشيرًا في تصريح أدلى به لبعض وسائل الإعلام، إلى أن الأمل تلاشى وفقد الناس الأمان والممتلكات، فيما انفصل الأصدقاء وأفراد الأسر عن بعضهم البعض أو فقدوا. وأشار “جيمس إلدر” إلى أن أكثر من 700 ألف طفل من النازحين السودانيين من المحتمل أن يعانوا من أخطر أشكال سوء التغذية هذا العام، ومن المرجح أن يموت عشرات الآلاف منهم”.
إن ما يهدد حياة الأطفال النازحون في السودان، هو عدم وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومستدام ودون عوائق عبر خطوط النزاع وعبر الحدود، كذلك تراجع مستوى تقديم الدعم الدولي للمساعدة في الحفاظ على الخدمات الأساسية التي يعتمد عليها الأطفال للبقاء على قيد الحياة. وبالتالي يعتبر الأطفال في السودان، هم أبرز ضحايا الحرب الدائرة، لما لها من تأثيرات على حياة النازحين منهم، مثل الصحة الجسدية، حيث يعتبر الأطفال أكثر عرضةً لسوء التغذية والأمراض المعدية والإصابات الناجمة عن العنف، كما قد يعاني الأطفال النازحون من أعراض الصدمة مثل القلق أو الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة، وقد يجدون أيضاً صعوبة في النوم أو التركيز أو الشعور بالأمان. فالنزوح في السودان لا يؤدي إلى فصل الأطفال عن عائلاتهم فقط، بل تجنيدهم في جماعات مسلحة أو تعرضهم لأشكال مختلفة من العنف.
ومن السودان إلى سوريا، فقد أكد بيان صحفي صادر عن “اليونسيف” في منتصف مارس 2024، أنه بعد ثلاثة عشر عامًا من النزاع في سوريا، يحتاج حوالي 7.5 مليون طفل سوري إلى المساعدة الإنسانية – أكثر من أي وقت آخر خلال النزاع. وقالت المديرة الإقليمية لليونيسف، “أديل خضر” إن “الواقع المحزن هو أن العديد من الأطفال في سوريا اليوم، وفي الأيام المقبلة، سيحتفلون بعيد ميلادهم الثالث عشر، ويصبحون يافعين، مع العلم أن طفولتهم بأكملها حتى الآن قد اتسمت بالنزاع والنزوح والحرمان”. وأكد بيان “يونسيف” أن ما يقرب من نصف الأطفال في سن الدراسة البالغ عددهم 5.5 مليون طفل – حوالي 2.4 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و17 سنة – خارج المدرسة.
وأكد أخر تقرير صادر عن “اليونسيف” في نهاية عام 2023، أنه في عام 2023، قبل الزلازل المميتة التي ضربت سوريا في 6 فبراير 2023، كان أكثر من 3.75 مليون طفل في جميع أنحاء البلاد بحاجة إلى مساعدات غذائية بينما كان حوالي 7 ملايين طفل عبر البلاد بحاجة إلى مساعدة إنسانية عاجلة. وفي ذات التقرير، قالت المديرة الإقليمية لليونيسف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “إنها مسؤوليتنا جميعاً أن نؤكد للأطفال أن مستقبلهم هو أولويتنا” وأضافت “يجب أن نستجيب لاحتياجات الأطفال أينما كانوا في جميع أنحاء سوريا وأن ندعم الأنظمة التي تقوم عليها الخدمات الأساسية التي يحتاجونها بشدة”.
وقالت جابرييلا وايجمان، مديرة الشؤون الإنسانية العالمية لمنظمة إنقاذ الطفولة، إنه “في جميع أنحاء العالم، يعيش واحد من كل 73 شخصًا بعيدًا عن منازلهم بسبب النزوح القسري، سواء كان ذلك بسبب النزاع أو بسبب الكوارث المرتبطة بالمناخ، وهي نسبة تضاعفت تقريبًا في السنوات العشر الماضية، مؤكدة أن للنزوح أوجه متعددة، حيث نفس الشيء يُجبر الأطفال على مغادرة منازلهم مرارًا وتكرارًا، وهو أمر محزن بالنسبة للعديد من الأطفال في أماكن مثل غزة وسوريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وتابعت “على الرغم من أن الإحصائيات هائلة، إلا أن الطفل النازح ليس مجرد رقم.
لقد تعرضت 68% من المخيمات في الشمال السوري لفيضانات وغرقت الخيم، كما شهدت 61%من المخيمات تمزق واقتلاع الخيم نتيجة الرياح العاتية والأمطار، خلال الأشهر النصف الثاني من 2023، إذ تكشف النسب والإحصائيات عن واقع حقيقي ومؤلم يعيشه المدنيون في مخيمات التهجير مع كل شتاء يمر عليهم. واختصرت ماريكسي ميركادو، المتحدثة باسم “اليونيسيف”، الحال الذي يعيشه أطفال سوريا بقولها “وحدهم الأطفال في سوريا يتحملون الجزء الأكبر من المأساة، رغم أنهم لا علاقة لهم على الإطلاق بهذا النزاع، لكنهم يتحملون وطأة الصراع.. جيل كامل لم يعرف شيئا الآن سوى الحرب، فكيف يمكن أن يكون هذا شيئا جيدا لأي شخص؟”.
ومن سوريا إلى اليمن، يظل وضع الأطفال النازحون أكثر خطورة، وتأثيرا على مستقبل التركيبة الاجتماعية في اليمن، فقد أفاد تقرير صادر عن “اليونيسيف” في فبراير 2024، أن إجمالي عدد النازحين من الأطفال في كافة مناطق اليمن منذ تصاعد الحرب عام 2015، بلغ نحو1.3 مليون طفل، وأنه وسط النزوح والظروف الاقتصادية القاسية، يلجأ أغلب الأطفال غير الملتحقين بالمدارس للانخراط في عمالة الأطفال أو في الأعمال المنزلية من أجل البقاء وإعالة أسرهم، مما يزيد من صعوبة تعويض سنوات التعليم الضائعة. وأفادت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في اليمن، بأن خُمس الأطفال النازحين في سن الدراسة محرومون من حقهم في الحصول على التعليم، فيما أكثر من ثلاثة أرباع مخيمات النزوح في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً لا تضم بداخلها مدارس.
ووفقًا لتقرير “الاحتياجات الإنسانية للنازحين 2023” الصادر عن الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين باليمن، فإن 103,396 طفل نازح ممن هم في سن الدراسة غير ملتحق بالتعليم، أكثر من نصفهم من الإناث، وبوقع 54,078 طفلة، مقابل 49,318 من الأطفال الذكور. وأضاف التقرير بأن الأطفال المحرومين من التعليم يمثلون نسبة حوالي 20.3% من إجمالي الأطفال النازحين ممن هم في سن الدراسة، والبالغ عددهم 510,151 طفل، منهم 252,379 ذكر، و257,772 أنثى.
ووفقًا لـ”يونيسيف” فإن النزاع المسلح الذي طال أمده في اليمن والأزمة الإنسانية الناجمة عنه، يؤثر بشدة على أكثر من 3.1 مليون طفل نازح داخليا. كما حذرت منظمة “أنقذوا الأطفال” قرب نهاية مارس 2024 من أن اثنين من كل خمسة أطفال يمنيين لا يلتحقون بالمدارس، رغم تراجع حدة القتال في العامين الماضيين في البلد الغارق في نزاع منذ قرابة عقد. ونبهت المنظمة في بيان حول تقرير جديد أعدته، إلى أن “احتمال أن يترك الأطفال النازحون المدارس أكبر مرّتين مقارنة بأقرانهم”، مبينة أن العنف المستمر والأزمة الاقتصادية الحادة الناجمة عن النزاع، دفعا 4,5 مليون شخص من أصل 33 مليون يمني (14%)، إلى “النزوح، بعضهم عدة مرات”.
وقالت الباحثة اليمنية، هدى الزبيري، إن “تأثير النزوح على الأطفال قد يكون له آثار طويلة الأمد على صحتهم الجسمانية أو النفسية، وهناك ما يقرب من 4.5 مليون نازح، منهم 80% من الأطفال والنساء. وأكدت الباحثة في دراستها الصادرة في فبراير 2024، أن هناك آثارًا ناتجة عن نزوح الأطفال، ذكرت منها التعرض للخطر الجسدي والنفسي والاستغلال، بما ذلك التعرض للاتجار البشري، أو يكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض نفسية، كالاكتئاب والقلق والانفصام الذي يصاحبهم إلى مرحلة الرشد. وأشارت ” الزبيري” في دراستها إلى أن الأطفال النازحون، يواجهون تمييزًا عنصريًا، وخاصة في الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليمية. وذكرت الباحثة في دراستها أن الإحصائيات حول آثار النزوح على الأطفال تشير إلى أن ما يقارب من 500,000 طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد مما يعرضهم للموت. ويتعرض الأطفال النازحون للاستغلال الجنسي والنفسي والجسدي بشكل متزايد، ويضطر العديد منهم إلى العمل في وظائف خطرة”.
ومن اليمن إلى الصومال، نشير إلى أن هذا البلد شهد ثاني أكبر عدد من الأطفال النازحين في عام 2023، ويرجع ذلك في الغالب إلى الفيضانات والجفاف والصراع وانعدام الأمن. ومن المحتمل أن يصل عدد الأطفال النازحين في الصومال حتى نهاية الربع الأول من عام 2024 إلى ما يقرب من 1.6 مليون طفل إضافي، وهو ما يرفع من إجمالي عدد الأطفال النازحين في الصومال إلى 2.4 مليون.
للاطلاع على العدد كاملاً يمكن فتح الرابط التالي: مساحات فكرية العدد الرابع- مارس 2024